حیاة الصدیقة فاطمة دراسة و تحلیل نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حیاة الصدیقة فاطمة دراسة و تحلیل - نسخه متنی

محمد جواد الطبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


روى في العيون بسنده عن عليّ عليه السلام قال: «قال لي رسول الله صلى اللَّه عليه و آله: يا علي لقد عاتبني رجال من قريش في أمر فاطمة و قالوا: خطبناها إليك فمنعتنا و زوّجت عليّاً فقلت لهم: والله ما أنا منعتكم و زوّجته، بل الله منعكم و زوّجه، فهبط عليّ جبرئيل فقال: إنّ الله جلّ جلاله يقول: لو لم أخلق عليّاً لما كان لفاطمة ابنتك كفؤ على وجه الأرض آدم فمن دونه».

[بحارالأنوار، ج 43، ص 92.]

إنّ عليّاً رماها ببصرة رمياً شحيحاً


قالوا: إنّ عليّاً سألها يوماً عن شي ء تغذيه فأقسمت بالله أنّه لم يكن عندها شي ء، فخرج و استقرض ديناراً و أنفقه في سبيل الله، ثمّ رجع إلى البيت مع النبيّ و رأى جفنة فرمى ببصره فاطمة رمياً شحيحاً، و كأنّه غضب ممّا أقسمت فاطمة أنّه لم يكن عندها شي ء ثمّ رأى جفنة طعام.

أقول: و هذا أيضاً من الافتراءات و ألاكاذيب على عليّ و فاطمة صلوات عليهما، و قد ذكره المحبّ الطبري في ذخائره بزعمه أنّ هذه مقبة للسيدة فاطمة الزهراء عليهاالسلام في حين أنّها لم تكن منقبة، بل إساءة لكرامتها من حيث لا يشعر. و إليك ما نقله:

عن أبي سعيد قال: قال عليّ عليه السلام ذات يوم فقال: «يا فاطمة هل عندك من شي ء تغذينيه؟ قالت: لا و الذي أكرم أبي بالنبوّة ما أصبح عندي شي ء أغذيكه، و لا أكلنا بعدك شيئاً، و لا كان لنا شي ء بعدك منذ يومين إلّا شي ء أؤثرك به على بطني و على ابنيّ هذين.

قال: يا فاطمة: إلّا أعلمتيني حتّى أبغيكم شيئاً، قالت: أستحي من الله أن أكلّفك ما لا تقدر عليه، فخرج من عندها واثقاً بالله حسن الظنّ به، فاستقرض ديناراً، فينا الدينار في يده أراد أن يبتاع لهم ما يصلح لهم إذ عرض له المقداد في يوم شديد الحرّ قدلو حته الشمس من فوقه و آذته من تحته، فلما رآه أنكره فقال: يا مقداد ما أزعجك من رحلك هذه الساعة، قال: يا أباحسن خلّ سبيلى و لا تسألني عمّا ورائي، و قال: يا ابن أخي أنّه لا يحلّ لك أن تكتمني حالك، قال: أمّا إذا أبيت فو الذي، أكرم محمداً بالنبوّة ما أزعجني من رحلي إلّا الجهد، و لقد تركت، أهلي يبكون جوعاً، فلما سمعت بكاء العيال لم تحملني الأرض فخرجت مغموماً راكباً رأسي، فهذه حالتي و قصّتي، فهملت عينا عليّ بالبكاء حتّى بلّت

