حیاة الصدیقة فاطمة دراسة و تحلیل نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حیاة الصدیقة فاطمة دراسة و تحلیل - نسخه متنی

محمد جواد الطبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




أفنيتكم و في ممساكم و مصبحكم، يهتف في أفنيتكم هتافاً و صراخاً و تلاوة و ألحاناً، و لقبله ما حل بأنبياء الله و رسله حكم فصل و قضاء حتم (و ما محمد إلّا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئاً و سيجزى الله الشاكرين).


[آل عمران، الآية 144.] أيهاً بني قيلة أأهضم تراث أبي؟ و أنتم بمرءى و مسمع و منتدى و مجمع تلبسكم الدعوة.


و تشملكم الخبرة و أنتم ذوو العدد و العدّة و الأداة و القوة و عندكم السلاح، و الجنّة توافيكم الدعوة فلا تجيبون، تأتيكم الصرخة فلا تغيثون، و أنتم موصوفون بالكفاح، معروفون بالخير والصلاح و النخبة التي انتخبت، والخيرة التي اختيرت لنا أهل البيت، قاتلتم العرب و تحملتم الكدّ والتعب، و ناطحتم الأمم و كافحتم البُهم، لانبرح أو تبرحون، نأمركم فتأتمرون حتّى إذا دارت بنا رحى الإسلام و درّ حلب الأيام و خضعت ثغرة الشرك، و سكنت فورة الإفك، و خمدت ميزان الكفر، و هدأت دعوة الهرج، و استوثق نظام الدين فأنّى حزتم بعد البيان و أسررتم بعد الإعلان؟ و نكصتم بعد الإقدام و أشركتم بعد الإيمان؟ بؤساً لقوم نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم و همّوا بإخراج الرسول و هم بدؤوكم أوّل مرة، أتخشونهم فالله أحقّ أن تخشوه إن كنتم مؤمنين، ألا و قد أرى أن قد أخلدتم إلى الخفض، و أبعدتم من هو أحقّ بالبسط و القبض، و خلوتم بالدعة و نجوتم بالضيق من السعة، فمججتم ما وعيتم، و دسعتم الذي تسوّغتم، فإن تكفروا أنتم و مَن في الأرض جميعاً فإنّ الله لغنيّ حميد، ألا و قد قلت ما قلت هذا على معرفة منّي بالجذلة التي خامرتكم و الغدرة التي استشعرتها قلوبكم، ولكنها فيضة النفس و نفثة الغيظ و خور القناة و بثة الصدر و تقدمة الحجّة، فدونكموها فاحتقبوها دبرة الظهر نقبة الخسف باقية العار موسومة بغضب الجبار و شنار الأبد، موصولة بنار الله الموقدة التي تطّلع على الأفئدة، فبعين الله ما تفعلون، و سيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، و أنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد، فاعلموا إنّا عاملون وانتظروا إنّا منتظرون.


فأجابها أبوبكر عبدالله بن عثمان و قال: يا بنت رسول الله كان أبوك عطوفاً كريماً رؤوفاً رحيماً و على الكافرين عذاباً أليماً و عقاباً عظمياً، إن عزوناه وجدناه أباك دون


النساء و أخا إلفك دون الأخلّاء، آثره على كلّ حميم، و ساعده في كلّ أمر جسيم، لا يحبّكم إلّا سعيد و لا يبغضكم إلّا شقيّ بعيد، فأنتم عترة رسول الله الطيبون، الخيرة المنتجبون على الخير أدلّتنا، و إلى الجنّة مسالكنا، و أنت خيرة النساء، و ابنة خيرة الأنبياء، صادقة في قولك، سابقة في وفور عقلك، غير مردوة عن حقّك و لا مصدودة عن صدقك، والله ما عدوت رأي رسول الله و لا عملت إلّا بإذنه، و الرائد لا يكذب أهله، و إنّي أُشهد الله و كفى به شهيداً أنّي سمعت رسول الله يقول: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث ذهباً و لا فضّة و لا داراً ولا عقاراً، إنّما نورّث الكتاب و الحكمة و العلم و النبوّة». و ما كان لنا من طعمة فلو لي الأمر بعدنا أن يحكم فيه بحكمه. و قد جعلنا ما حاولته في الكراع و السلاح يقاتل به المسلمون و يجاهدون الكفّار و يجالدون المردّة الفجّار، و ذلك بإجماع من المسلمين لم أنفرد به وحدي و لم أستبدّ بما كان الرأي عندي، و هذه حالي و مالى هي لك و بين يديك لا تزوى عنك و لا ندّخر دونك، و أنّك و أنت سيّدة أُمّة أبيك و الشجرة الطيّبة لبنيك، و لا ندفع مالك من فضلك و لا يوضع في فرعك و أصلك، حكمك نافد فيما ملكت يداي، فهل ترين أن أخالف في ذلك أباك؟


