حیاة الصدیقة فاطمة دراسة و تحلیل نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

حیاة الصدیقة فاطمة دراسة و تحلیل - نسخه متنی

محمد جواد الطبسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




حياة الصديقة فاطمة دراسة و تحليل




نص ما كتبه الله سبحاني




نص ما كتبه الأُستاذ المحقق آية الله الشيخ جعفر السبحاني- دام عزّه- فاطمة الزهراء عليهاالسلام الكثور الفيّاض



نشأت في بيت النبوة، و رَضعَت حبّ الإيمان و مكارم الأخلاق، و نعمت بحنان والديها الكريمين، فصار مستقرّها خير مستقر، و منبتها خير منبت، فهي بنت النبي المصطفى، أفضل الخليقة على البسيطة، و خاتم الأنبياء و أُمّها خديجة سيدة النساء،عديلة مريم بنت عمران.



فسلام اللّه عليها حين كانت نوراً في الأصلاب الشامخة الأرحام المطهرة حينما كُتب لها الحياةُ في أحضان الطبيعة فأصبحت مظهراً للشجرة الطيبة التي أصلها ثابت و فرعها في السماء تؤتي أُكلها كلّ حين بإذن ربّها.



لقد آثر اللَّه الزهراء بالنعمة الكبرى فحصر في وُلدها ذرية نبيّه المصطفى، و حفظ بها أشرف سلالةٍ عرفتها البشرية، منذ كانت، كما كرم اللّه زوجها- عليّاً عليه السلام- و جعلى من صلبه نسلَ خاتم الأنبياء فكان له من هذا الشرف، مجد الدهر و عزة الأبد.



[
تراجم سيدات بيت النبوة، بقلم الدكتورة بنت الشاطي.]



و قد وصفها سبحانه بالكوثر فقال: مخاطباً لأبيها- الذي لم يزل يُستهزئ به بكونه أبتر- (إنّا أَعْطَيْناكَ الكَوثَر- فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَر- إِنَّ شانِئَكَ هُوَ الأَبْتر).



و على الرغم من وضع طواغيت الزمان سيوفهم على نحور أولادها لاستئصالها، و قطع نسلها لكنّ قد غطّ البسيطةَ أولادُ فاطمة و نجم فيهم العلماء و الحكماء و الساسة كالباقر و الصادق و الكاظم و الرضا عليهم السلام.



[
تفسير الرازي، تفسير سورة الكوثر.]



و قد أكرمها اللّه سبحانه بفضائل جمة و مآثر كثيرة حتّى جعل بيتها من بيوت النبوة و ممّا أذن اللّه أن ترفع و يذكر فيها اسمه.



روى الحفاظ: لما قرأ قرأ النبي قوله سبحانه: (فِى بُيُوتٍ أَذِنَ اللّه أَنْ تُرْفَعَ...) في المسجد قام إليه رجل فقال: أيّ بيوت هذه يا رسول اللَّه قال: بيوت الأنبياء، فقال إليه أبوبكر، فقال يا رسول اللّه أهذا البيت منها؟- مشيراً إلى بيت علي و فاطمة عليهم السلام- قال: نعم، من أفاضلها.



[
الدر المنثور: 6 / 203 تفسير سورة النور، روح البيان: 18 / 174.]



فالزهراء عليهاالسلام جماع الفضائل، و موئل المكارم، والشّذا الفوّاح، و الأُسوة المُثلى لروّاد الفضيلة و بُغاة الكمال من الرجال والنساء.



و قد أُلّفت حول حياة الزهراء عليهاالسلام كتب و رسائل كثيرة تناولت كلّ ناحية من نواحي حياتها و سيرتها المطهرة، إذ في كلّ جانب من جوانب حياتها، دروس و عبر،من ولادتها إلى شهادتها، من يوم زهرت السماوات السبع بنورها، إلى زمان دفنها ليلاً و سرّاً و إعفاء قبرها، و قلما يتفق لكاتب القاء الضوء على أكثر جوانب حياتها فضلاً عن عامتها.



