زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) - نسخه متنی

ام الحسنین البغدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




فساعد اللَّه قلبك سيدتي، و انت ترين عظم المصاب، الذي فدح الاسلام.


فهبت رياح شديدة، و عوت عاصفة، كذئب جائع، ثم اخذت السحب السوداء الكثيفة، تَحجب السماء و زرقتها، و تنشر غبرة لفعتها الاحزان تلفيعا، (واحسرتاه عليك يا خديجة العطاء والخير والايثار).


.. و من هناك و ليس ببعيد، يحفر قبر المؤمنة و رافق الجو غبار مصحوب بذرات الثرى، التي تعصف بها الريح من هنا و هناك، و ما كان للنبي المفجوع ان يترك زوجته، إلّا أن يجلس بقربها و هي مسجاة ميتة و لسانه يرتل ما تيسر من القرآن الكريم. حتى انزلها لحدها، ثم استعبر بعد ذلك لسانه الشريف، في حين دموعه تجري على خديه، فقال:


(اللهم اشهد إنها جاهدت إلى الرمق الأخير، و ما اغضبتني يوماً.. و اول من آمن بي بعد أن كذبني الناس، و أوّل مَن اعطت بعدما منعوني).


.. ثم حثى التراب على جسدها الطاهر الذي كانت الحياة تنبض فيه متيمماً بذكر اللَّه..


فهنيئاً لك الجنة، والسلام عليك يوم ولدت، و يوم مت، و يوم تبعثين حية. (يا حبيبة الاسلام).


أجل سيدتي اُهيل الثرى على عيني اُمك التي ما فارقتها العبرات و الدموع و هي محدقة فيك و كأني سيدتي اشهد ذلك المنظر؛ و كأن خيال عظيم يشع منه نور فائض يتلألأ، فوق صفحة قبر خديجة كأنه صار يلتهب و يضطرم كجمرة من الحزن في افئدة الموتورين.. و وئيداً وئيداً أخذ يهبط من عليائه.. عند ذلك بدأ يعظم نوره، كلما ازداد هبوطه، حتى اذا لم يبق بينه و بين الارض ميل أو بعض ميل انتفض انتفاضاً شديداً.


بلى أنه ملك من ملائكة السماء هبط بنور اللَّه، و جلاله ليضم إليه خديجة، فيؤنس وحشتها و يضى ء قبرها بعدما تعالى منه نور رداء رسول اللَّه من بين سقوفه.


هدية السماء لخديجة الكبرى



.. كانت انفاس فاطمة تكاد ان تختنق لشدة بكائها على فراق اُمها و هي ما تزال قائمة بجنب القبر، تهمس فيه، و كان فؤادها كأنه نار ملتهبة و عبرات تستفيق كلما وجلت قليلاً عن البكاء.


و ما كان لابيها ان يمنعها لانه عارف بقلب ابنته، و مدى الحزن الذي داهمها فما ابتدر منه، إلّا ان يرفعها اليه و يضمها الى صدره المحزون، المتدفق بالشجون عله يسدل عليها جزءاً من الراحة.


لكن صراخ فاطمة و انينها ليس بالهين عليه، و هو ينظر الى حبيبة فيرى انفاسها تكاد ان تتقطع و حسراتها تزداد كل حين، فأشفق عليها و رفع رأسه الى السماء يطلب من اللَّه ان يصبرها بفيض رحمته..


.. فما ان دعى النبي حتى ان رأى ابنته ترمقه رمقة من بين عينيها المغرورقتين بالدموع و قد سكنت قليلاً، و كأنها تحس بشي ء غار في اعماقها فجلى جزءاً من حزنها.


فنظر نحوها الأب فراى النور ينبعث من اعماقها.. و سمع خفيف اجنحة جبرائيل تقترب منه، حتى صارت ترفرف فوق رأسه الشريف.. ثم قال بصوت حزن تمزجه غبطة:


«يا رسول اللَّه ان ربك يأمرك ان تقرأ على فاطمة السلام، و تقول لها: اُمك في بيت من قصب، كعابه من ذهب، و اعمدته من ياقوت أحمر، بين آسية امرأة فرعون، و مريم بنت عمران».