فقالت عليه السلام: «سبحان ما كان أبي رسول الله عن كتاب الله صادفاً و لا لأحكامه مخالفاً، بل كان يتبع أثره و يقفو سوره، أفتجمعون إلى الغدر اعتلالاً عليه بالزور، و هذا بعد وفاته شبيه بما بغي له من الغوائل في حياته، هذا كتاب الله حكماً عدلاً و ناطقاً فصلاً يقول:


(يرثنى و يرث من آل يعقوب) و يقول: (و ورث سليمان داود) و بيّن عزّ و جلّ فيما وزع من الأقساط و شرع من الفرائض و الميراث و أباح من حظّ الذكران الإناث ما أزاح به علّة المبطلين، و أزال التظنّي و الشبهات في الغابرين، كلّا بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون».


فقال أبوبكر: صدق الله و رسوله و صدقت ابنته، معدن الحكمة و موطن الهدى و الرحمة، و ركن الدين و عين الحجّة، لا أبعد صوابك و لا أنكر خطابك، هؤلاء المسلمون بيني و بينك قلّدوني ما تقلّدت و باتّفاق منهم أخذت ما أخذت غير مكابر و لا مستبدّ و لا مستأثر هم بذلك شهود.


فالتفتت فاطمة عليهاالسلام إلى الناس و قالت: «معاشر المسلمين المسرعة إلى قيل الباطل المغضية على الفعل القبيح الخاسر، أفلا تتدبّرون القرآن أم على قلوب أقفالها، كلّا بل ران على قلوبكم ما أسأتم عن أعمالكم، فأخذ بسمعكم و أبصاركم و لبئس ما تأوّلتم و ساء ما به أشرتم و شرّ ما منه أغتصبتم، لتجدّن والله محمله ثقيلاً، و غبّه وبيلاً، إذا كشف لكم الغطاء و بانَ بإورائه الضرّاء، و بدالكم من ربّكم ما لم تكونوا تحتسبون، و خسر هنالك المبطلون.


ثمّ عطفت على قبر النبيّ و قالت:




  • قد كان بعدك أنباء و هنبثة
    إنا فقدناك فقدَ الأرض و ابلها
    و كل أهل له قربى و منزلة
    أبدت رجال لنا نجوى صدورهم
    تجهّمتنا رجال و استخفّ بنا
    و كنت بدراً و نوراً يستضاء به
    و كان جبرئيل بالآيات يؤنسنا
    فليت قبلك كا الموت صادفنا
    لمّا مضيت و حالت دونك الكتب



  • لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب
    و اختلّ قومك فاشهدهم و لا تغب
    عند الإله على الأدنين مقترب
    لمّا مضيت و حالت دونك الترب
    لمّا فقدت و كلّ الأرض مغتصب
    عليك ينزل من ذي العزّة الكتب
    فقد فقدت و كلّ الخير محتجب
    لمّا مضيت و حالت دونك الكتب
    لمّا مضيت و حالت دونك الكتب




فلما أنكفأت عليهاالسلام و أميرالمؤمنين عليه السلام يتوقّع رجوعها إليه و يتطلّع طلوعها عليه، فلما استقرت بها الدار قالت لأميرالمؤمنين عليه السلام:


