زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) - نسخه متنی

ام الحسنین البغدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


فراق ابيها الرسول.

فاقتربت فاطمة اكثر من ابيها كي تتأمل صورته، و هيكله، ثم ندت تبكي بمرارة و حرقة:

- (و ابيض يستسقي الغمام بوجهة ثمال اليتامى عصمة للارامل)

[بحارالانوار..

فأنتفض النبي و هو يسمع هذه الكلمات و قال لحبيبته بصوت واهن ضئيل حزين:

- (يا بنية هذا قول عمك ابي طالب لا تقوليه و لكن قولي: «و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افإِين مات او قتل انقلبتم على اعقابكم».

لكن الزهراء، ما خفقت من نزلة بكائها، بل اخذت بالازياد، و لشدة ما كانت تصرخ اكثر و هي ترى ولديها محتضنان لجدهما، و هما يصرخان فتصرخ اكثر بالبكاء، و كأنها تنفث افلاذ كبدها..

فيميل الرسول نحو وصيه و أخيه و ابن عمه و صهره، فيدخله تحت ثوبه الشريف، الذي كان عليه، فوضع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم.

فمه الطاهر وسط فم علي، و جعل يناجيه من جديد مناجات طويلة.

في تلك اللحظات، افترشت الملائكة اجنحتها، و اُنيرت شموع الملكوت، و اُزهرت افنان الجنان، (فمحمد هو في طريقه للأتيان).

اجل انها اخر اللحظات التي سيفارق بعدها محمد آل بيته الطاهرين.. سيفارق زهراءه و مرتضاه، و ريحانتيه و جميع الاصحاب والمسلمين.

سيفارق الدنيا، تاركاً وراءه قلباً يضج بالجزع والحزن والصراخ والبكاء.

قلباً ما سالمته الايام ابداً.

.. ذلك القلب الذي اعتاد ان يفجع بأحب و أقرب الناس اليه منذ ان كان صبياً

و حتى الان.. انه (قلب الزهراء الزكية).

وها هي عنياها سابحتان بالدموع، التي عرفت مسراها و من قديم الزمان الى هذه المآقي التي ظلت تودع اعزاءها الى حيث ما اراد بهم اللَّه.

و هي الآن جاثمة تنتظر القضاء المحتوم، الذي ينتظره كل كائن يرتع على هذه الارض.

فسُمع في السماء دوياً هائلاً، واهتزت الارض هزاً كالزلزال.

يا له من يوم كدر و كمد خالد في دنيانا، ابلغ الحزن، ليس كمثله في ايامنا الداهمات.

ثم علت ملامح الزهراء تلك النظرات الغارقة في الحزن و هي ما تزال جاثمة على قدمي ابيها، و لسانها معقود بالغصص والعبرات، فلا تتمكن الاحرف ان تخرج من اوتارها.. خشية ان تفلت منها تلك اللحظات، فتحرمها النظر الى صورة ابيها.

.. ثم علت السماء و الارض ريح عاصفة عظيمة، و كأن الكون اهتز فصاحت الزهراء صيحة ابكت الارض والسماء، حينما رأت روح محمد قد فاضت مرفرفة في العلياء تزفها الملائكة، و تحفها التكبيرات.. فصاحت و كأن كل شي ء توقف عن عمله، الكواكب، الشمس، الارض، النجوم.

- (ابتاه يا ابتاه جنة الفردوس مأواه يا ابتاه الى جبريل ننعاه يا ابتاه ربه ما ادناه يا ابتاه)

[و ممن روى عن حزن الزهراء لابيها الرسول: صحيح البخاري في كتاب بدء الخلق، الخطيب البغدادي في تاريخه ج 6 ص 262، الحاكم في مستدركه ج 3 ص 59، النسائي في صحيحه ج 1 ص 261، احمد بن حنبل في مسنده ج 3 ص 197، سنن البيهقي ج 3 ص 409، الحاكم في مستدركه ايضاً ج 1 ص 381، (كذا ذكره عبدالمقصود عبدالفتاح في تاريخ اميرالمؤمنين.]

