إمام علی (ع) سیرة و تاریخ نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام علی (ع) سیرة و تاریخ - نسخه متنی

عبدالزهرا عثمان محمود

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




ولمَّا رأى خالد بن الوليد أنَّ ظهر المسلمين قد خلا، كرَّ في مئتي فارس، على من بقي مع ابن جبير فأبادهم، وقُتل ابن جبير بعد أن قاتل قتال المستميت، وتجمَّع المشركون من جديد، وأحاطوا بالمسلمين من خلفهم، وهم غافلون لنهب الغنائم، واستدارت رحاهم وحالت الريح فصارت دبوراً، وما أحسَّ المسلمون الا والعدو قد أحاط بهم واختلط بينهم، وأصبحوا كالمدهوشين، يتعرَّضون لضرب السيوف وطعن الرماح من كلِّ جانب، وأوجعوا في المسلمين قتلاً ذريعاً، واشتدَّ عليهم الأمر حتَّى قتل بعضهم بعضاً من حيث لا يقصدون.


وفرَّ المسلمون عن نبيِّ الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يكن عليٌّ عليه السلام يفكِّر في تلك اللحظات الحاسمة الا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا سيَّما وقد رأى المشركين يتَّجهون نحوه، وأصبح هدفهم الأول، بعد أن أصبحت المعركة لصالحهم، فأحاط به هو وجماعة من المسلمين، وقد استماتوا في الدفاع عن النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، وحمزة يهذُّ الناس بسيفه هذَّاً، وعليٌّ عليه السلام يفرِّق جمعهم كالصقر الجائع حينما ينقضّ على فريسته، فيشتِّتهم إرباً إرباً بسيفه البتَّار، وهو راجل وهم على متون الخيل، فدفعهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتَّى انقطع سيفه.


وقاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتالاً شديداً، وقد تجمَّع عليه المشركون وحاولوا قتله بكلِّ سبيل، ورماه ابن قمئة فكسر أنفه ورباعيته السفلى، وشقَّت شفته، وأصابته ضربة في جبهته الشريفة، وسال الدم على وجهه الشريف. وغلب عليه الضعف.


روى عكرمة قال: سمعت عليَّاً عليه السلام، يقول: 'لمَّا انهزم الناس يوم أُحد


عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي، وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره فقلت: ما كان رسول الله ليفرَّ، وما رأيته في القتلى، فأظنُّه رُفع من بيننا، فكسَّرت جفن سيفي وقلت في نفسي: لأقاتلنَّ به عنه حتَّى أُقتل، وحملت على القوم فأفرجوا، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد وقع على الأرض مغشيَّاً عليه، فقمت على رأسه، فنظر إليَّ فقال: ما صنع الناس، يا عليُّ؟ فقلت: كفروا يا رسول الله وولَّوا الدبر وأسلموك، فنظر إلى كتيبة قد أقبلت فقال صلى الله عليه وآله وسلم: ردَّ عنِّي يا عليُّ هذه الكتيبة، فحملت عليها بسيفي أضربها يميناً وشمالاً حتَّى ولَّوا الأدبار، فقال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أما تسمع مديحك في السماء، إنَّ ملكاً يقال له: رضوان ينادي: لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى الا عليُّ، فبكيتُ سروراً وحمدت الله على نعمه'


[إعلام الورى 1: 378.]


نقل ابن الأثير: لقد أصابت عليَّاً يوم أحد ستُّ عشرة ضربة، كلُّ ضربةٍ تلزمه الأرض، فما كان يرفعه الا جبريل عليه السلام


[أُسد الغابة 4: 106.]


وفي هذه الوقعة قُتل حمزة بن عبدالمطَّلب، رماه وحشي ـ وهو عبد لجبير بن مطعم ـ بحربة، فسقط شهيداً، ومثَّلت به هند بنت عتبة بن ربيعة، وشقَّت عن كبده فأخذت منها قطعة فلاكتها، وجدعت أنفه، فجزع عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جزعاً شديداً، وقال: 'لن أُصاب بمثلك'..