بابن أبي طالب اشتملت شملة الجنين و قعدتَ حجرة الظنين، نقضت قادمة الأجدل، فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة يبتزّني نحلة أبي و بلغة ابنيّ لقد أجهد في خصامي و ألفيته ألدّ في كلامي حتّى حبستني قيلة نصرها، و المهاجرة وصلها، و غضّت الجماعة دوني طرفها، فلا دافع و لا مانع، خرجت كاظمة وعدت راغمة، أضرعت خدّك يوم أضعت حدّك، افترست الذئاب و افترشت التراب، ما كففت قائلاً و لا أغنيت طائلاً و لا خيار لي، ليتني مت قبل هينئتي و دون ذلّتي، غديري الله منه عادياً و منك حامياً، ويلاي في كلّ شارق! ويلاي في كلّ غارب، مات العمد و وهن العضد، شكواي إلى أبي! و عدواي إلى ربّي، اللهمّ إنّك أشدّ منهم قوّة و حولاً و أشدّ بأساً و تنكيلاً.


فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: لاويل لك بل الويل لشانئك ثمّ نهنهي عن وجدك يا ابنة الصفوة






و بقيّة النبوّة، فما و نيت عن ديني و لا اخطأت مقدوري، فإن كنت تريدين البلغة فرزقك مضمون و كفيلك مأمون و ما أعدّ لك أفضل ممّا قطع عنك فاحتسبي الله. فقالت: حسبي الله، و أمسكت».


[الاحتجاج، ج 1، ص 131، مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 206.

.


عتاب أم بيان حال؟



بقي في المقام شي ء و هو أنّ الصدّيقة فاطمة صلوات الله عليها لمّا خطبت في المسجد و رجعت إلى البيت عاتبت الإمام عليّاً عليه السلام على جلوسه في البيت و سكوته أمام الحوادث و على غصب الخلافة و غصب فدك و عدم أخذ حقّها منهم، فلو قيل: إنّ هذا العتاب لا يلائم ما عرفنا منها من صبرها و تحمّلها و علمها بما سيحدث و ما سيكون و ما بيّن النبيّ لها من غصب حقّها و هضمها و أمرها بالصبر و السكوت، فإن كانت تعلم كلّ ذلك فلماذا عاتبت الإمام على صبره و سكوته. و هذا ممّا ينافي شأنها صلوات الله عليها؟


و أجاب العلّامة المجلسي قائلا: و لندفع الإشكال الذي قلّما لا يخطر بالباع عند سماع هذه الجواب و السؤال، و هو أنّ اعتراض فاطمة عليهاالسلام على أميرالمؤمنين عليه السلام في ترك التعرّض للخلافة و عدم نصرتها و تخطئته فيهما مع علمها بإمامته و وجوب اتّباعه و عصمته، و أنّه لم يفعل شيئاً إلّا بأمره تعالى و وصيّة الرسول صلى الله عليه و آله ممّا ينافي عصمتها و جلالتها.


فأقول: يمكن أن يجاب عنه بأنّ هذه الكلمات صدرت منها لبعض المصالح و لم تكن واقعاً منكرة لما فعله، بل كانت راضية و إنّما كان غرضا أن يتبيّن للناس قبح أعمالهم و شناعة أفعالهم، و أنّ سكوته عليه السلام ليس لرضاه بما أتوا به، و مثل هذا كثيراً ما يقع العادات و المحاورات، كما أنّ ملكاً يعاتب خواصّه في أمر بعض الرعايا مع علمه ببراءته من جنايتهم، ليظهر لهم عظم جرمهم، و أنّه ممّا استوحب به أخصّ الناس بالملك منه للمعاتبة، و نظير ذلك ما فعله موسى عليه السلام لمّا رجع إلى قومه غصبان آسفاً، من إلقائه الألواح و أخذه برأس أخيه يجرّه إليه، و لم يكن غرضه الإنكار على هارون، بل أراد بذلك أن يعرّف القوم عظم جنايتهم و شدّة جرمهم، كما مرّ الكلام فيه....


