زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) - نسخه متنی

ام الحسنین البغدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


تابوت البين يبهج الزهراء


أخذ اليل يتلمس طريقه بجلبابه الأسود.

و لتأخذ النجوم محلها في الكون.

في ذلك الوقت دخلت (اسماء بنت عميس) المرأة الطاهرة، اليت اعتادت ان تعيد و تعين سيدتها الزهراء في مرضها، فنظرت إلى بنت نبيها فرأتها مشرفة على الموت لا محالة.

فهامت في كآبة شديدة جعلتها ساكنة لا تستطيع ان تنبس ببنت شفة.. اذ صارت عيناها تلتمع فيها موجة الدموع على حال فاطمة البضعة.

كانت الزهراء تعلم ما يدور في ذهن اسماء.. فكسّرت خواطرها الحزينة هذه، و كلمتها قائلة:

- (اني استقبحت ما يصنع بالنساء انه يُطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن راى، الا تجعلين لي شيئاً يسترني).

فقالت أسماء و هي تأخذ بأنامل سيدتها و تمسح بها دموع عينيها:

- (سيدتي أني اذ كنت بأرض الحبشة، رأيتهم يصنعون شيئاً أفلا أصنع لك؟ فقالت الزهراء- نعم).

(فدعت أسماء بسرير فأكبته لوجهه، ثم دعت بجرائد فشدته من قوائمه، ثم جللته ثوباً، و قالت: هكذا رأيتهم يصنعون).

[عن أنس في نورالابصار ص 40، بيت الاحزان للقمي، الانوار البهية، ذخائر العقبى ص 53 البيهقي في سننه ج 4 ص 34.]

فقالت سلام اللَّه عليها و قد اشرقت سرائرها، و فاض نور دافق رائع الجمال من عينيها، و كأنها مخلوق جديد، تخلت عن كل احزانها التي كانت تمتلك روحها.

.. ففغرت شفتيها، و توردت و جنتاها و قد افترت عن بسمة فياضة بالبشر و الفرحة:

- (اصنعي لي مثله، استريني سترك اللَّه من النار.

- ثم أردفت:- ما أحسن هذا و أجمله لا تعربه المرأة من الرجل).

فدهشت اسماء دهشة عظيمة، و هي ترى كل هذا الحبور والفرح يعلو سيدتها، بعد ان فارقتها الابتسامة عند رحيل أبيها الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم.

مرض الزكية يقض مضجع بيت الرسالة


.. و لم تلبث الزهراء في حياتها بعد وفاة أبيها، إلّا أربعين يوماً على حد قول بعض الروايات.

و بما ان المصائب قد تكالبت على عاتقاها، فأنها قد أخذت منها مأخذاً.. فصارت لا تقوى على تقليب جنبيها من وهون و اعياء.

و وقف الزوج بجنب زوجته يغمرها بحبه، و كأنما الايام ابت ان تسالم هذا الرجل، الذي طالت اساءتها إليه، أوتهادنه.. حتى ان فدحته بأعتى مصاب بعد رزئه في رسول اللَّه.

فأن نبوء محمد حبيبه تملّكه الأسى، و تنشب حزناً في قلبه.

اذ انه يرى الفجيعة المخوفة باتت على و شك الوقوع.

فقد حان اخيراً موعد اللقاء بين الاب وابنته.. في دار سوى الدار.

.. و لم تغادر الزهراء نظراتها لعلي.. فمدت كفها الناحلة اليه، وهمست بهدوء:

- (صدق رسول اللَّه).. و علي يسمع هذه الكلمات.. فظل ساكتاً لا يقوى على لفظ كلمة.. فتنوب عنه الدموع..

انه فهم ما تعنيه.. فقد حضرته الصورة القديمة، الصورة التي ما فارقت الزهراء، يوم عادت الرسول في بيت عائشة، فحدثها بما ابكاها، ثم بما اضحكها.

فكأن هذا كان بالامس.. ثم يلتفت أبوالحسنين إلى جانبه فيرى ولديه صامتين أمام رهبة ما يريان.. و قد جمدت الدموع في مآقيهما.. و لا ادري ان كانا كذلك لانهما يريان المصير، الذي سيؤول بأمهما.. ام لانهما يخافان ان يؤذيانها ببكائهم، أو بعبسة الم تصدر منهما.

ثم تنتقل النظرات والعبرات إلى زينب الصغيرة.

التي أقتسمت ملامحها من الجد و الأب و الام و الاخوين.

