زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

زهراء عبق الرسالة و عبیر محمد (ص) - نسخه متنی

ام الحسنین البغدادی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




.. و ان خير دليل لهم هو الكتاب الذي بين أيديهم، و هو يرتل آياته في اناء اليل و أطراف النهار.. يبين مدى ايثار آل بيت محمد على أنفسهم، و تحملهم مرارة الجوع ثلاثة أيام وفاءاً بنذرهم.. فتصدقوا في اوله لمسكين، و في ثانية ليتيم، و ثالثه لاسير..


و ظلت ابدانهم ترتعش من الجوع.. حتى ان الحسن والحسين ابكيا جدهما الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم عندما رآهما على هذه الحالة و الهيئة، و قد غارت عيناهما، حيث احتضنهما أبوهما أميرالمؤمنين يخفف ببركته عنهما.


و من ورائهم امهما فاطمة، و قد شدت على بطنها حجراً، فاستوى بدنها كالجدار من شدة ضعفة.. و هذا ما قد اوضحه اللَّه سبحانه و تعالى، ولم يجعل فيه متشابها حتى يبرز فضل هذا البيت الطاهر. فقال عز و جل:


(و يطعمون الطعام على حبه مسكيناً و يتيماً و اسيراً.. إنما نطعمكم لوجه اللَّه لا نريد منك جزاءاً و لا شكوراً انا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريرا، فوقيهم اللَّه شر ذلك اليوم ولقيهم نضرة و سروراً و جزاهم بما صبروا جنة و حريراً، و هكذا إلى قوله تعالى و كان سعيكم مشكرواً)


[سورة الانسان الآيات 14- 16.]


.. فلقد خلدت فاطمة و بعلها و ولداها في هذه الآية الكريمة.


والتي ابانت تلك الرفعة والمنزلة العظيمة لهم عنداللَّه.


.. ام انهم نسوا منزلة الحسن والحسين.. فكيف لا يقبلان شهادتهما و قد رأيا بأم عينهما، و شهد معهم كل المسلمون كيف ان الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم قبل بيعتهما (تحت الشجرة).. للعلم؟!


ان البيعة لا تقبل إلّا من البالغ العاقل الراشد.


.. فقبِلَ النبي بيعتهما لما يحملانه من علوم و حكمة.. رغم صغر سنهما فكيف


يرفض الرجل شهادة من قِبَلَ رسول الاسلام شهادتهما. و هو العالم بهما و من يكونان.


افلم يسمع نبرات رسول اللَّه العذبة التي لا تني تردد دوماً أمام جميع المسلمين و هو محتضن لريحانتيه.


«الحسن والحسين إمامان إن قاما أو قعدا».


و اذا انكروا هذا، فهل ينكرون نوركم سيدتي، الذي بزغ على هذا الكون المظلم واكتسح الدنيا بأشراقه.. و اخاف الكفره والمشركين.


فيا لجرأتهم التي جعلتهم ينسون نوركم الذي زاد في فخر الاسلام والمسلمين بنبيهم و آل بيته.


فبنور هذه الوجوه الكريمة عنداللَّه، (بآهل الرسول النصارى).


حينما ارادوا ان يتبينوا الكاذب منه و من خصمه.


فخرج المصطفى و عليه مرط من شعر اسود و هو يحتضن ريحانته الحسين و آخذ بيد الحسن، و شجنته، فاطمة تمشي خلف أبيها و وصيه على خلفها.. والرسول ينادي:- (اذا دعوت فأموا).


[عن الشعبي: أخرجه ابن حيان الاندلسي في تفسيره، تفسير البحر المحيط ج 2 ص 479، اسباب النزول ص 75، تفسير الخازن ج 1 ص 226، ابن جرير طبري في تفسيره الكبير، مناقب آل أبي طالب للمازندراني.]