..رفعت الزهراء برأسها الجميل، و قد بانت عليها مسحة قبول و رضا، ثم اخذت اصابعها تجفف ما قد علق بها من الدموع والتراب.. وانفتحت اساريرها بالاستبشار، ثم مانئت تقول و قد علاها نوراً أبهراً:


«اللَّه هو السلام و منه السلام و إليه يعود السلام».


(اللَّه) يا مولاتي ما اروع و أكمل هذه الكلمات التي تلفّظها لسانك العذب.


.. هدأت بنت الرسالة، سكن دمعها المعلق بمحجر العين، و تحول الى بشرى لِما رأت من جلال و رفعة لاُمها عند ذاالعرش العظيم لكن؟!


هل يا ترى فاطمة نسيت المها و حنينها الى اُم ترعاها؛ أم انها نسيت ما يعاني ابيها، و الاسلام مهدد مطارد و قد فقد ناصريه و هو بعد ما يزال في بدايات الطريق فخلف جزءاً عظيماً و مهماً فيه.


هو عام سوف لن ينساه المسلمون ابداً، العام الذي رحل فيه أبوطالب و خديجة، فكان المصاب الجلل الذي حل بالاسلام.


فلا تنسى كل هذا، لكنها سوف تحل محل هؤلاء كي يستمر انتشار دين الحق في ارجاء العالم.. و تلك مهمة صعبة، لكن الزهراء بقوة ايمانها و شخصيتها سوف تقوم بهذا الدور الرسالي على اكمل وجه في انجاز ما قد صمّمت عليه.


فاطمة البنت: أم أبيها



.. و ها انا معك من جديد، لا قلب الصفحات فأعود لألتقي بتلك العينين الرائعتين، واللتين هما دوماً ترسلان حزماً من نور تطبع هالاته على كل كيانه، الذي ظل وحيداً بعد فراق قلب امه.. بل لقد صارت عيناك تنظر الى الدرب الذي يقدم من عنده محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم لتطبع على و جناته الشريفة قبلة ممزوجة بالحب والسعادة اذ تستقبلينه سيدتي مُرحبة به كاستقبال ام حنون لولدها الغائب عن الديار.


و ها انت ترتعين و تنعمين بقربه تمسحين على عينيه كي تريحين فؤاده الذي اتعبته اعاصير قومه من مجافاتهم لدينه الجديد.


.. فياليت شعري سيدتي ان اتحدث عن قلبيكما اللذان ارتبطا بأوثق صلة من المودة والحب الذي حدد منطلقه من درب الايمان.


و ها هو محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم تأخذه سكينة و هيبة، و هو يتتبع بنظراته وجهك الذي بانت عليه خطوط من الالم والحزن، و انت تمررين بيديك الصغيرتين على وجهه، تمسحين عنه التراب، ثم تأخذين بمداواة جراحاته، و دموعك تبلل معصميه و انت منكبة عليه تقللين من همه و ما اصابه من المشركين.


فتفتر شفتاه الشريفتان عن بسمة فياضة، و هو يرى فيك طيف خديجة الراحلة و عظمة انتمائك له، كبنت لا تهزها قوى الشر مهما كانت بل هي عضيدة له في كل معضلة.


فبعد افتقاد النبي لأبى طالب حل محله (علي) ولده يصد عنه سهام الغدر.


وها هي فاطمة تحل محل خديجة، بل هي صارت تمثل دورين مهمين في حياة النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم: دور العضيدة والمناصرة، و دور الام التي تسهر ليلها من أجل ولدها، فتحنوا عليه كحنو الام، و تسدل عليه ارهف العواطف و الاحاسيس التي تهون عليه و تصبره.


فما يمر ليل من الليالي الليلاء، الا و انت بقربه تصغين للوحي و تستنشقين رائحة الملكوت من بين اجنحة جبرائيل.. و ما ان يشرق صباحاً مصطحباً معه اذى القوم في جسده الشريف الا و انت تداوين جراحاته. اجل هذا هو الحب، الذي عم وجود كما، بطهر و صفاء و نقاء.


و هكذا مرت السنون و الايام، و هي تعصف بك و انت تحملين معك اسمى معالم الحكمة و العلم و الصبر.