[بحارالأنوار، ج 8، ص 123؛ الطبعة الحجرية.]


أيّام العلّة و حوادثها



و مرضت فاطمة صلوات الله عليها إثر الحوادث التي جرت عليها من ضرب، و جرح، و شتم، و إسقاط، و كسر ضلع، و غير ذلك. ممّا أدّى إلى علّتها و ملازمتها فراش المرض، فكان كلّ يوم يمضي عليها تشتدّ إلى أن فارقت الدنيا.


ممرّضة فاطمة



لا شكّ أنّ فاطمة عليهاالسلام كانت تحتاج إلى ممرّضة تمرضها و تعينها على أعمالها، و تعمل عمل البيت و ما يرجع إلى شؤون أولاد فاطمة، فلو سئل مَن كانت هذه الممرّضة؟ قلنا: لقد جاء اسم أسماء و أمّ أيمن و سلمى فيمن كان يمرّضها، بل كما أخبر النبيّ الكريم أنّها جاءت مريم بنت عمران تمرّض فاطمة و تؤنسها في علّتها بأمر ربّها، و روي أيضاً أنّ عليّاً كان يمرّضها و يتعاهد أمرها احيث إنّها أوصت أن لا يدخل عليها أحد.


قالت أمّ سلمى امرأة أبي رافع


[هكذا في المصدر، و الصحيح سلمى امرأة أبي رافع.]]: اشتكت فاطمة شكواها التي قبضت فيها و كنت أمرّضها...


[بحارالأنوار، ج 43، ص 183.]


و عن أمالي الصدوق في حديث عن النبي قال فيه: «ثمّ يبتدئ بها الوجع فتمرض فيبعت الله عزّ و جلّ إليها مريم بنت عمران تمرّضها و تؤنسها في علّتها...».


[أمالي الصدوق، ج 101؛ بحارالأنوار، ج 43، ص 173.]


ولكن المرويّ عن الحسين عليه السلام أنّ الإمام أميرالمؤمنين كان بمرضها بنفسه، و في بعض الأميال كانت أسماء بنت عميس تعينه على استسرار و إنّما كان ذلك بطلب منها على أن لا يعلم أحداً بمرضها فعن الأمالي بسنده عن الحسين عليه السلام قال: «لمّا مرضت فاطمة بنت رسول الله صلى اللَّه عليه و آله وصّت إلى عليّ بن أبي طالب عليه السلام أن يكتم أمرها... و لا يؤذن أحد بمرّضها، ففعل ذلك و كان يمرّضها بنفسه و تعينه على ذلك أسماء بنت عميس رحمها اللَّه على استسرار بذلك كما وصّت به».


[أمالي الطوسي، ص 109؛ أمالي المفيد، ص 281؛ بحارالأنوار، ج 43، ص 173.] و يظهر من ذلك أنّ الإمام عليّ كان يتعاهد أمرها بنفسه و لم يعلم بذلك أحد إلّا أسماء بنت عميس، فإنّها كانت تأتي الزهراء على استسرار و تعين الإمام عليه السلام على أمر الزهراء.


الإمام الصادق يصف شدّة مرضها



و وصف الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام شدّة مرض فاطمة أيام علّتها من أثر تلك الضربات و الصدمات قائلاً: فلّما قبض صلوات الله عليه و نالها من القوم من نالها لزمت الفراش و نحل جسمها و ذاب لحمها و صارت كالخيال، و عاشت بعد رسول الله سبعين يوماً....


[سفينة البحار، ج 2، ص 375.]


دخول الشيخين و إعراضها عنهما



و استأذن الشيخان على فاطمة لعيادتها فلم تأذن لهما، فطلبا من عليّ أن يدخلهما عليها: قال الصدوق: فلمّا مرضت فاطمة عليهاالسلام مرضها الذي ماتت فيه أتياها عائدين و استأذنا عليها فأبت أن تأذن لهما، فما رأى ذلك أبوبكر أعطى الله عهداً أن لا يظلّه سقف بيت حتّى يدخل على فاطمة عليهاالسلام و يتراضاها فبات ليلة في البقيع ما يظلّه شي ء.