ولمّا يئس المشركون من قتل النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم برغم جميع المحاولات، فترت


همَّتهم وقفلوا راجعين، بعد أن قُتل من المسلمين ثمانية وستُّون رجلاً، ومن المشركين اثنان وعشرون رجلاً، وكفى الله المؤمنين القتال بأمير المؤمنين عليه السلام.


وقفل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه راجعين إلى المدينة يوم السبت؛ فاستقبلته فاطمة عليها السلام ومعها إناء فيه ماء، فغسل وجهه، ولحقه الإمام وقد خضَّب الدم يده إلى كتفه ومعه ذو الفقار، فناوله فاطمة عليه السلام فقال: 'خذي السيف فقد صدقني اليوم' وقال:




  • 'أفاطمُ هاكِ السيف غيـر ذميـم
    لعمري لقد أعذرت في نصر أحمدٍ
    وطاعــة ربٍّ بالعبـاد عليمِ'



  • فلسـتُ بــرعديـد ولا بمليـمِ
    وطاعــة ربٍّ بالعبـاد عليمِ'
    وطاعــة ربٍّ بالعبـاد عليمِ'




فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: 'خذيه يا فاطمة، فقد أدَّى بعلك ما عليه، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش'


[إعلام الورى 1: 379.]


وقعة بني النضير



غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني النضير في شهر ربيع الأول سنة أربع على رأس سبعة وثلاثين شهراً من مهاجره


[الطبقات الكبرى 2: 43ـ 44.] وبني النضير هم فخذٌ من جذام الا أنَّهم تهوَّدوا، ونزلوا بجبل يقال له: النضير، فسُمُّوا به.


وجاء في سبب هذه الغزوة: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشى إلى كعب بن الأشرف ووجهاء بني النضير، يستقرضهم في دية الكلابيين اللذين قتلهما عمرو بن أُمية الضمري، فقالوا: نعم، نعينك على ما أحببت، ثُمَّ خلا بعضهم


ببعض وتآمروا على قتله، فنزل جبرئيل عليه السلام وأخبره بما همَّ به القوم من الغدر، وأخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه الخبر، وأمر المسلمين بحربهم، ونزل بهم، وكانت رايته مع عليِّ بن أبي طالب عليه السلام


[الطبقات الكبرى: 44، وابن الأثير في تاريخه 2: 174.]، فتحصَّن اليهود في الحصون، وأرسل إليهم عبدالله بن أُبي وجماعة معه أن اثبتوا وتمنَّعوا، فإنَّا لن نسلمكم..


وروي أنَّ الإمام عليَّاً عليه السلام فقد في احدى ليالي حصار بني النضير، فقال رسول الله: 'إنَّه في بعض شأنكم' وبعد قليل جاء عليّ ٌبرأس 'عزوك' أحد أبطال بني النضير، وقد كمن له الإمام حتى خرج في نفر من يهود يطلبون غرَّة من المسلمين، وكان شجاعاً رامياً، فكمن له عليٌّ عليه السلام فقتله، وفرَّ اليهود، فأرسل نبيُّ الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا دجانة وسهل بن حنيف، في عشرة من رجالات المسلمين، فأدركوا اليهود الفارِّين من سيف الإمام عليٍّ عليه السلام، وطرحت رؤوسهم في الآبار، وقذف الله في قلوبهم الرعب، فسألوا النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم أن يُجليهم ويكفَّ عن دمائهم ـ بعد أن خذلهم ابن أُبي ـ فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمَّد بن مسلمة إليهم: أن يخرجوا من بلادهم ولهم ما حملت الإبل من خُرثي متاعهم، ولايخرجون معهم بذهب ولا فضة ولا سلاح


[تاريخ اليعقوبي 2: 49.] وأجّلهم في الجلاء ثلاث ليال


[إعلام الورى 1: 188.]


