غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب جلد 2

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب - جلد 2

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


ثم إن معاوية سأل النعمان أن يخرج إلى قيس فيعاتبه ويسأله السلم، فخرج النعمان حتى وقف بين الصفين فقال يا قيس؟ أنا النعمان بن بشير. فقال قيس: هيه يا ابن بشير؟ فما حاجتك؟ فقال النعمان: يا قيس؟ انه قد أنصفكم من دعاكم إلى ما رضي لنفسه، ألستم معشر الانصار تعلمون أنكم أخطأتم في خذل عثمان يوم الدار؟ وقتلتم أنصاره يوم الجمل؟ وأقحمتم خيولكم على أهل الشام بصفين؟ فلو كنتم إذ خذلتم عثمان خذلتم عليا لكان واحدة بواحدة، ولكنكم خذلتم حقا ونصرتم باطلا، ثم لم ترضوا أن تكونوا كالناس حتى أعلمتم في الحرب، ودعوتم إلى البراز، ثم لم ينزل بعلي أمر

___________________________________

في شرح النهج: خطب. قط إلا هونتم عليه المصيبة، ووعدتموه الظفر، وقد أخذت الحرب منا وعنكم ما قد رأيتم فاتقوا الله في البقية.

فضحك قيس ثم قال: ما كنت أراك يا نعمان؟ تجتري على هذه المقالة، انه لا ينصح أخاه من غش نفسه، وأنت والله الغاش الضال المضل. أما ذكرك عثمان فإن كانت الاخبار تكفيك فخذ مني واحدة: قتل عثمان من لست خيرا منه، وخذله من هو خير منك، أما اصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث. وأما معاوية فوالله لو إجتمعت عليه العرب لقاتلته الانصار. وأما قولك: إنا لسنا كالناس فنحن في هذا الحرب كما كنا مع رسول الله نتقي السيوف بوجوهنا، والرماح بنحورنا، حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون، ولكن انظر يا نعمان؟ هل ترى مع معاوية إلا طليقا أو أعرابيا أو يمانيا مستدرجا بغرور؟ انظر أين المهاجرون والانصار والتابعون لهم باحسان الذين رضي الله عنهم، ثم انظر هل ترى مع معاوية غيرك وصويحبك؟ ولستما والله ببدريين ولا احديين ولا لكما سابقة في الاسلام، ولا آية في القرآن

___________________________________

والى هنا رواه ابن قتيبة ايضا في الامامة والسياسية 1 ص 94. و لعمري لئن شغبت علينا لقد شغب علينا أبوك. ثم قال قيس في ذلك:

والراقصات بكل أشعث أغبر++

خوص العيون تحثها الركبان

ما ابن المخلد ناسيا أسيافنا++

عمن نحاربه ولا النعمان

تركا العيان وفي العيان كفاية++

لو كان ينفع صاحبيه عيان

ثم إن عليا عليه السلام دعا قيس بن سعد فأثنى عليه خيرا وسوده على الانصار

___________________________________

إلى هنا تنتهى رواية نصر بن مزاحم في كتاب صفين. وخرج قيس في نهروان إلى الخوارج فقال لهم: عباد الله؟ أخرجوا إلينا طلبتنا منكم وادخلوا في هذا الامر الذي خرجتم منه، وعودوا بنا إلى قتال عدونا وعدوكم فانكم ركبتم عظيما من الامر، تشهدون علينا بالشرك، والشرك ظلم عظيم، تسفكون دماء المسلمين، وتعدونهم مشركين. فقال له عبدالله بن شجرة السلمي: إن الحق قد أضاءلنا فلسنا متابعيكم أو تأتونا بمثل عمر. فقال قيس: ما نعلمه فينا غير صاحبنا فهل تعلمونه فيكم؟ قالوا: لا. قال: نشدتكم الله في أنفسكم أن تهلكوها فإني لا ارى الفتنة إلا وقد غلبت عليكم

___________________________________

تاريخ الطبرى 6 ص 47، كامل ابن الاثير 3 ص 137.