ثمّ إنّ عمر أتى علياً عليه السلام فقال له: إنّ أبابكر شيخ رقيق القلب، و قد كان مع رسول الله صلى اللَّه عليه و آله في الغار فله صحبة، و قد أتيناها غير هذه المرّة مراراً نريد الإذن عليها و هي تأبى أن تأذن لنا حتّى ندخل عليها فنتراضى، فإن رأيت أن تستأذن لنا عليها فافعل، قال: نعم، فدخل عليّ على فاطمة عليهاالسلام فقال: «يا بنت رسول الله قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت،


و قد تردّدا مراراً كثيرة و رددتهما و لم تأذني لهما، و قد سألاني أن أستأذن لهما عليك فقالت: والله، لا آذن لهما و لا أكلّمهما كلمة من رأسي حتّى ألقى أبي فأشكوهما إليه بما صنعاه و ارتكباه منيّ.


فقال عليّ عليه السلام: فإنّي ضمنت لهما ذلك، قالت: إن كنت قد ضمنت لهما شيئاً فالبيت بيتك و النساء تتبع الرجال لا أخالف عليك بشي ء، فأْذن لمن أحببت، فخرج عليّ عليه السلام فأذن لهما، فلما وقع بصرهما على فاطمة عليهاالسلام سلّما عليها فلم تردّ عليهما و حولّت وجهها عنهما، فتحوّلا و استقبلا وجهها حتّى فعلت مراراً، و قالت: «يا عليّ جاف الثوب» و قالت لنسوة حولها: «حوّلن وجهي»، فلمّا حوّلنّ وجهها إليها، فقال أبوبكر: يا بنت رسول الله إنّما أتيناك ابتغاء مرضاتك و اجتناب سخطك، نسألك أن تغفري لنا و تصفحي عمّا كان منّا إليك، قالت: «لا أكلّمكما من رأسي كلمة واحدة حتّى ألقى ربّي و أشكوكما إليه، و أشكو صنيعكما و فعالكما و ما ارتكبتما منّي»، قالا: إنّا جئنا معتذرين مبتغين مرضاتك، فاغفري و اصفحي عنّا و لا تؤاخذينا بما كان منّا، فالتفت إلى عليّ عليه السلام و قالت، «إنّي لا أكلّمهما من رأسي كلمة حتّى أسألهما عن شي ء سمعاه من رسول الله صلى اللَّه عليه و آله فإن صدقاني رأيت رأيى» قالا: اللهمّ ذلك لها و إنّا لا نقول إلّا حقاً، و لا نشهد إلّا صدقاً فقالت: «أنشد كما بالله... هل سمعتما النبيّ صلى اللَّه عليه و آله يقول: فاطمة بضعة منّي و أنا منها، من آذاها فقد آذاني، و من آذاني فقد آذى الله، و من آذاها بعد موتي فكان كمن آذاها في حياتي، و من آذاها في حياتي كان كمن آذاها بعد موتي»؟ قالا: اللهمّ نعم فقالت: «الحمدلله». ثمّ قالت: «اللّهم إنّي أشهدت فاشهدوا يا من حضرني أنّهما قد آذياني في حياتي و عند موتي، والله لا أكلّمكما من رأسي حتّى ألقى ربي فأشكوكما بما صنعتمابي و ارتكبتما منّي...».


[علل الشرايع، ج 1، ص 185؛ بحارالأنوار، ج 43، ص 203؛ الإمامة و السياسة، ج 1، ص 20.]