.. فسرى الهلع والخوف في قلوب رهبان النصارى.. فنادى رئيسهم:


- (يا معشر النصارى اني لارى وجوهاً، لو سألوا اللَّه أن يزيل جبلاً من مكانه لازاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، و لا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيمة) فقالوا:


- (يا أباالقاسم اقلنا، أقال اللَّه عثرتك).


فالتفت النبي و طيف ابتسامة تعلوه، و قال لآل بيته:


-(لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، و لاستأصل اللَّه نجران


و أهله، حتى الطير على رؤوس الشجر، و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا).


و هذا ما قد ذكرته تفاسير العامة والخاصة بأجمل معنى، واجادوا في ذلك


[نفس المصادر السابقة.، اذ قال تعالى: (فقل تعالوا ندع ابناءنا و ابناءَكم و نساءنا و نساءكم و انفسنا و انفسكم)


[آل عمران آية 61.]


.. اجل فضلّ اللَّه هؤلاء على العالمين، ليباهل بهم رسوله الكريم.. و لو انه قد وجد من يقوم مقامهم لاستبدلهما، والرسول هو اعلم بالمؤمن المتكامل.


ففضلّ هؤلاء الأربعة على كبار الصحابة، لِما بلغا من المقام المحمود عنداللَّه.


[كما قال البغدادي في تفسيره.]


و بهذه الآيات ما يثلج بأقلها الصدور، و تطمئن بالتصديق معها النفوس، مع تركنا الكثير من الحجج والبراهين التي تدل على صحة شهادة سيدا أهل الجنة.


تهمة لبضعة محمد



.. و بعد سيدتي و مولاتي ماذا اقول، و عن أية منقبة اُحدث، كي ارسم اُفقها على هذه الورقة.


فماذا اقول و انا ارى الحقيقة المتجلية فيكم، و لا اعلم هل لاحد ان ينكر كل هذا.


واي حجة واهية نسبها اليك، و كيف سولت لهم انفسهم ان يردوا شهادة هؤلاء الكرام على اللَّه و رسوله وادعوا ان (فدكاً في ء للمسلمين). و متى كنت سيدتي لا تفيئين حتى بثوبك على الفقراء.


و هل رآها المسلمون يوماً قد سكنت القصور المنيفة؟!


ام قد رأوا علياً قد لبس الحرير و الديباج، وانتعل بنعل الملوك؟!


ام ان عمر قد نسيّ امراً رآه المسلمون، حينما اراد علي ان يتزوج و ليس لديه ما يستحل به ابنة عمه..


اَو ما كان يتذكر مجي الزهراء الى ابيها في المسجد؟!


و قد غارت عيناها و يبست شفتاها، و ولداها من حولها يبكيان تشكي لابيها رسول الانام، الذي يملك الدنيا و ما فيها. قائلة له و هي لا تستطيع ان تنطق بكلماتها:- (الجوع الجوع يا اَبتي)


[ذخائر العقبى ص 24، المناقب صاحب الطبقات الكبرى ج 8 ص 11.]


.. فتترقرق الدموع وسط مقلتي النبي.. و هو يضع اصبعه الشريفة في فيها كي يجعل بركة اصبعه تعم ابنته فتصبرها.


و فعلاً ظلت هكذا الزهراء دوماً، تشتكي المرض والجوع، والتعب.


حتى انها رجت من ابيها خادماً لكنه صلى اللَّه عليه و آله و سلم علمها التسبيحة التي عُرفت


بتسبيحة الزهراء.


فوكل اللَّه لها ملكاً يعينها تكريماً لها لما تحملت وقاست من اجل رضا اللَّه.


و خير من وصف هذا المقام و المقال هي:


ام اَيمن الشاهدة على ضيق عيش الزهراء اذ قالت على لسان الشاعر:




  • و قالت ام ايمن جئت يوماً
    فلما ان دنوت سمعت صوتاً
    فجئت الباب اقرعه ملياً
    اذ الزهراء نائمة سكوت
    فجئت المصفطى شكراً لربي
    رآها اللَّه متعبة فألقى
    ووكل الرحى ملكاً مديراً
    فعدت و قد ملئت من السرور



  • الى الزهراء في وقت الهجير
    وطحناً في الرحاء له الهدير
    فما من سامع او من مجير
    وطحن للرحاء بلا مدير
    باتمام الحباء لها جدير
    عليها النوم ذو المن الكبير
    فعدت و قد ملئت من السرور
    فعدت و قد ملئت من السرور



قبر محمد سلوى لفاطمة



هذه هي البتول الانسية..


