حیاة الصدیقة فاطمة دراسة و تحلیل نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حیاة الصدیقة فاطمة دراسة و تحلیل - نسخه متنی

محمد جواد الطبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


عمر الكتاب منها فمزّقة.

[الكافي، ج 10، ص 543.]

سادساً: فلو لم تكن فدك لها فما هذا الإصرار منها على ذلك حتّى الوفاة؟

قال محمود الخوارزمي: قد ثبت أنّ فاطمة سلام الله عليها صادقة و أنّها من أهل الجنّة، فكيف يجوز الشكّ في دعواها فدك و العوالي، و كيف يقال: إنّها أرادت ظلم جميع الناس و أصرّت على ذلك إلى الوفاة.

[دلائل الصدق، ج 3، ص 112، القطرة، ص 190.]

سابعاً: لو لم تكن فدك لها فلماذا ردّها أبوالعباس السفّاح و المهدي و المأمون على أهلها، و كتب المأمون العباسي إلى قثم بن جعفر عامله على المدنية بدفع فدك إلى ولد فاطمة و كتب إليه:

كان رسول الله صلى اللَّه عليه و آله أعطى ابنته فاطمة رضي الله عنها فدك و تصدّق عليها بها و إنّ ذلك كان أمراً ظاهراً معروفاً عند آله عليه الصلاة والسلام، ثمّ لم تزل فاطمة تدّعي منه بما هي أولى من صدق عليه، و أنّه قد رأى ردّه إلى ورثتها و تسليمها إلى محمد بن يحيى بن الحسين بن زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب و محمد بن عبدالله بن الحسين بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنهما ليقوما بها لأهلهما.

[معجم البلدان، ج 4، ص 239.]

ثامناً: فلماذا ردّها عمر بن عبدالعزيز حينما ولي الخلافة:

عمر بن عبدالعزيز و ردّ فدك


و لمّا ولي عمر بن عبدالعزيز ردّ فدك بفلاتها منذ ولي، فقيل له: نقمت على أبي بكر و عمر و فعلهما فطعنت عليهما و نسبتهما إلى الظلم و الغصب، و قد اجتمع عنده في ذلك قريش و مشايخ أهل الشام من علماء السوء، فقال عمر بن عبدالعزيز، قد صحّ عندي و عندكم أنّ فاطمة بنت رسول الله ادّعت فدك، و كانت في يدها و ما كانت لتكذب على رسول اللَّه مع شهادة عليّ و أُمّ أيمن و أُمّ سلمة و فاطمة عندي صادقة فيما تدّعي و إن لم تقم البيّنة و هي سيّدة نساء أهل الجنّة، فأنا اليوم أردّها على ورثتها أتقرّب بذلك إلى رسول الله، و أرجو أن تكون فاطمة والحسن والحسين يشفعون لي في يوم القيامة،

و لو كنت بدل أبي بكر و ادّعت فاطمة كنت أصدّقها على دعوتها، فسلّمها إلى محمد بن عليّ الباقر أو عبدالله بن الحسن، فلم تزل في أيديهم إلى أن مات عمر بن عبدالعزيز.

[القطرة، ص 191؛ كشف الغمة، ج 2، ص 121.]

تاسعاً: فلو كان ما تركه النبيّ صدقة فلماذا لم يخرجوا أزواج النبيّ من حجراتهنّ، ألم تكن حجرات النبيّ صدقة؟

عاشراً: و أغرب من ذلك أنّه ترك سيف رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و نعله و عمامته في يد عليّ على سبيل النحلة بغير بيّنة ظهرت و لا شهادة قامت، كما أنّه لم ينزع من عليّ الخاتم والسيف اللذين و هبهما له النبيّ أثناء مرضه، و لم يطالب كذلك بثياب الرسول التي مات فيها فأخذتها فاطمة بعد موته، و بحجر رسول الله التي بقيت بيد نسائه....

[عليّ و منا وئوه، ص 56.]