وقعة الأحزاب



وتسمَّى أيضاً 'غزوة الخندق' وكانت في ذي القعدة، سنة خمس من الهجرة


[طبقات ابن سعد 2: 50.] 627 م، وقيل: في شوال


[الكامل في التاريخ 2: 70.]، وقيل: في السنة السادسة، بعد مقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة بخمسة وخمسين شهراً


[تاريخ اليعقوبي 2: 50.]


وكان سببها: لمَّا أجلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بني النضير ساروا إلى خيبر، وحزَّبوا الأحزاب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقدموا على قريش بمكَّة، وألَّبوها على حرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقالوا: نكون معكم حتَّى نستأصله، وما كان من أمر قريش الا أن تستجيب لضالَّتها المنشودة في القضاء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعوانه.


وتجهَّزت قريش وجمعوا أحابيشهم ومن تبعهم من العرب، فكان جميع القوم الذين وافوا الخندق، ممن ذُكر من القبائل، عشرة آلاف، وهم الأحزاب، وكانوا ثلاثة عساكر بقيادة أبي سفيان بن حرب.


فلمَّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خبرهم جمع المسلمين، وحثَّهم على الجهاد والصبر والاستعداد لمقابلة الغزاة وشاورهم في الأمر، فأشار عليه سلمان الفارسي بالخندق، فأعجب ذلك المسلمين، لأنَّ عملاً من هذ النوع لابدَّ وأن يعرقل تقدُّم الغزاة، ويخفِّف من أخطار المجابهة بين الفريقين.


وأقبل المسلمون جميعاً يحفرون خندقاً حول المدينة، وجعل رسول الله


لكلِّ عشرة أربعين ذراعاً


[الكامل في التاريخ 2: 70.]، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معهم يحفر وينقل التراب، وفرغوا من حفره في ستة أيام، وكان سائر المدينة مشبك بالبنيان، فهي كالحصن، وكان المسلمون يومئذٍ ثلاثة آلاف مقاتل.


وخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقتال قريش وأحباشها، وهنا كانت الصدمة الكبيرة على قريش، وهي تحسب أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصحبه لا يثبتون لها ساعات قلائل بهذا العدد الضخم، وإذا بها تجد بينها وبين المسلمين حاجزاً لا يمكن اجتيازه الا بعد جهود شاقة، لاسيَّما وأنَّ أبطال المسلمين وقفوا بالمرصاد لكل من تحدِّثه نفسه باجتياز ذلك الحاجز، فأُذهلت بعد أن كانت مغرورة بقوتها الجبَّارة!


وأنكروا أمر الخندق، وقالوا: ما كانت العرب تعرف هذا، وأقاموا على هذه الحال ـ الرشق بالنبل والحجارة ـ مدَّة خمسة أيام


[تاريخ اليعقوبي 2: 50.] دون قتال..


فلمَّا كان اليوم الخامس خرج عمرو بن عبد ودٍّ العامري ـ وكان يعدّ بألف فارس ـ وأربعة نفر من المشركين: نوفل بن عبدالله بن المغيرة المخزومي، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطَّاب الفهري، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، واقتحموا الخندق من مكان ضيِّق، وركز عمرو رمحه في الأرض ـ وهو ابن تسعين سنة


[طبقات ابن سعد 2: 52.]ـ وأخذ يجول، ويدعو إلى البراز ويرتجز:




  • ولقــد بححتُ من النـداءِ
    انِّـي كـذلــك لـم أزل
    إنَّ الشجاعــة فـي الفتى
    والجود من خير الغرائز



  • بجمعهم هــل من مبارز؟
    متسرِّعاً نحـو الهزاهــز
    والجود من خير الغرائز
    والجود من خير الغرائز



[ارشاد الشيخ المفيد 1: 100.]


وكأنَّ هذه الكلمات نداء إلى الموت، فلم يجبه أحد من المسلمين، وفي كلِّ مرّة يكرّر فيها نداءه كان يقوم له عليُّ بن أبي طالب عليه السلام من بينهم ليبارزه، فيأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجلوس، انتظاراً منه ليتحرَّك غيره، ولكن لم ينهض أحد؛ لمكان عمرو بن عبد ودٍّ ومن معه.