زينب التي لم تنتهل تماماً من حنان الام، لان الايام لم توصع لها ذلك.. بل لم تترفق بحداثة سنها، فكبرت سنينها القلائل هذه على الحزان والدموع.. فصارت عالمة بخبايا الامور.. والمورثة من اُمها مالا يعلمه إلّا المعصوم.

.. فكان قلبها الصغير السريع الخفقان يشعر بفداحة المصير.

وها هي الآن راكعة عند قدمي اُمها. فيعيها ما ترى فتحتفظ بالسكون.

لكن عبرتها لم تقاوم فتجهش باكية صارخة بقوة.. فترتمي كعادتها على صدر والدتها، كما تفعل كلما احزنها امر.. و تدفن وجهها في الصدر الدافى ء، فتشعر بانفاسه المختنقة، فتذهب مرة اُخرى في نشيج مكتوم.

ثم تلوح على وجه الام سحابة رقيقة مترفعة من الرثاء للبنت الصغيرة وللغلامين.

لكنها تبدو متحملة كل هذه الانظار الحزينة، التي تدور من حولها.. في وجوه من تحبهم.

فيسرع الحسين إلى جانبها.. و يسعى الحسن ليتناول كفيها.

فتجتمع القبلات بقبلة ليطبعاها على العيون التي ستفارقهم عما قليل.. فيلثمان ايدها في خشوع و أنّات و زفرات.

- (اُماه اُماه بالامس فُجعنا بجدنا واليوم أنت).

فيرتمي الجميع في الحضن الطاهر و تختلط مدامعهم بدموع اُمهم.. و هم ما يزالون في دهشة.

- (اَو حقاً ستفارقنا اُمنا البتول).

و وئيداً وئيداً يترفق الاب بالاولاد حتى خلفوا المكان.. عند ذلك عاودت الزهراء حديثها في خفوت:

عِبر في وصية الزهراء


- (يا بن عم انه قد نعيت إليَّ نفسي، و انني لا ارى مابي إلا انني لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، و انا أُوصيك باشياء في قلبي).

فنظر إليها علي و قد فاضت عيناه بالدموع.. و انه الآن ليبكي اسى، و انّ اساه لعلى هذه الزوجة، التي كان يتنسم من اردانها طيب رسول اللَّه.. و كانت عزاء له بعده.

و انه لعلى شبابها الغض الاهاب، الذي عاش في الدنيا كعمر الزهور.

و انه لعلى حدبها عليه، و حرصها على حقه، حرصاً فاق حرصه هو على هذا الحق مرات و مرات، حتى لقد ظلت ابداً غاضبة لا يتفتح قلبها عن الرضا على من سلبوه حقه.

.. فجلس أميرالمؤمنين عند رأسها و اجابها:

- (أوصيني بما أحببت يا بنت رسول اللَّه).

فقالت بصوت هادى ء تملؤه الرقة والخشوع:

- (يا بن عم ما عهدتني كاذبة، و لا خائنة، و لا خالفتك منذ عاشرتني) فقال:

- (معاذ اللَّه أنت اَعلم باللَّه و ابر واتقى و أكرم و أشد خوفاً من اللَّه أن اوبخك بمخالفتي، قد عز عليَّ مفارقتك و تفقدك إلّا أنه أمر لابد منه واللَّه جددتِ مصيبة رسول اللَّه، و قد عظمت وفاتك و فقدك فانا للَّه و إنا إليه راجعون.. من مصيبة ما افجعها والمها و امضها و احزانها واللَّه مصيبة لاعزاء لها ورزية لا خلف لها)..

فبكيت و بكا.

فأخذ راسها و ضمها إلى صدره الشريف ثم قال:

- (أوصيني بما شئت فأنك تجديني امضي فيها كما أمرتني به واختار امرك على أمري).

فتنفست الصعداء و قالت:

- (جزاك اللَّه خير الجزاء يا بن عم رسول اللَّه).

ثم أوصته بأن يتزوج بعدها امامة بنت اختها زينب، لانها ارحم و أرءف بأولادها.

لان علي ما عرف امرأة قبل و في حياة الزهراء تكافى ء بنت المصطفى.

فكانت فاطمة نعم الزوجة الصالحة المطيعة.

.. ثم اردفت تقول بصوت متكسر.. و قد ازداد وجهها استبشاراً.

- (واتخذ لي نعشاً و لا يشهد احد جنازتي، من الذين ظلموني واخذوا حقي و ان لا يصلي عليَّ أحد منهم و لا من اتباعهم، و ادفني بالليل اذا هدئت العيون و نامت الأبصار).

