حیاة الصدیقة فاطمة دراسة و تحلیل نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حیاة الصدیقة فاطمة دراسة و تحلیل - نسخه متنی

محمد جواد الطبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


حشوها ليف».

[روضة الواعظين، ص 146.]

و عن الباقر: «كان فراش عليّ و فاطمة حين دخلت عليه إهاب كبش إذا أراداً أن يناما عليه قلباه فناما على صوفه. قال: و كانت و سادتهما أدماً حشوها ليف...».

[بحارالأنوار، ج 43، ص 104 و 117 و 143 و 144.]

ثياب فاطمة


و كانت تلبس أبسط الثياب و أخلقها بل و أخشنها؛ تأسّياً بالنبيّ الكريم صلى اللَّه عليه و آله كما عن جابر الأنصاري أنّه رأى النبيّ فاطمة و عليها كساء من أجلة الإبل و هي تطحن بيديها و ترضع ولدها، فدمعت عينا رسول الله صلى اللَّه عليه و آله فقال: «يا بنتاه تعجّلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة...».

[بحارالأنوار، ج 43، ص 85.]

و لما نزلت هذه الآية (و إنّ جَهَنّمَ لموعدهم أجمعين...) الآية، بكى النبيّ بكاءاً شديداً، و بكت صحابته لبكائه، و لم يدروا ما نزل به جبرئيل، و لم يستطع أحد من صحابته أن يكلّمه، و كان النبيّ صلى اللَّه عليه و آله إذا رأى فاطمة عليهاالسلام فرح بها فانطلق بعض أصحابه إلى باب بيتها، فوجد بين يديها شعيراً و هي تطحن فيه و تقول: «و ما عندالله خير و أبقى، فسلّم عليها و أخبرها بخبر النبي صلى اللَّه عليه و آله و بكائه، فنهضت و التفّت بشملة لها خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً بسعف النخل، فلمّا خرجت نظر سلمان الفارسي إلى الشملة و بكى و قال: و احزناه إنّ بنات قيصر و كسرى لفي السندس و الحرير و ابنة محمد صلى اللَّه عليه و آله عليها شملة صوف خلقة قد خيطت في اثني عشر مكاناً.

فلما دخلت فاطمة على النبيّ قالت: «يا رسول الله أنّ سلمان تعجب من لباسي، فوالذي بعثك بالحقّ ما لي و لعليّ منذ خمس سنين إلّا مَسك كبش نعلف عليها بالنهار بعيرنا، فإذا كان الليل افترشناه، و إنّ مرفقتنا لمن أدم حشوها ليف فقال النبيّ: يا سلمان إنّ ابنتي لفي الخيل السوابق. ثمّ قالت يا أبت فديتك ما الذي أبكاك؟! فذكر لها ما نزل به جبرئيل من الآيتين المتقدّمتين...».

[نفس المصدر، ص 88.]

أعرابي جائع يرسله النبيّ إلى بيت فاطمة


و من دلائل زهدها صلوات الله عليها أنّها أهدت قلادتها التي أهدتها لها فاطمة بنت عمّها حمزة بن عبدالمطلب إلى أعرابي جائع أرسله النبيّ إلى باب بيتها، و لمّا لم يكن عندها في البيت شي ء أعطته القلادة.

روى الطبري بسنده عن جابر بن عبدالله قال: صلّى بنا رسول الله صلى اللَّه عليه و آله صلاة العصر، فلمّا انفتل جلس في قبلته و الناس حوله فبينا هم كذلك إذ أقبل إليه شيخ من مهاجرة العرب عليه سمل قد تهلّل و أخلق، و هو لا يكاد يتمالك كبراً و ضعفاً، فأقبل عليه رسول الله صلى اللَّه عليه و آله يستحثّه الخبر فقال الشيخ: يا نبيّ الله أنا جائع الكبد فأطعمني و عاري الجسد فاكسنى و فقير فأرشدني، فقال: «ما أجد لك شيئاً، و لكن الدالّ على الخير كفاعله انطلق إلى منزل من يحبّ الله و رسوله و يحبّه الله و رسوله يؤثر على نفسه، انطلق إلى حجرة فاطمة»، و كان بيتها ملاصَق بيت رسول الله صلى اللَّه عليه و آله الذي ينفرد به لنفسه من أزواجه و قال: «يا بلال قم فقف به على منزل فاطمة»، فانطلق الأعرابي مع بلال فلما وقف على باب فاطمة نادى بأعلى صوته: السلام عليكم يا أهل بيت النبوّة و مختلف الملائكة و مهبط جبرئيل الروح الأمين بالتنزيل من عند ربّ العالمين، فقالت فاطمة عليهاالسلام: «و عليك السلام فمن أنت يا هذا»؟