استئذان العباس عمّ النبيّ و جواب الإمام



روى الطوسي بسنده عن الباقر عن أبيه، عن محمد بن عمار بن ياسر، عن أبيه قال: لمّا مرضت فاطمة بنت رسول الله صلى اللَّه عليه و آله مرضتها التي توفّيت فيها و ثقلت، جاءها العباس بن عبدالمطّلب عائداً فقيل له: إنّها ثقيلة و ليس يدخل عليها أحد، فانصرف إلى داره و أرسل


إلى عليّ عليه السلام فقال لرسوله: قل له: إنّ ابن أخ عمك يقرئك السلام و يقول لك: لله قد فجأني من الغمّ بشكاة حبيبة رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و قرّة عينيه و عينيّ فاطمة ما هدّني، و إنّي لأظنّها أوّلنا لحوقاً برسول الله صلى اللَّه عليه و آله يختار لها و يحبوها و يزلفها لربّه، فإن كان من أمرها ما لابدّ منه فأجمع- أنا لك الفداء المهاجرين و الأنصار حتّى يصيبوا الأجر في حضورها و الصلاة عليها، و في ذلك جمال للدين.


فقال عليّ لرسوله- و أنا حاضر عنده-: «أبلغ عمّي السلام و قل: لا عدمت إشفاقك و تحيّتك، وقد عرفت مشورتك و لرأيك فضله، إنّ فاطمة بنت رسول الله صلى اللَّه عليه و آله لم تزل مظلومة، من حقّها ممنوعة، و عن ميراثها مدفوعة، و لم تحفظ فيها وصيّة رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و لا رعي فيها حقّه و لا حقّ الله عزّ و جلّ، و كفى بالله حاكماً و من الظالمين منتقماً، و أنا أسألك يا عمّ أن تسمح لي بترك ما أشرت به فإنّها وصّتني بستر أمرها».


قال: فلمّا أتى العباس رسوله بما قال عليّ عليه السلام قال: يغفر الله لابن أخي فإنّه لمغفور له، إنّ رأي ابن أخي لا يطعن فيه، إنّه لم يولد لعبدالمطلّب مولود أعظم بركة من عليّ إلّا النبيّ صلى اللَّه عليه و آله، إنّ عليّاً لم يزل أسبقهم إلى كلّ مكرمة، و أعلمهم بكلّ فضيلة، و أشجعهم في الكريهة، و أشدهم جهاداً للأعداء في نصرة الحنيفية، و أوّل من آمن بالله و رسوله صلى اللَّه عليه و آله.


[بحارالأنوار، ج 43، ص 209؛ أمالي الطوسي، ص 155.]


دعواتها و مناجاتها أيام العلّة



و كانت فاطمة صلوات الله عليها تدعو ربّها و تناجيه بالخلاص من النار و دخول الجنّة و بالموت و اللحاق سريعاً بأبيها.


روى المجلسي عن مصباح الأنوار عن أبي جعفر عليه السلام قال: «إنّ فاطمة بنت رسول الله صلى اللَّه عليه و آله مكثت بعد رسول الله صلى اللَّه عليه و آله ستّين يوماً، ثمّ مرضت فاشتدّت عليها، فكان من دعائها في شكواها: يا حيّ يا قيّوم برحمتك أستغيث فأغثني، اللهمّ زحزني عن النار، و أدخلنى الجنّة، و ألحقنى بأبي محمد صلى اللَّه عليه و آله، فكان أميرالمؤمنين عليه السلام يقول لها: يعافيك الله و يبقك، فنقول: يا أباالحسن ما أسرع اللحاق بالله».


[بحارالأنوار، ج 43، ص 217.]


و أخبر النبيّ صلى اللَّه عليه و آله عنها بأنها «ستناجي ربّها و تطلب منه الموت بعد أن سئمت من الحياة»:


روى الصدوق بسنده عن ابن عباس عن النبيّ في حديث قال فيه: «ثم يبتدي بها الوجع فتمرض فيبعث اللَّه عزّ و جلّ إليها مريم بنت عمران تمرّضها و تؤنسها في علّتها فتقول عند ذلك: يا ربّ إنّي قد سئمت الحياة، و تبرّمت بأهل الدنيا، فألحقني بأبي فيلحقها الله عزّ و جل بي فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي...». .


[أمالي الصدوق، ص 101؛ بحارالأنوار، ج 43، ص 173.]