دموعه لحيته ثمّ قال: أحلف بالذي حلفت به ما أزعجني غير الذي أزعجك، و لقد اقترضت ديناراً فهاك و أؤثرك به على نفسي، فدفع له الدينار و رجع حتّى دخل على النبيّ و صلّى الظهر و العصر و المغرب، فلما قضى النبيّ صلى اللَّه عليه و آله صلاة المغرب مرّ بعليّ في الصفّ الأول، فغمزه برجله فسار خلف النبيّ حتّى لحقه عند باب المسجد ثمّ قال: يا أباالحسن هل عندك شي ء، تعشّينا به، فأطرق عليّ لا يحر جواباً حياءاً من النبيّ. قد عرف الحال الذي خرج عليها فقال له النبيّ صلى اللَّه عليه و آله: إمّا أن تقول لا فننصرف عنك أو نعم فنجي ء معك، فقال له: حبّاً و تكريماً، اذهب بنا و كأنّ الله سبحانه و تعالى قد أوحى إلى نبيّه صلى اللَّه عليه و آله أن تعشّ عندهم، فأخذ النبيّ صلى اللَّه عليه و آله بيده فانطلقا حتّى دخلا على فاطمة عليهاالسلام في مصلّاها و خلفها جفنة تفور دخاناً، فلما سمعت كلام النبيّ صلى اللَّه عليه و آله خرجت من المصلّى فسلّمت عليه، و كانت أعزّ الناس عليه فرد عليهاالسلام و مسح بيده على رأسها و قال: كيف أمسيت؟ عشّينا غفر الله لك، و قد فعل، فأخذت الجفنة فوضعتها بين يديه، فلمّا نظر على ذلك و شمّ ريحه رمى فاطمة ببصره رمياً شحيحاً فقالت: ما أشحّ نظرك و أشدّه، سبحان الله هل أذنبت ذنباً فيما بيني و بينك ما أستوجب به السخطة قال: و أيّ ذنب أعظم من ذهب أصبتيه اليوم، أليس عهدى بك اليوم و أنت تحلفين بالله مجتهدة ما طمعت طعاماً يومين، فنظرت إلى السماء فقالت: إلهي يعلم ما في سمائه و يعلم ما في أرضه، أنّي لم أقل إلّا حقّاً قال: فأنّى لك هذا الذي لم أر مثله و لم أشمّ مثل رائحته و لم آكل أطيب منه؟ فوضع النبيّ صلى اللَّه عليه و آله كفّه المباركة بين كتفي عليّ ثم هزّها و قال: يا عليّ هذا ثواب الدينار و هذا جزاء الدينار، هذا من عندالله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب، ثمّ استعبر النبيّ صلى اللَّه عليه و آله باكياً و قال: الحمدالله كما لم يخرجكما من الدنيا حتّى يجريك في المجرى الذي أجرى فيه زكريا، و يجريك يا فاطمة في المجرى الذي أجرى فيه مريم كلّما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال: يا مريم أنّى لك هذا».

[ذخائر العقبى، ص 45؛ تفسير فرات الكوفى، ص 21؛ المعيار و الموازنة، ص 236 بتفاوت.]

أقول: لقد ذكر بعض المفسّرين سنّة و شيعة هذا الحديث في ذيل الآية الشريفة، لكن لا بهذه الحدّة و الركاكة و لا بهذا الشكل من الإساءة و الاستهانة بكرامة عليّ و الزهراء صلوات الله عليها؛ فإنّ بين نقلهم و نقل المحبّ الطبري بوناً بعيداً، حيث إنّ الإمام عليّ- والعياذ بالله- لم يصدّق قولها بعد أن رأى الجفنة و شمّ رائحة الطعام، و أنّه نظر إليها

و رماها ببصره رمياً شحيحاً فقالت: «ما أشحّ نظرك و أشدّه! سبحان الله هل أذنبت ذنباً... قال: و أيّ ذنب أعظم من ذنب أصبتيه اليوم...».

و إنّه- والعياذ بالله- لم يراع حقّ رسول الله بمحضره و أخذ يكابر فاطمة حول الجفنة و كلّ ذلك ممّا يكذب بأن القضيّة لم تكن كما نقلها الطبري بعد الفراغ عن ضعف السند بإرسال الحديث عن أبي سعيد.

و ممّا يؤكّد كذب نقل الطبري: أنّ القاضي نعمان ذكر القصّة عن ابن مسعود و لم يتعرّض إلى ما ذكره الطبري حيث قال فيه: «فجعل عليّ يأكل و ينظر إليها فقال له رسول الله صلى اللَّه عليه و آله: يا أباالحسن كل و لا تسأل حبيبتي عن شى ء، فالحمدلله الذي رأيت في منزلك مثل مريم بنت عمران كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال: يا مريم أنّى لك هذا قالت: هو من عندالله...».

[شرح الأخبار، ج 3، ص 25.]