الحادية عشر: أنّه لو دار الأمر بين تصديق قول عائشة و قول فاطمة فأيّ يقدّم بعد تسليم قول عائشة بحقّ فاطمة: ما رأيت أصدق من فاطمة بعد أبيها؟

فبما ألزمت عائشة نفسها من أنّ الصدّيقة لا تكذب و أنّها أصدق الناس بعد أبيها؟

فنقول: إنّ عائشة شهدت زوراً في حين كانت تعلم أنّ فاطمة صادقة في دعواها.

الثانية عشر: لو كانت عائشة و حفصة صادقتين في دعواهما لماذا طالبتا عثمان بالميراث من رسول الله بعد ما نقّصهن حقّهنّ. اقرأ ما جرى في هذا اللقاء:

قال ابن شاذان: و روى شريك بن عبدالله في حديث رفعه: أنّ عائشة و حفصة أتتا عثمان حين نقّص أمّهات المؤمنين ما كان يعطينّ عمر فسألتاه أن يعطيهما ما فرض لهما عمر، فقال: لا والله ما ذاك لكما عندي، فقالتا له: فاتنا ميراثنا من رسول الله صلى اللَّه عليه و آله من حيطانه و كان عثمان متّكأ فجلس، و كان عليّ بن أبي طالب عليه السلام جالساً عنده، فقال: ستعلم فاطمة عليهاالسلام أنّي ابن عمّ لها الينم ثمّ قال: ألستما اللتين شهدتما عند أبي بكر و لفّقتما معكما أعرابياً يتطهّر ببوله مالك بن الحويرث بن الحدثان فشهدتم أنّ النبيّ صلى اللَّه عليه و آله. قال:

«إنّا معاشر الأنبياء لا نورّث ما تركناه صدقة، فإن كنتما شهدتا بحقّ فقد أجزت شهادتكما على أنفسكما، و إن كنتما شهدتما بباطل فعلى من شهد بالباطل لعنة الله والملائكة والناس أجمعين فقالتا له:

يا نعثل والله لقد شبّهك رسول الله بنعثل الهيودي، فقال لهما: ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح و امرأة لوط، فخرجتا من عنده.

[الإيضاح، ص 256.]

و لماذا عائشة و حفصة تَرثان لكنّ فاطمة لاترث


قال في النصوص المختارة: مرّ فضال بن الحسن بن فضال الكوفي بأبي حنيفة و هو في جمع كثير يملي عليهم شيئاً من فقهه و حديثه، فقال لصاحب كان معه: والله لا أبرح أو أخجل أباحنيفة فقال صاحبه:

إنّ أباحنيفة ممّن قد علمت حاله و منزلته و ظهرت حجّته فقال: مه، هل رأيت حجّة كافر علت على مؤمن، ثمّ دنا منه فسلّم عليه فردّ و ردّ القوم بأجمعهم السلام، فقال: يا أباحنيفة- رحمك الله- إنّ لي أخاً يقول: إنّ خير الناس بعد رسول الله عليّ بن أبي طالب و أنا أقول: أبابكر خير الناس بعد رسول الله و بعده عمر، فما تقول أنت رحمك اللَّه فأطرق مليّاً ثمّ رفع رأسه فقال: كفى بمكانهما من رسول الله صلى اللَّه عليه و آله كرماً و فخراً، أما علمت أنّهما ضنجيعاه في قبره فأي حجّة أوضح لك من هذه؟ فقال له فضال: إنّي قد قلت ذلك لأخي فقال: والله لئن كان الموضع لرسول الله صلى اللَّه عليه و آله دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حقّ، و إن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله لقد أساءا و ما أحسنا إليه إذ رجعا في هبتهما و نكثا عهدهما، فأطرق أبوحنيفة ساعة ثمّ قال: قل له: لم يكن لهما و لا له خاصّة و لكنهما نظر في حقّ عائشة و حفصة فاستحقّا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما، فقال فضال: قد قلت له ذلك فقال: أنت تعلم أنّ النبيّ صلى اللَّه عليه و آله مات عن تسع حشايا فنظرنا فإذا لكلّ واحدة منهنّ تسع الثمن، ثمّ نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر، فكيف يستحقّ الرجلان أكثر من ذلك، و بعد فما بال عائشة و حفصة ترثان رسول الله و فاطمة ابنته تمنع الميراث، فقال أبوحنيفة: يا قوم نحّوه عنّي فإنّه والله رافضي خبيث.