قال: شيخ من العرب أقبلت على أبيك سيّد البشر مهاجراً من شقة، و أنا يا بنت محمد عاري الجسد جائع الكبد، فواسيني يرحمك الله، و كان لفاطمة و عليّ في تلك الحال و رسول الله صلى اللَّه عليه و آله ثلاثاً ما طعموا فيها طعاماً و قد علم رسول الله صلى اللَّه عليه و آله ذلك من شأنهما، فعمدت فاطمة إلى جلد كبش مدبوغ بالقرظ كان ينام عليه الحسن و الحسين، فقالت: «خذ أيّها الطارق فعسى الله أن يرتاح لك ما هو خير منه». قال الأعرابي: يا بنت محمد شكوت إليك الجوع فناولتيني جلد كبش، ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب؟ قال: فعمدت لمّا سمعت هذا من قوله إلى عقد كان في عنقها أهدته لها فاطمة بنت عمّها حمزة بن عبدالمطّلب من عنقها و نبذته إلى الأعرابي، فقالت: «خذه و بعه فعسى الله أن يعوّضك به ما هو خير منه»، فأخذ الأعرابي العقد وانطلق إلى مسجد رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و النبيّ

جالس في أصحابه، فقال: يا رسول الله أعطتني فاطمة بنت محمد هذا العقد فقالت: بعه فعسى الله أن يصنع لك.

قال: فبكى النبيّ صلى اللَّه عليه و آله و قال: «و كيف لا ينصع الله لك و قد أعطتكه فاطمة بنت محمد سيّدة نبات آدم»، فقام عمّار بن ياسر رحمة الله عليه فقال: يا رسول الله أتأذن لي بشراء هذا العقد؟

قال: «اشتره يا عمّار، فلو اشترك فيه الثقلان ما عذّبهم الله بالنار»، فقال عمّار: بِكَم العُقد يا أعرابيّ. قال: بشبعة من الخبز و اللحم و بردة يمانية أستر بها عورتي و أُصلّي فيها لربّي و دينار يبلغني إلى أهلي، و كان عمّار قد باع سهمه الذي نفله رسول الله من خيبر و لم يبق منه شي ء فقال: لك عشرون ديناراً و مائتا درهم هجرية و بردة يمانية و راحلتي تبلغك أهلك و شبعتك من خبر البرّ و اللحم.

فقال الأعرابي: ما أسخاك بالمال أيّها الرجل، وانطلق به عمّار فوفّاه ما ضمن له و عاد الأعرابي إلى رسول الله صلى اللَّه عليه و آله فقال له صلى اللَّه عليه و آله: «أشبعت واكتسيت»؟ قال الأعرابي: نعم، و استغنيت بأبي أنت و أمّي. قال: «فاجز فاطمة بصنيعها»، فقال الأعرابي: اللهم إنّك إله ما استحدثناك، و لا إله لنا نعبده سواك، و أنت رازقنا على كلّ الجهات، اللهمّ أعط فاطمة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت، فأمّن النبيّ صلى اللَّه عليه و آله عليّ دعائه و أقبل أصحابه فقال: «إنّ الله قد أعطى فاطمة في الدنيا ذلك، أنا أبوها و ما أحد من العالمين مثلي، و عليّ بعلها و لولا عليّ ما كان لفاطمة كفؤ أبداً، و أعطاها الحسن و الحسين و ما للعالمين مثلهما، سيّدا شباب أسباط الأنبياء و سيّدا شباب أهل الجنّة»، و كان بإزائه مقداد و عمار و سلمان فقال: «و أزيدكم»؟ قالوا: نعم يا رسول الله. قال: «أتاني الروح يعني جبرئيل إنها إذا هي قبضت و دفنت يسألها المكان في قبرها مَن ربّك؟ فتقول الله ربّي فيقولان: فمن نبيّك؟ فتقول: أبي فيقولان: فمن وليّك؟ فتقول: هذا القائم على شفير قبري عليّ بن أبي طالب.