لكن مؤلفنا العلّامة الحجة الشيخ محمد جواد الطبسي- حفظه اللَّه- قد ضرب في هذا الباب بسهم وافر و قد أعانه في هذا المجال، ولائه الشديد بآل طه و يس، و ذكاؤه الحادّ، و ذهنه المتوقد وسعيه الحثيث والغور في المصادر فقد فتح- مع ايجاز الكتاب- آفاقاً في حياة الطاهرة أمام جيل الشباب، المتعطش لمعرفة ما لها من الفضائل و المناقب و ما جرى عليها بعد رحيل أبيها من الحوادث و المكاره.



فللمؤلف منا، أصدق الشكر، و أعمقه، و أجزله و للسيدة الزهراء أفضل التحيات، فسلام اللَّه عليها يوم ولدت، و يوم استشهدت، و يوم تُبعث راضية مرضيّة.



حرره ببنانه ويراعه المتمسك بولاء العترة الطاهرة



جعفر السبحاني



قم مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام



1 ربيع الأوّل من شهور عام 1423



المقدّمة




بسم اللَّه الرحمن الرحيم



الحمد للَّه على ما أنعم، و له الشكر على ما ألهم، و الثناء بما قدّم، من عموم نعم ابتدأها و سبوغ آلاء أسداها، و تمام مننٍ أولاها... ثمّ الصلاة و السلام على أمين اللَّه على وحيه، الخاتم لما سبق و الفاتح لما استُقبل. أفضل الأنبياء و المرسلين، سيّدنا محمد بن عبداللَّه صلى اللَّه عليه و آله الطيبين الطاهرين الهداة المهديين.



أمّا بعد: فمن أكمل نعم اللَّه و أتمها أن خلق أنواراً قبل أن يخلق الخلق، و عظّمهم غاية التعظيم، و فضلهم على جميع الأنبياء و المرسلين، و خلق من أنوارهم السموات و الأرضيين، بل و خلق الخلق بيُمن وجودهم، و هم سادتنا و قادتنا و ولاة أمرنا، حجج اللَّه على العباد... هم النبي و العترة الطاهرة، أعنى المعصومين الأربعة عشر عليهم صلوات اللَّه الملك العلّام.



و جعل بينهم مشكاة نور تضي ء السموات و الأرض و هي الحوراء الإنسية، بنت خير الأنبياء و أمّ النجباء، سيدتنا فاطمة الزهراء (صلوات اللَّه و سلامه عليها).



فمن هي فاطمة عليهاالسلام و ما هي خصائصها الذاتية، و لماذا جعلها اللَّه من أحد المعصومين الأربعة عشر و عصمها من الزلل؟



فاطمة هى المرأة العظيمة التي لولاها لما خلق اللَّه السموات و الأرض، و لولاها لما خلق اللَّه الأنبياء و الأوصياء، و لولاها لما خلق اللَّه النبي و الوصي، حيث قال عز مِن قائل كما في الحديث القدسي الشريف مخاطباً نبيّه الكريم: يا احمد لولاك لما خلقت الأفلاك، و لولا علي لما خلقتك، و لولا فاطمة لما خلقتكما . و فاطمة هي التي ما تكاملت النبوة لنبّي حتى أقرّ بفضلها و محبتها... فاطمة هي الآية الكبرى، و الحجة العظمى على جميع المعصومين كما روى عن الامام العسكري عليه السلام: «نحن حجج اللَّه على خلقه، وجدتنا فاطمة حجة اللَّه علينا».



فلا شك أننا لم نعرف فاطمة حق معرفتها، لأنها هى ليلة القدر، فمن عرف ليلة القدر فقد عرفها و فاطمة هي التي باهى اللَّه عز و جل ملائكته و بفضلها و بايمانها و بقيامها و بركوعها و بسجودها إذاً فلا عجب و لا استغراب إذا لم نعرفها و لن نعرفها حق معرفتها، لأنها هى السرّ الأكبر من سلالة خير البشر.