رزء لا يوصف


واترك ما كنت فيه.. لعدم امكان اي شخص و مهما بلغ من الحس والادراك- و تجسيد الخفايا- في ان يصور او يجسم و لو بعضاً من ذلك الرزء العظيم، الذي دهم اهل بيت المصطفى.

فأن اردتُ وصفه لنضب الخيال على سعته.. و غاض بحر الشعر على غزارة مادته.

.. و أذن فما اقول انا ايتها الحشاشة.. و عن أي فجيعة اشرح تلك الفجيعة التي صدعت كيان كل مسلم، مهما بعد عن زمان رزئكم، فأستعبرت قائلة سيدتي:

انى لمثلي ان تدرك مكنونات هذا الرزء و لو بشي ء ضئيل.. و انت الزهراء، التي ينعت في حجر الرسول و احضان رسالته..، ينعت بين خمائل رحمان الوحي الذي كان يتنزل على خاتم المرسلين، فكان لك القائد و المولى و المقتدى.

فلولا عظمة ايمانك و تحملك و صبرك؛ لصدع قلبك لهذا المصاب الجلل، لانك كنت ترين اباك بحراً من العلوم، و الرأفة و الرحمة، و عشت معه تحت سقف واحد، كان يظللكما.

فكنت اقرب الناس اليه و بضعته، و فلذة كبده

[روى البخاري في صحيحه ان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم قال: (فاطمة بضعة مني الخ..) في كتاب (بدء الخلق). و رواه ايضاً: خصائص النسائي ص 34، مسند أحمد ج 4 ص 323، صحيح الترمذي ج 2 ص 319، حلية الأولياء ج 2 ص 40، الحاكم في مستدرك الصحيحين (و قال): هذا حديث صحيح مسلم في باب فضائل فاطمة عليهاالسلام، سنن البيهقي ج 7 ص 64، كنزالعمال ج 6 ص 220، فيض القدير ج 4 ص 431، كذلك ذكره جمع من علماء الشيعة.، كما كنت من قبل الابنة و الام، تحيطينه بأسمى مشاعر الحب، و تفيضين عليه من خمائل عطفك.. و تسعين كل همومه.

لانك كنت تنظرين من ورائه الى الهدف العظيم، الا و هو بث الاسلام

وانتشاره، الى اقصى نقطة في العالم.

.. و هكذا كبرت بكنفه وسط قلبه الكبير، فورثت منه كل كمال و رفعة.

.. فعقد قلبيكما بقيد متين من اللَّه لا يحله، الا الثرى في ريب المنون. فلا لذة الا بجوار محمد، و لا سعادة الا في فجر ابتسامته و عذوبته.

و ما كنت يا مولاتي ترينه، الا خيراً عميماً ينشر جناحيه على الدنيا، فيخرجها من الظلمات الى النور والحقيقة.

.. فهو تلك الاجنحة النورانية، التي تنثر ضوء نورها وسط كون حالك بالظلام، فتصبح السعادة لوناً من الوان هذا النور، و هو يتخبط العالم المقفر فيصيرهُ مبصراً.

.. و انني واللَّه يا سيدتي لا استطيع ان اصف هذا الموقف المحزن، الذي هد كيانك.

فما كانت الكلمات تغني عن كنه الاحاسيس التي انتابت نفسك.

فالمصيبة اذا عظمت خلت عن البكاء، والأنين.

.. وها أنا عاجزة محتارة عن وصف تلك الدموع الاثيرة، التي انحدرت من مآقيك.

اذ انني اتراجع مذهولة امام سيل هذا المصاب والحزن العظيم.

.. فعواطفك هي اعظم من ان يصفها احد من العالمين.

بلى مولاتي حقيق لك ان تكرب نفسك و تحزن.

.. فلقد فقدت تلك الروح، التي ترمز للوصال والألفة، و ترتع تحته بأسوته الحسنة كل النفوس، فتلك مصيبة عظمى حلت على الكون.