ألا أزيدكم من فضلها؟ إنّ الله قد وكّل بها رعيلاً من الملائكة يحفظونها من بين يديها و من خلفها و عن يمينها و عن شمالها، و هم معها في حياتها و عند قبرها و عند موتها، يكثرون الصلاة عليها و على أبيها و بعلها و بنيها، فمن زارنى بعد وفاتى فكأنما زارني في

حياتي، و من زار فاطمة فكأنّما زارني، و من زار علي بن أبي طالب، فكأنّما زار فاطمة، و من زار الحسن و الحسين فكأنّما زار علياً، و من زار ذريّتهما فكأنما زارهما».

فعمد عمار إلى العقد فطيّبه بالمسك و لفّه في بردة يمانية، و كان له عبد اسمه سهم ابتاعه من ذلك السهم الذي أصابه بخيبر، فدفع العقد إلى المملوك و قال له: خذ هذا العقد فادفعه إلى رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و أنت له، فأخذ المملوك العقد فأتى به رسول الله و أخبره بقول عمّار، فقال النبيّ: «انطلق إلى فاطمة فادفع إليها العقد و أنت لها»، فجاء المملوك بالعقد و أخبرها بقول رسول الله، فأخذت فاطمة العقد و أعتقت المملوك، فضحك الغلام فقالت: «مايضحكك يا غلام»؟ فقال: أضحكني عظم بركة هذا العقد، أشبع جائعاً و كسى عرياناً و أغنى فقيراً و أعتق عبداً و رجع إلى ربّه.

[بشارة المصطفى، ص 137؛ بحارالأنوار، ج 43، ص 56.]

إيثار الصدّيقة الكبرى


لقد مدح الله جلّت عظمته الصدّيقة الكبرى صلوات الله عليلها بأعلى الصفات و المثل الإنسانية و هو الإيثار، رغم شدّة الاحتياج إلى ذلك الطعام. فكانت تؤثر الضيف و السائل على نفسها، و تنام أحياناً هي و زوجها و أولادها جياعاً بلا طعام و عشاء، بل تؤثر زوجها على نفسها.

و قد سجّل المؤرّخون هذه المنقبة العالية بصور مختلفة بحيث يفهم ممّا نقلوه تكرار هذا العمل منها.

و عن أبي هريرة أنّه جاء رجل إلى رسول الله صلى اللَّه عليه و آله فشكى إليه الجوع، فبعث رسول الله إلى أزواجه فقلن: ما عندنا إلّا الماء فقال صلى اللَّه عليه و آله: «من لهذا الرجل الليلة؟ فقال أميرالمؤمنين عليه السلام: أنا يا رسول الله: و أتى فاطمة و سألها: ما عندك يا بنت رسول الله؟

فقالت: ما عندنا إلّا قوت الصبية لكنّا نؤثر به ضيفنا، فقال عليّ: يا بنت محمد نوّمي الصبية و أطفئي المصباح، و جعلا يمضغان بألسنتهما، و لما فرغ من الأكل أتت فاطمة بسراج فوجدت الجفنة مملوءة من فضل الله، فلمّا أصبح صلّى مع النبيّ فلمّا سلم النبيّ

من صلاته نظر إلى أميرالمؤمنين و بكى بكاءاً شديداً و قال:

يا أميرالمؤمنينن لقد عجب الربّ من فعلكم البارحة اقرأ: (و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة) أي مجاعة (و من يُوقَ شحّ نفسه) يعنى علياً و فاطمة و الحسن الحسين (فاولئك هم المفلحون)».

[مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 74.]

و رواه الطوسي في أماليه إلّا أنه روى: فلّما أصبح عليّ عليه السلام غدا على رسول الله فأخبره الخبر، فلم يبرح حتّى أنزل الله عزّ و جلّ (و يؤثرون...) «الآية».

[أمالي الطوسي، ص 185.]