و في حين آخر تختلين لنفس فتستعينين بالدموع علها تصب بعض الراحة عليك، و لما يختلج قلبك من معاناة و آلام على مدى متاعب الرسول و قلة ناصريه فتبكين امرين فراقك خديجة الام. و قلبك المتحسر بالعبرات على ابيك.


فلسانك هو دوماً مشغول بالدعاء لسلامته، و حفظه من الاعداء فما كنت سيدتي الا ريحانة حقيقية، و قرة عين لابيك فما تركتْ خديجة لمحمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم الا بضعة منه، من دمه و لحمه..


فهي سلوى للنبي و ساعد متين قوي، رغم صغر سنها.


و فعلاً سيدتي انت كذلك، حينما كنت تدخلين المسجد شاتمة اعداء الدين بادية عبسة يرهبها الكفار، و انت تطردينهم و تفرقينهم، و تأمرينهم بالكف عن مزاحهم الذي يعذبون به الرسول الكريم.. فالسلأ الشائكة التي كانوا يضعونها على ظهر ابيك، انت التي كنت تتناولينها بيديك الصغيرتين الضعيفتين لترفعيها عنه صلى اللَّه عليه و آله و سلم ثم تلين اليه لتمسحين عنه الدم و التراب، و تقبلينه و تحتضنينه رغم ما كان ينتابك من حزن و الم فصرت.


عبق الرسالة و عبير محمد الرسول.


سيدتي: من هنا اخذ التاريخ يدون عظيم المأساة التي انهالت على كيانك النحيل،الذي يفدي محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم و يعينه، لا في حمل السيف بل هي و مذ كانت صغيرة في السن تعيش معه كالام العطوف الرؤوم التي تصب جل وقتها في رعاية و اسدال الحنان على قلب ولدها.


فهي تحمله بين اضلعها، فتارة تغسل له ثوباً علقت به دماءه الشريفة


[
و كما روى بعض علماء السنة عن مدى (حنوا فاطمة على ابيها الرسول عليه السلام و منهم: حلية الاولياء ج 2 ص 30، كنز العمال ج 1 ص 77، الطبراني في الكبير، الهيثمي في مجمعه ج 8 ص 262، ذخائر العقبى ص 47.]و اُخرى تنكث التراب عنه.. و آلت على نفسها ان لا يغمض لها جفن حتى تحفظه و هذا ما نراه سيدتي متجلياً واضحاً بقوله صلى اللَّه عليه و آله و سلم: «انت حقاً اُم ابيك»


[
اسدالغابة لابن الاثير ج 5 ص 520 في ترجمة فاطمة بنت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم، الاستيعاب لابن عبدالبرج ج 2 ص 752.]و ما اروع هذه الكلمات و اتمها بياناً حينما انطلقت من لسان سيد المرسلين الذي لم ينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى.


هكذا مرت بك الايام و الليالي فصرت له العبير الذي يتنسم به. شجنة روحه. و لا يسع القلم سيدتي الجليلة، ان يبيح بمكنونات الارواح التي كانت تحلق على قلبيكما، الممتلئين بمودة يعجز عن تفسرها المفسرون..


حتى داهمك حدث كبير، اقلق قلبك و قض مضجعك، الحدث الذي جعلك في اشد حالات الاسى التي انتابتك و ابيك صلى اللَّه عليه و آله و سلم الا و هي (الهجرة).


اجل يوم عقد اهل الضلال جلستهم المشؤومة تلك التي جمعت في طياتها اخبث شياطين الكفر، وابغضهم للرسالة؛ و ما تفرقوا عن دائرتهم حتى انجلت عن خواطرهم تلك الافكار الانتقامية التي تؤهلهم من التخلص من صاحب الدين الجديد.


«فالحبس، والنفي والقتل» هي كانت مرتكزات حديثهم في دار الندوة.. حتى ان تمثل لهم الشيطان بهيئة انسان ليبدي لهم الامر الخطير، كي ينهي نزاعهم، الا و هو قتله صلى اللَّه عليه و آله و سلم لترتاح شياطينهم و تثلج خواطرهم.


يمكرون: و يمكر اللَّه



.. التمعت السيوف المنقوعة بالسم تحت اشراقة الانجم.