وها هي مدينة الرسول مقفرة تمور في حزن عميق، والشمس تسقط ضؤها باشعة باهتة متكسرة الزوايا، و عيناك سيدتي محتقنة الاوداج، ترشق كل من حولها بدمع الاسى، فالعواطف تبقى بالروح، و قد تتوارى عن القلوب حيناً، و تهج حيناً

آخر.

.. و لكن هل كانت دموع و احاسيس و عواطف الزهراء تتوارى عن قبلها و لو هنيئة؟ و لا يدرك تلك المكنونات و الاحزان سوى اللَّه سبحانه.

فتخير لك سيدتي افضل نادب، و مواسي، و معزي، يليق بمقامك الشريف و منزلتك العظيمة.

.. فما اقول بالذي فلق الحب والنوى، و الذي علا الخلائق بجبروته و سلطانه، و كبريائيه.

فهو من يدرك هذه الرزية، والمتكلم عن مالك السموات و الارضين جبرائيل الامين و لسان الوحي المبين.

.. فلقد ظل جبرائيل بقرب شبح البتول الضاني، و هو يناجيها، و يطيب نفسها، و يخبرها عن ابيها و مكانه في الجنة.. و يعزيها و يسليها بهذا المصاب، حزناً على بكائها الذي ابكى السماء.

فكان علي «المفجوع المهدود الركن» يستمع لتلك التعازي والمناجات.. فيكتبها و يكتب ما يخبرها جبرائيل، عما سيكون من بعدها في ذريتها

[مصحف فاطمة: عن الامام الصادق عليه السلام «ان فاطمة دخلها حزن شديد على ابيها و كان جبرئيل يأتيها فيحسن عزاءها على ابيها و يطيب نفسها و يخبرها عن ابيها و مكانه و يخبرها بما يكون بعدها في ذريتها و كان علي يكتب ذلك فهذا مصحف فاطمة». المصادر: بحارالأنوار ج 43 ص 157، الكافي ج 1 ص 188 و ص 239- و كذلك عندها الجفر و الجامعة و غيرهن، بصائر الدرجات 150، دلائل الامامة الطبري الصغير ص 27 ط ايران مؤسسة الزهراء.]

و مع انه عليه السلام استطاع ان يفرض على نفسه بعض من الصبر، لكن عيناه أبت ان ترقأ، و ابى ان يخفت و جيب قلبه و هو لا ينى يردد من بين الدمع بنبرات ثاكل محزون:

[(بأبي أنْتَ و أُمِّي يا رَسُولَ اللَّه! لَقَد انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ و الأنْبَاءِ

وَ أَخبَارِ السَّماءِ. خصَّصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلياً عَمَّنْ سِوَاكَ، وَ عَمَّمْتَ حَتى صَارَ النَّاسُ فِيكَ سَوَاءَ.

وَ لَوْْلا أنَّكَ أمَرْتَ بالصَّبْرِ وَ نَهَيْتَ عَن الْجَزَعِ، لأنْفدْنَا عَلَيْكَ ماءَ الشؤُونِ وَ لَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلاً والْكَمَدُ مُحالِفاً، وَقلا لَكَ!

وَ لَكِنَّهُ مَا لا يُمْلَكُ رَدُّهُ، وَ لا يُسْتَطَاعُ دَفعُهُ! بأبي أنْتَ وَ أُمِّي! اذكرْنَا عِنْدَ رَبَّكَ وَاجْعَلْنَا مِنْ بَالِكَ)]!

[نهج البلاغة خ رقم (235).]

احتجاج اهل المدينة على بكاء الزهراء


غابت شمس المصطفى.

.. فارق صوبته العذب اسماع المسلمين.. بقيت فلذته تعاني فراقه و هي قائمة عند ثراه، لا تكاد تفيق من غشيتها.. فلقد كان حزنها يتجدد و يزداد، و بكائها يشتد.

وها هي الايام تمضي.. لكن حزن فاطمة لا ينفضي، و لا يهدأ لها انين، بل و لا يسكن منها الحنين.