و رواه كلّ من الفيض

[تفسير الصافى، ج 1، ص 259.] و شرف الدين النجفى

[تاويل الآيات، ج 1، ص 110.]، و السيد هاشم البحرانى

[البرهان، ج 1، ص 282.] و الحويزى

[نورالثقلين، ج 1، ص 333.] و غيرهم، لكن لم نجد في نقلهم من هذه الغرابة عيناً و لا أثراً. فروى الفيض عن العياشي عن الباقر في حديث قال فيه: «فأقبل فوجد رسول الله جالساً و فاطمة تصلّي و بينهما شى ء مغطّى، فلمّا فرغت اختبرت ذلك فإذا جفنة من خبز و لحم قال: يا فاطمة أنّى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله، إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب، فأكلوا منها شهراً و هي الجفنة التي يأكل منها القائم و هى عندنا».

[تفسير الصافى، ج 1، ص 259.]

إنّ رسول الله غضب من فعلها


قالوا: و لمّا رجع النبيّ من سفره و كان يبدأ بها قبل كل أحد، و دخل عليها ثمّ رأى قلادة في عنقها و أعرض عنها و لم يدخل، فخرج و قد عرف الغضب في وجهه. قلنا: و بعض هذه الأخبار- أيضاً- من المعجولات و تنافي شأن الصدّيقة فاطمة صلوات الله عليها. و إليك

ماورد بصورها المختلفة:

1. روى أحمد في المسند قال: ثنا عبدالصمد، حدّثني أبى، ثنا محمد بن مجادة، حدّثني حميد الشامي، عن سليمان الميهني، عن ثوبان مولى رسول الله صلى اللَّه عليه و آله قال: كان رسول الله صلى اللَّه عليه و آله إذا سافر آخر عهده بإنسان من ؟هله فاطمة و أول مَن يدخل عليه إذا قدم فاطمة، قال: فقدم من غزاته فأتاها، فإذا هو بسمح على بابها و رأى على الحسن و الحسين قلبين من فضّة فرجع و لم يدخل عليها، فلمّا رأت ذلك فاطمة ظنت أنّه لم يدخل عليها من أجل ما رأى، فهتكت الستر و نزعت القلبين من الصبيّين فقطعتهما، فبكى الصبيان فقسمته بينهما، فانطلقا إلى رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و هما يبكيان فأخذه رسول الله صلى اللَّه عليه و آله منهما فقال: يا ثوبان اذهب بهذا إلى بني فلان أهل بيت بالمدينة و اشتر لفاطمة قلادة من عصب و سوارين من عاج، فإنّ هؤلاء أهل بيتي و لا أحبّ أن يأكلوا طيّباتهم في حياتهم الدنيا».

[مسند ؟حمد، ج 5، ص 275.]

2. روى الصدوق عن الحسن بن سعيد الهاشمي الكوفي قال: حدّثنا جعفر بن محمد بن جعفر العلوى الحسيني، قال: حدّثنا محمد بن عليّ بن خلف العطّار، قال: حدّثنا حسن بن صالح بن أبي الأسود، قال: حدّثنا أبومعشر، عن محمد بن قيس قال: كان النبيّ إذا قدم من سفر بدأ بفاطمة فدخل عليها فأطال عندها المكث، فخرج مرّة في سفر فصنعت فاطمة عليهاالسلام مسكتين من ورق و قلادة و قرطين و ستراً لباب البيت لقدوم أبيها و زوجها، فلمّا قدم رسول الله دخل عليها فوقف أصحابه على الباب لا يدرون يقفون أو ينصرفون لطول مكثه عندها، فخرج عليهم رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و قد عرف الغضب في وجهه حتّى جلس عند المنبر، فظنّت فاطمة أنّه إنّما فعل ذلك رسول الله صلى اللَّه عليه و آله لما رأى من المسكتين و القلادة و القرطين و السترة، فنزعت قلادتها و قرطيها و مسكتيها، و نزعت الستر فبعثت به إلى رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و قالت للرسول: قل له: تقرأ عليك ابنتك السلام و تقول: اجعل هذا في سبيل الله، فلمّا أتاه قال: فعلت فداها أبوها- ثلاث مرات- ليست الدنيا من محمد و آل محمد، و لو كانت الدنيا تعدل عندالله من الخير جناح بعوضة ما أسقى فيها كافراً شربة ماء ثمّ قام فدخل عليها».

[أمالي الصدوق، ص 208؛ بحارالأنوار، ج 43، ص 20.]

