زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) - نسخه متنی

ام الحسنین البغدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


(لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)

[آل عمران آية 92.]فالتقطت قميصها المحفوظ الجميل (احلى قميص وقعت عيناها عليه) و هرعت راكضة نحو الباب و سلمت على الفور قميصها الجديد (قميص عرسها).

[ذكرها الجوزي في (نزهة المجالس).]

.. فسكنت اوداجها، و ارتاحت خوالجها، و اشرقت عيناها بأنوار الملكوت اذ حفتها.

ثم عادت كما كانت تكمل مهام البيت.

كرامة السماء لكرم الزهراء


.. استقلت الشمس وسط الافق.

واخذت اشعتها تطبع ظلال المارة على ساحات الطريق المؤدية إلى المسجد.

فتسقط عمودية قطرة قطرة في مودة صامتة.

.. وها هو بلال يؤذن بصوته الجميل.. والرسول بدأ بأقامة الصلاة، فالظهر قد حل، و بعد ساعات قلائل سيحين وقت المساء، و تزف البضعة الى بيت علي.

اجل اخذت الزهراء مكانها وسط حجرة أُم سلمة.. و درن حولها نساء الرسول يتطلعن الى زهوها و بهائها، و لنور المنبعث منها، الذي كللت به.

و بدين النسوة مستبشرات ضاحكات يباركنّ لها.

.. كنت سيدتي الجليلة تزدادين روعة و اشراقاً، و نوراً و أخذت عيناك ترسلان حزماً من نور تغمرين به عيون الحاضرات، فيبهتن لهذا الحسن و الكمال.

.. فما بقي على زفافها سوى عدة سُويعات.. فلقد أمر النبي زوجاته بتزين

الزكية، فقالت أُم سلمة برقة و حبور:

-.. عزيزتي يا بنت رسول اللَّه، اين قميص زواجك يا بنيتي؟!

.. فأجابت فاطمة برقة صوتها و عذوبته: (دفعته لسائل محتاج)... فشهقت المرأة و هي تمسك بيدها موضع قلبها و قالت بدهشة:

- ماذا ماذا تقولين، ياللَّه يا بنت العصمة.؟!!

ثم تهدج صوتها، و هي تبتلع بعض جرعات الماء.. في حين التفتن النسوة من حولها و هن فاغرات الافواه قد علتهن صفرة التعجب، اذ يقلبن بأيديهن و يقولن:

ما العمل الآن؟!! عند ذلك دخل النبي يحمل شيئاً معه، و هو يتفرس وجه ابنته والفرحة قد و سمته، اذ يرى فاطمة قد إحمَر وجهها بلون الارجوان، و هي ترى الضجة التي احدثنها النسوة.

فسلم الرسول و كان وجهه كفلقة قمر متوهج و قال:

- (يا فاطمة ان اللَّه يقرأ عليك السلام و ارسل لك هذه التحفة هدية و تثميناً لما فعلته هذا اليوم).

.. ثم اخرج ما كان قد تأبطه..

فعجبن النسوة، و صحن و هن مدهوشات مستغربات:

- «انها حلة ما رأتها العيون».

فأقبلن على الفتاة الحسناء يضمخنها بالطيب، فكانت احداهن تمشط شعرها والاخرى تزينها بالحلي (العاج)، و اُخرى تغمرها بكلمات التبريك حتى التففن حولها و البسنها الحلة التي جاء جبرائيل من الجنة

[بحارالانوار ج 43، ذخائر العقبى ص 28، النسائي في كتاب خصائص أميرالمؤمنين ص 22، رواه صاحب الفضائل.]انها لا تقدر بقيمة أو تثمن بثمن.

فارتفعت نبرات النساء بالتحميد للَّه والتسبيح له، فلقد عم الكون العطر الذي كان يفوح من حلة الزهراء و رافقته الارض و بثبت عبيرها الشذى من ازهار النرجس و الياسمين..

.. و اخيراً تركت الشمس سماءها لتفسح للقمر مجاله، اذ كان يبدو قريباً قريباً من الارض، تائماً في الفضاء الذي التمعت فيها النجوم التماعاً غريباً، في حين كان القمر غارقاً بنوره العظيم الذي اكتسبه من محمد و فاطمة و علي فيميل ضوءه الساطع نحو المدينة. (فلقد حل الغروب).

.. فدعا رسول اللَّه ابنته و حبيبته و فلذة قلبه و بضعته.