و روى الراوندي عن جابر بن عبدالله قال: إنّ رسول الله صلى اللَّه عليه و آله أقام أياماً و لم يطعم طعاماً حتّى شقّ ذلك عليه، فطاف في ديار أزواجه فلم يصب عند إحداهن شيئاً، فأتى فاطمة فقال: «يا بنيّة هل عندك شي ء آكله فإنّي جائع؟ قالت: لا والله بنفسي و أخي، فلمّا خرج عنها بعثت جارية لها رغيفين و بضعة لحم، فأخذته و وضعته تحت جفنة و غطّت عليها و قالت: والله لأؤثرنّ بها رسول الله صلى اللَّه عليه و آله على نفسي و غيري، و كانوا محتاجين إلى شبعة طعام، فبعث حسناً أو حسيناً إلى رسول الله صلى اللَّه عليه و آله فرجع إليها فقالت: قد أتانا الله بشي ء فخبّأته لك فقال: هلمّي عليّ يا بنيّة، فكشفت الجفنة فإذا هي مملوءة خبزاً و لحماً، فلمّا نظرت إليه بهتت و عرفت أنّه من عندالله، فحمدت الله وصلّت على نبيّه أبيها، و قدّمته إليه فلمّا رآه حمد الله و قال: من أين لك هذا؟ قالت: هو من عندالله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب، فبعث رسول الله صلى اللَّه عليه و آله إلى عليّ فدعاه و أحضره و أكل رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين و جميع أزواج النبيّ حتّى شبعوا، قالت فاطمة: و بقيت الجفنة كما هي فأوسعت منها على جميع جيراني، جعل الله بركة فيها و خيراً كثيراً».

[الخرائج و الجرائح، ج 2، ص 528؛ بحارالأنوار، ج 43، ص 27.]

(أبي هريرة) و عنه أيضاً أنّ علياً أصبح ساغباً، فسأل فاطمة طعاماً فقالت: «ما كانت إلّا ما أطعمتك منذ يومين آثرت به على نفسي و على الحسن و الحسين فقال: ألا أعلمتني فآتيكم بشي ء؟ فقالت: يا أباالحسن إنّي لا ستحيي من إلهي أن أكلّفك ما لا تقدر عليه، فخرج و استقرض من النبيّ ديناراً، فخرج يشتري به شيئاً فاستقبله المقداد قائلاً:

ماشاءالله، فناوله عليّ الدينار ثمّ دخل المسجد، فوضع رأسه فنام فخرج النبيّ فإذا هو به فحرّكه و قال: ما صنعت؟ فأخبره فقام و صلّى معه، فما قضى النبيّ صلاته قال: يا أباالحسن هل عندك شي ء نفطر عليه فنميل معك؟ فأطرق لا يجيب جواباً حياءً منه، و كان الله أوحى إليه أن يتعشّى تلك الليلة عند عليّ، فانطلقا حتّى دخلا على فاطمة و هي في مصلّاها و خلفها جفنة تفور دخاناً، فأخرجت فاطمة الجفنة فوضعتها بين أيديهما، فسأل عليّ عليه السلام أنّى لك هذا؟ قالت : هو من فضل الله و رزقه، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب، قال: فوضع النبيّ كفّه المبارك بين كتفي عليّ ثمّ قال: يا عليّ هذا بدل دينارك، ثمّ استعبر النبيّ باكياً و قال: الحمد الله الذي لم يمتني حتّى رأيت في ابنتي ما رأى زكريا لمريم».

[مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 77.]

و عن ابن عبّاس قال في قوله تعالى: (يوفون بالنذر...) الآية، قال: مرض الحسن و الحسين عليهماالسلام فعادهما رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و معه أبوبكر و عمر و عادهما عامّة العرب، فقالوا: يا أباالحسن لو نذرت على ولديك نذراً، فكلّ نذر لا يكون له وفاء فليس بشي ء، فقال عليّ عليه السلام: «للّه إن برأ ولداي ممّا بهما صمت لله ثلاثة أيّام شكراً، و قالت فاطمة كذلك و قالت الجارية يقال لها: فضة كذلك.