فاغرورقت مآقيها بفيض الدموع و هي تقول:

- (اذا انا مت فتول أنت غسلي و جهزني وصل عليَّ و انزلني في قبري والحدني، و سو التراب عليَّ واجلس عند رأسي قبالة وجهي فاكثر من تلاوة القرآن، والدعاء فأني أأنس بسماع صوتك، و انها ساعت يحتاج بها الميت الى اُنس الاحياء، و انا استودعك اللَّه تعالى و أوصيك في ولدي خيراً).

فدخلت زينب راكضة نحو حجر اُمها تبكي.

فاحتضنتها البتول و قالت:

- (اذا بلغت فلها ما في المنزل، ثم اللَّه اذا توفيت، لا تعلم أحداً إلّا أُم سلمة و اُم أيمن و فضة.. و من الرجال ابنيّ والعباس و سلمان و عماراً والمقداد و أباذر و حذيفة..).

.. ثم اجهشت ببكاء مُر و قالت:

- (اني احللتك من ان تراني بعد موتي فكن مع النسوة فيمن يغسلني).

ثم شهقت واخذت تبكي بحرقة.. فمالت قسمات علي بالعطف والحب و غام بصره بالدموع فقال:

- (يا سيدتي ما يبكيك): فقالت على الفور و بألم:

- (أبكي لما تلقى بعدي)، فقال:

- (لا تبكي فواللَّه ان ذلك لصغير عندي في ذات اللَّه).

.. ثم قالت له و هي باكية..:

- (لا يؤذن بها الشيخين).

.. لكن هذه الضاوية التي اشفت على النهاية، التي سينزل فيها المصاب.

فاطمة تودع الحياة


الذي تجدد فيه مصاب الرسول. اذ كانت اسماء جالسة في هدوء و قد سربلتها الفرحة اذ وجدت بنت النبي على خير ما ترجو.

حين اتاها صوتها الرقيق النبرات و هي تقول (يا اَمة).

[رواه أحمد في الفضائل ج 6 ص 461، ذخائر العقبى ص 53، أحمد في مناقبه، الدولابي الانوار البهية للقمي، أسد الغابة لابن الاثير ج 5 ص 590.]

- (لبيك يا حبيبة رسول اللَّه).

- (اسكبي لي غسلاً يا اَمة).. فقامت اسماء فأتت لها بما تطلبه من ماء.. حتى اذا اغتسلت أحسن ما يكون، لبست ثياباً لها جدداً كانت قد نبذتها حداداً على أبيها الرسول ثم هتفت ثانية:

- (يا أسماء افرشي لي فراشي وسط البيت).

.. فكأنما قدت سكين من قلب المرأة شطراً..

فنهضت عجلى اليها تحوطها بين ذراعيها و تذرف بين ذلك دموعاً:

- (بأبي أنت و أُمي يا حبيبة رسول اللَّه).

.. فابتسمت نظرات الزهراء، و لم تزد على ان تعيد في هدوء حديثها:

- (اجعلي فراشي وسط البيت).. فأذعنت أسماء.. و كأن دماءاً اخذت تنزف من

عينيها.

و قامت فاطمة على اجمل هيئة الى فراشها فاضطجعت.. ثم بدأت تنظر نظراً حاداً.. و قد اشرقت عيناها بنور ازهر جميل.. اضاء ما حولها.. ثم قالت و هي تهتف:

- (السلام على جبرائيل السلام على رسول اللَّه.. اللهم مع رسولك اللهم في رضوانك و جوارك و دارك دارالسلام).. فقالت تنادي:

- (هذه مواكب أهل السموات و هذا جبرائيل و هذا رسول اللَّه و هو يقول:

يا بنية اقدمي فما امامك خير لك.. فسلمت على جبرائيل و على النبي و على ملك الموت، فسمع حس الملائكة و وجدت رائحة الطيب كاطيب ما تكون).

فالتفتت نحو اسماء و قد اُزهر وجهها و اشرقت عيناها فقالت:

- (ان جبرائيل اتى النبيّ لما حضرتهد الوفاة بكافور من الجنة فقسمة ثلاثاً، ثلثاً لنفسه، و ثلث لعلي، و ثلث لي، و كان اربعين درهماً).

فقالت و طافت عليها بسمة:

- (يا أسماء ايتني ببقية حنوط والدي من موضع كذا و كذا.. فضعيه عند رأسي).

ثم تسجت بثوبها، الذي أخذ يشع منه النور كالشمس و قالت:

.. (انتظريني هنيئة ثم ادعني فان أجبتك و إلّا فاعلمي أني قدمت على أبي).

.. فعندما سمعت أسماء هذا الكلمات، اصطكت اسنانها و سرت رعشة في بدنها.