[الفصول المختارة، ص 45.]

جرح الشهود من قبل عمر


و جرح عمر بن الخطاب الشهود الذين جاءت بهم فاطمة ليشهدوا بأنّ فدكاً لها

و أعطاها النبيّ و هو حيّ.

فمرّة يقول لعليّ: فإن أتيت بشهود عدول، و كأنّ أمّ أيمن التي شهدت من قبل عند أبي بكر لم تكن من العدول في حين أنّها كانت من أهل الجنّة بشهادة النبيّ، و أخرى يقول لفاطمة: أمّا على فزوجها، و أمّا الحسن والحسين فابناها، و أمّا أمّ أيمن فمولاتها، و أمّا أسماء بنت عميس فقد كانت تحت جعفر بن أبي طالب، فهي تشهد لبني هاشم و كانت تخدم فاطمة عليهاالسلام و كل هؤلاء، يجرّون إلى أنفسهم.

[بحارالأنوار، ج 8، ص 101.]

أقول: و نحيل جواب الشهود من قبل عمر إلى الضمائر الحرّة.

شهود فاطمة لم تبلغ حدّ النصاب


قالوا أيضاً: إنّ شهود فاطمة لم تكن كافية فكان ممّن شهد عليّ ذلك عليّ و أمّ أيمن فقال عمر: فإنّ عليّاً زوجها يجرّ إلى نفسه و أمّ أيمن فهي امرأة صالحة لو كانت معها غيرها لنظرنا فيه...

نقول: لم تكن أمّ أيمن هي التي شهدت لوحدها بل كانت أسماء معها، و هي التي اتهمها عمر بأنّها تشهد لبني هاشم و أنّها تجرّ النار إلى نفسها لجرحها و لمنع فاطمة فدكاً كما مرّ عليك.

و كما قرأت عن عمر بن عبدالعزيز أنّه قد صحّ عنده ملكيّة فدك لفاطمة مع شهادة عليّ و أمّ أيمن و أمّ سلمة.

[كشف الغمّة، ج 2، ص 121.]

ترى أنّه أضاف أمّ سلمة إلى الشهود؛ فلذلك نرى أنّ شهود فاطمة: عليّ والحسن والحسين و أمّ أيمن و أسماء فأين عدم إكمال شهودها حتّى تمنع عن حقّها؟

فبأيّ وجه و سبب يثبت للخليفة قول رسول الله برجل و امرأتين و لا يثبت ملكيّة فدك لفاطمة بشهادة عليّ والحسن والحسين و أسماء و أمّ أيمن و مولى لرسول الله.

[وادّعى قاضي القضاة بأنّ الشاهد في ذلك لم يكن أميرالمؤمنين، بل شهد لها مولى لرسول الله صلى اللَّه عليه و آله مع أمّ أيمن. راجع شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 269.]

و ظنّي أنّه لو شهد كلّ المسلمين رجالاً و نساءاً في ذلك اليوم لأبطل عمر شهادتهم

و لمنع فاطمة فدكاً، و إلّا فبأيّ علّة منعها في حين أنّ فدك كانت لها و في يدها و تحت تصرفها، و اليد علامة الملك عقلاً و شرعاً، و هذا ممّا لايحتاج إلى إقامة بيّنة و برهان، فلو كان كذلك لبطل كلّ ما في يد المسلمين.

و لم يقل به أحد، و وجب على الخليفة و على عمر بن الخطاب أن يقيما بيّنة على أنّ بيوتهما و مالهما من الأموال و العبيد لهما دون غيرهما، و هذا أمر ممّا لم يلتزم به الخليفة و لا عمر بن الخطاب.