سبب تأليف الكتاب:



والذي دعاني إلى أن اُشمرّ الساعد و أقدّم هذا المجهود، هو أني كنت أسمع حيناً ما بعض الأحاديث في بعض المجامع عن فاطمة صلوات اللَّه عليها، و ممّا يقول عنها بعض الجاهلين بمقامها و فضلها. فكنت أفكر في الدفاع عنها و عن مظلوميتها، بتحرير رسالة و نشرها بين الأوساط الإسلامية فرأيت في بعض الليالي ممّا يرى النائم، كأنى واقف على باب بيت فاطمة، و كأن الأعداء و المهاجمين على باب بيتها يريدون الدخول جبراً و قهراً، و تمثّلت لي سيدتي فاطمة من وراء الباب و هي خائفة ذعرة و قد رفعت يديها ماسكة السقف لئلّا يخّر السقف عليها، و إذا بى أرى لهب النار و الدخان قد علا من باب بيتها، فقيل لي في ذلك الوقت هل رأيت ما فعلوا بالزهراء؟ فاذهب و اكتب عمّا جرى عليها.



فقمت في صبيحة ذلك اليوم عازماً و مجدّاً على تأليف كتاب يختص بحياة الصدّيقة فاطمة (صلوات اللَّه عليها) و ما جرى عليها بعد الرسول صلى اللَّه عليه و آله.



فبدأت بحمد اللَّه و منّه من ذلك اليوم إلى أن منّ اللَّه علّي باتمام ذلك في خلال ثلاث سنوات و ما انتهيت من جمع الكتاب و تدوينه إلّا و قد آمنت أنَّ أهل البيت عليهم السلام هم الذين دعوني بل أمروني بتدوين هذا الكتاب.



أمّا الكتاب فيقع في ستة عشر فصلاً:



الفصل الأوّل: الولادة.



الفصل الثاني: أسماء فاطمة و ألقابها.



الفصل الثالث: مقام السيدة فاطمة عليهاالسلام.



الفصل الرابع: من الولادة إلى الهجرة.



الفصل الخامس: فاطمة بعد الهجرة.



الفصل السادس: خصائص فاطمة عليهاالسلام.



الفصل السابع: روايتها عن أبيها.



الفصل الثامن: مناقب فاطمة عليهاالسلام.



الفصل التاسع: حجاب فاطمة عليهاالسلام.



الفصل العاشر: افتراءات و أكاذيب.



الفصل الحادي عشر: فاطمة و رزيّة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه و آله.



الفصل الثاني عشر: الأحداث بعد رحلة النبي صلى اللَّه عليه و آله.



الفصل الثالث عشر: فاطمة والدفاع عن الوصي و الوصاية.



الفصل الرابع عشر: غصب فدك.



الفصل الخامس عشر: أيّام العلّة و حوادثها.



الفصل السادس عشر: إلى الروح و الريحان.



و ختاماً أملي من القرّاء و الباحثين الأعزّاء أن يدرسوا حياة الصديقة فاطمة عليهاالسلام بأعمق مما سبق و يدفعوا الشبهات بأدق ما يكون.



سائلاً المولى القدير أن يسدّد خطانا و يأخذ بأيدينا إلى ما فيه الصلاح و الرشاد، إنه الموفق و المعين.



محمد جواد الطبسي.



قم المقدسة- الحوزة العلمية



الولادة


يوم الولادة:




لقد ولد كلّ أولاد النبيّ صلى اللَّه عليه و آله قبل البعثة إلّا فاطمة و إبراهيم فإنّهما ولدا بعد البعثة. أمّا فاطمة عليهاالسلام فإنّها ولدت بعد البعثة على قول مؤرّخي الشيعة. و أمّا العامّة فقد اعتقد عامّتهم أنّها ولدت قبل البعثة. قال أبوالفرج: «و كان مولد فاطمة عليهاالسلام قبل النبوّة و قريش حينئذٍ تبني الكعبة».



[
مقاتل الطالبيين، ص 30.]



و رواه أيضاً أبونعيم الحافظ في كتاب معرفة الصحابة.