فأقبلت تمشي على استحياء، تتصبب عرقاً بحلتها الفردوسية، تجر ذيلها على الارض.. و قد غمرها الطيب والبخور.. فتنثر ما حولها عطر الخضاب، الذي اتى جبرائيل به من الجنة.

[بحارالانوار ج 43 ص 114.]

ظلّ النبي يحف ابنته بنظراته و هو يراها تتعثر من شدة الحياء، حتى انها كادت ان تقع على الأرض، فتبسم الرسول بعذوبة و قال:

- (أقالك اللَّه العثرة في الدنيا و الآخرة)

[المصدر السابق.]

.. و ما لبث المصطفى حتى التفت إلى جانبه و نادى علياً.

.. فتقدم الشاب مستحيياً مطرقاً برأسه إلى الأرض، و قد حوطته أنوار الرحمة.. و بعض قطرات عرقه تتساقط من على جبهته.

فكشف النبي له برقع عروسه حتى ان رآها، و هي خجلة فكانت كالشمس حسناً بل شق نور الشمس من نور جمالها الأزهر.. و احمرت قدودها و سطع نورها البهي.

نعم: مولاتي يا زهراء، آن وقت الزفاف.

الزفاف الذي ما نالت مثله امرأة على وجه الأرض، و لن تنله بعدك أبداً.

.. فها هو المصطفى أحمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم خاتم الرسالة العظمى، خير من على الأرض حامل رسالات الكمال البشرية، سيزفك إلى بيت زوجك على ناقته (الشهباء).

سيدتي: اَسمعت قبلا من القصص الكريمة، ان نبياً من الأنبياء قام بما قام به أبوك؟!

لكن النبي الكريم يعلم من تكون هي فاطمة، و ما قدر منزلتها و مقامها و رفعتها عنداللَّه لذا اثنى على ناقته قطيفة ثم قال:

- (اركبي يا قرة عيني).

.. و ساق الناقة سيد الورى والعروة الوثقى، و أخذ سلمان المحمدي زمامها و حمزة، و عقيل، شاهرين سيوفهم تشرق في الافق و هم يمشون خلف ناقة العروس.

فأمر النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم بنات عبدالمطلب، و نساء المهاجرين والانصار أن يمضين في صحبة فاطمة و ان يفرحن و يكبرنّ و يحمدنّ، و لا يقلنّ ما لا يرضي اللَّه.

أعظم زفاف في التأريخ


.. فهبطت انوار و شموس صغيرة اضاءت الطريق لموكب العروسين فاحالت الدنيا صباحا مشرقاً، و احاطت الناقة من كل جانب كواكب من نور، واصطفت الملائكة والحور على جانب الطريق.

فالتفت رسول الرحمة، فرأى اجنحة الملائكة قد نشرت طيبها، و هي ترفرف فوق قطيفة البتول و تقطر من بين اجنحتها مسكاً اذفر، و من حولها حور عين جميلات.

.. فابتسم رسول الانام و قال متعجباً:

- (ما اهبطكم يا ملائكة اللَّه)؟

فارسلت الملائكة عبيراً من الجنة و اجابت:

- (جئنا نزف فاطمة لعلي يا رسول اللَّه).

.. فابتسم أبو الزهراء و حمد اللَّه، اذ يرى جبرائيل أمام الناقة و ميكائيل عن يمينها، والملائكة عن يسارها، و هم يكبرون ماشاءاللَّه من التكبير و التهليل.

[رواه: تاريخ بغداد للبغدادي ج 5 ص 7، محب الدين الطبري ص 32، الحافظ أبوقاسم الدمشقي.]

.. ثم اقترب الامين من الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم قال:

- (ان رب السماوات والأرض قد بنى جنة من اللؤلؤ في كل قصبة ياقوتة مشدودة بالذهب، و جعل سقوفها زبرجداً، ثم جعل فيها عيونا تنبع من نواحيها، و حوطها بالانهار و جعل على الأنهار قبة أريكة من درة بيضاء.. و فرش أرضها بالزعفران لكل قبة مائة باب جاريتان و شجرتان مكتوب حول القباب آية الكرسي).

.. فتهلل واشرق وجه النبي و قال:

- (يا جبرائيل لمن هذه الجنة العظيمة)؟!!

فأجابه الملك مرفرفاً بجناحيه:

- (لعلي و فاطمة خير خلق اللَّه و احبهم و اقربهم إليه).

[رواه الطبراني، ذخائر العقبى، السمان في الموافقة.]

فتعالت التكبيرات تلو الاخرى، و ما فترت ابداً.