فلقد ادلهم الليل على كل مكان و دارت دائرة القوم حول بيت العصمة و الطهارة،و هم ينتظرون طلوع فجرهم اللئيم.


فيا لمكرهم (و يمكرون و يمكراللَّه و اللَّه خير الماكرين).


اجل هبط جبرائيل على نبي الرحمة ليخبره بما قد اجمعوا عليه شياطين قريش و خبثائهم، الذين أبوا عن الحق بصنميتهم و جاهليتهم و اتبعوا ما تتلوا الشياطين عليهم (ان الشيطان كان للانسان عدواً مبيناً).


.. فلن تغني القوم سيوفهم و لا خناجرهم، و لا الاربعين فارساً المكبلين، بأحدّ الاشفار والسيوف؛ لا و لن تغني عنهم تلكم العشرات من القبائل مهما كانت قوتها و مدى نفوذها (فاتركهم يا محمد في طغيانهم يعمهون).


و لا ادري يا سيدتي بما ذا اُعبر او اتحدث و يا حبذا لو يسعفنا التأريخ، ليسرد علينا وقائع تلك الليلة الحافلة بالرهبة و المليئة بالدموع فتلك لحظات عسيرة أخذت الاحزان تتسرب اليها.


ففراق بنت عن ابيها لهو شي ء ليس بالهين بالخصوص كالعلاقة التي تربطكما، و الاصعب من ذلك سيدتي، انك كنت يتيمة الام. و الان لا تعلمين مصير ابيك و مصيرك، فحينما اخبر جبرائيل النبي عن امر الهجرة؛ اي الفراق، الوحدة، والغربة.


تلك هي اللحظات التي غفل عنها التاريخ.. فليس للدنيا قلب هو ارهف من قلبك، و حب دافق أتسم بالكمال كحبك لابيك و حبه لك.. فكيف لي اذن ان اشرح تلك المواقف الاليمة المحزة في القلوب.


(و كان) خيالاً اسوداً خيم على عيني الزهراء فجمدت العيون و سرت بينهما


لحظة تفكر و تأمل، و الزهراء تتلفت يمنة و يسرة، و كأنها تود لو تخبأ الرسول بين عروق فؤادها المتحير.


ثم لم تلبث ان سمعت صوتاً يتسرب الى اسماعها، صوتاً قد عرفته من قبل، يوم كانت في المهد، و سمعته ايضاً حينما كانت طفلة يلاعبها.


صوتاً ارهف اسماعها اليه فما ان نظرت اليه حتى سمعت نبرات ابيها العذبة، و هو يأمر ابن عمه بالمبيت على فراشه الطاهر، فأرتسمت اطياف بسمة على شفتيها المرتجفتين اذ تشاهد علياً يمتثل واقفاً على قدميه.. الراسختين بالايمان، في حين تطرق اصابعه القوية صدره الممتلئ بحب اللَّه و علم محمد، فالتمعت عيناه ببريق يحمل اجلاله و اكباره لنبيه العظيم اذ ابتدر قائلاً:


- (أو تسلم بمبيتي يا رسول اللَّه)!!؟ فتفغر عن النبي ابتسامة عذبة مشرقة و هو يجيب:


- (نعم).. عند ذلك فاضت على ملامح علي عليه السلام فرحة فياضة بالرضا، والقبول و الترحيب بما كلفه نبيه العظيم...


.. وها هو الليل اقبل مسرعاً بجلبابه الاسود، حاملاً معه صمتاً رهيباً يوحي بسكون عميق عميق، يطوي معه زفرات و تنهدات، اطلق عنانها من اجل النبي الذي سيهاجر من موطن ابائه و اجداده. تاركاً تلالها التي يفع عليها.


.. و لشدة ما يحز في قلبه، ئو هو ذلك البناء الشامخ الذي شيده ابراهيم فكان منطلقاً لثورته التي بعث بها لهذا العالم المهتز المختل بتيارات الفساد، التي حكمت على البشرية بالفناء لا محالة.


فرفع ابوك سيدتي لواء الحرية التي تتصدى لمثل تلك المفاسد لتنتشل هذا المجتمع الذي استحلى و استمرء الرذيلة من مستنقعه، الذي اعتاد التصيد منه..


