زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) - نسخه متنی

ام الحسنین البغدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




... ففاضت عيونها ببريق مضي ء، و هي ما تزال ساكنة محتارة بفرحتها، فانساقت بكل كيانها نحو الباب، تتعثر في سيرها ففتحته، و بسمتها تعلو محياها الجميل لكن بعين الوقت تعكس شيئاً من الحزن ممزوجاً بفرحة و حب دافق تكنه لهذا الرجل الذي يمثل امامها بعينيه المشرقتين بايمان اللَّه، لكن روحها لم تنس ذلك الصفاء و ذلك النور، الذي كان دوماً يطويها بهالة بهية نقية.


.. استقبلته بفرحتها، و لم يفتر لسانها حينما حفت الرسول بالسؤال عن نفسه، و كيف قضى تلك الايام، التي لم تنعم هي برؤياه.


فهاجت في نفسها اشجانها، حينما كانت تجلس في محرابها تدعو له بالحفظ والسلامة من اعدائه.


و كان الزوج المخلص يدرك تلك المشاعر و الاحاسيس التي كانت تعانيها زوجته، و هي تشكو امرين: مرارة فراق النبي لها، و ترك نساء قريش زيارتها والتحدث معها.


فظل بقربها يطمئنها، و يؤنس روحها المضطربة، و يسكن اشجانها، حتى ان نهضت من عنده و قد علتها ابتسامة، جلت كل ما كان من تعب و خوف في قلبها.


فاتجهت نحو إناء التطهير لتقدمه للرسول... فقد عهدته ان يصلي نافلته.


فغض النبي نظهر عما اتت به.


أجل، سيدتي الكريمة، ما كان ليّ ان اُلمح أكثر من هذا فسامحي شعوري، إلّا أنني أقول ان نطفة نورك قد ازهرت بين احشاء خديجة عندما تشاطر الأبوان الطاهران شمس جمالك المتوهجة، ليشتركا معاً في اخراج اعظم شخصية نسوية عرفتها الانسانية، بل هي حية في النفوس و الى قيام يوم الدين؛ «ناقوس حق و حرية».


نعم: تكور جنين خديجة الطهر، و محمد خير الورى.


.. الجنين المبارك الذي تحدثت عنه السماء، وصغت الأرض لأنين ثغره،


عندما كن يناغي الام خديجة و يسبح و يرتل الفرقان و هو في احشائها الطاهرة.


حقاً ان يا زهراء قرة لعين ابويك و شيعتك و محبيك.


فلقد التمعت عيون الام بالشوق و هي تستشعر حملها المرتقب و تستمع لدقات قلبه، ثم تغبطها سعادة عظيمة و طمأنينة، فتحلق روحها اجواز آفاق الفضاء.


- «إن جنيني يناغيني، و اُناغيه، و يشاطرني همي و يؤنسني في وحدتي و وحشتي».


هذا ما طرأ اسماع الاب الكريم.


[
و من الذين اخرجوا هذا الخبر: محب الدين الطبري في خائره ص 44... عن الملأ في سيرته ان خديجة قالت: اني حملت حملاً خفيفاً فادا خرجت أي النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم حدثني الذي في بطني. كذا ذكر نزهة المجالس ج 2 ص 227 و كذا ذكر جمع من علماء الشيعة.]


و انها لمعجزة والله... فما كلّم عيسى اُمه «مريم» إلّا و هو في المهد صبيا.


أما (الزهراء) فقد كلمت اُمها و هي ما تزال جنيناً.


فهنيئاً سيدتي لابويك... و لتكتب اقلام القصاصين معجزة الزمن التي حار بها الكتاب و المؤلفون، فصارت كالاسطورة، و هي آية من آيات رب العالمين.


نور الزهراء يؤنس وحدة خديجة



.. و بعد، بماذا اُحدث مولاتي الجليلة.. فقد استغنت الكلمات عن نفسها و هي ترى خديجة هائمة بأطياف احلامها الحلوة، والتي تحدثها عن الوليدة المنتظرة،.. فلا سأم ينتابها و لا كآبة تكتنفها ما دام نورك يسعى مختلجاً بين معاني روحها و انفاسها.. فتتهامسين معها، و تتسامرين في ليلها، بعد ما اعتكفن عنها نساء قريش، بسبب اقترانها مع صاحب الدين الجديد، و بذل كل ما لديها من مال في سبيل احياء دين الحق.


فتفرقنّ عنها علها ترتد فتعود لما كانت عليه.