.. اجل مولاتي، لا يخفى على التاريخ (اننا اليوم نكبر وراء العروس، لانها صارت سُنة، استوحت من يومك الخالد هذا).

[ذكره في ينابيع المودة ج 1.]

.. توقف موكب العروس.. و اخذت الملائكة تطوف من حوله، لتنحدر من عنده امرأة اذ بدت تجتاز السبيل الملائكي والبشري.. انها (أُم سلمة).

.. وقفت بجنب رسول اللَّه، و استأذنته في ان تنشد البتول شعراً هدية منها..

فارتفعت نبراتها المحبوبة و قالت:


















سرن بعون اللَّه جاراتي واشكرنه في كل حالات
واذكرن ما انعم رب العلا من كشف مكروه و آفات
فقد هدانا بعد كفر و قد انعشنا ربُ السماوات

و سرن مع خير نساء الورى

تفدى بعمات و خالات

[اعيان الشيعة ج 1 ص 312، مناقب أبي طالب ج 3 ص 354.

.




بلى مولاتي البتول يا زينة الدنيا و نورها المضي ء.

كان زفافك اجمل يوم شهده المسلمون جميعاً.. اذ انه كان مفعماً بالحب والايمان.

و هذا ما جعل مشاعر الجميع تنشدك الواناً من شعرها، فالحق كل الحق لأُم سلمة أن تخصك بشعرها و هي ترى صاحب الدين القويم سيد الرسل، المظلل بالغمام، يسوق ناقة ابنته؛ ليزفها إلى بيت بعلها الطاهر علي عليه السلام.

اجل فقد علت وجوه المسلمين مسحة اندهاش، واستغراب، سيطرت على

كل مشاعرهم و احاسيسهم، فهم لهم يشهدوا مثيلاَّ لهذا الزواج والزفاف المحفوف بصفوف الملائكة، و عطور الجنان.

.. و هل يوجد اعظم من محمد النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم الذي احاطت به العظمة والشموخ، و الرفعة، انه مشهد ما رآه الخلق قبلاً و لا من بعد، و هذا ما جعل (عائشة، و حفصة) المعروفتان بجفاف مشاعرهما في ان تنشدا سيدة النساء شعراً لما وقع في قلبيهما من العجب و الابهة.

فتقدمت عائشة من موكب الزهراء بخطوات رشيقة، وارجزت تنشد شعراً مطلعه:










يا نسوة استترن بالمعاجز واذكرن ما يحسن في المحاضر
والحمد للَّه على افضاله والشكر لله العزيز القادر

.. الخ

.. فكبرنّ النسوة من بعدها.

كان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله و سلم بين الفينة و الفينة يتفقد قطيفة زهرائه، اذ يتأملها بعينيه و قلبه يهفو اليها.

فما فاطمة إلّا شجنة من روحه.

فمرت لحظات يسيرات و اذا بحفصة زوجة الرسول، قد اقتربت من ناقته الشهباء كي تعبر عن العظمة التي امتزجت بهذا الموكب، و من على كثب تتقدم بخطى بطيئه، و بدأت تنشد شعراً و هي تحرك بيدها نحو القطيفة تارة، و تارة اخرى نحو الرسول، و هي تقول:














فاطمة خير نساء البشر من لها وجه كوجه القمر
فضلك اللَّه على كل الورى بفضل من خص بآي الزمر
زوجك اللَّه فتى فاضلاً أعني علياً خير من في الحضر

.. الخ




.. فأومأ النبي برأسه الشريف شاكراً لحفصة شعرها الجميل هذا.. و تمتم بكلمات تنم عن استحسانه لهذه الأبيات.

.. ثم سار الموكب من جديد يحمل معه الآمال، و يفيض بها على كل الكون بالخير والحبور.

فقد زفت الزهراء بين الملائكة، و تكبيراتهم و تغاريد النسوة، ترتفع بين الآونة والاخرى حتى اقتربوا من بين الزوجين الطاهرين والذي بدى من بعيد ظاهراً للجميع بضوء قنديله.. فانحدرت من الموكب (أُم سعد بن معاذ) إحدى زوجات النبي، و هي تتقدم بخفة و نشاط نحو ناقة الزهراء.