فألبس الغلامان العافية و ليس عند آل محمد قليل و لا كثير، فانطلق عليّ عليه السلام إلى شمعون بن حانا اليهودي فاستقرض منه ثلاثة أصواع من شعير، فجاء به إلى فاطمة فقامت إلى صاع فطحنته و خبزته خمسة أقراص لكلّ واحد منهم قرص، و صلّى عليّ عليه السلام المغرب مع النبيّ صلى اللَّه عليه و آله ثمّ أتى المنزل فوضع الطعام بين أيديهم، فجاء سائل مسكين فوقف على الباب و قال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعكم الله من موائد الجنّة، فسمعه عليّ عليه السلام فقال:


















فاطم ذات المجد و اليقين يا بنت خير الناس أجمعين
أما ترين البائس المسكين قد قام بالباب له حنين
يشكو إلى الله و يستكين يكشو إلينا جائع حزين
كلّ امرئ بكسبه رهين و فاعل الخيرات يستبين
















موعده جنّة علّيين حرّمها الله على الضنين
و للبخيل موقف مهين تهوى به النار إلى سجين
شرابه الحميم و الغسلين

فقالت فاطمة عليهاالسلام:










أطعمه و لا أبالي الساعة أرجو إذا أشبعت ذا مجاعة
أن ألْحق الأخيار و الجماعة و أسكن الخلد ولي شفاعة

قال: فأعطوه الطعام و مكثوا يومهم و ليلتهم لم يذوقوا إلّا الماء القراح، و لمّا كان اليوم الثاني طحنت فاطمة من الشعير و صنعت منه خمسة أقراص، و صلّى عليّ عليه السلام المغرب و جاء إلى المنزل، فجاء يتيم فوقف على الباب فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، يتيم من أولاد المهاجرين استشهد والدي أطعمونى ممّا رزقكم الله، أطعمكم الله من موائد الجنّة فقال علّى:


















فاطم بنت السيّد الكريم بنت نبيّ ليس بالذميم
قد جاءنا الله بذا اليتيم قد حرم الخلد على اللئيم
يحمل في الحشر إلى الجحيم شرابه الصديد و الحميم
و مَن يجود اليوم في النعيم شرابه الرحيق و التسنيم

فقالت فاطمة:









إنّى أطعمه و لا أُبالي و أؤثر الله على عيالي
أمسوا جياعاً و هم أشبالي

فرفعوا الطعام و ناولوه إياه، ثمّ أصبحوا و أمسوا في اليوم الثاني كذلك كما كانوا في الأوّل، فلمّا كان في اليوم الثالث طحنت فاطمة باقي الشعير و وضعته، فجاء عليّ بعد المغرب فجاء أسير فوقف على الباب و قال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد أسير محتاج، تأسرونا و لا تطعمونا، أطعمونا من فضل ما رزقكم الله، فسمعه علي عليه السلام فقال:














فاطمة يا بنت النبيّ أحمد بنت النبيّ سيّد مسوّد
مُنّي على أسيرنا المقيّد مَن يطعم اليوم يجده في الغد
عند العليّ الماجد الممجّد من يزرع الخيرات سوف يحصد




فقالت فاطمة:










لم يبق عند اليوم غير صاع قد مجلت كفّي مع الذارع
ابناى والله من الجياع أبوهما للخير ذو اصطناع

ثمّ رفعوا الطعام و أعطوه للأسير، فلمّا كان اليوم الرابع دخل عليّ عليه السلام على النبيّ يحمل ابنيه كالفرخين، فلمّا رآهما رسول الله صلى اللَّه عليه و آله قال: و أين ابنتي؟ قال: في محرابها، فقام رسول الله فدخل عليها و لقد لصق بطنها بظهرها، و غارت عيناها من شدّة الجوع، فقال النبيّ صلى اللَّه عليه و آله: و اغوثاه بالله آل محمد يموتون جوعاً، فهبط جبرئيل و هو يقرأ (يوفون بالنذر...) الآية».

[تذكرة الخواصّ، ص 281، شواهد التنزيل، ص 394- 410؛ نورالثقلين، ج 5، ص 470 و 477؛ مناقب الخوارزمي، ص 189.

.

وقفة مع السبط و جدّه


و لنا وقفة مع السبط ابن الجوزي و جدّه حول هذا الحديث، فإنّه بعد روايته هذا الحديث اُشكل عليه بعضف الحديث و أنّ جدّه أخرجه في الموضوعات؛ بحجّة أنّه أراد أن ينزّهما عن منع الطفلين عن أكل الطعام، فلماذا ذكر الحديث مع أنّه موضوع على رأي جدّه؟

فأجاب السبط قائلاً و متعجّباً من إنكار جدّه في الموضوعات و إقراره في كتاب آخر له قال: «والعجب من قول جدي و إنكاره و قد قال في كتاب المنتخب: يا علماء الشرع أعلمتم لم آثرا و تركا الطفلين عليهما أثر الجوع آثراهما خفي عنهما سرّ إبداء بمن تعول، ما ذاك إلّا لأنّهما علما قوّة صبر الطفلين و أنّهما غصنان من شجرة أظلّ عند ربّي و بعض جملة فاطمة بضعة منّي و فرخ البطّ سابح».