و هؤلاء هم الشهود الذين اتت بهم الى الخليفة.


وها هو الرجل ينكر كل هذا و ذاك..


فها هي زهراء المصطفى تخرج من عند الخليفة و صاحبه. باكية حزينة.. في حين كانت نظرات علي تتابعها و تتأملها.


اذ انه يستشعر ذلك المصاب الذي حل على هذا القلب الطاهر.. فتلقاك علي سيدتي بقلبه، الذي يحمل دفقاً من الحب والاجلال.


.. فعطفت نحو البقيع واخذت تقطع طريقاً لها و هي تنظر من بعد الى قبر ابيها.. فلم يمنعها علي.. لكنه كان يوجس خيفة في نفسه اذ يرآها مكبلة بالاحزان مريضة.. و زفرات اكتنفت فؤادها.


فكانت خطواتها متعثرة واهنة الى ان وصلت القبر.. فدنت منه دنو النحلة لغابة الازهار.


و بدأت تتفحصه بعينيها.. و كأنها ترى زهور القرنقل الحمراء قد ازهرت حول القبر.. و لفته تيجان الزنابق..


و اذ الصباح يبلل خدود الورد برذاذ الندى.. فيصبح عنقها ساقاً عطرياً يرسله نحو الاثير..


هذا هو القبر الذي تراه فاطمة فقط، جنة فردوسية على الارض.


فبقيت عيناها تدوران حوله والدموع آخذه بالانحدار.


فجثمت على حافته، و هي لا تحرك ساكنة، و ما ان ركعت حتى سقطت مغشياً عليها.. و حفنات التراب ما زالت بقبضتها..


فتبادرن النسوة هارعات لها ملبيات فنضحن عليها الماء.


فأفاقت و شفتاها تعبر عن اساها اذ تقول:


- (رفعت قوتي و خانني تجلدي.. و شمت بي عدوي، والكمد قاتلي، يا ابتاه).


.. ثم انفجرت باكية.. و هي تردد:


(بقيت و الهة وحيدة، حيرانة فريدة. فقد انخمد صوتي، وانقطع ظهري و تنغص عيشي و تكدر دهري، فما اجد يا ابتاه بعدك انيساً لوحشتي و لا راداً لدمعتي).


فبكت النسوة اللائي كن بقربها.. و نادت يا ابتاه:




  • ان حزني عليك حزن جديد
    كل يوم يزيد فيه شجوني
    فأي دمعه لفراقك لا تنهمل و
    و أي جفن بعدك بالنوم يكتحل
    رميت يا ابتاه بالخطب الجلل



  • و فؤادي واللَّه صب عنيد
    واكتيابي عليك ليس يبيد
    أي حزن بعدك لا يتصل
    رميت يا ابتاه بالخطب الجلل
    رميت يا ابتاه بالخطب الجلل




.. (و لم يكن الرزية بالقليل، فمنبرك بعدك مستوحش، و محرابك خال من مناجاتك، و قبرك فرح بمواراتك، فوا اسفاه عليك إلى أن أقدم عليك).


.. ثم شهقت و انت أنة كادت روحها تخرج ثم قالت:




  • قل صبري و بان عني عزائي
    عين يا عين اسكبي الدمع سحا
    يا الهي عجل وفاتي سريعاً
    قد نغصت الحياة يا مولائي



  • بعد فقدِ لخاتم الانبياء
    ويك لا تبخلي بقيض الدماء
    قد نغصت الحياة يا مولائي
    قد نغصت الحياة يا مولائي




الويل لشانئك



.. رجعت الزهراء إلى البيت برفقة بعلها و ولديها.. و ريثما استقلت على فراشها.. و قد خبى ء لونها وامتقع بحمرة الحمى.