أما موقفه بعد العهدين فكان مع الامام السبط المجتبى سلام الله عليه ولما وجه عسكره إلى قتال أهل الشام دعا عليه السلام عبيد الله بن العباس بن عبدالمطلب فقال له: يابن عم؟ إني باعث إليك إثنى عشر ألفا من فرسان العرب، وقراء مضر، ألرجل منهم يريد الكتيبة، فسربهم، وألن لهم جانبك، وأبسط لهم وجهك، وأفرش لهم جناحك، وادنهم في مجلسك، فإنهم بقية ثقات أميرالمؤمنين، وسر بهم على شط الفرات حتى تقطع بهم الفرات حتى تسير بمسكن

___________________________________

بفتح الميم ثم السكون ثم الكسر: موضع قريب من أوانا ناحية دجيل بينه وبين بغداد عدة فراسخ من جهة تكريت. ثم امض حتى تستقبل بهم معاوية، فإن أنت لقيته فاحبسه حتى آتيك فإني على أثرك وشيكا، وليكن خبرك عندي كل يوم، وشاور هذين يعنى: قيس بن سعد وسعيد بن قيس، وإذا لقيت معاوية فلا تقاتله حتى يقاتلك فإن فعل فقاتله، وإن اصبت فقيس بن سعد، وإن اصيب قيس بن سعد فسعيد بن قيس على الناس. فسار عبيدالله...

فأما معاوية فإنه وافى حتى نزل قرية يقال لها: ألحيوضة. بمسكن وأقبل

عبيدالله بن عباس حتى نزل بإزاءه فلما كان من غد وجه معاوية بخيل إلى عبيدالله فيمن معه فضربهم حتى ردهم إلى معسكرهم، فلما كان الليل أرسل معاوية إلى عبيدالله بن عباس أن الحسن قد أرسلني في الصلح، وهو مسلم الامر إلي فإن دخلت في طاعتي الآن كنت متبوعا، وإلا دخلت وأنت تابع، ولك إن أجبتني الآن أن اعطيك ألف ألف درهم، اعجل لك في هذاالوقت نصفها، وإذا دخلت الكوفة ألنصف الآخر، فأقبل عبيد الله إليه ليلا فدخل عسكر معاوية، فوفى له بما وعده، وأصبح الناس ينتظرون عبيدالله أن يخرج حتى أصبحوا فطلبوه فلم يجدوه، فصلى بهم قيس بن سعد بن عبادة، ثم خطبهم فثبتهم وذكر عبيد الله فنال منه، ثم أمرهم بالصبر والنهوض إلى العدو فأجابوه بالطاعة وقالوا له: انهض بنا إلي عدونا على اسم الله. فنزل فنهض بهم وخرج إليه بسر بن أرطاة فصاح إلى أهل العراق: ويحكم هذا أميركم عندنا قد بايع، وإمامكم ألحسن قد صالح، فعلام تقتلون أنفسكم؟ فقال لهم قيس بن سعد: إختاروا إحدى اثنتين: إما القتال مع غير إمام، وإما أن تبايعوا بيعة ضلال. فقالوا: بل نقاتل بلا إمام فخرجوا فضربوا أهل الشام حتى ردوهم إلى مصافهم، فكتب معاوية إلى قيس بن سعد يدعوه ويمنيه فكتب إليه قيس: لا والله لا تلقاني أبدا إلا بينى وبينك الرمح شرح إبن أبي الحديد 4 ص 14

قال اليعقوبي في تاريخه 2 ص 191: إنه وجه الحسن عليه السلام بعبيدالله بن العباس في إثنى عشر ألفا لقتال معاوية ومعه قيس بن سعد بن عبادة الانصاري، وأمر عبيدالله أن يعمل بأمر قيس ورأيه فسار إلى ناحية الجزيرة وأقبل معاوية لما إنتهى إليه الخبر بقتل علي فسار إلى الموصل بعد قتل علي بثمانية عشر يوما، والتقى العسكران فوجه معاوية إلى قيس بن سعد: يبذل له ألف ألف درهم على أن يصير معه أو ينصرف عنه، فأرسل إليه بالمال وقال: تخدعني عن ديني؟