ما هو السبب الواقعي


و السبب الواقعي في أخذ فدك عن فاطمة هو ما نقله ابن أبي الحديد عن الفارقي مدرس المدرسة الغريبة ببغداد. و إن كان هو مبتلى بتناقض الآراء و الأقوال و الأفكار، لكن الحقّ هو ما جرى على لسان الفارقي قال: و سألت عليّ بن الفارقي مدرس المدرسة الغريبة ببغداد، فقلت له: أكانت فاطمة صادقة؟

قال: نعم، قلت: فلم لم يدفع إليها أبوبكر فدك و هي عنده صادقة؟

فتبسّم ثمّ قال كلاماً لطيفاً مستحسناً مع ناموسه و حرمته و قلّة دعابته قال: لو أعطاها اليوم فدك بمجرّدد عواها لجاءت إليه غداً و ادّعت لزوجها الخلافة و زحزحته عن مقامه، و لم يكن يمكنه الاعتذار و الموافقة بشي ء؛ لأنّه يكون قد أسجل على نفسه أنّها صادقة فيها، تدّعي كائناً ما كان من غير حاجة إلى بيّنة و لا شهود، و هذا كلام صحيح و إن كان أخرجه مخرج الدعابة و الهزل.

[شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 284.]

و قال أيضاً: قال لي علويّ في الحلّة يعرف بعليّ بن مهنأ ذكيّ ذو فضائل: ما تظنّ قصد أبي بكر و عمر بمنع فاطمة فدك؟ قلت: ما قصدا؟ قال: أرادا أن لا يظهرا لعليّ- و قد اغتصباه الخلافة- رقّة وليناً و خذلاناً، و لا يرى عندهما خوراً فأتبعا القرح بالقرح. و قلت لمتكلم من متكلمي الإمامية يعرف بعليّ بن تقيّ من بلدة النيل: و هل كانت فدك إلّا نخلاً يسيراً و عقاراً ليس بذلك الخطير، فقال لي: ليس الأمر كذلك بل كانت جليلة جدّاً، و كان فيها من النخل نحو ما بالكوفة الآن من النخل، و ما قصد أبوبكر و عمر بمنع فاطمة

عنها إلّا أن لا يتقوّى عليّ بحاصلها و غلّتها على المنازعة في الخلافة؛ و لهذا أتبعا ذلك بمنع فاطمة و عليّ و سائر بني هاشم و بني عبدالمطلب حقّهم في الخمس فإنّ الفقير الذي لا مال له تضعف همّته و يتصاغر عند نفسه، و يكون مشغولاً بالاحتراف و الاكتساب عن طلب الملك و الرئاسة.

[نفس المصدر، ص 236.]

خطبة الزهراء أم محاكمة الخليفة


لم تترك الصدّيقة فاطمة الخليفة حينما منعها عن فدك، بل ذهبت في لمّة من نساء قومها إلى المسجد، و قد حشد المهاجرين و الأنصار، فضرب بينهم بريطة بيضاء ثمّ أَنّت أَنّة أجهش لها القوم بالبكاء، ثمّ أمهلت طويلاً حتّى سكنوا من فورتهم.

ثمّ ابتدأت بالحمد والثناء و خطبت خطبة غرّاء، فكان في خطبتها محاكمة الخليفة لمنعها فدكاً أمام الجمع الحاضر بالآيات الكريمة و بالسيرة القائمة بين العقلاء، فهي في الحقيقة أرادت أن تنبّه الأمّة الإسلامية بأنّ حكم الحجز و إخراج وكلاء الزهراء عليهاالسلام من فدك لم يكن حكماً إسلامياً و قرآنياً، و إنّما هو مخالف للقرآن العظيم و ما جاء به الرسول الكريم.

و أمّا الخطبة فقد رواه ابن أبي طيفور

[بلاغات النساء، ص 12.] و الجوهري

[السقيفة، ص 98.] و المسعودي

[مروج الذهب، ج.] و ابن أبي الحديد

[شرح نهج البلاغة، ج 16، ص 211.] و الأربلي

[كشف الغمّة، ج 2، ص 105.] و السيد المرتضى

[الشافي.] و العلّامة المجلسي

[بحارالأنوار، ج 8، ص 105؛ الطبعة الحجرية.] والطبرسي

[الاحتجاج، ج 1، ص 131.] و ابن شهر آشوب

[مناقب آل أبي طالب، ج 2، ص 206.] والطوسي

[أمالي الطوسي، ص 680.] والطبري

[دلائل الإمامة، ص 30.]