كان عليّ بقربها يتأملها بعينيه الحزينتين الصابرتين على كل هذا المصاب، الذي حل على فلذة المصطفى.






فالتفتت إليه الزهراء، بعينيها الغائرتين بالدموع، و بقيت تنظر في وجهه عله يسكِّن شيئاً من عبرتها المتقدة.. ثم قالت له:


- (يابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين، و قعدت حجرة الظنين نقضت قادمة الاجدال، فخانك ريش الاعزال).


.. فنزلت الدموع على خديها و غصت غصة في صدرها، ثم قالت:


- (هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحيلة أبي و بليغة ابني.. لقد أجهر في خصامي والفتيه الد في كلامي حتى حبستني قيلة نصرها، والمهاجرة وصلها و غضت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع و لا مانع.. خرجت كاظمة وعدت راغمة).


فاُجهشت بالبكاء، ثم عادت و أكملت تقول:


- (أضرعت خدك يوم اضعت حدك افترست الذئاب و افترشت التراب ما كففت قائلاً و لا اغنيت باطلاً و لا خيار لي ليتني مت قبل هنيئتي و دون ذلتي عذيري اللَّه منك عادياً و منك حامياً، ويلاي في كل شارق، ويلاي في كل غارب مات العمد و وهت العضد، شكواي إلى أبي و عدواي إلى ربي، اللهم انت أشد قوة و حولاً و أشد قوة و حولاً و أشد بأساً و تنكيلاً).


فتعرق جبين الوصي، و هو يحاول ان يسكن من احزان زوجته فقال:


- (لا ويل عليك، الويل لشانئك، نهني عمن وجدك يا ابنة الصفوة و بقيّة النبوة، فما ونيتُ عن ديني و لا اخطأت مقدوري، فان كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون و كفيلك مأمون و ما أُعد لك افضل ممّا قطع عنك، فاحتسبي اللَّه).


.. فأبصرت بوجه علي و هي تحمل ذلك الاكبار و الاعزاز له و قالت:


- (حسبي اللَّه) وامسكت.


[نقلها الشيخ القمي في بيت الأحزان.]


مرض فاطمة



.. و هكذا لزمت فراش المرض طريحة فيه.


بعد ان نحل جسمها، و ذاب لحمها، وجف جلدها على عظمها، و غارت عيناها، و صارت كالخيال.


.. و ما زالت معصوبة الرأس باكية العين، محترقة القلب.


فتطوف بها الذواكر فترجعها ايامها النصرمات، حينما كانت ترتع بين احضان صدر ابيها و روحه العطوفة.


.. فريثما تصاب بدوار في رأسها.. فتنفجر باكية صارخة و هي تقلب بأناملها على شعر وليدها الحسنين و تقول:


- (اين أبوكما، الذي كان يكرمكما و يحملكما مرة بعد مرة، أين أبوكما، الذي كان أشد الناس شفقة عليكما، فلا يدعكما تمشيان على الأرض).


[و لوجود العشرات من المصادر عن حب الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم للحسن و الحسين عليه السلام.. تركت ايرادها و هذا لا يختلف فيه اثنان إلّا من أصم اللَّه قلبه.](المقصود هنا أبوكما الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم)..


فيزداد حزنها أكثر و هي تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها، و فراق والدها.


فتستوحش اذا جنها الليل لفقد صوته، الذي كانت تسمعه يترنم و يسمو بين حناياها و هو يرتل القرآن.


فترى نفسها مغصوبة الحق بعد أن كانت في ايام أبيها عزيزة مكرمة يحوطها بحنانه و يطبع على وجهها الطاهر قبلاته التي اعتادتها منه، و كانت غذاءها صباحاً و مساءاً. فترثيه قائلة:




  • اذا مات يوما ميت قل ذكره
    اذا اشتد شوقي زرت قبرك باكياً
    انوح واشكو لا أراك مجاوبي



  • و ذكر أبي مذ مات واللَّه ازيد
    انوح واشكو لا أراك مجاوبي
    انوح واشكو لا أراك مجاوبي



.. اجل أخذ حزن فاطمة يزداد مع اللحظات.. فصار حزنها يفوق حزن العالمين.