فتنجلي الصورة الحقيقية عن هذه الدعوة، التي تحمل اذاها محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم و آثر بنفسه و روحه من اجل احيائها الى هذه اللحظة، التي سيترك فيها أحب مخلوق


و اقربهم اليه، و ان الزهراء لمشفقة على الايام، التي ابت ان تسالمها حتى بأبيها، بعد ان فقدت احباءها.


و ما اسرع ان اقتربت لحظات الوداع بين الابنة و الاب فتتردد في اسماعها نبرات الرسول، و هو يوصي علي: «بأن ينادي في الاَبطح غدوة و عشياً، من كان له من قِبل محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم امانة فليأت فلنؤده اليه».


ثم اشفقت نبرات و ملامح الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم و قد تهدج صوته بلحن من الحزن، اذ يقول:


- (استخلفك ابنتي فاطمة).


ثم أخذ لسانه الشريف يدعو اللَّه بالحفظ و السلامة لهما.


.. في حين كان القوم الجاهلون، مرهفة اسماعهم و ابصارهم حتى لكأن الطير على رؤوسهم.. سبق غلهم الى الباب حتى لا تفوتهم النملة ان دبت آتية منه.


انها اليلة و الساعة و اللحظة المرتجاة، التي ستحسم تاريخ الجزيرة، التي طالما عبثت بها الاصنام على مدى اجيال.


.. و لكن هيهات فقد عميت قلوبهم و ابصارهم، و ان حدّت منهم العيون و النواظر،فما لبثوا حتى ان فقدوا تلك الحدة و ذلك البصر حينما اخترق محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم جمعهم و مر بنطاقهم الذي اداروه حول الدار، و علي واجف على فراش النبي يسمع خطاه، و عيونه تتبع خياله.. فسمعه يقول صلى اللَّه عليه و آله و سلم: (و جعلنا من بين ايديهم سداً و من خلفهم سداً فاغشيناهم فهم لا يبصرون).


اجل.. هاجر النبي من مكة تاركاً فيها قلبان ينبضان بالصبر و الحب و الايثار على ما يريده اللَّه سبحانه.


فتى الاسلام يتلقى طعنة الموت



.. وها هو علي مسجى على فراش النبي ببرده الخضرمية.. و قد لعبت على شفتيه طيف ابتسامة، و هو يترقب طعنة الموت من سيف حانق..


فما الموت بالنسبة لعلي إلّا وسيلة إلى حياة عقيدته.. و من قبل كانت مناه المنشود (الشهادة)..


ايام (الشعب والحصار)، و ايام كانت كتفاه تقي النبي لكمات الكفار حينما كان ينادي صلى اللَّه عليه و آله و سلم:


«قولوا لا اله الا اللَّه تفلحوا»..


فما كانت تلحفه ضربات الحجارة، إلّا سعادة و غبطة لا توصف اذ يرى نفسه عضيداً لمحد صلى اللَّه عليه و آله و سلم مطيعاً له فيما يأمره..


.. فأن كانت الطمأنينة قد ملئت قلبك فهو الحق سيدتي، فمن هو مثل علي الذي يفدي روحه في سبيل نبيه، و خير دليل ان النبي استودعك عنده في حصنه المتدرع بالايمان.


وها هو رب العرش العظيم يباهي (و كما ذكر العامة و الخاصة) به بين الملائكة،حينما اوحى الى جبرائيل و ميكائيل: «اني آخيت بينكما و جعلت عمر أحدكما أطول من الآخر فأيكما يؤثر صاحبه بالحياة».


فاختار كلاهما الحياة، فأوحى اللَّه عز و جل إليهما:


«الا كنتما مثل علي بن أبي طالب آخيت بينه و بين محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم فبات على فراشه يفديه بنفسه و يؤثره بالحياة أهبطا الى الأرض فاحفظاه من عدوي» فنزلا فكان جبرائيل عند رأسه و ميكائيل عند رجليه و جبرائيل ينادي:بخ بخ من مثلك يا بن ابي طالب يباهي اللَّه به الملائكة.


فانزل اللَّه عز و جل: (و من الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضات اللَّه و اللَّه رءوف


/ 27