روى الطبرسي في الاحتجاج عن عبدالله بن الحسن بإسناده عن آبائه: أنّه لما أجمع أبوبكر و عمر على منع فاطمة فدكاً، و بلغها ذلك لاثت خمارها على رأسها واشتملت بجلبابها، و أقبلت في لمّة من حفدتها و نساء قومها تطأ ذيولها ما تحرم مشيتها مشية رسول الله صلى اللَّه عليه و آله حتّى دخلت على أبي بكر، و هو في حشد من المهاجرين و الأنصار و غيرهم، فنيطت دونها ملاءة، فجلست ثمّ أنتَّ أنَّه أجهش القوم لها بالبكاء فارتجّ المجلس، ثمّ أمهلت هنيئة حتّى إذا سكن نشيج القوم و هدأت فورتهم افتتحت الكلام بحمدالله و الثناء عليه والصلاة على رسوله، فعاد القوم في بكائهم، فلمّا أمسكوا عادت في كلامها فقالت:

«الحمدلله على ما أنعم، و له الشكر على ما ألهم، والثناء بما قدّم من عموم نعم ابتدأها، و سبوغ آلاء أسداها، و تمام منن أولا، جمّ عن الإحصاء عددها، و نأى عن الجزاء أمدها، و تفاوت عن الإدراك أبدها، و ندبهم لاستزادتها بالشكر لاتصالها و استحمد إلى الخلائق بإجزالها و ثنّى بالندب إلى أمثالها، و أشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له، كلمة جعل الإخلاص تأويلها، و ضمن القلوب موصولها، و أنار في التفكّر معقولها، الممتنع عن الأبصار رؤيته، و من الألسن صفته، و من الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شي ء كان قبلها، و أنشأها بلا احتذاء أمثله امتثلها، كونها بقدرته، و ذرأها بمشيئته من غير حاجة منه إلى تكوينها، و لا فائدة له في تصويرها إلّا تثبيتاً لحكمة؛ و تنبيهاً على طاعة؛ و إظهاراً لقدرته؛ تعبّداً لبريّته، و اعزازاً لدعوته، ثمّ جعل الثواب على طاعته، و وضع العقاب على معصيته، زيادة لعباده من نقمته و حياشة لهم إلى جنّته، و أشهد أنّ أبي محمداً عبده و رسوله اختاره قبل أن أرسله، و سمّاه قبل أن اجتباه، و اصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة و بستر الأهاويل مصونة، و بنهاية العدم مقرونة، علماً من الله تعالى بما يلي الأمور، و إحاطة بحوادث الدهور، و معرفة بمواقع الأمور، ابتعثه الله إتماماً لأمره، و عزيمة على إمضاء حكمه، و إنفاذاً لمقادير حتمه، فرأى الأمم فرقاً بين أديانها، عُكّفاً على نيرانها عابدة لأوثانها منكرة لله مع عرفانها، فأنار الله بأبي محمد صلى اللَّه عليه و آله ظلمها، و كشف عن القلوب بهمها، وجلا عن الأبصار غممها، و قام في الناس بالهداية، فأنقذهم من الغواية، و بصّرهم من العماية، و هداهم إلى الدين القويم، و دعاهم إلى الطريق المستقيم ثمّ قبضه الله إليه قبض

رأفة و اختيار، و رغبة و إيثار، فمحمد صلى اللَّه عليه و آله من تعب هذه الدار في راحة، قد حُفّ بالملائكة الأبرار، و رضوان الربّ الغفّار، و مجاورة الملك الجبار، صلّى الله على أبي نبيّه و أمينه، و خيرة من الخلق و صفيّه، والسلام عليه و رحمة الله و بركاته».