3. و في الأمالي أيضاً عن ابن إدريس عن أبيه، عن ابن عيسى، عن محمد بن يحيى

الخزّاز، عن موسى بن إسماعيل، عن أبيه، عن موسى بن جعفر، عن آبائه قال علي عليه السلام: «إنّ رسول الله صلى اللَّه عليه و آله دخل على ابنته فاطمة عليهاالسلام و إذا في عنقها قلادة، فأعرض عنها فقطعتها و رمت بها، فقال لها رسول الله صلى اللَّه عليه و آله: أنت منّي يا فاطمة ثمّ جاء سائل فناولته القلادة، ثمّ قال رسول الله صلى اللَّه عليه و آله: اشتد غضب الله و غضبي على من أهرق دمى و آذانى في عترتي».

[بحارالأنوار، ج 43، ص 22.]

4. و رواه في العيون بثلاثة أسناد عن الرضا عليه السلام:

و حدّثنا أبوالحسن محمد بن عليّ بن الشاه الفقيه المروزي، قال: حدّثنا أبوبكر محمد بن عبدالله النيسابوري، قال: حدّثنا أبوالقاسم عبدالله بن أحمد بن عامر بن سليمان الطائي بالبصرة: قال: حدّثنا عليّ بن موسى الرضا عليه السلام عن آبائه، عن عليّ بن الحسين أنّه قال: «حدّثتني أسماء بنت عميس قالت: كنت عند فاطمة عليهاالسلام إذا دخل عليها رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و في عنقها قلادة من ذهب كان اشتراها لها عليّ بن أبي طالب عليه السلام من في ء فقال لها رسول الله صلى اللَّه عليه و آله: يا فاطمة لا يقول الناس: إنّ فاطمة بنت محمد تلبس لبس الجبابرة، فقطعتها و باعتها و اشترت بها رقبة فأعتقها، فسُرَّ بذلك رسول الله صلى اللَّه عليه و آله».

[عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 44.]

5. و روى الطبرسي: عن أبي جعفر: قال: «كان رسول الله إذا أراد السفر سلّم على من أراد التسليم عليه من أهله، ثمّ يكون آخر مَن يسلم عليه فاطمة عليهاالسلام فيكون وجهه إلى سفره من بيتها و إذا رجع بدأبها.

فسافر مرّة و قد أصاب عليّ شيئاً من الغنيمة فدفعه الى فاطمة فخرج فأخذت سوراين من فضّة و علّقت على بابها ستراً، فلما قدم رسول الله دخل المسجد فتوجّه نحو بيت فاطمة كما كان يصنع، فقامت فرحة الى أبيها صبابة و شوقاً اليه، فنظر فإذا في يدها سواران من فضّة و إذا على بابها ستر، فقعد رسول الله صلى اللَّه عليه و آله حيث ينظر إليها، فبكت فاطمة و حزنت و قالت: ما صنع هذا بي قبلها، فدعت إبنيها فنزعت الستر من بابها، و خلعت السوارين من يديها، ثم دفعت السوارين إلى أحدهما و الستر إلى الآخر ثمّ قالت لهما: انطلقا الى أبي فأقرئاه السلام و قولا له: ما أحدثنا بعدك غير هذا فشأنك به، فجاءاه فأبلغاه ذلك عن أمّهما فقبّلهما رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و التزمهما و أقعد كلّ واحد منهما على فخذه، ثمّ أمر

بذينك السوارين فكسرا فجعلهما قطعاً، ثم دعا أهل الصفة و هم قوم من المهاجرين لم يكن لهم منازل و لا أموال فقسّمه بينهم قطعاً ثمّ جعل يدعو الرجل منهم العاري الذي لا يستتر بشي ء و كان ذلك الستر طويلاً ليس له عرض، فجعل يؤزر الرجل فاذا التقيا عليه قطعه حتى قسمه بنيهم أزراً ثمّ أمر النساء لا يرفعن رؤوسهنّ من الركوع و السجود حتى يرفع الرجال رؤوسهم، و ذلك أنّهم كانوا من صغر أزارهم إذا ركعوا و سجدوا بدت عورتهم من خلفهم، ثمّ جرت به السنّة أن لا يرفع النساء رؤوسهن من الركوع و الحسود حتى يرفع الرجال.

ثمّ قال رسول الله صلى اللَّه عليه و آله رحم الله فاطمة ليكسونّها الله بهذا الستر من كسوة الجنّة و ليحلينّها بهذين السوارين من حلية الجنة»

[مكارم الاخلاق، ص 94، بحارالأنوار، ج 43، ص 83.]