[
بحارالأنوار، ج 43، ص 8.] و هكذامحمد بن إسحاق: «من أنّ فاطمة ولدت قبل أن يوحى إلى النبيّ صلى اللَّه عليه و آله».



[
بحارالأنوار، ج 43، ص 8.]



واختلف القائلون بولادتها بعد البعثة، فمنهم من قال: «ولدت سنة إحدى و أربعين من مولد الرسول صلى اللَّه عليه و آله».



[
بحارالأنوار، ج 43، ص 8.] و منهم من قال: «إنّها ولدت بسنتين بعد البعثة، و به قال المفيد في كتاب حدائق الرياض و مسارّ الشيعة».



[
مسارّ الشيعة، ص 31.] و ابن طاووس في الإقبال و الكفعمي في المصباح.



[
بحارالأنوار، ج 43، ص 8- 9.]



و قال المفيد رحمه اللَّه: «و في اليوم العشرين منه- من شهر جمادى الآخرة- سنة اثنتين من المبعث كان مولد مولاتنا الزهراء فاطمة بنت رسول الله صلى اللَّه عليه و آله و هو يوم شريف يتجدّد فيه سرور المؤمنين، و يستحبّ التطوّع فيه بالخيرات و الصدقة على المساكين».



[
مسارّ الشيعة، ص 31.]



و منهم من قال: «إنّها ولدت بخمس سنين من البعثة النبويّة، و به قال الأربلي و ابن شاذان و الكليني و الحلّي و غيرهم. قال ابن أبي الثلج: ولدت فاطمة عليهاالسلام بعد ما أظهر الله نبوّته بخمس سنين و قريش تبني الكعبة».



[
تاريخ الأئمَة، ص 6؛ العدد القوية، ص 219.]



قلت: و لا أظنّ الخلاف في الشهر و اليوم الذي ولدت فيه من أنّها ولدت في العشرين من جمادى الآخرة



[
بحارالأنوار، ج 43، ص 9.] و إن اختلف في سنة الولادة.



إذن فالصواب أنّها ولدت بعد النبوة كما قال به مؤرّخو الشيعة، و ممّا يشهد بذلك سؤال عائشة من النبيّ عن علّة كثرة تقبيله فاطمة عليهاالسلام و جواب النبيّ لها من أنّ أصل فاطمة من تفّاحة من الجنّة، و أنّه لما أُسري بالنبيّ إلى السماوات العلى جاء جبرئيل بتلك التفّاحة و هو في الجنّة، و لا شكّ أنّ الإسراء بالنبيّ- كما جاء في القرآن الكريم- كان بعد النبوّة حيث كان النبيّ في مكّة و لم يهاجر بعد إلى المدينة.



فإن أردت التوسّع فراجع الدّر المنثور للسيوطي في ذيل الآية الشريفة: (سبحان الذى أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى...) الحديث الذي رواه عن عائشة.



[
الدّر المنثور، ج 4، ص 154.] و المحبّ الطبري في ذخائره



[
ذخائر العقبى، ص 36.] والخطيب البغدادي في تاريخه



[
تاريخ بغداد، ج 5، ص 87.] و الذهبي في ميزان الاعتدال



[
ميزان الاعتدال، ج 1، ص 253.] و القرماني في أخبار الدول



[
أخبار الدول، ص 87.] و الخوارزمي في مقتله



[
مقتل الحسين، ص 63.] و غيرهم.



فبناءاً على هذا لا ينطبق تاريخ ولادة فاطمة مع نقل عائشة إلّا على بعد البعثة كما رواه مؤرّخو الشيعة.



حوادث الولادة:




و لمّا هجرت نساء مكة السيّدة خديجة بنت خويلد عند زواجها برسول الله اغتمّت



لذلك حيث تركْنها ولم يدخلن عليها، بل و لا يتركن امرأة تدخل عليها، و لمّا حملت بفاطمة كان الجنين يكلّمها و يونسها إلى أن حضر وقت الولادة، فوجّهت إلى نساء قريش و طلبت منهنّ أن تلي أمرها و لم يُجبْنها بشي ء فاغتمّت لذلك و استوحشت، فبينما هي كذلك حتّى فرحت و استبشرت بقدوم نسوة لم تراهنّ من قبل، و كأنّ الله عزّ و جلّ أرسلهنّ لولادة فاطمة و إعانة خديجة على ذلك.