ثمّ التفت إلى أهل المجلس و قالت: أنتم عبادالله نصب أمره و نهيه و حملة دينه و وحيه، و أمناء الله على أنفسكم، و بلغاؤه إلى الأمم، زعيم حقّ له فيكم و عهد قدّمه إليكم و بقية استخلفها عليكم:

كتاب الله الناطق، و القرآن الصادق، و النور الساطع، و الضياء اللامع، بيّنة بصائره، منكشفة سرائره، منجلية ظواهره، مغتبطة به أشياعه، قائداً إلى الرضوان أتباعه، مؤدّباً إلى النجاة استماعه به تنال حجج الله المنوّره، و عزائمه المفسّرة، و محارمه المحذّرة، و بيّناته الجالية، و براهينه الكافية و فضائله المندوبة، و رخصه الموهوبة، و شرائعه المكتوبة، فجعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، و الصلاة تنزيهاً لكم عن الكبر، و الزكاة تزكية للنفس، و نماءً في الرزق، والصيام تثبيتاً للإخلاص، و الحجّ تشييداً للدين، والعدل تنسيقاً للقلوب، و طاعتنا نظاماً للملّة، و إمامتنا أماناً للفرقة، و الجهاد عزّاً للإسلام، والصبر معونة على استيجاب الأجر، و الأمر بالمعروف مصلحة للعامّة، و برّا الوالدين وقاية من السخط، وصلة الأرحام منساةً في العمر و منماة للعدد، و القصاص حقناً للدماء، و الوفاء بالنذر تعريضاً للمغفرة، و توفية المكائيل و الموازين تغييراً للبخس، و النهي عن شرب الخمر تنزيهاً عن الرجس، و اجتناب القذف حجاباً عن اللعنة، و ترك السرقة إيجاباً بالعفّة، و حرّم الله الشرك إخلاصاً له بالربوبية، فاتّقوا الله حقّ تقاته، و لا تموتنّ إلّا و أنتم مسلمون، و أطيعوا الله فيما أمركم به و نهاكم عنه؛ فإنّه إنّما يخشى الله من عباده العلماء.

ثمّ قالت: أيّها الناس اعلموا أنّي فاطمة و أبي محمد صلى اللَّه عليه و آله أقول عوداً و بدواً، و لا أقول ما أقول غلطاً و لا أفعل ما أفعل شططاً، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عَنِّتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تعزّوه و تعرفوه تجدوا أبي دون نسائكم، و أخاه ابن عمّي دون رجالكم، و لنعم المعزّى إليه صلى اللَّه عليه و آله، فبلغ الرسالة صادعاً بالنذارة، مائلاً عن مدرجة المشركين، ضارباً ثيجهم، آخذاً بأكظامهم، داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة، يجف الأصنام و ينكث الهام، حتّى انهزم الجمع و ولّوا الدبر، حتّى تفرى