فطالما كان يراها أميرالمؤمنين، و هي تفتش عن قميص رسول اللَّه، الذي اُغتسل فيه.. حتى انه اشفق لحالها، فأخرجه لها.


فرآها تقربه إلى شفتيها فتقبله و تشمه و تضمه إلى صدرها، علّه يسكِّن من جمرتها.. لكنه اصبح كقميص يوسف.


فقد كادت تفارق حياتها حينما تراه، فسارع علي فغيبه عنها.


لكن الزهراء لن تنته من القميص، حتى تقع عينيها مرة اُخرى على لمسة من لمسات أبيها.


.. كل هذا ترك الاثر الكبير في نفسيَ الحسن و الحسين.


فهما لم ينيا ان يتركا امهما قليلاً، حتى يرياها سابحة في بحر من الدموع، فيرجع بهما الماضي و خواطره الجميلة، فكأن لسان حالهم يقول:


(أين الابتسامة والفرحة يا اُماه.. فقد غارت تلك العيون الرائعة واكتحلت بخيالات التوجع والألم).


.. اجل نسى عصفور البر تغريده على الافنان.


و نسي العبير نسيم رسائل حبه، التي كانت تعطِّر الارجاء.


و هذه الكواكب في سمائها، والشموس في افلاكها، والازهار في رياضها والأعشاب في مروجها، صارت تعيش في حزن.


تعيش على أنات و نحيب و عويل.. قرب بيت الأحزان.


انها لتحزن لهذه الدموع و تلك الصرخات التي انطلقت من منبع روح فاطمة.


(بلى سيدتي).. ضجرت مدينة ابيك ذلك النحيب.. واحبته بل عشقته الطبيعة لانها تحب البراءة.. والعفة.. التي تنطويان في شخصك. تلك الطبيعة التي تودّع






الزهراء و بكاءها.. كل يوم.


حينما تتوارى الشمس خلف الافق.


فيأتي علي فيرجعها إلى بيتها، الذي تذكرها زواياه و حواشيه بشبح محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم.


.. هكذا كان شأن صباحها و مسائها.


فلم تزل تبكي بكاء يعقوب ليوسف، حتى ذهب بصرها ذهاب الصبر، فلم تستطع عن يوسفها صبراً.


نصرة النساء للزهراء



.. فظلت طريحة الفراش.. و هي تجود بنفسها الشريفة.


حتى اجتمعن لديها نساء المهاجرين والانصار.. ليعدنها فيسألنها عن صحتها و هنّ يكتمن مدامعهن.


فمرض فاطمة كان اشبه شي ء بمرض ابيها صلى اللَّه عليه و آله و سلم.. فكانت عيناها تشرق ملتمعة كالثلج عندما تسقط عليه اشعة الاصيل، لانها تعلم ان اللقاء قد اقترب.


فاقتربت منها أُم سلمة.. المؤمنة الصالحة.. و هي تصطنع التبسم و تكتم الدمعة قائلة:



(كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول اللَّه).. فأجابت البتول من بعد صمت ليس بالطويل.. و هي تئن:



(أصبحت بين كمد و كرب، فُقد النبي و ظُلم الوصي، هُتك واللَّه حجابه من أصبحت امامته مقتضية على غير ما شرع اللَّه في التنزيل و سنها النبي صلى اللَّه عليه و آله و سلم في التأويل).