فمسكت القطيفة بين يديها، و كأنها تريد ان تهمس في اذان فاطمة سراً و بصوت جميل، قالت:














اقول قولاً فيه ما فيه و أذكر الخير و اُبديه
محمد خير بني آدم ما فيه من كبر و لاتيه
و نحن مع بنت نبي الهدى ذي شرف قد مكنت فيه

... الخ

.. ثم رجعت وانضمت إلى باقي النسوة و هي تكبر فرحة مسرورة والنساء يرددن من بعدها ابياتاً من شعرها.

.. وها هي اللحظة الحساسة في حياة الزهراء قد أتت.

اللحظة التي تشعر فيها بالفراق عن أبيها، و عن حضنة الدافى ء.

فتنزلت عند ذلك نجوم متلألآت كي تنير طريق العروسين.

(عروس المساء و الارض)، انها لمستحية خجلة و قد احطنها النسوة من كل جانب. فتقدم الاب الرؤوف.. ثم دعا علياً:

- (يا أميرالمومنين) فأقبل الشاب يمشي بأدب و حياء مطأطاً برأسه نحو الارض، فأخذ النبي زكيته و وضع يدها بيد علي و قال:




- (بارك اللَّه في ابنة رسول اللَّه، يا علي هذه فاطمة وديعتي عندك، و يا علي نعم الزوجة فاطمة، و يا فاطمة نعم البعل علي.. اللهم بارك عليهما و بارك لهما في شبليهما.. اللهم انهما احب خلقك إليّ، فأحبهما واجعل عليهما منك حفيظاً.. و اني اُعيذهما و ذريتهما من الشيطان الرجيم)

[ذكره صاحب الرياض النضرة ج 2 ص 180، أبوحاتم ص 181، المناقب، المتقي ج 7 ص 113، الهيثمي ج 9 ص 209، الطبراني ابن حجر ص 84، الطبري ص 27.]

.. فأدخلها النبي إلى الدار و قال لعلي:- (انطلق بها).

فانطلق على بزوجته، حتى اجلسها بجانب من جوانب الحجرة.. اذ كان الحياء قد طواها.

.. و جلست اذ ذاك أُم أيمن إلى جوار فاطمة، تخفف بحديثها من بعض هيبتها.

فلقد عم الدنيا نور الزهراء حينما ازهر اليوم لعلي، فبدت اروع و أجمل كائنة تحيا على الأرض.

و غطى المكان رائحة طيب العنبر، المتساقطة من أجنحة جبرائيل، ففاح اريجه من على رأسها الشريف عطراً غريباً أطيب من المسك.

.. بلى انها رائحة رسول اللَّه التي ادخرتها فاطمة من عرقه الشريف.

فضمخت بها و بخضاب الجنة.. فصار نسيماً يداعب خدود المسلمين الذين اتوا يزفون ابنة نبيهم.

.. وها هو علي جالس امام زوجته في الجهة المقابلة لها، مطرق برأسه المشعشع بالانوار نحو الارض.. حين دقت الباب يد رفيقه، فانفلتت أُم أيمن من مجلسها كي تفتح الباب، و ما لبثت أن سمعها الزوجان تهتف بصوت فياض بالبشر:

- (تفضل يا رسول اللَّه).. فخاطبها المصطفى صلى اللَّه عليه و آله و سلم قائلاً:

- (اَثم اخي)؟!!

- فملكت الدهشة نفس المرأة و قالت متعجبة:

- (فمن أخوك بأبي و أُمي يا نبي اللَّه)؟!

- (علي بن أبي طالب).

.. فانتفضت المرأة و ارتعبت.. (و كيف يكون أخاك و قد زوجته ابنتك).؟!!

- (هو ذا يا أُم أيمن).

.. فدخل الرسول على العروسين يسطع منه نوره، فنهض له الزوجان اجلالاً و ترحيباً.

فدعا بماء في اناء فتوضأ فيه، ثم نادى علياً فجلس الشاب متهيبا بين يدي نبيه.. ثم نادى حبيبته و بضعته.

.. فأقبلت بغير خمار تتطاير اذيال ثوبها بنفحات نسيم الجنة، و هي تتعثر بمشيتها من الحياء.

فراح الأب الرحيم يأخذ من الماء، فينضح على علي آونة و على فاطمة اُخرى و هو لا يني يرفع صوته بالدعاء إلى اللَّه:

(اللهم بارك فيهما و بارك عليهما، و بارك لهما في نسليهما)

[رواه الهيثمي في مجمعه ج 9 ص 209، ابن سعد في طبقاته ج 8 ص 14- 15، خصائص النسائي ص 32، مستدرك الصحيحين ج 3 ص 159، الطبراني، محب الدين الطبري في الرياض النظرة ج 2 ص 181، أحمد في المناقب، ذخائر العقبى ص 29. كما و اخرجها الدولابي.]