فيقال: إنه أرسل إلى عبيدالله بن عباس وجعل له ألف ألف درهم فصار إليه في ثمانية آلاف من أصحابه، وأقام قيس على محاربته، وكان معاوية يدس إلى عسكر الحسن من يتحدث: أن قيس بن سعد قد صالح معاوية وصار معه، ووجه إلى عسكر قيس من يتحدث: أن الحسن قد صالح معاوية وأجابه.

وفي الاستيعاب 2 ص 225 عن عروة قال: كان قيس مع الحسن بن علي على مقدمته ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤسهم بعد ما مات علي وتبايعوا على الموت، فلما دخل الحسن في بيعة معاوية أبى قيس أن يدخل وقال لاصحابه: ما شئتم؟ إن شئتم جادلت بكم حتى يموت الاعجل منا، وإن شئتم أخذت لكم أمانا؟؟! فقالوا: خذ لنا أمانا، فأخذ لهم إن لهم كذا وكذا، وأن لا يعاقبوا بشيئ وأنه رجل منهم، ولم يأخذ لنفسه خاصة شيئا. ثم ارتحل نحو المدينة ومضى بأصحابه.

حديث جود قيس


لا يسعنا بسط المقال في أخبار قيس من هذه الناحية لكثرتها، غير أنا نورد لك شيئا من ذلك الكثير الطيب، وحسبك من القلادة ما أحاط بالعنق

___________________________________

مثل يضرب: أى حسبك بالقليل من الكثير. وكانت هذه الخلة من هذا البيت على عنق الدهر 'أي قديما' وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: ألجود من شيمة أهل ذلك البيت

___________________________________

الاصابة 5 ص 254.

باع قيس مالا من معاوية بتسعين ألفا فأمر مناديا فنادى في المدينة: من أراد القرض فليأت منزل سعد فأقرض أربعين أو خمسين وأجاز الباقي، وكتب على من أقر له صكا، فمرض مرضا قل عواده فقال لزوجته قريبة بنت أبي قحافة اخت أبي بكر: يا قريبة؟ لم ترين قل عوادي؟ قالت للذي لك عليهم من الدين. فأرسل إلى كل رجل بصكه المكتوب عليه فوهبه ماله عليهم

___________________________________

تاريخ الخطيب البغدادى 1 ص 177، تاريخ ابن كثير 8 ص 69.

قال جابر: خرجنا في بعث كان عليهم قيس بن سعد ونحر لهم تسع ركائب فلما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله ذكروا له من أمر قيس فقال: إن الجود من شيمة أهل ذلك البيت، ولما ارتحل من العراق نحو المدينة ومضى بأصحابه جعل ينحر لهم كل يوم جزورا حتى بلغ

___________________________________

الاستيعاب 2 ص 525، تهذيب التهذيب 8 ص 394.

روى عبدالله بن المبارك عن جويرة قال: كتب معاوية إلى مروان: أن إشتر دار كثير بن الصلت منه فأبى عليه فكتب معاوية إلى مروان: أن خذه بالمال الذي عليه، فإن جاء به وإلا بع عليه داره. فأرسل إليه مروان فأخبره قال:إني أؤجلك ثلاثا فإن جئت بالمال وإلا بعت عليك دارك. قال: فجمعها إلا ثلاثين ألفا فقال: من لي بها؟ ثم ذكر قيس بن سعد فأتاه فطلبها منه فأقرضه فجاء بها إلى مروان فلما رآه قد جاء بها ردها إليه ورد عليه داره، فرد كثير ألثلاثين ألفا على قيس فأبى أن يقبلها.