ثم تحسرت و قالت و قد التهبت عيناها بحمرة متجمرة:


- (لكنها احقاد بدرية، و ثارات اُحدية، كانت عليها قلوب النفاق مكمنة، لامكان الوشاة،






فلما استهدف الأمر، أرسلت علينا شابيب الاثار من مخيلة الشقاق، فينقطع وتر الايمان من قسى صدورها، و لبئس ما وعداللَّه من حفظ الرسالة، و كفالة المؤمنين، احرزوا عايدتهم غرور الدنيا بعد استنصار عمن فتك بأبائهم في مواطن الكرب و منازل الشهادات).. الى نهاية كلامها سلام اللَّه عليها.


.. فأعادت النساء قولها على رجالهن.


فجاءت وجوه المهاجرين و الانصار و هم يبدون اعتذارهم للصديقة الطاهرة قائلين:


- (يا سيدة النساء، لو كان أبوالحسن ذكر لنا هذا الأمر، من قبل ان نبرم العهد و نحكم العقد لما عدلنا إلى غيره).


فتحسرت بلوعة، و نزلت دمعة من مقلتيها، و قد تصرم صوتها و هي تقول:


- (اليكم عني فلا عذر بعد تعذيركم و لا أمر بعد تقصيركم).


ظلم الامس لا تغفره دموع اليوم



.. بكى أبابكر حينما اتته شكوى بنت نبيه.. فثاب إلى مدامعه عساها تفى ء على روحه بعض الراحة..


فأنه يعلم من هي فاطمة اذا صعدت شكواها منه إلى اسماع الرسول.


فانطلق هو و عمر إلى بيتها يستر ضيانها مما كان قد بدر منهما، و كل املهما ان يمحوا ما لعله علق بنفسها في ذلك اليوم.


حينما ابيا عليها ان يكون لها نصيب من أرض فدك، التي خلّفها ابوها لها.


و كان شعور الخليفة يستحثه ان يلتقي علياً، الذي ظل عفاً نبيلاً صافي الروح والقلب، والذي لم يفكر يوماً في ان يلج مع خصمه برغم ما بدر عنه.. بل عسى ان يكون الاول و الاخير بين الناس من آبى على من ناصره ان يتحدث أو يجرح كرامة






غريمه أو يحط من قدره.


.. و استأذنا الشيخين على فلذة المصطفى.


فأبت سيدة الاحزان، حتى ان عمر أتى علياً فقال له:


- (ان ابابكر شيخ رقيق القلب، و قد كان مع رسول اللَّه في الغار فله صحبته، و قد اتيناها غير هذه المرة مرات نريد الاذن عليها، و هي تأبى ان تأذن لنا، فأن رأيت تستأذن لنا عليها فافعل).


.. فنظر علي الى عمر.. و قد فاض من عينيه و ميض من الاشفاق.. رغم ما تحمل من أذى و ألم بسببهما و قال: (نعم).


فدخل علي على فلذة محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم يترجاها في ان تأذن لهما، كأنه ولي لهم، و لم يكن الخصم و الغريم.


فنظرت إليه الزهراء نظرة دهشة و اعجاب، في حين كانت مقلتاها تستدر منها الدموع، فقالت:


(واللَّه لا أأذن لهما و لا اُكلمهما كلمة من رأسي حتى القى أبي فاشكوهما بما صنعاه وارتكباه مني).


لكنها سمعت صوت علي الرقيق و هو يقول لها:


- (اني ضمنت لهما ذلك).


فقالت و هي تمسح دموعها، و لما رأت من توسل و ترج من علي زوجها، قالت:


- (ان كنت قد ضمنت لهما شيئاً فالبيت بيتك والنساء تتبع الرجال لا اخالف عليك بشي ء فأذن لمن أحببت).


.. أنت سيدتي حقاً أن تكوني سيدة نساء العالمين من الاولين و الآخرين، لأنك مثال للمرأة الصالحة والزوجة المطيعة.


لانك ما اردت اغضاب زوجك أو عدم اطاعته بهنة.. و ذلك هو التكامل في


الشخصية و خوالجها و مشاعرها.


.. فأنك بهذه اللحظة رغم ما تعانين من مرض كانوا هم مسببيه رضيت و قبلت بما اراده منك زوجك.