ومضى عمرو يكرِّر النداء والتحدِّي للمسلمين، فقام عليٌّ عليه السلام مرَّةً أُخرى، فأجلسه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال له: 'إنَّه عمرو'، ونادى مرَّةً أُخرى، فقام عليٌّ عليه السلام، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فقال له: 'ادنُ منِّي' فدنا منه، فنزع عمامته عن رأسه وعمَّمه بها وأعطاه سيفه ذا الفقار، وقال له: 'امضِ لشأنك' ثُمَّ رفع يديه وقال: 'اللَّهمَّ إنَّك أخذت منِّي حمزة يوم أُحد، وعبيدة يوم بدر، فاحفظ اليوم عليَّاً، ربِّ لا تذرني فرداً وأنت خير الوارثين'.


وقال نبيُّ الله صلى الله عليه وآله وسلم لمَّا دنا عليٌّ عليه السلام من عمرو: 'خرج الإيمان سائره إلى الكفر سائره'..


فبرز إليه عليٌّ، وهو يقول:




  • 'لا تعجلـنَّ فقد أتــاك
    ذو نيَّةٍ وبصيــرة والـ
    إنِّي لأرجـو أن أُقيـم
    من ضربة نجلاء يبقى
    صيتها بعد الهزاهز'



  • مجيب صوتك غير عاجز
    صدق منجي كلَّ فائــز
    عليك نائحـة الجنائز
    صيتها بعد الهزاهز'
    صيتها بعد الهزاهز'



فلمَّا انتهى إليه قال: 'يا عمرو إنَّك في الجاهلية تقول: لا يدعوني أحدٌ إلى ثلاث الا قبلتها، أو واحدة منها'. قال: أجل. قال: 'فإنِّي أدعوك إلى شهادة أن لا إله الا الله، وأنَّ محمَّداً رسول الله، وأن تُسلم لربِّ العالمين'. قال: يا ابن أخ، أخِّر هذه عنِّي. فقال له عليٌّ: 'أمَّا إنَّها خيرٌ لك لو أخذتها'.


ثُمَّ قال: 'فها هنا أُخرى' قال: ما هي؟ قال: 'ترجع من حيث جئت'. قال: لا تَحدَّث نساء قريش بهذا أبداً.


قال: 'فها هنا أُخرى'. قال: ما هي؟ قال: 'تنزل تقاتلني' فضحك عمرو وقال: إنَّ هذه الخصلة ما كنت أظنَّ أنَّ أحداً من العرب يرومني مثلها، إنِّي لأكره أن أقتل الرجل الكريم مثلك، وقد كان أبوك لي نديماً


[قال أبو الخير أستاذ أبن أبي الحديد: 'والله ما طلب عمرو الرجوع من عليٍّ إلاّ خوفاً منه، فقد عرف قتلاه ببدر وأُحد، وعلم إن هو بارز علياً قتله عليٌّ، فاستحى أن يظهر الفشل، فأظهر هذا الإدِّعاء، وإنَّه لكاذب'. أنظر فضائل الإمام علي: 113.]


قال عليٌّ عليه السلام: 'ولكنِّي أُحبُّ أن أقتلك، فانزل إن شئت'.


فغضب عمرو ونزل فضرب وجه فرسه حتى رجع


[الارشاد 1: 102، وإعلام الورى 1: 381.]، وحمل على عليٍّ عليه السلام وضربه على رأسه فاتَّقاها بالدرقة، فقدَّها السيف ونفذ منها إلى رأسه فشجَّه، وبقي محتفظاً بثباته، وتوالت عليه الضربات وهو يحيد عنها، ثُمَّ كرَّ عليه عليٌّ عليه السلام فضربه على حبل عاتقه ضربةً كان دويُّها كالصاعقة،


ارتجَّ له العسكران، فسقط يخور بدمه كالثور، وارتفعت غبرة حالت بينهما وبين الجيشين.