___________________________________

الاستيعاب 2 ص 525، الاصابة 5 ص 254.

روى المبرد في كامله 1 ص 309: أن عجوزا شكت إلى قيس أن ليس في بيتها جرذ فقال: ما أحسن ما سألت، أما والله لاكثرن جرذان بيتك. فملا بيتها طعاما وودكا وإداما، وقال إبن عبدالبر: هذه القصة مشهورة صحيحة.

في كامل المبرد 1 ص 309: إنه توفى أبوه عن حمل لم يعلم به، فلما ولد وقد كان سعد رضي الله عنه قسم ماله في حين حروجه من المدينة بين أولاده فكلم أبوبكر و عمر في ذلك قيسا وسألاه أن ينقض ما صنع سعد من تلك القسمة فقال: نصيبي للمولود ولااغير ما صنع أبي ولا أنقضه. وذكره إبن عبدالبر في 'الاستيعاب' 2 ص 525 وقال: صحيح من رواية الثقات.

ومن مشهور أخبار قيس: انه كان له مال كثير ديونا على الناس فمرض واستبطأ عواده فقيل له: إنهم يستحيون من أجل دينك. فقال: أخزى الله مالا يمنع الاخوان من العيادة. فأمر مناديا ينادي: من كان لقيس عليه مال فهو في حل. فأتاه الناس حتى هدموا درجتا كانوا يصعدون عليها إليه، وفي لفظ: فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه من كثرة العواد.

___________________________________

ربيع الابرار للزمخشري، الاستيعاب 2 ص 526، البداية والنهاية 8 ص 100.

كان قيس في سرية فيها أبوبكر وعمر فكان يستدين ويطعم الناس، فقال أبوبكر و عمر: إن تركنا هذا الفتى أهلك مال أبيه فمشيا في الناس فلما سمع سعد قام خلف النبي فقال: من يعذرني من إبن إبي قحافة وإبن الخطاب يبخلان علي إبني. 'اسد الغابة'

4ص 415.

وفي لفظ: كان قيس مع أبي بكر وعمر في سفر في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فكان ينفق عليهما وعلى غيرهما ويفضل فقال له أبوبكر: إن هذا لا يقوم به مال أبيك فامسك يدك. فلما قدموا من سفرهم قال سعد بن عبادة لابي بكر: أردت أن تبخل إبني إنا لقوم لا نستطيع البخل.

___________________________________

الدرجات الرفيعة نقلا عن كتاب الغارات لابراهيم بن سعيد الثقفى.

حكى إبن كثير في تاريخه 8 ص 99: إنه كان لقيس صحفة يدار بها حيث داروا كان ينادي له مناد: هلموا اللحم والثريد. وكان أبوه وجده من قبله يفعلان كفعله.

قال الهيثم بن عدي: إختلف ثلاثة عن الكعبة في أكرم أهل زمانهم فقال أحدهم: عبدالله بن جعفر: وقال الآخر قيس بن سعد. وقال الآخر: عرابة الاوسي. فتماروا في ذلك حتى ارتفع ضجيجهم عند الكعبة فقال لهم رجل: فليذهب كل رجل منكم إلى صاحبه الذي يزعم انه أكرم من غيره، فلينظر ما يعطيه وليحكم على العيان: فذهب صاحب عبدالله بن جعفر إليه فوجده قد وضع رجله في الغرز

___________________________________

الغرز بالفتح ثم السكون: ركاب من جلد. ليذهب إلى ضيعة له فقال له: يابن عم رسول الله؟ إبن سبيل ومنقطع به. قال: فأخرج رجله من الغرز وقال: ضع رجلك واستو عليها، فهي لك بما عليها، وخذ ما في الحقيبة