منامة لفاطمة قبل الممات



و في الأيام التي كانت تعالج ممّا بها من الآلام ليلاً و نهاراً رأت والدها و غاية مقصودها النبيّ الكريم صلى اللَّه عليه و آله بين النوم و اليقظة، و إليك ما رواه لنا الإمام الصادق عليه السلام في هذه المجال:


روى الطبري عن أحمد بن محمد الخشّاب، عن زكريا بن يحيى، عن ابن أبي زائدة، عن أبيه عن محمد بن الحسن، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله قال: «لمّا قبض رسول الله صلى اللَّه عليه و آله ما ترك إلّا الثقلين: كتاب الله و عترته أهل بيته، و كان قد أسرّ إلى فاطمة صلوات الله عليها أنّها لا حقة به أوّل أهل بيته لحوقاً. قالت: بينا إنّي بين النائمة و اليقظانة بعد وفاة أبي بأيام إذ رأيت كأنّ أبي قد أشرف عليّ، فلمّا رأيته لم أملك نفسي أن ناديت: يا أبتاه انقطع عنّا خبر السماء، فبينا أنا كذلك إذ أتتني الملائكة صفوفاً يقدمها ملكان حتّى أخذاني فصعدا بي إلى السماء، فرفعت رأسي فاذا أنا بقصور مشيّدة و بساتين و أنهار تطّرد، قصر بعد قصر، و بستان بعد بستان، و إذا قد اطّلع عليّ من تلك القصور جواري كأنهنّ للعب فهنّ يتباشرن و يضحكن إليّ و يقلن: مرحباً بمن خلقت الجنّة و خلقنا من أجل أبيها.


فلم تزل الملائكة تصعد بي حتّى أدخلوني إلى دار فيها قصور من كلّ قصر من البيوت مالا عين رأت، و فيها من السندس و الاستبرق على أسِرّة و عليها ألحاف من ألوان الحرير و الديباج و آنية الذهب و الفضة، و فيها موائد عليها من ألوان الطعام، و في تلك الجنان نهر مطّرد أشدّ بياضاً من اللبن و أطيب رائحة من المسك الاذفر، فقلت: لمن هذه الدار؟ و ما هذا النهر؟ فقالوا: هذه الدار الفردوس الأعلى الذي ليس بعده جنّة و هي دار أبيك و من معه من النبيّين و من أحبّ الله قلت: فما هذا النهر؟ قالوا: هذا الكوثر الذي وعده أن يعطيه إيّاه، فقلت، فأين أبي؟ قالوا: الساعة يدخل عليك.


فبينا أنا كذلك طذ برزت لي قصور هي أشدّ بياضاً و أنور من تلك و فرش هي أحسن من تلك الفرش، و إذا بفرش مرتفعة على أَسِرّة و إذا أبي صلى اللَّه عليه و آله جالس على تلك الفرش، و معه جماعة، فلّما رآني أخذني فضمّني و قبّل ما بين عينيّ و قال: مرحباً بابنتي، و أخذني و أقعدني في حجرة ثمّ قال لي: يا حبيبتي أماترين ما أعدّ الله لك و ما تقدمين عليه؟ فأراني قصوراً مشرقات فيها ألوان الطرائف و الحلي و الحلل و قال: هذه مسكنك و مسكن زوجك و ولديك و من أحبّك و أحبّهما، فطيبي نفساً فإنّك قادمة عليّ إلى أيام، قالت: فطار قلبي و اشتدّ شوقي و انتبهت من رقدتي مرعوبة.


قال أبوعبدالله: قال أميرالمؤمنين عليه السلام فلما انتبهت من مرقدها صاحب بي فأتيتها فقلت لها: ما تشكين؟ فخبرّتني بخير الرؤيا...».


[دلائل الإمامة، ص 43؛ بحارالأنوار، ج 43، ص 207.]


حالة الاحتضار



و لم تطل أيّام علّتها حتّى أشرفت على الموت بعد مرض شديد، فاختلفوا فيمن حضرها في ذلك الوقت فعن سلمى امرأة أبي رافع أنّها كانت تمرّض فاطمة و خرج عليّ في تلك اللحظة إلى بعض الحوائج، و أمرتها فاطمة بالماء و اغتسلت أحسن ما يكون من الغسل ثمّ لبست أثوابها الجدد ثمّ قالت: «افرشي وسط البيت» ثمّ استقبلت القبلة و نامت و قالت: «أنا مقبوضة»، ثمّ وضعت خدّها على يديها و ماتت.