أقول: الروايات المذكورة غالبها إمّا مرسلة و إما ضعيفة الإسناد، خصوصاً ما رواه أحمد في المسند، و الرواية الأولى عن الأمالي إذن لا اعتماد عليها من ناحية السند، و أما من حيث المتن فالاضطراب الحاكم بين هذه الروايات يدل بوضوح على عدم ورود هذه القضية بهذا الشكل. ففي مسند أحمد: «فاذا هو بمسح على بابها و رأى على الحسن و الحسين قلبين من فضة فرجع»

و في الأمالي: «فصنعت فاطمة عليهاالسلام مسكتين من ورق و قلادة و قرطين و ستراً لباب البيت».

و أيضاً جاء فيما نقله أحمد: «أنه رجع و لم يدخل عليها» و في الأمالي «فخرج و قد عرف الغضب في وجهها، و في الرواية الثانية عن الأمالي فاعرض عنها» و في رواية العيون «لا يقول الناس أنّ فاطمة بنت محمد تلبس لبس الجبابرة».

و علّل هذا الإعراض في بعضها أنّه ما كان يرغب «أن يأكل أهل بيته طيباتهم في حياتهم الدنيا» و في آخر ليست الدنيا من آل محمد» و في آخر: «لا يقول الناس: إنّ فاطمة بنت محمد تلبس لبس الجبابرة».

فكيف قول بصحّة هذه الروايات فإنّ فيها، ما أثار غضب رسول الله في حين أنّه لم يعهد بها في طول حياتها أنّها فعلت هكذا.

ففاطمة التي لم تفعل المكروه طيلة حياتها كيف تلبس لبس الجبابرة، و لم تفعل المكروه طيلة عمرها فكيف أغضبت النبيّ صلى اللَّه عليه و آله.

و ثانياً أنّها لم تشتر لنفسها شيئاً و إنّما سترت باب البيت بسترة، و ما أظنّ أنّ النبيّ خالف على شي ء هو يأمر به و هو ستر البيت و الدار.

و ثالثاً: أنّها أبكتهما حين قطعت القلبين عنهما، و ما أظن أنّ النبي كان يرضى بسماع بكاء الحسنين لقلبين رآهما عليهما و لو بلغ ما بلغ قيمتها.

و رابعاً: أنّه لم يعوّضهما بدل ما أخذ منها، فكل ذلك مما يضعف ورود القضية بهذا الشكل و بهذه الغرابة.

فاطمة و رزيّة رسول الله


قضت فاطمة عليهاالسلام أيام حياتها في المدينة المنورة تحت رعاية والدها الكريم و عنايته تستمدّ من أنفاسه القدسية و من أخلاقه العظمية، لا تفارقه ليلاً و لا نهاراً، و لا يفارقها هو أيضاً لشدّة حبّه لها و حبّها له، ولكن لم تطلّ هذه الأيّام حتّى إن فجعت بمصاب رسول الله و موت النبي صلى اللَّه عليه و آله فقلّ صبرها و كثر جزعها و بكاؤها على فقد والدها الكريم الذي كان من أعظم الرزايا و أمرّها عندها صلوات الله عليها فبكت أكثر ساعاتها على فقده حتّى عدّت من أحد البكّائين الخمسة.

بكاؤها على أبيها


قالوا: و بكت فاطمة بعد أبيها ليلاً و نهاراً على فراق أبيها و ما زالت معصّبة الرأس، ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين، محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة، و كانت تقول لأنس: «يا أنس كيف طابت أنفسكم أن تُحثوا على وجه رسول الله صلى اللَّه عليه و آله التراب»

[العقد الفريد، ج 3، ص 194.] و بكت على رسول الله صلى اللَّه عليه و آله حتّى تأذّى به أهل المدينة فقالوا لها: قد آذيتينا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثمّ تنصرف.

[بحارالأنوار، ج 43، ص 155.] بعد أن منعوها حتّى من البكاء، فطلبوا من علي أن يطلب منها إما أن تبكي في الليل و تسكت في النهار و إما أن تبكي بالنهار و تهدأ بالليل.