روى الصدوق عن أحمد بن محمد الخليلي، عن محمد بن أبي بكر الفقيه، عن أحمد بن محمد النوفلي، عن إسحاق بن يزيد، عن حمّاد بن عيسى، عن زرعة بن محمد، عن المفضّل بن عمر قال: قلت لأبي عبدالله الصادق كيف كان ولادة فاطمة عليهاالسلام؟ فقال: «نعم إنّ خديجة، لمّا تزوّج بها رسول الله صلى اللَّه عليه و آله هجرتها نسوة مكّة لا يدخلن عليها و لا يسلّمن عليها و لا يتركن امرأة تدخل عليها، فاستوحشت خديجة لذلك، و كان جزعها و غمّها حذراً عليه صلى اللَّه عليه و آله فلمّا حملت بفاطمة كانت فاطمة عليهاالسلام تحدّثها من بطنها و تصبّرها، و كانت تكتم ذلك عن رسول الله، فدخل رسول الله يوماً فسمع خديجة تحدّث فاطمة عليهاالسلام فقال لها: يا خديجة مَن تحدّثين؟ قالت: الجنين الذي في بطني يحدّثني و يؤنسني، قال: يا خديجة هذا جبرئيل يبشّرني يخبرني أنّها أنثى، و أنّها النسلة الطاهرة الميمونة، و أنّ الله تبارك و تعالى سيجعل نسلي منها و سيجعل من نسلها أئمة و يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه.



فلم تزل خديجة عليهاالسلام على ذلك إلى أن حضرت ولادتها، فوجّهت إلى نساء قريش و بنى هاشم أن تعالين لتلين منّى ما تلي النساء من النساء، فأرسلن إليها: أنت عصيتنا و لم تقبلي قولنا و تزوّجت محمّداً يتيم أبي طالب فقيراً لامال له، فلسنا نجي ء ولانلي من أمرك شيئاً، فاغتمّت خديجة عليهاالسلام لذلك، فبينا هي كذلك إذ دخل عليها أربع نسوة سمر طوال كأنّهن من نساء بني هاشم، ففزعت منهن لمّا رأتهنّ فقالت إحداهن: لا تحزني يا خديجة فإنّا رسل ربّك إليك و نحن أخواتك، أنا سارة، و هذه آسية بنت مزاحم و هي رفيقتك في الجنّة، و هذه مريم بنت عمران، و هذه كلثم أخت موسى بن عمران، بعثنا الله إليك لنلي منك ما تلي النساء من النساء، فجلست واحدة عن يمينها و أخرى عن يسارها و الثالثة بين يديها و الرابعة من خلفها، فوضعت فاطمة عليهاالسلام طاهرة مطهّرة، فلّما سقطت إلى الأرض



أشرق منها النور حتّى دخل بيوتات مكّة ولم يبق في شرق الأرض و لاغربها موضع إلّا أشرق فيه ذلك النور، و دخل عشر من الحور العين كلّ واحدة منهنّ معها طست من الجنّة و في الإبريق ماء من الكوثر، فتناولتها المرأة التي كانت بين يديها، فغسلتها بماء الكوثر. و أخرجت خرقتين بيضاوين أشدّ بياضاً من اللبن و أطيب ريحاً من المسك والعنبر، فلفّتها بواحدة وقنّعتها بالثانية، ثم استنطقتها فنطقت فاطمة عليهاالسلام بالشهادتين و قالت: أشهد أن لا إله إلّا الله، و أنّ أبي رسول الله سيّد الأنبياء، و أنّ بعلي سيّد الأوصياء و ولدي سادة الأسباط، ثمّ سلّمت عليهم و سمّت كلّ واحدة منهنّ باسمها و أقبلن يضحكن إليها، و تباشرت الحور العين و بشّر أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة، و حدث في السماء نور زاهر لم تره الملائكة قبل ذلك، و قالت النسوة: خذيها يا خديجة طاهرة مطهّرة زكيّة ميمونة بورك فيها و في نسلها، فتناولتها فرحة مستبشرة و ألقمتها ثديها فدرّ عليها فكانت عليهاالسلام تنمي فى اليوم كما ينمي الصبيّ في الشهر و تنمي في الشهر كما ينمي الصبيّ في السنة».