.. فأحست خديجة بوحدة و غربة شديدتين... لكنها صبرت و تحمّلت من الآلام و الآهات لاجل رسالة النبي.. اما الآن فقد جاء من يسليها و يقويّ شوكتها و يرسخ ايمانها... فحققت خديجة انتصاراً يلوح اُفقه.


... فاشرقت روحها بنور مضي ء يملأ حياتها بهجة و فرحة و انطلاقاً... «و كل هذا يعود الى وجودك سيدتي بقربها اشد القرب».


اجل.. انها سعيدة ما دامت تحمل نورك و ما دامت وعاءاً لقبسك المنير.


فصارت عيناها تغوصان في اعماقها، تتأملان ذلك النور الذي سيحدث شيئاً خاصاً، و خاصاً جداً في كل حياتها، و هو يحفها بكل معاني السر الرفيعة.


وها هي عيناها تبتسمان ابتسامة الانتظار... (لحظة بزوغ نورك على العالمين)


[
نزهة المجالس ج 2 ص 227 لعبد الرحمن الصفوري الشافعي، ينابيع المودة ص 198 للعلامة القندوزي، الروض الفائق ص 214 للعلامة شعيب بن سعد المصري، تجهيز الجيش ص 99 (مخطوط) للعلامة حسن بن المولوي الدهلوي.]


صبر خديجة



... وها أنا الآن سيدتي وصلت الى ارهف واصعب مرحلة عاصرتها اُمك الطهر، و التي تقبلت كل مشاكل دنياها بقلب و صبر و ايمان.


و تحملت مشقة الجهاد و معاناته، و بلغت ذروة الوفاء، و الايثار.


اجل تعرّق جبين لام العطوف، و هي الآن مشرفة على الوضع (الولادة).


فصارت تحوم بين زوايا حجرتها ترسل الى من يسندها الى صدره. اليست هي امرأة و تحتاج عوناً في احرج ساعات حياتها؟


.. فأخذت تذرع الارض بخطواتها البطيئة، السريعة في نفس الوقت و بدنها يرتعش.حينما اتاها جواب من ارسلت اليه بعدم قدوم اي واحدة منهنّ أي: (نساء قريش لينلنّ منها ما تلي النساء من النساء).


.. عندها رفعت بيديها نحو السماء.. تدعو اللَّه ان يضمها بين يدي رحمته.


فيا عجباً



فيا عجبا لمن كنّ يركعنّ على قدميها يغسلنها بماء الورد.. و يحمنّ حولها كحومان النحل حول الزهور لينلنّ منها مقاماً محموداً، فيفتخرنّ بصحبتها بين مجتمعات نساء قريش.


.. اما الآن فأنهنّ يسخرنّ منها لانها تزوجت بيتيم أبي طالب، فقير لا مال له.


ما كان لمثلهنّ ان ينسَينّ ذلك الجاه... والرياش، والفراء... و طسوت الدرر و الجوهر... والحلل والياقوت... تلك الثروة العظيمة والخدم والجواري.. مما تمتاز به عن نساء أهل زمانها.. من اريحةٍ في روحها، و فطنة و ذكاء و حكمة. و مع كل هذا الترف و تلك الاموال سعت خديجة لتجعلها ثرى تحت اقدام محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم.


بلى سيدتي تلك هي اُمك، التي بذلت كل شي ء من اجل احياء كلمة اللَّه و لم تكن في نفسها هنة من ندم، بل عاشت كل لحظاتها تشعر بلذة خاصة، و فخر عظيم يغمر روحها.. من انها ستقوي شوكة الاسلام و نبيه.


و رقدت قريرة العين تنام ليلها في «اِزار» خشن أبلاه الدهر، كان هو حصيلتها من تلك الثروة بعد ان كانت بقصر منيف ملؤه الذهب.


... نعم سيدتي هكذا فعلنّ بأمك الرؤوم... لان طباعهنّ ذا ميل و خلال، يتبلور مداه بين خيبة و حقد دفين.


و ما كان لابليس ان يدعهنّ، إلّا ان يرمي بشباكه ليصطادهنّ، فيأسر عقولهنّ و قلوبهنّ، فينبذن اسم الاسلام و تزدري نفوسهنّ ثم تعلوا نظراتهنّ شراً.


فلا يثلج لهنّ قلب، حينما تتسرب الى مسامعهنّ كلمات (التوحيد).


أو بعد كل هذا يا اُم الزهراء تنتظرين منهنّ خيراً.


... فلمَ لا تُعرفهنّ الحقيقة التي ستنجلي عن اعين العالمين... لِمَ لا تعلميهنّ بخبر نطفة الجنة.