و كانت صلوات الله عليها تذوب يوماً فيوماً لشدّة مصابها، كما و صفتها لنا خادمتها فضّة حينما سألها و رقة بن عبدالله عن ذلك:

حديث فضّة عن تلك الأيام


قال ورقة: فلّما سمعت كلامي تغرغرت عيناها بالدموع ثمّ انتحبت نادبة و قالت: يا ورقة بن عبدالله هيجت علي حزناً ساكناً و أشجاناً في فؤادي كانت كامنة، فاسمع الآن ما شاهدت منها عليهاالسلام: اعلم أنه لما قبض رسول الله صلى اللَّه عليه و آله افتجع له الصغير و الكبير، و كثر عليه البكاء، و قلّ العزاء، و عظم رزؤه على الأقرباء و الأحبّاء، أشدّ حزناً و أعظم بكاءً و انتحاباً من مولاتي فاطمة الزهراء عليهاالسلام و كان حزنها يتجدّد و يزيد و بكاؤها يشتد.

فجلست سبعة أيام لا يهدأ لها أنين و لا يسكن منها الحنين، كلّ يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول، فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن، فلم تطق صبراً إذ خرجت و صرخت فكأنّها من فم رسول الله صلى اللَّه عليه و آله تنطق، فتبادرت النسوان و خرجت الولائد و الولدان و ضجّ الناس بالبكاء و النحيب، و جاء الناس من كلّ مكان و أطفئت المصابيح لكيلا تتبيّن صفحات النساء، و خيّل إلى النسوان أنّ رسول الله صلى اللَّه عليه و آله قد قام من قبره، و صارت الناس في دهشة و حيرة لما قد رهقهم، و هي عليه السلام تنادي و تندب أباها: «و ابتاه، و اصفيّاه، وامحمداه، وا أباالقاسماه، و اربيع الأرامل و اليتامى من للقبلة و المصلّى، و من لابنتك الوالهة الثكلى»؟

ثمّ أقبلت تعثر في أذيالها و هي لا تبصر شيئاً من عبرتها و من تواتر دمعتها، حتى دنت من قبر أبيها محمد صلى اللَّه عليه و آله فلما نظرت إلى الحجرة وقع طرفها على المأذنة، فقصرت خطاها و دام نحيبها و بكاها، إلي أن أغمي عليها، فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها و على صدرها و جنبيها حتى أفاقت، فلما أفاقت من غشيتها قامت و هي تقول: «رفعت قوّتي و خانني جلدي، و شمت بي عدّوي و الكمد قاتلي، يا أبتاه بقيت و الهة وحيدة، و حيرانة فريدة، فقد انخمد صوتي، و انقطع ظهري، و تنغصّ عيشي، و تكدّر دهري، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيساً لوحشتي، و لارادّاً لدمعتي، و لا معيناً لضعفي، فقد فني بعدك محكم التنزيل و مهبط جبرئيل و محلّ ميكائيل، انقلبت بعدك يا أبتاه الأسباب و تغلّقت دوني الأبواب،

فأنا للدنيا بعدك قالية، و عليك ما ترددت أنفاسي باكية، لا ينفد شوقي إليك و لا حزني عليك، ثمّ نادت: يا أبتاه و البّاه: ثمّ قالت:


















إنّ حزني عليك حزن جديد و فؤادي و الله صبّ عنيد
كلّ يوم يزيد فيه شجوني و اكتئابى عليك ليس يبيد
جلّ خطبي فبان عنّي عزائي فبكائي كلّ وقت جديد
إنّ قلباً عليك يألف صبراً أو عزاءً فإنّه لجليد

ثمّ نادت: يا أبتاه انقطعت بك الدنيا بأنوارها، وزوت زهرتها و كانت ببهجتك زاهرة، فقد اسودّ نهارها، فصار يحكي حنادسها رطبها و يابسها، يا أبتاه لازلت آسفة عليك إلى التلاق، يا أبتاه زال غمضي منذ حقّ الفراق، يا أبتاه من للأرامل و المساكين، و من للأمة الى يوم الدين، يا أبتاه أمسينا بعدك من المستضعفين، يا أبتاه أصبحت الناس عنّا معرضين و لقد كنّا بك معظّمين في الناس غير مستضعفين، فأيّ دمعة لفراقك لا تنهمل، و أيّ حزن بعدك عليك لا يتّصل، و أيّ جفن بعدك بالنوم يكتحل، و أنت ربيع الدين و نور النبيّين، فكيف للجبال لا تمور، و للبحار بعدك لا تفور، و الأرض كيف لم تنزلزل.