فيا لعظمة روحك.. و هنيئاً لنا.. أن نقتدي بمن هي أهل للاقتداء.


.. أجل خرج علي فأذن لهما بالدخول على بنت المصطفى الرسول صلى اللَّه عليه و آله و سلم، فدخلا و قرءآها السلام فلم تجب.


فالتفت أحدهما نحو الآخر يستفسران لكن؟!!


ثم تقدما فقعدا امامها فحولت وجهها عنهما فتحولا و استقبلا وجهها سلام اللَّه عليها حتى فعلت مراراً، ثم قالت:


- (يا علي جاف الثوب).. ثم قالت للنسوة اللائي حولها.


- (حولن وجهي).


فلما حولن وجهها حولا إليها و سألها أن ترضى عنهما، و تصفح عما كان منهما اليها فقالت بنبرات حزينة:


- (أنشدكما باللَّه، اتذكران رسول اللَّه استخرجكما في جوف الليل بشي ء كان حدث من أمر علي فقالا:


- (اللهم نعم)، فقالت:


- (انشدكما باللَّه هل سمعتما النبي يقول: «فاطمة بضعة مني و أنا منها من آذاها فقد آذاني و من آذاها في حياتي كمن آذاها بعد موتي» قالا:


- (اللهم نعم) فقالت:


- (الحمدللَّه).


ثم رفعت يديها و هما ترتجفان و قالت بقنوت:


- «اللهم أشهدك فأشهدوا يا من حضرني، انهما قد آذياني في حياتي و عند موتي، واللَّه لا اكلمكما من رأسي كلمة حتى القى ربي فاشكوكما إليه بما صنعتما بي وارتكبتما


مني».


[الامامة و السياسة ج 1 ص 14- 18، اعلام النساء ج 3 ص 1214، البخاري في صحيحة، كما و رويت هذه الرواية القائلة بهجران فاطمة أبوبكر حتى توفيت عليهاالسلام في باب غزوة خيبر.. كما و رواها كتاب الفرائض، صحيح مسلم في كتاب الجهاد، و في مسند أحمد بن حنبل ج 1 ص 9، في النسخة المطبوعة بالميمنة، البيهقي في سننه ج 6 ص 330 طبع حيدرآباد، الترمذي في صحيحه، بيت الاحزان للشيخ القمي.


(اعتراف أبي بكر بكشفه لدار فاطمة) عليهاالسلام تاريخ الامم والملوك دخل عبدالرحمن بن عوف على أبي بكر فقال له: ارجو أن تكون بارئاً فقال ابوبكر في مرضه الذي توفي فيه: اني لا آسي على شي ء من الدنيا إلّا على ثلاث فعلتهن وددت أني تركتهن إلى أن قال: فوددت أني لم اكشف بيت فاطمة عن شي ء. الطبري ج 2 ص 619، ميزان الاعتدال للذهبي ج 2 ص 215، و كنزالعمال ج 5 ص 631، لسان الميزان ج 4 ص 219، مروج الذهب ج 2 ص 301.]


.. فكان وقع كلمات الزهراء اشد من وقع ضربات السيف عليهما.


فمادت الارض من تحتها.. و دارت كالرحى.. حتى سارا من هول ما لقيا يترنحان.


عند ذلك دعا أبابكر بالويل و الثبور، و قال و هو يطفق برأسه و يضمه بين يديه:


(ليت اُمي لم تلدني).


و غادرا الدار و قد خبأ املهما في أرضاء زهراء محمد صلى اللَّه عليه و آله و سلم.


في تلك اللحظات التفتت الزهراء نحو علي و قالت و هي حابسة لجأشها:


- (قد صنعت ما اردت)؟ قال: (نعم) فاردفت:


- (فهل أنت صانع ما آمرك)؟


فقال متألماً لحالها:- (نعم).. فقالت و هي تزفر بحرقة:


- (فأني أنشدك اللَّه أن لا يصليا على جنازتي و لا يقوما على قبري).


/ 27