الليل عن صبحه و أسفر الحقّ عن محضه، و نطق زعيم الدين، و خرست شقائق الشياطين و طاح و شيظ النفاق و انحلّت عقد الكفر والشقاق، و فهتم بكلمة الإخلاص في نفر من البيض الخماص، و كنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب و نهزة الطامع و قبسة العجلان و موطئ الأقدام، تشربون الطرق و تقتاتون القد أذلّة خاسئين، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم فأنقذكم الله تبارك و تعالى بمحمد صلى اللَّه عليه و آله بعد اللتيبّا و التي و بعد أن مني بيهم الرجال و ذؤبان العرب و مَرَدة أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نجم قرن الشيطان، أو فغرت فاغرة من المشركين، قذف أخاه في لهواتها، فلا ينكفئ حتّى يطأ جناحها بأخمصه و يخمد لهبها بسيفه، مكدوداً في دات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيّداً في أولياء الله، مشمّراً ناصحاً، مجدّاً كادحاً، لا تأخذه في الله لومة لائم، و أنتم في رفاهية من العيش، و ادّعون فاكهون آمنون، تتربّصون بنا الدوائر، و تتوكّفون الأخبار و تنكصون عند النزال و تفرّون من القتال، فلّما اختار الله لنبيّه دار أنبيائه و مأوى أصفيائه ظهر فيكم حسكة النفاق و سمل جلباب الدين و نطق كاظم الغاوين، و نبع خامل الأقلّين و هدر فنيق المبطلين، فخطر في عرصاتكم، و أطلع الشيطان رأسه من مغرزه هاتفاً بكم فألفاكم لدعوته مستجيبين و للعزّة فيه ملاحظين، ثمّ استنهضكم فوجدكم خفافاً، و أحمشكم فألفاكم غضاباً، فوسمتم غير إبلكم، و وردتم غير مشربكم، هذا و العهد قريب و الكلم رحيب و الجرح لمّا يندمل و الرسول لمّا يقبر، ابتداراً زعمتم خوف الفتنة ألا في الفتنة سقطوا و إنّ جهنّم لمحيطه بالكافرين، فهيهات منكم، و كيف بكم، و أنّى تؤفكون و كتاب الله بين أظهركم أموره ظاهرة و أحكامه زاهرة و أعلامه باهرة و زواجره لائحة و أوامره واضحة، و قد خلّفتموه وراء ظهوركم أَرَغبة عنه تريدون؟ أم بغيره تحكمون؟ و بئس للظالمين بدلاً، و من يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه و هو في الآخرة من الخاسرين، ثمّ لم تلبثوا إلّا ريث أنّ تسكن نفرتها و يسلس قيادتها، ثمّ أخذتم تورون و قدتها و تهيّجون جمرتها، و تستجيبون لهاتف الشيطان القويّ، إطفاء أنوار الدين الجليّ، و إهمال سنن النبيّ الصفيّ، تشربون حسواً في ارتقاء، و تمشون لأهله و ولده في الخمرة و الضرّاء، و يصير منكم على مثل حزّ المدى و وخز السنان في الحشا، و أنتم الآن تزعمون: أن لا إرث لنا، أفحكم الجاهلية تبغون و من

أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟ أفلا تعلمون؟ بلى قد تجلّى لكم كالشمس الضاحية أنّي ابنته.

أيّها المسلمون، أَأُغلب على إرثي، بابن أبي قحافة، أفي كتاب الله ترث أباك و لا أرث أبي؟ لقد جئت شيئاً فرياً! أفعلى عمد تركتم كتاب الله و نبذتموه وراء ظهوركم؟

إذ يقول: (و ورث سليمان داود)

[النمل، الآية 16.] و قال: فيما اقتصّ من خبر يحيى بن زكريا إذ قال: (فهب لي من لدنك وليّاً يرثني و يرث من آل يعقوب) و قال: (و أولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله)

[الانفال، الآية 75.] و قال: (يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظّ الانثيين)

[النساء، الآية 11.] و قال: (إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين و الأقربين بالمعروف حقّاً على المتّقين)

[البقرة، الآية 180.] و زعمتم أن لا حظوة لي و لا إرث من أبي و لا رحم بيننا، أفخصّكم الله بآية أُخرج أبي منها أم هل تقولون: إنّ أهل ملّتين لا يتوارثان؟ أولست أنا و أبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن من أبي و ابن عمّي؟ فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله و الزعيم محمد و الموعد القيامة، و عند الساعة يخسر المبطلون، و لا ينفعكم إذ تندمون، ولكلّ نبأ مستقرّ، و سوف تعلمون مَن يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم.

ثمّ رمت بطرفها نحو الأنصار فقالت: يا معشر النقيبة و أعضاد الملة و حضنة الإسلام، ما هذه الغميزة في حقّي و السِنة عن ظلامتي؟ أما كان رسول الله صلى اللَّه عليه و آله أبي يقول: المرء يحفظ في ولده؟

سرعان ما أحدثتم و عجلان ذا إهالة، و لكم طاقة بما أحاول، و قوة على ما أطلب و أزاول، أتقولون مات محمد صلى اللَّه عليه و آله فخطب جليل استوسع وهنه، و استنهر فتقه و انفتق رتقه، و أظلمت الأرض لغيبته، و كسفت الشمس والقمر، و انتثرت النجوم لمصيبته، و أكدت الآمال، و خشعت الجبال، و أضيع الحريم و أزيلت الحرمة عند مماته، فتلك والله النازلة الكبرى و المصيبة العظمى، لامثلها نازلة و لابائقة عاجلة، أعلن بها كتاب الله جلّ ثناؤه في

/ 28