رميت يا أبتاه بالخطب الجليل و لم تكن الرزيّة بالقليل، و طرقت يا أبتاه بالمصاب العظيم و بالفادح المهول، بكتك يا أبتاه الأملاك و وقفت الأفلاك فمنبرك بعدك مستوحش، و محرابك خالٍ من مناجاتك، و قبرك فرح بمواراتك، و الجنة مشتاقة إليك و إلى دعائك و صلاتك، يا أبتاه ما أعظم ظلمة مجالسك، فوا أسفاه عليك إلى أن أقدم عاجلاً عليك، و أثكل أبوالحسن المؤتن أبو ولديك الحسن و الحسين، و أخوك و وليك و حبيبك و من ربيّته صغيراً، و واخيته كبيراً، و أحلى أحبابك و أصحابك اليك من كان منهم سابقاً و مهاجراً و ناصراً، و الثكل شاملنا، و البكاء قاتلنا، و الأسى لازمنا».

ثمّ زفرت زفرة و أنّت أنّه كادت روحها أن تخرج ثمّ قالت:






















قلّ صبري و بالَ عنّي عزائي بعد فقدي لخاتم الأنبياء
عين يا عين اسكبي الدمع سمّاً ويك لا تبخلي بفيض الدماء
يا رسول الإله يا خيرة الله و كهف الأيتام و الضعفاء
قد بكتك الجبال و الوحش جمعاً والطير و الأرض بعد بكا السماء
وبكاك الحجون والركن والمشعر يا سيّدي مع البطحاء





















و بكاك المحراب و الدرس للقرآن في الصبح معلناً و المساء
و بكاك الإسلام إذ صار في الناس غريباً من سائر الغرباء
لو ترى المنبر الذي كنت تعلوه علاه الظلام بعد الضياء
يا إلهي عجلّ وفاتي سريعاً فلقد تنغّصت الحياة يا مولائي

قالت: ثمّ رجعت إلى منزلها و أخذت بالبكاء و العويل ليلها و نهارها و هي لا ترقأ دمعتها و لا تهدأ زفرتها»

[بحارالأنوار، ج 43، ص 174.


فوالله لا أسكت ليلاً و لا نهاراً


و اجتمع شيوخ أهل المدينة و أقبلوا إلى أميرالمؤمنين عليّ عليه السلام فقالوا له: يا أباالحسن إنّ فاطمة عليهاالسلام تبكي الليل و النهار، فلا أحد منا يتهنّإ بالنوم في الليل على فرشنا و لا بالنهار لنا قرار على أشغالنا و طلب معائشنا، و إنّا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً، فقال عليه السلام: «حبّاً و كرامة»، فأقبل أميرالمؤمنين عليه السلام حتى دخل على فاطمة عليهاالسلام و هي لا تفيق من البكاء، و لا ينفع فيها العزاء، فلمّا رأته سكنت هنيئة له، فقال لها: «يا بنت رسول الله صلى اللَّه عليه و آله إنّ شيوخ المدينة يسألوني أن أسألك إمّا أن تبكين أباك ليلاً و إما نهاراً، فقالت: يا أباالحسن ما أقل مكثي بينهم و ما أقرب مغيبي من بين أظهرهم، فوالله لا أسكت ليلاً و لا نهاراً أو الحق بأبي رسول الله صلى اللَّه عليه و آله فقال لها علي: افعلي يا بنت رسول الله مابدا لك».

[بحارالأنوار، ج 43، ص 177.]]

بكاء فاطمة في بيت الأحزان


ثم إنّه عليه السلام بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى «بيت الأحزان» و كانت إذا أصبحت قدّمت الحسن و الحسين عليهماالسلام أمامها، و خرجت الى البقيع باكية، فلا تزال بين القبور باكية فطذا جاء الليل أقبل أميرالمؤمنين عليه السلام إليها و ساقها بين يديه إلى منزلها.

[بحارالأنوار، ج 43، ص 177.]

و روي أيضاً: أنها مازالت بعد أبيها معصبّة الرأس، ناحلة الجسم، منهدّة الركن، باكية العين محترقة القلب، يغشى عليها ساعة بعد ساعة و تقول لولديها: «أين أبوكما الذي كان

/ 28