[تذكرة الخواصّ، ص 284.]

و نزيد عليّ بيان السبط أنّه: ياليت ابن الجوزي دقّق النظر فيما ضعّفه بحجّة تنزيه عليّ و فاطمة عن منع الطفلين عن أكل الطعام، فإنّ في ما نقله السبط هو: فرفعوا الطعام و ناولوه إيّاه و لم يقل: فرفع على الطعام و ناوله المسكين و اليتيم و الأسير. و هذا يدلّ على أنّ كلّهم دفعوا إليه إفطارهم بعد أن رأوا الإمام رفع يده عن الطعام و أراد اعطاءه للفقير.

و أمّا فيما نقله ابن المغازلي فصريح في أنّ الإمام عليّ قام فأعطاه رغيفه قال: فلما كان

عند الإفطار و كان عندهم ثلاثة أرغفة قال: فجلسوا ليأكلوا فأتاهم سائل فقال: أطعموني فإنّي مسكين، فقام عليّ فأعطاه رغيفه، ثمّ جاء سائل فقال: أطعموا اليتيم فأعطته فاطمة الرغيف، ثم جاء سائل فقال: أطعموا الأسير، فقالت الخادمة فأعطته الرغيف و باتوا ليلتهم طاوين.

[مناقب ابن المغازلي، ص 273.]

و يفهم أيضاً ممّا نقله فرات الكوفي من أنّ الإمام لمّا ألقى ما في يده ألقوا الآخرين الطعام من أيديهم فأعطوه طعامهم و باتوا على صومهم لم يذوقوا إلّا الماء.

[تفسير فرات الكوفي، ص 196.]

و ثالثاً: روى بعض المحدّثين لمناقب أهل البيت و منهم الخوارزمي الحنفي في مناقبه:

[مناقب الخوارزمي، ص 192.]] أنّ هذه القضية اتّفقت في ليلة واحدة، فكلٌّ من المسكين و اليتيم و الأسير دلّ الآخر على بيت مَن أطعمه، و هم أهل البيت عليهم السلام.

و لا إشكال أنّه كثيراً ما ينوّم الإنسان أطفاله لليلة واحدة بدون طعام و عشاء، فما ظنّك بالحسن و الحسين اللذين هما قدّما الطعام إلى الفقير من دون أن يُرفع العطام من بين أيديهما.

تلخّص أنّ تشكيك ابن الجوزي في غير محلّه بعد استظهاره في كتاب آخر له و بعد وجود قرائن و محامل على صدق القضيّة.

و رابعاً: أنّه ليست هذه أوّل قضية شكّ فيها، بل و هذا دأبه في الأحاديث الصحاح، والظاهر أنّه كان غير مستقيم الفكر و المنطق و لا ورعاً في دينه و تقواه؛ فإنّنا نرى أنّه ضعّف الأحاديث الصحيحة أيضاً.

و إليك ما جاء عنه في سير أعلام النبلاء: قال الموفّق عبداللطيف: «و كان كثير الغلط فيما يصنفه».

[سير أعلام النبلاء، ج 21، ص 378.]

و قال الحافظ سيف الدين ابن المجد: «هو كثير الوهم جدّاً... إلى أن قال: ما رأيت أحداً يعتمد عليه في دينه و علمه و عقله راضياً عنه».

[نفس المصدر، ص 383.]

و عن جدّ سيف الدين: «كان أبوالمظفّر ابن أحمدي ينكر على أبي الفرج كثيراً كلمات

يخالف فيها السنّة».

[نفس المصدر.]

«و كان أبوإسحاق العلفي يكاتبه و ينكر عليه».

[نفس المصدر.]