على أنَّ هناك رواية أُخرى


[ارشاد القلوب 2: 218.] تذهب إلى أن الامام ضرب عمراً على ساقيه فقطعهما جميعاً، فسقط الى الأرض، فأخذ عليٌّ عليه السلام بلحيته وذبحه، وأخذ رأسه بيده هدية إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأقبل والدماء تسيل على وجهه من ضربة عمرو، ورأس عمرو بيده يقطر دماً، وكان وجه علي عليه السلام يتهلَّل فرحاً، فألقاها بين يدي الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، فقام أبو بكر وعمر فقبّلا رأس عليٍّ عليه السلام، فعانقه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا له، فقال عمر بن الخطَّاب لعليٍّ عليه السلام: هلا استلبت درعه، فليس للعرب درع خير منها؛ فقال عليٌّ: 'ضربته فاتَّقاني بسوأته فاستحييت أن أسلبه'.


وعلى أيِّ حال فقد علت أصوات المسلمين بالتكبير، بعد أن أصابهم الخوف في بادئ الأمر، وانهزم الذين كانوا مع عمرو بن عبد ودٍّ، واقتحمت خيولهم الخندق، وكبا بنوفل بن عبدالله بن المغيرة فرسه، فجعلوا يرمونه بالحجارة، فقال لهم: قتلة أجمل من هذه، ينزل إليَّ بعضكم أقاتله، فنزل إليه عليٌّ عليه السلام فضربه حتَّى قتله، وبعث الله عليهم ريحاً في ليالٍ شاتية شديدة البرد، فجعلت تكفأ قدورهم وتطرح أبنيتهم، فانصرفوا هاربين لا يلوون على شيء، حتَّى ركب أبو سفيان ناقته وهي معقوله! فلمَّا بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الله ذلك: قال: 'عوجل الشيخ'.


وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في قتل عليٍّ عليه السلام لعمرو: 'لضربة عليٍّ يوم الخندق أفضل من عبادة الثقلين'.


قال جابر: 'فما شبهت قتل عليٍّ عمراً الا بما قصَّ الله تعالى من قصة داود وجالوت، حيث قال: "فَهَزَمُوهُم بِإذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوت"'


[سورة البقرة: 251.]


[انظر إعلام الورى 1: 382.]


نعم لقد قلبت ضربة عليٍّ عليه السلام لعمرو الوضع تماماً، بعدما كان النصر حليف قريش بقوَّتها الجبَّارة، وصدق سبحانه حيث قال: "وكَمْ مِن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً"


[سورة البقرة: 249.]


بسيف عليٍّ عليه السلام كان النصر حليف المسلمين وهنا يسكت القلم، ولا يدري ماذا يكتب عن شجاعة ابن أبي طالب عليه السلام فقد كفى الله المؤمنين القتال به عليه السلام.


ولمَّا نُعي عمرو بن عبد ودٍّ إلى أخته عمرة، قالت: مَن قتله؟ ومن الذي اجترأ عليه؟ فقيل لها: قتله عليُّ بن أبي طالب. فقالت: لقد قتل الأبطال وبارز الأقران، وكانت ميتته على يد كفءٍ كريم من قومه، وأنشأت تقول:




  • لو كان قاتل عمرو غيــر قاتله
    لكنَّ قاتلــه من لا يعــاب به
    من هاشم في ذراها وهي صاعدة
    قوم أبى الله الا أن تكــون لهم
    يا أم كلثوم ابكيـه ولا تدعــي
    بكـاء معولة حرّى على ولد



  • لكنت أبكـي عليــه دائم الأبد
    قد كــان يدعى أبوه بيضة البلد
    إلـى السماء تميت الناس بالحسد
    كرامـة الديــن والدنيا بلا لدد
    بكـاء معولة حرّى على ولد
    بكـاء معولة حرّى على ولد



[ارشاد القلوب 2: 218 بتفاوت.]


هكذا اكتسح عليُّ بن أبي طالب عليه السلام فرسان المعارك وشجعان الفلا..


/ 23