.. لِمَ لا تقولي لهنّ عن امر (المنقذة) التي ستحررهنّ و تخرجهنّ من ذلك القوقع المظلم الى عالم النور (العتق، الحرية) كي يبسط جناحيه على عالمنا، الذي غزته و من قديم الزمان و طاوط الجاهلية... بعد ما بنت فيه صرحاً حسبته متيناً سيعصمها مدى الدهور.


(الا ان اوهن البيوت لبيت العنكبوت)


[
سورة العنكبوت 41.]


... ايتها الحمقاوات، تركتنّ عِشرتي و هجرتموني... و انا احمل لكنّ بشرى الايمان الذي سيحطم تقاليدكنّ الجوفاء.


اما تتذكرنّ زمانكنّ القاسي الذي حثى ترابه على الكثير من الاناث.


بنت تقتل، و ام تصرخ



كيف كان اباؤكنّ؟!


انهم اقسى عليكنّ مما تصورهُ القسوة نفسها، انه غضبان ثائر يفور غيضه، لماذا؟!لقد ولدت زوجته بنتاً فتستعر نفسه شراً و حقداً نحو وليدته.


.. ثم يشهر سيفه فوق رقبة صغيرته و هي ما تزال ملتقمة لثدي اُمها فيقطع منها الانفاس.


ثم ترى الام المسكينة تقع على ابنتها ذليلة تصرخ: ايها القدر المشؤوم لماذا خطفت مني صغيرتي.


وها هي كاظمة غيظها اليائس، فلا حول و لا قوة لها، بل انها ترتجف خوفاً من ان يوقعها الزوج صريعة جنب ابنتها اذا تفوهت ببنت شفة.


.. فما اسعد الامهات اللواتي يسبقنّ اولادهنّ الى القبور.


.. و من ثم يخرج الاب المشوه الروح، تعلو قسمات وجهه ابتسامة ساخرة، بينما كانت الغضون التي تتكون حول فمه، تكشف بمزيد من الوضوح عن شي ء فظ... انه يشعر بهيجان و فرح، انه يحس بنشوة الانتصار.


.. فلا احد يُدنس اسمه بعد اليوم في المجتمع، الذي كان يعيشه العرب قبيل الاسلام.


.. فهو اليوم شامخ بأنفه كالذي صرع بطلاً في ساحات القتال.


سيدتي يا زهراء، با منقذة هذه الكائنة المظلومة، فالموت آلى إلّا أن يكتب احرفه السوداء على جبين كل انثى ولدت عصر ذلك الزمان.


فلو سألتيني يا مولاتي و انت اعلم بذلك، لمَ كل هذا الظلم، الوأد، اهوَ لقبح شكلها؟ ام لعاهةٍ ما فيها؟.


... كلا؛ فهي مخلوقة رقيقة، تلم بصفات الجمال و الاناقة... و هي مع ذلك


مفعمة بمعاني الوفاء والاخلاص والحب.


وها هو التاريخ يسرد لنا اكثر من قصة و حكاية نظنها في نفس الوقت اسطورة رسمت مجراها وقت ما، يسأم الاحبة والاصدقاء.


لكنها في الحقيقة حدثت في زمن الجاهلية العمياء... عندما تهاوت رؤوس الصغيرات بين احضان امهاتهن... فامتلأت حناجرهن آهات و تنهدات... حتى انطلقت اصواتهن من اعماق القلوب و هن ينشجن لحناً متحشرجاً قد اَلفناه.


لحناً حزيناً رَبت قلوبهنّ عليه.


.. عودي اليّ يا ابنتي فحسبيَّ منك ان اراك بجنبي لاُقبلك قبلة الوداع.


بلى: لقد مثل الأب دوره.


غبطة الاب بشرب دم ابنته



و لا يعزب عن خاطك سيدتي ذلك الرجل المسافر الذي لم يحضر وضع وليده، لكنه جعل الزوجة محله عند النحر، اذا كان ذكراً و بالذبح للانثى فتدخر له من دمها المهدور.


... و فى ليل ادهم صرخت الطفلة ذات الحظ المشؤوم، صرخة الحياة، رفعتها الام ثم قربتها من صدرها المضطرب لتلقمها ثديها.


كانت فزعة قلقة، و فؤادها يحدثها عما سيؤول اليه مصير هذه الطفلة الجميلة، فسريعاً ما سيعود الزوج؛ فيسارع ليطعن بخنجره المسموم صغيرتها.


فبادرت بنفسها تذبح حيواناً و تدخر دمه.