و كل يوم يجي يكثر عويلها، اذ تنادي و تندب اباها:

(وابتاهُ واصفياه وامحمداه وااباالقسماه، و يا ربيع الارامل واليتامى، من للقبلة والمصلى و من لابنتك الوالهة الثكلى).

.. فها هي عند تربته الطاهرة توسد خديها بثراه الرطب، ثم تأخذ حفنات منه فتهيم بتقبيلها، فتنعاه ناحبة صارخة.. حتى ان يغشى عليها فيتبادر اليها النسوة المولولات لينضحن عليها من الماء، فتفيق و كان بصرها قد ذهب فتقول والدموع

تتذارف من مآقيها:

- (رفعت قوتي و خانني تجلدي، و شمت بي عدوي، والكمدُ قاتلي، يا ابتاه بقيت و الهة وحيدة، و حيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري و تنغص عيشي، و تكدر دهري.

فما اجد يا ابتاه بعدك انيساً لوحشتي، و لا راداً لدمعتي، و لا معيناً لضعفي، انقلبت بعدك يا ابتاهُ الاسباب و تغلقت دوني الابواب).

فلم تستطع الزهراء مواصلة كلامها، فقد غصت بعبرة قد ملئت قلبها فأجهشت بالبكاء و هي تقول:

- (يا ابتاةه من للارامل والمساكين، و من للامِة الى يوم الدين، يا ابتاهُ امسينا بعدك من المستضعفين، يا ابتاه اصبحت الناسُ عنا معرضين، و لقد كنا بك مُعظّمين في الناس غير مستضعفين، فايُّ دَمْعةٍ لِفراقك لا تنهملُ، و أيُّ حُزنٍ بعدكَ لا يتصل، و ايُّ جفن بالنوم يكتحل...).

.. فمدت بيديها المرتجفتين على خديها تجفف الدمع.

فطافت عليها مسحة من الحزن.. و هي ترمق بطرفها نحو السماء و تقول:

- (بكتك يا ابتاه الاملاكُ، و وقفت الافلاك، فمنبرُك بَعْدَكَ مُستوحش و محرابُك خالٍ من مناجاتك، و قبرك فرح بمواراتك والجنة مشتاقة اليك الى دعائك و صلاتك).

.. فهبت ريح في السماء، حزناً لحزنها.. و كأن الكون كان يبكي مع البتول.. لتلك الدموع المتحدرة من عينيها.

.. اجل.. هذا هو ديدن الزهراء، حزن و بكاء و عويل.

فعندما يقع بصرها على حجرة ابيها الراحل، و هي تريد ان تتقدم نحوها، فترى المأذنة، فتبكي بكاءاً عسيراً حتى ان يغمى عليها عليهاالسلام.

.. فلقد سرى الحزن والاسى إلى كل حناياها.

فلا تهدأ لها زفرة، و لا ترقأ لها دمعة حتى تلحق بأبيها الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم.

.. فمقلتا فاطمة لن تنسيا ذلك النور، الذي كان منبعثاً من أبيها.. والمنتشر

ضوءه على العالمين.

وها هي المساء فيها الغيوم متلبدة، تحمل لوناً داكناً كالدخان لحزن بنت رسول اللَّه فما فترت الريح، عن زأرها.. فصار العويل مع الزهراء يسمع من مدينة الرسول، حتى افتجع الصغير و الكبير، والكل يندب و يصيح (وامحمداه وانبياه).

لكن جزع التبول و بكائها فاق كل النادبين.

فسكنت الدموع، و هدأت الحناجر عن صراخها.. إلّا دموع فاطمة و صراخها، المكظوم في اعماق روحها.

فكل شي ء بات يردد نبراتها الثكلى، الرياح في جوها، والامواج في بحرها. والاعشاب في سهولها.. و حتى الجبال.

ندباً و عزاءاً لعزائها، و ها هي تندب اباها.. و لا تنتهي من بكائها.