___________________________________

الحقيبة بفتح المهملة: ما يحمل على الفرس خلف الراكب. ولا تخدعن في السيف فإنه من سيوف علي، فرجع إلى اصحابه بناقة عظيمة وإذا في الحقيبة أربعة آلاف دينار، ومطارف من خز وغير ذلك وأجل ذلك سيف علي بن أبي طالب. ومضى صاحب قيس إليه فوجده نائما، فقالت له الجارية: ما حاجتك إليه؟ قال إبن سبيل ومنقطع به. قالت: فحاجتك أيسر من إيقاظه، هذا كيس فيه سبعمائة دينار ما في دار قيس مال غيره أليوم، واذهب إلى مولانا في معاطن الابل فخذ لك ناقة وعبدا، واذهب راشدا. فلما استيقظ قيس من نومه أخبرته الجارية بما صنعت فأعتقها شكرا على صنيعها ذلك، وقال. هلا أيقظتني؟ حتى أعطيه ما يكفيه أبدا، فلعل الذي أعطيتيه لا يقع منه موقع حاجته. وذهب صاحب عرابة الاوسي إليه فوجده

وقد خرج من منزله يريد الصلاة وهو يتوكأ على عبدين له- وكان قد كف بصره- فقال له: يا عرابة؟ فقال: قال. فقال: إبن سبيل ومنقطع به. قال: فخلى عن العبدين ثم صفق بيديه باليمنى على اليسرى ثم قال: أوه أوه والله ما أصبحت ولا أمسيت وقد تركت الحقوق من مال عرابة شيئا ولكن خذ هذين العبدين. قال: ما كنت لافعل. فقال: إن لم تأخذهما فهما حران، فإن شئت فأعتق، وإن شئت فخذ. وأقبل يلتمس الحائط بيده، قال: فأخذهما وجاء بهما إلى صاحبيه. قال فحكم الناس على ان إبن جعفر قد جاد بمال عظيم وأن ذلك ليس بمستنكر له، إلا أن السيف أجله. وإن قيسا أحد الاجواد حكمت مملوكته في ماله بغير علمه واستحسن فعلها وعتقها شكرا لها على ما فعلت. وأجمعوا على أن أسخى الثلاثة عرابة الاوسي، لانه جاد بجميع ما يملكه، وذلك جهد من مقل. 'ألبداية و النهاية 8 ص 100'.

حديث خطابة قيس


إن تقدم سيد الانصار في المعالم الدينية، وتضلعه في علمي الكتاب والسنة، و عرفانه بمعاريض القول، ومخاريق القيل، وسقطات الرأى، وتحليه بما يحتاج إليه مداره الكلام ومشيخة الخطابة من العلم الكثار، والادب الجم، وربط الجاش، وقوة العارضة، وحسن التقرير، وجودة السرد، وبلاغة المنطق، وطلاقة اللسان، ومعرفة مناهج الحجاج والمناظرة، وأساليب إلقاء المحاضرة، كلها براهين واضحة على حظه الوافر وقسطه البالغ من هذه الخلة، وإنه أعلى الناس ذافوق

___________________________________

مثل يضرب: أى أعلى الناس سهما. على أن فيما مر و ما يأتي من كلمه وخطبه خبرا يصدق الخبر، وشاهد صدق على انه أحد أمراء الكلام كما كان في مقدم امراء السيف. فهو خطيب الانصار المفوه، واللسن الفذ من الخزرج، ومتكلم الشيعة الاكبر، ولسان العترة الطاهرة الناطق، والمجاهد الوحيد دون مبدءه المقدس بالسيف واللسان، أخطب من سحبان وائل، وأنطق من قس الايادي، وأصدق في مقاله من قطاة.

___________________________________

أصدق من قطاة. مثل مشهور.

وناهيك بقول معاوية بن أبي سفيان لقومه يوم صفين: إن خطيب الانصار قيس إبن سعد يقوم كل يوم خطيبا، وهو والله يريد أن يفنينا غدا إن لم يحبسه عنا حابس القيل مر ص 81 وفي قول أميرالمؤمنين عليه السلام له عند بعض مقاله كما مر ص 76: أحسنت والله يا قيس؟ وأجملت. لغنى وكفاية عن أي إطراء وثناء عليه.