.. ثم أمر النساء بالخروج.. فخرجن جميعهنّ.. فلما أراد النبي أن يغادر المكان لمح سواداً، يتخاطف من بين عينيه كأنه شبح وراء الستار، فقال صلى اللَّه عليه و آله و سلم: من أنت؟!

.. و بعد سكوت ليس بطويل، سمع صوتاً يقول:

- (اسماء يا رسول اللَّه)، فتعجب النبي و قال: (ألم آمرك أن تخرجي من قبل)؟!!

.. و بنفسٍ متقطع تجيب المرأة و قد اعترتها رعشة:

- (بلى بلى بأبي أنت و أُمي ما قصدت).

.. تجمعت الحروف والكلمات وسط حلق المرأة، و كأنها جمدت، اذ بدت كالصبيان تتهجى حتى ان قالت:

- (انني أعطيت خديجة عهداً يا رسول الانام).

.. فعندما سمع المصطفى اسم خديجة رقت قسماته و التمعت عيناه بفيض الدموع فأردفت أسماء:

- (بأبي أنت و أُمي يا نبي اللَّه، فلقد أوصتني أُم المؤمنين خديجة و هي برمقها الأخير تعالج سكرات الموت، أن لا أنسى غربة فاطمة بمثل هذه الليلة، فإن فاطمة اليوم مكسورة القلب لأن الفتاة ليلة بنائها لابد لها من امرأة قريبة منها ان عرضت لها حاجة، أو أرادت أمراً أفضت بذلك إليها.. فجئت أنا لاحرس فاطمة.. فأفي بعهدي الذي عاهدت و أكون كخديجة أقف قريبة لفاطمة، علها تحتاجني بمثل هذه الساعات).

.. فابتسم النبي و قال:- (باللَّه الهذا وقفت)؟!

قالت:- (نعم واللَّه يا رسول اللَّه).

.. فرفع رأسه و يديه نحو السماء، و قال: (يا اسماء قضى اللَّه لك حوائج الدنيا و الآخرة).

[رواه: صاحب مستدرك الصحيحين ج 3 ص 159، الهيثمي ج 9 ص 210، الطبراني، الطبري في الرياض ج 2 ص 181، الذخائر ص 29، خصائص النسائي ص 32.]

من هنا.. التقت عينا علي بفاطمة كي يبدآن حياة جديدة سعيدة، سوية في ظل الاسلام و نبيها العظيم.

فنثرت شجرة طوبى آخر حملها الا و هي صكوك بأسماء شيعتكم و محبيكم.

[فيمن روى ان شجرة الطوبى نثرت رقاعاً أو صكوكاً بعدد محبي آل البيت، أبوبكر الخوارزمي في تاريخ بغداد ج 4 ص 210، الصواعق ص 103، اسدالغابة ج 1 ص 206، ابن الاثير ج 2 ص 358، الاصابة ج 3 القسم (1) ص 134، كما ذكرها صاحب الصحاح. و غيرهم.]

وابتسم الفغران علي و فاطمة، حينما لاح اُفق نوريهما في أعلى عليين. فعلا وجوه الملائكة والحور، و أضاء الكون و الملكوت بنوركما، نور الحب الذي تحملانه.. فتسدلانه على العميم.

غادر نبي الورى المكان، ثم هم ان يجتاز الباب إلى الخارج فمنعه حنان الأب و عطفه، و حبه و شدة التعلق الذي كان يربطه و فاطمة..

اذ كان يحرص كل الحرص في ان يقرنها بمن يحقق لها السعادة.

.. كل هذه المشاعر و الاحاسيس تجمعت كلها في رقة نظراته و عذوبة ابتسامته.. فالتفت يقول لها اذ يودعها:

- «واللَّه ما الوت أن زوجتك خير أهلي»

[خصائص النسائي ص 32، الهيثمي في مجمعه ج 9 ص 207، مع قليل من التغيير، مستدرك الصحيحين ج 3 ص 159، مع قليل من التغيير، أحمد في المناقب، الطبراني، الطبري في الرياض النضرة ج 2 ص 181، ذخائر العقبى ص 29.]ثم ترك بينهما الوفاق و الوفاء و بركة الدعاء، الذي دعا لهما به و لم يخص أحداً غيرهما و ظل لسانه يدعو حتى توارى صلى اللَّه عليه و آله و سلم.

/ 27