[بحارالأنوار، ج 43، ص 184.]


و في بعضها أنّ التي حضرتها كانت أسماء بنت عميس، و هي التي كانت تعين الإمام أميرالمؤمنين أيام علّة فاطمة.


و الصحيح أنّ الإمام كان حاضراً و جالساً عند رأسها إلى أن فاضت نفسها الزكية، بل الأصحّ أنّه أخرج كلّ من كان عندها في اللحظات الأخيرة لاستماع وصاياها.


وصايا فاطمة قبل الموت



قال في روضة الواعظين: مرضت فاطمة عليهاالسلام مرضاً شديداً... فلما نعيت إليها نفسها دعت أمّ أيمن و أسماء بنت عميس و وجّهت خلف عليّ و أحضرته، فقالت: «يابن عمّ


إنّه قد نعيت إليّ نفسي و إنّني لا أرى مابي إلّا أنّني لاحقه بأبي ساعة بعد ساعة و أنا أوصيك بأشياء في قلبي.


قال لها عليّ عليه السلام: «أوصينى بما أحببت يا بنت رسول الله»، فجلس عند رأسها و أخرج مَن كان في البيت ثمّ قالت: «يا ابن عمّ ما عهدتني كاذبة، و لا خائنة، و لا خالفتك منذ عاشرتني فقال: معاذ الله أنت أعلم بالله و أبّرو أتقى و أكرم و أشدّ خوفاً من الله من أن أوبّخك بمخالفتي، قد عزّ عليّ مفارقتك و تفقدّك إلّا أنّه أمر لابدّ منه، والله جدّدت عليّ مصيبة رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و قد عظمت وفاتك و فقدك فإناللّه و إنّا إليه راجعون من مصيبة ما أفجعها و آلمها و أمضّها و أحزنها، هذه والله مصيبة لاعزاء لها و رزيّة لا خلف لها».


[نفس المصدر، ص 191.]


قال: ثمّ بكيا ساعة و أخذ علي رأسها و ضمّها إلى صدره، ثمّ قال: «أوصيني بما شئت فإنّك تجديني فيها أمضي كما أمرتني به و أختار أمرك على أمري، ثمّ، قالت: جزاك الله عني خير الجزاء يابن عمّ رسول الله، أوصيك:


- أوّلاً- أن تتزوّج بعدي بابنة أختي أمامه. فإنّها تكون لولدي مثلي، فإنّ الرجال لابّد لهم من النساء.


[نفس المصدر، ص 192.]


ثمّ قالت: أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني و أخذوا حقيّ؛ فإنّهم عدّوي و عدوّ رسول الله.


[نفس المصدر، ص 192.] صلى اللَّه عليه و آله.


و لا تترك أن يصلّي عليّ أحد منهم و لا من أتباعهم.


[نفس المصدر، ص 192.]


و ادفنّي في الليل إذا هدأت العيون و نامت الأبصار.


[نفس المصدر، ص 192.]


أنت أولى بي من غيري حنّظني و غسّلني و كفّنيّ بالليل.


[نفس المصدر، ص 214.]


و أوصت لأزواج النبيّ صلى اللَّه عليه و آله لكلّ واحدة منهن باثنتي عشرة أوقية، و لنساء بني هاشم مثل ذلك، و أوصت لأمامة بنت أبي العاص بشي ء.


[دلائل الإمامة، ص 42، بحارالأنوار، ص 43، ص 218.]


و روي أنّ أباجعفر أخرج سفطاً أو حقّاً و أخرج منه كتاباً فقرأه، و فيه وصيّة فاطمة عليهاالسلام «بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصت به فاطمة بنت محمد صلى اللَّه عليه و آله، أوصت بحوائطها


/ 28