شدّة تعظيمها لرسول الله


روى ابن المغازلي بسنده عن الحسين بن عليّ عن أمّه فاطمة بنت رسول الله قال: لمّا نزلت على النبيّ صلى اللَّه عليه و آله (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً) قالت فاطمة: «فتهيّبت النبيّ صلى اللَّه عليه و آله أن أقول له: يا أبة، فجعلت أقول له: يا رسول الله، فأقبل عَلَيّ فقال لي: يا بنيّة لم تنزل فيك و لا في أهلك من قبل، أنت منّي و أنا منك، و إنّما نزلت في أهل الجفاء و البذخ و الكبر، قولى: يا أبة فإنّه أحبّ للقلب و أرضى للربّ، ثمّ قبّل النبيّ صلى اللَّه عليه و آله جبهتي و مسحني بريقه، فما احتجت إلى طيب بعده».

[مناقب الإمام عليّ بن أبي طالب، ص 365.]

و قال أبوثعلبة الخشني قال: كان رسول الله صلى اللَّه عليه و آله إذا قدم من سفره يدخل على فاطمة، فدخل عليها فقامت إليه و اعتنقته و قبلت بين عينيه.

[بحارالأنوار، ج 43، ص 40؛ فضائل الخمسة، ج 3، ص 131، حلية الأولياء، ج 2، ص 30: و فيه وجعلت تقبّل وجهه و عينه و تبكي.]

و رووا عن عائشة أنّ فاطمة كانت إذا دخلت على رسول الله صلى اللَّه عليه و آله قام لها من مجلسه و قبّل رأسها و أجلسها مجلسه، و إذا جاء إليها لقيته و قبّل كلّ واحد منهما صاحبه و جلسا معاً.

[بحارالأنوار، ج 43، ص 40؛ فضائل الخمسة، ج 3، ص 131، حلية الأولياء، ج 2، ص 30: و فيه وجعلت تقبّل وجهه و عينه و تبكي.]

و من دلائل شدّة تعظيمها لرسول الله صلى اللَّه عليه و آله أنّه دخل عليها يوماً ليذكّرها أنّ عليّاً خطبها كما رواه المفيد في أماليه قال: «فدخل عليها، فقامت فأخذت رداءه و نزعت نعليه و أتته بالوضوء فوضّأته بيدها و غسلت رجليه ثمّ قعدت...».

[نفس المصدر، ص 93.]

التزامها بالتعهّدات الأخلاقية


و حينما وهب النبيّ لها خادمة من أسرى ساحل البحر و أوصاها بالرفق معها، فلمّا رأت

فاطمة عليهاالسلام ما يوصيها بها التفت إلى أبيها و قالت: يا رسول الله عليّ يوم و عليها يوم، فكانت متقيّدة بهذا العهد الذي تعهّدت به أمام رسول الله من أنّ لها يوماً لخدمة البيت و للخادمة يوماً.

و في الخرائج روى أنّ سلمان قال: كانت فاطمة عليهاالسلام جالسة قدّامها رحى تطحن بها الشعير، و على عمود الرحى دم سائل، و الحسين في ناحية الدار يتضوّر من الجوع، فقلت: يا بنت رسول الله دبرت كفّاك و هذه فضّة؟ فقالت: «أوصاني رسول الله صلى اللَّه عليه و آله أن تكون الخدمة لها يوماً، فكن أمس يوم خدمتها، قال سلمان: قلت: إنّي مولى عتاقة إمّا أنا أُطحن الشعير أو أُسكت الحسين لك؟ فقالت: أنا بتسكينه أرفق و أنت تطحن الشعير، فطحنت شيئاً من الشعير، فإذا أنا بالإقامة، فمضيت وصلّيت مع رسول الله صلى اللَّه عليه و آله فلمّا فرغت قلت لعليّ: ما رأيت، فبكى و خرج ثمّ عاد فتبسّم فسأله عن ذلك رسول الله صلى اللَّه عليه و آله قال: دخلت على فاطمة و هي مستلقية لقفاها و السحين نائم على صدرها و قدّامها رحى تدور من غير يد، فتبسّم رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و قال: يا عليّ أما علمت أنّ للّه ملائكة سيّارة في الأرض يخدمون محمداً و آل محمد إلى أن تقوم الساعة».

[الخرائج و الجرائح، ج 2، ص 530؛ بحارالأنوار، ج 43، ص 28.]