ثم اودعت طفلتها الحلوة عند قريبة لها تعني بشؤونها.


... رجع الزوج من سفره الطويل.. دخل فناء الدار مشدوهاً زائغ العينين، مضطرباً، يدير برأسه كالذي يبحث عن شي ء اضاعه.


... ثم يمد ببصره نحو مهد المولود فيصرخ زاعقاً:


اين البشارة يا امرأة، عند ذلك تحضر له الزوجة قارورة الدم الكاذب و تقدمها له دنهن ان تنبس ببنت شفة.


... و مضت الايام، ثم الاشهر، ثم السنون، و قد تعود الرجل ان يرى صبية جميلة تلعب في فناء داره، كبنت قريبة لهم، تقضي معظم اوقاتها بين حجر الرجل و امرأته... و دون ان يعلم هو من انها ابنته.


.. فأرتبط قلباهما بحب شديد، انها عاطفة جياشة، عاطفة الاب و ابنته.


... بلى حب يتدفق كل لحظة، و يعقد روحيهما، فتنبع حياة الرجل بالحيوية بدل الفراغ و السأم و الملل، الذي ينتاب حياته الرتيبة.


.. فهو الآن لا يستطيع فراقها... انه يستأنس بها، بين المزاح واللعب، و بين بسمة و ضحكة برئية من طفلة رائعة.


كانت الام تشهد عن كثب هذه الصور التي تقرح فؤادها... فما استطاعت كتم سرها الخطير و يالها من بلهاء غبية فسبقها لسانها العجول و هو يطلق نبراته التي ملئتها الفرحة:


- اَهي جميلة؟! فيجيبها الزوج مستغرباً:


- أو يوجد احلى من هذا الوجه.


ابتسمت الام ابتسامة جذلى، و تنكرت بحسرة قائلة:


- آه يا ليتها كانت ابنتنا فتكون لنا قرة عين.


.. نظر الرجل نحو امرأته نظرة غريبة تنم عن مكر و خداع مطويتين في نفسه و هو يقول:


- يا ليتها كانت ابنتي فهي محبوبة حلوة المعاني والعِشرة.


خُدعت الام شر خدعة بكلماته المعسولة هذه، والمليئة بسم قاتل من المكر،


.. جرها الكلام في ان تطلعه على حقيقة الامر، فأنطلقت نبرات لسانها بتهدج.


- انها... انها ابنتك يا زوجي العزيز.


.. فتربد وجهه.. و تقبضت شفتاه.. و امتقع لونه.. ثم امتزجت معانيه بنظرة شزراء تفيض احتقاراً لزوجته، والتمعت عيناه قدر اصفرار وجهه.


ثم سرح ينظر الى زوجته نظرة عتاب مازجتها احاسيس من الحقد والخيبة.


فالتفت الى طفلته يغمرها بشظايا شرار عينيه... و يخاطب نفسه بالكمد والعار والشنار، والفضيحة... انها ستحبس نبض حياته، فتردها ذليلة حقيرة.


فندت عن الاُم صرخة ألم تنضح من جوفها، و هي ترى الاب يخطف ابنتها البرئية.. و هو ينتهد بالحسرات.. ففر بها يسابق الريح..


.. مالت السماء نحو الغروب، و توارت الشمس خلف الاُفق، و وقف الاب بجنب ابنته التي اخذت ريح الصحراء تلاعب اثوابها الجميلة.. و حقاً لهي وقفة وداع.


حينما وقف بينهما الحب و اليأس، شبحين هائلين، هذا باسط جناحيه فوق رأسيهما،و ذلك قابض بأظافره على عنقيهما.. هذا يبكي مرتاعاً و ذلك يضحك ساخراً. فأستجاب الاب للثاني.


.. فدب يحفر بيده قبراً صغيراً. حسبته لعبة لها فشاركته بذلك المصير. ليرمي حلوته المحبوبة فيه وسط حشرات الصحراء، لتمتص دمائها.


.. حثى التراب عليها و على ذكرياتها.. و يحمل هو في طيات روحه نظراتها الوديعة و ابتسامتها الساحرة.


فاستبشعت السماء ذلك الفعل الشنيع على هذه المؤودة التي وأدها الاب لا لذنب ارتكبته غير ان التقاليد العمياء عمت قلبه قبل بصره... و لذك تكون هذه البنت شاهداً يوم القيامة على هذه العقول المتحجرة و على افعالهم المتخلفة (و اذا المؤودة سئلت باي ذنب قتلت)


[
سورة التكوير 8- 9.]


/ 27