ثم صرخت بشدة و زيغ.. والدموع تسيل من عينيها:

-(سيدتي فاطمة يا بضعة رسول الانام).

لكن الزهراء كانت قد قضت من هذه الحياة، و فارقتها..

.. سكتت اسماء لهول ما رأت.. لكنها عادت إلى رشدها.. فصرخت بأعلى صوتها لفادح المصاب:

- (يا بنت محمد المصطفى، يا بنت اكرم من حملته النساء، يا بنت خير من وطأ الحصى،

يا بنت من كان من ربه قاب قوسين أو ادنى).

لكن الزهراء لم ترد عليها و لن ترد عليها أبداً أبداً.

اهتزت المدينة برحيل الزهراء


.. فهرعت المرأة راكضة هائمة على وجهها نحو المسجاة.. و كشفت الثوب عن وجهها الشريف.. الذي احاطته الانوار مثلما تحيط الكواكب الشمس.

فوقعت عليها تقبلها، و هي تولول قائلة:

- (يا فاطمة اذا قدمت على أبيك رسول اللَّه فاقرئيه عن اسماء بنت عميس السلام).

ثم شقت جيبها و خرجت تركض متعثرة لا ترى ما امامها.. غير صراخ، و صياح يتدفق من حنجرتها.

فتلقاها الحسنان، فعندما نظرت اليهما.. توقفت عن بكائها و صراخها.. فلاحظا شكلها المفزع فقالا لها.. و قلبيهما يطرق بشدة:

- (اين امنا).

.. و بصوت لا يميزه عن التنهد غير رنات الالفاظ الضعيفة قالت باكية:

- (قد خلا البيت).

فأنبثقت الدموع من عينيهما.. و هرعا يركضان نحو الدار.. فدخلاه فأحسا ما كانا يخشيانه.. فاذا الشجنة ممدوة كأجمل ما تكون العروس ليلة عرسها.. فظلت عيناهما جامدتين امام هذا المنظر الضارع.

فبادر الحسين و تقدم نحوها فحركها و عيونه لا تحرك طرفها.. فأدار ببدنه نحو أخيه الحسن و قد علته عبسة و طعنت عيناه بلون أحمر، و أخذ حنكه الدقيق يرتجف، فقال و كأنه يحلم:

- (يا اخاه آجرك اللَّه في الوالدة).

فسقط الحسن عليها يقبل و جنتيها المتوردتين.. و كأنه يرى كابوساً اخافه، لكنه مدَ يده إلى قلبها.. و وضع رأسه عليها كمن يريد ان يسمع ما يقوله القلب.. و بصوت ضئيل ملئته اللوعة و الاسى، قال:

- (اُماه كلميني قبل أن تفارق روحي بدني).

وضل يهمس في أذنيها تارة و يقبلها تارة اُخرى.. و دموعه تستدر من عينيه، و قلبه يخفق سريعاً فارتمى بجانبه الحسين، و اخذ يقبل قدميها و يتمسح بهما، و يقول بنبرات حزينة مفزعة:

- (اُماه انا ابنك الحسين كلميني قبل أن ينصدع قلبي فأموت).

.. فركعت اسماء بجنب الحسنين، و هي تصارع شهقات البكاء، و قد احمرت عيناها كالدم و قالت لهما:

- (يا بني رسول اللَّه.. اِنطلقا إلى أبيكما علي، فأخبراه بموت امكما).. فأشارا بنعم.

و خرجا من الدار راكضين هرعين.. و هما يناديان بنبرات تخنقها الويلات والبكاء:

-(يا محمداه يا احمداه اليوم جُدد لنا موتك اذ ماتت امنا)..

فقض صوتهما اسماع الحي.. فكأنه يصدع بالآذان فارتجفت اجفان الراقدين، واهتزت ابدان السامعين.. فجزعت نساء الحي، و ذعرت ارواح الاطفال.. اذ تبطنت بملابس الدجى بنواح مؤلم، و بكاء حزين مر.. و عويل يتعالى متصاعداً من جوانب أزقة المدينة حتى وصل صداه.. الى المسجد.

فلما أن سمع نداءه علي صدع مغشياً عليه، فسارع المسلمون برش الماء عليه.. فأفاق إلى نفسه و ولداه بجانبه يبكيان و يصرخان.. فاحتضنهما لانهما فقدا كل قواهما فلا يستطيعان ان يتكلما من شدة الفزع والهول، الذي انتابهما.. فحملهما الاب.. و ركض إلى البيت.. إلى دار الراحلة الشهيدة.. و مقلتاه ما تزالان جامدتان.

/ 27