حديث زهد قيس


لا نحاول في البحث عن هذه النواحي في أي من التراجم سرد تاريخ امة غابرة، أو ذكريات أماثل الامة أو حثالتها في القرون الخالية فحسب، بل إنما نخوض فيها بما فيها من عظات دينية، وفلسفة أخلاقية، وحكم عملية، ومعالم روحية، ومصالح إجتماعية، ودستور في مناهج السير إلى المولى سبحانه، وبرنامج في إصلاح النفس، ودروس في التحلي بمكارم الاخلاق التي بعث لاتمامها نبي الاسلام.

وهناك نماذج من نفسيات شيعة العترة الطاهرة وما لهم دون مناوئيهم من خلاق من المكارم والفضايل والقداسة والنزاهة يحق بذلك كله أن يكون كل من نظراء قيس قدوة للبشر في السلوك إلى المولى، وقادة للخلق في تهذيب النفس، ومؤدبا للامة بالخلايق الكريمة، ومصلحا للمجتمع بالنفسيات الراقية، والروحيات السليمة، فلن تجد فيهم جرف منهال، ولاسحاب منجال

___________________________________

مثل يضرب. جرف منهال: إى لا حزم عنده ولاعقل. سحاب منجال: أى لا يطمع في خيره.

ففي وسع الباحث أن يستخرج من تاريخ تلكم النفوس القدسية من قيس ومن يصافقه في المبدء الديني، ومن ترجمة من يضادهم في التشيع بآل الله من عمرو بن العاص ومن يشاكله، حقيقة راهنة دينية أثمن وأغلى من معرفة حقايق الرجال، و الوقوف على تاريخ الاجيال الماضية، ويمكنه أن يقف بذلك على غاية كل من الحزبين ألعلوي والاموي مهما يكن القارئ شريف النفس، حرا في تفكيره، غير مقلد ولا أمعة، مهما حداه التوفيق إلى اتباع الحق. والحق أحق أن يتبع، غير ناكب عن الطريقة المثلى في البخوع للحقايق، والجنوح إليها.

فخذ قيس بن سعد وعمرو بن العاص مثالا من الفريقين وقس بينهما، وضع يدك على أي مأثرة تحاوله من طهارة مولد، وإسلام، وعقل، وحزم، وعفة، وحناء، وشمم، وإباء، ومنعة، وبذخ، وصدق، ووفاء، ووقار، ورزانة، ومجد، ونجدة، و شجاعة، وكرم، وقداسة، وزهد، وسداد، ورشد، وعدل، وثبات في الدين، وورع عن محارم الله، إلى مآثر اخرى لا تحصى، تجد الاول منهما حامل عب كل منها بحيث لو تجسم أي من تلكم الصفات ليكون هو مثاله وصورته. وهل ترى الثاني كذلك؟ أللهم؟ لا. بل كل منها في ذاته محكوم بالسلب، أضف إلى مخازفي المولد والمحتد والدين والفروسية والاخلاق والنفسيات كلها، وسنلمسك كل هذه بيديك عن قريب إنشاء الله تعالى.

عندئذ يعرف المنقب نفسية كل من إمامي الحزبين إذ الناس على دين ملوكهم ويكون على بصرة من أمرهما، وحقيقة دعوة أي منهما، وتكون أمثلتهما نصب عينيه، إن لم يتبع ألهوى، ولا تضله تعمية من يروقه جهل الامة الاسلامية بالحقايق بقوله في مقاتلي أميرالمؤمنين والخارجين عليه: إنهم كانوا مجتهدين مخطئين ولهم أجر واحد، أو بقوله: ألصحابة كلهم عدول. وإن فعل أحدهم ما فعل وجنت يداه ما جنت، وخرج عن طاعة الامام العادل، وسن لعنه وسبه وحاربه وقاتله وقتله.