[
بحارالأنوار، ج 43، ص 2، ح 1؛ الخرائج و الجرائح، ج 2، ص 4، 5؛ دلائل الإمامة، ص 8؛ مدينة المعاجز؛ ص 135؛ روضة الواعظين، ص 173؛ مناقب آل أبي طالب، ج 3، ص 118؛ عوالم العلوم و المعارف، ج 11، ص 17.]



و في هذه الرواية نقاط مهمّة قد تخفى على القارئ الكريم، فلا بأس بالإشارة إليها:



النقطة الأولى: حديث فاطمة عليهاالسلام مع أمّها حينما كانت في بطنها، فلا شكّ أنّ هذا الكلام لم يصدر من الأفراد العاديّين، و لم يسمع لحدّ الآن من تكلّم في بطن أمّه غير العترة الطاهرة و منهم فاطمة عليهاالسلام و يدلّ هذا الكلام على علوّ شخصيّة فاطمة و عظم قدرها و جلالة شأنها بحيث كانت تتكلّم مع أمّها و تؤنسها، بل كانت تسلّيها و تخفّف من حزنها و جزعها ممّا لاقت من أعداء النبّوة و الرسالة. و ليس هذا إلّا لكرامتها على الله تبارك و تعالى.



النقطة الثانية: بشارة النبيّ خديجة بأنّ الجنين أنثى و أنّها النسلة الطاهرة، و أنّ من نسلها الأئمة الطاهرين الهداة المهديين.



النقطة الثالثه: حضور سارة و آسية و مريم و كلثم أخت موسى بن عمران من قبل ربّ العزة، ليلين ما تلي النساء، و هو أمر مهمّ جدّاً حيث إنهنّ قد توفّين قبل ذلك بآلاف سنين، فهل أحياهنّ الله، أم حضرن بأبدانهنّ المثالية أم كان بشكل آخر لا نعرف



كيفية حضورهنّ.



النقطة الرابعة: نطقت السيدة فاطمة الزهراء بالشهادتين و بالولاية لعليّ حين الولادة، و هذا أيضاً أمر عجيب منها و إن تكرّر ذلك لكلّ المعصومين حين ولادتهم.



و على أيّ حال هذا ممّا لم يتّفق لبشر إلّا للعترة الطاهرة عليهاالسلام و لبعض الأنبياء كعيسى كما أشار بذلك القرآن الكريم.



النقطة الخامسة: بيان أسماء النسوة الأربعة حين الولادة بعد أن استوحشت خديجة من حضورهنّ، بحيث تعرّفت عليهنّ من قول فاطمة عليهاالسلام.



النقطة السادسة: بشارة أهل السماء بعضهم بعضاً بولادة فاطمة عليهاالسلام.



النقطة السابعة: ظهور نور زاهر في السماء لم تره الملائكة من قبل ذلك.



و النقطة الأخيرة: نموّها فى اليوم كما ينمي الصبّي في الشهر، و في الشهر كما ينمو الصبيّ في السنة. و هذا أيضاً ممّا لم يتّفق لأحد من البشر سوى ما نقل عن بعض العترة الطاهرة.



و لكلّ هذه النقاط إشارة صريحة إلى علوّ قدرها و سموّ مقامها عندالله و رسوله، و لم يكن لهذه الأقوال الصادرة من فاطمة عليهاالسلام محملاً إلّا الإعجاز، فتأمّل.



/ 28