حتى اجتمع شيوخ أهل المدينة واقبلوا الى أميرالمؤمنين و قالوا له:

عن بكاء الزهراء


- (يا اباالحسن إن فاطمة تبكي اليل والنهار فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فراشنا، و لا بالنهار لنا قرار على اشغالنا و طلب معايشنا و انا نخبرك أن تسألها: اِما أن تبكي ليلاً أو نهاراً)

[بحارالأنوار، آثار الصادقين، بيت الأحزان.]

.. فنظر إليهم على بعينين ملتهبتين بالدموع.. قد طوتهما الآلام (فكأنه) يكلم نفسه الطاهرة:

يريدون أن يمنعوا بضعة محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم عن أحب شي ء إليها.

فعلى محياه كآبة و حزن و هو يجيبهم بكل أدب:- (حباً و كرامةً).

.. عند ذلك اقبل أميرالمؤمنين إلى بيته، يحمل معه العبرات، و الآهات.. كيف سيكلم الزهراء حبيبة المصطفى عن هذا الأمر.

فدخل فناء الدار، و قد امتلئت نفسه هماً و غماً، و هو يسمع انين فاطمة، فهي لا تفيق من اعيائها حتى يعاودها ثانية، فتبكي حتى يغشى عليها.

فعندما رأت علياً يطالعها بعينيه الحزينتين.. مسحت دموعها، و سكنت هنيئة، عند ذلك بادرها أميرالمؤمنين بالكلام و أبلغها ما قد أجمع عليه شيوخ المدينة..

فرفعت رأسها و هي تحاول أن ترى ما أمامها بعد ان فاضت عيونها بالدموع عند سماعها لهذه الكلمات، فابتلعت ريقها.. الملى ء بالغصص و هي تتجرعه، كي تخرج كلماتها المختنقة لتجيب علي بنبرات تغزوها اللوعة والعبرة و هي تقول:

- (يا أباالحسن ما اقل مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين اظهرهم).

ثم اُجهشت بالبكاء و هي تقول: (فواللَّه لا أسكت ليلاً و لا نهاراً أو الحق بأبي رسول اللَّه).

[بيت الأحزان للشيخ القمي، بحارالأنوار، آثار الصادقين.]

.. فتأملها الوصي بعينيه المترقرقة فيها الدموع حزناً على زكية المصطفى قائلاً لها:

- (افعلي يا بنت رسول اللَّه).

.. لهذا أخذ أميرالمؤمنين يشيد للزهراء بيتاً بعيداً عن المدينة و أهلها، كي تطلق فيه فاطمة العنان لدموع عينيها و شجونها.

.. تخاطب فيه أباها و وحشة الفراق التي المّت فيها من بعده، «و ما يغزو روحها إلّا أمل وحيد، إلّا و هو اللقاء به عن قريب قريب».

الانقلاب على الاعقاب


و إلى هنا اكتفي أيها القارى ء اللبيب، لأن الكاتب من المستحيل أن تستطيع كلماته تعبر عن أشف وارق قلب تخللته تلك الرزية العظمى.

غير أنك تنتظر التأريخ ليفتح لك عن صفحاته سارداً ما قد حل لسيدة نساء العالمين من بعد هذه الفاجعة.

أجل.. فها هو الجمع قد وفد إلى بيت بنت المصطفى.

واي جمع يا ترى؟!

هل هو الجمع الذي يحمل معه الحزن، يندب الرسول و يواسي بتوله، و يحمل معه رايات عزاء نقشت عليها حروف المصاب للنبي الراحل؟!!

لكنه عكس المتصور.. الذي يخمنه العقل، لانهم جاءوا من أجل هوى النفوس، و طموحها إلى ما لا يحبه اللَّه و لا يقبل به رسوله.

فها هي حناجرهم القوية تزعق بقسوة:

- (اخرج يا علي).. فتخترق هذه الكلمات بيت المثكولة المفجوعة.. فتقوم فضة جارية البتول لتفتح الباب لترى ما الذي جرى، في حين تعلو قسمات علي أطياف

/ 27