فالناظر إلي هذه التراجم بعين النصفة إذا أمعن فيها بما فيها من المغازي المذكورة يعتقد بأن

___________________________________

من هنا إلى آخر الكلمة لمولانا أميرالمؤمنين الا كلمتى صدق والطاهر. أفضل عباد الله عند الله إمام عادل هدي وهدى فأقام سنة معلومة وأمات بدعة مجهولة وإن السنن لنيرة لها أعلام، وإن البدع لظاهرة لها أعلام، وإن شر الناس عندالله إمام جائر ضل واضل به، فأمات سنة مأخوذة، وأحيا بدعة متروكة، وصدق بقول النبي الطاهر: يؤتى يوم القيامة بالامام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر، فيلقى في نار جهنم، فيدور فيها كما تدور الرحى، ثم يرتبط في قعرها.

لعل الباحث لا يمر على شئ من خطب سيد الخزرج وكتبه وكلمه ومحاضراته إلا ويجده طافحا بقداسة جانبه عن كل ما يلوث ويدنس من إتباع الهوى، وبزهادته

عن حطام الدنيا، معربا عن ورعه عن محارم الله وخشونته في ذات ربه، وتعظيمه شعائر الدين، وقيامه بحق النبي الاعظم، ورعايته في أهل بيته وذويه بكل حول وطول، وبذل النفس والنفيس دون كلائة دينه وإعلاء كلمة الحق، وإرحاض معرة الباطل، وإصلاح الفاسد، وكسر شوكة المعتدين، وبعد اليأس عن صلاح امته، والعجز عن الدعوة إلى الحق، لزم عقر داره بالمدينة المشرفة بقية حياته، وأقبل على العبادة حتى أدركه أجله المحتوم كما ذكره إبن عبدالبر في الاستيعاب 2 ص 524.

وأوفى كلمة في زهده وعبادته ما قاله المسعودي في مروج الذهب 2 ص 63 قال: كان قيس بن سعد من الزهد والديانة والميل إلى علي بالموضع العظيم، وبلغ من خوفه لله وطاعته إياه أنه كان يصلي فلما أهوى للسجود إذا في موضع سجوده ثعبان عظيم مطرق، فمال على الثعبان برأسه وسجد إلى جانبه، فتطوق الثعبان برقبته، فلم يقصر من صلاته، ولا نقص منها شيئا حتى فرغ ثم أخذ الثعبان فرمى به. كذلك ذكر الحسن إبن علي بن عبدالمغيرة عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام. ا ه . والحديث الرضوي هذا رواه الكشي بإسناده عنه عليه السلام في جاله ص 63.

وكان ذلك الخشوع والاقبال إلى الله في العبادة، وإفراغ القلب بكله إلى الصلاة من وصايا والده الطاهر له قال: يا بني؟ اوصيك بوصية فاحفظها فإذا أنت ضيعتها فأنت لغيرها من الامر أضيع، إذا توضأت فأتم الوضوء، ثم صل صلاة امرء مودع يرى أنه لا يعود،وأظهر اليأس من الناس فإنه غنى، وإياك وطلب الحوائج إليهم فإنه فقر حاضر، وإياك وكل شئ تعتذر منه تاريخ إبن عساكر 6 ص 90.

وكان من دعاء سيدنا المترجم كما في 'الدرجات الرفيعة' 'وتاريخ الخطيب' وغيرهما قوله: أللهم؟ ارزقنى حمدا ومجدا، فإنه لا حمد إلا بفعال، ولا مجد إلا بمال أللهم؟ وسع علي، فإن القليل لا يسعني ولا أسعه. وفي البداية والنهاية 8 ص 100. كان قيس يقول أللهم؟ ارزقني مالا وفعالا، فإنه لا تصلح الفعال إلا بالمال.

ومعلوم ان طلب المال غير مناف للزهادة فإن حقيقة الزهد أن لايملكك المال لا أن لا تملك المال.

/ 40