فاطمة و تحمّل مرارة العيش


عاش المسلمون بداية الهجرة في مدينة الرسول أياماً صعبة و ضاق بهم من كلّ ناحية؛ لأنّهم تركوا ما عندهم و هاجروا إلى الله و رسوله، فكان من الذين ضاق بهم العيش أربعمائة رجل قد أقاموا في المسجد و ما لهم طعام و لا ثياب، و منهم آل الرسول و عترته، فعاشوا أصعب العيش و أخشنه من بداية أمرهم إلى أن توفّي الرسول صلى اللَّه عليه و آله.

و فاطمة عاشت في بيت عليّ عليه السلام سنين و ما كان فراشها إلّا جلد كبش تنام عليه، و ما كانت عليها إلّا عباءة إذا سترت ساقها انكشف رأسها و إذا سترت رأسها انكشف ساقها، و مع ذلك تحمّلت مشاقّ العيش، فصبرت هي و صبّرها النبيّ على ذلك؛ للوصول إلى حياة باقية و عيشة راضية، فعلينا أن نوقف القارئ الكريم على ما ورد ليعرف فاطمة، و يعرف كيف كانت تعيش و كيف كانت تصبر على مرارة الدنيا و صعوبتها؟

1. عن أنس قال: جاءت فاطمة إلى النبيّ صلى اللَّه عليه و آله فقالت: «يا رسول الله إنّي و ابن عمّي ما لنا فراش إلّا جلد كبش ننام عليه و نعلف عليه ناضحنا بالنهار، فقال: يا بنيّ اصبري، فإنّ موسى بن عمران أقام مع امرأته عشر سنين ما لهما فراش إلّا عباءة قطوانية».

[إحقاق الحقّ، ج 10، ص 400.]

2. و روى الطبراني و ابن حبان في صحيحة أنّ النبيّ صلى اللَّه عليه و آله خرج و أبوبكر و عمر إلى دار أبي أيوب الأنصارى- فذكر الحديث بطوله إلى أن قال-: فأخذ رسول الله صلى اللَّه عليه و آله شيئاً من لحم الجدي فوضعه في رغيف و قال: «يا أباأيّوب أبلغ هذا فاطمة فإنّها لم تصب مثل هذا منذ ايّام».

[نفس المصدر، ص 263.]

3. و عن أسماء بنت عميس، عن فاطمة بنت رسول الله صلى اللَّه عليه و آله: «أنّ رسول الله صلى اللَّه عليه و آله أتاها يوماً فقال: أين ابناي يعني حسناً و حسيناً؟ قالت: قلت: أصبحنا و ليس في بيتنا شي ء يذوقه ذائق، فقال عليّ: أذهب بهما فإنّي أتخوّف أن يبكيا عليك و ليس عندك شي ء، فذهب بهما إلى فلان اليهودي فوجّه إليه رسول الله صلى اللَّه عليه و آله فوجدهما يلعبان في مشربة بين أيديهما فضل من تمر، فقال: يا عليّ ألا تقلب ابنيَّ قبل أن يشتّد الحرّ عليهما، قال: فقال عليّ: أصبحنا و ليس في بيتنا شي ء فلو جلست يا رسول الله حتّى أجمع لفاطمة تمرات، فجلس رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و هو ينزع للهيودي كلّ دلو بتمرة حتّى اجتمع له شي ء من تمر، فجعله في حجزته ثمّ أقبل، فحمل رسول الله صلى اللَّه عليه و آله أحدهما و حمل عليّ الآخر عليهم السلام».

[ذخائر العقبى، ص 49.]

فكما قلنا سابقاً أنّهم كانوا يعيشون في عسر و ضيق، و الأعجب من ذلك أنّها كانت تؤثر زوجها عليّ نفسها كما أشرنا إلى ذلك في إيثارها، فراجع فلا نعيد.

عدم استنكافها من خدمة البيت


لم تستنكف فاطمة صلوات الله عليها من العمل و خدمة البيت طول حياتها، رغم عدم وجوب ذلك عليها، فكانت تستقي بالقربة حتّى أثّر في صدرها، و طحنت بالرحى حتّى مجلت يداها كما أخبر بذلك الإمام عليّ عليه السلام قائلاً لرجل من بني سعد: «ألا اُحدّثك عنّي و عن فاطمة؟ أنّها كانت عندى و كانت من أحبّ أهله إليه، و أنّها استقت بالقربة حتّى

/ 28