إمام علی (ع) سیرة و تاریخ نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام علی (ع) سیرة و تاریخ - نسخه متنی

عبدالزهرا عثمان محمود

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




واستدعى إليه أبا طلحة الأنصاري فقال له: يا أبا طلحة، إنَّ الله طالما أعزَّ بكم الإسلام، فاختر خمسين رجلاً من الأنصار حاملي سيوفكم، وخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر وتعجيله، واجمعهم في بيتٍ واحد، وقم على رؤوسهم، فإنَّ اجتمع خمسة وأبى واحد فاشدخ رأسه بالسيف، وإن اتَّفق أربعة وأبى اثنان فاضرب رؤوسهما، وإن رضي ثلاثة فانظر الثلاثة الذين فيهم عبدالرحمن بن عوف، واقتلوا الباقين إن رغبوا عمَّا اجتمع فيه الناس، وإن مضى الستَّة ولم يتَّفقوا على أمر، فاضرب أعناق الستَّة، ودع المسلمين يختاروا لأنفسهم..


هذا هو مبدأ الشورى الذي أراده عمر، ولنرى كيف تمَّ الإتِّفاق..


ولمَّا خرج عليٌّ عليه السلام والجماعة من البيت بانتظار الموعد المعيَّن، ما لبث أن جاءه عمُّه العبَّاس يسأله عمَّا جرى، فقال: 'عدلتْ عنَّا'! فقال: وما علمك؟


قال: 'قرن بي عُثمان، وقال: كونوا مع الأكثر، فإن رضي رجلان رجلاً ورجلان رجلاً، فكونوا مع الذين فيهم عبدالرحمن، فسعد لا يخالف ابن عمِّه، وعبدالرحمن صهر عُثمان لا يختلفون، فيولِّيها أحدهما الآخر، فلو كان الآخران معي لم ينفعاني'.. ومضى يقصُّ على عمِّه أحداث الشورى وتفاصيلها، حتى ملكته الدهشة لما سمع.. فقال له العبَّاس: إحذر هؤلاء الرهط، فإنَّهم لا يبرحون يدفعوننا عن هذا الأمر حتى يقوم به غيرنا، وأيم الله لا يناله الا بشرٌ لا ينفع معه خير! فقال عليٌّ عليه السلام: 'أمّا لئن بقي عُثمان لأذكِّرنَّه ما أتى، ولئن مات ليتداولُنَّها بينهم، ولئن فعلوا لتجدنِّي حيث


يكرهون'


[الكامل في التأريخ، ابن الأثير 2: 461 ط. دار الكتب العلمية.]


ولمَّا اجتمعوا تكلَّم أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: 'الحمد لله الذي بعث محمَّداً منَّا نبيَّاً، وبعثه إلينا رسولاً، فنحن بيت النبوَّة، ومعدن الحكمة، وأمان أهل الأرض، ونجاة لمن طلب، لنا حقٌّ إن نُعْطَه نأخذه، وإن نُمْنَعْه نركبْ أعجاز الإبل ولو طال السُّرى، لو عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عهداً لأنفذنا عهده، ولو قال لنا قولاً لجادلنا عليه حتى نموت، لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حقٍّ وصلة رحم، لا حول ولا قوَّة الا بالله، اسمعوا كلامي وعوا منطقي، عسى أن تروا هذا الأمر بعد هذا المجمع تُنتضى فيه السيوف، وتُخان فيه العهود، حتى تكونوا جماعة، ويكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة وشيعة لأهل الجهالة' ثُمَّ قال:




  • فإن تكُ جاسمٌ هلكــتْ فإنِّي
    مطيعٌ في الهواجرِ كلَّ عيٍّ
    بصيرٌ بالنَّوى مـن كلِّ نجمِ



  • بما فعلتْ بنو عبد بن ضخمِ
    بصيرٌ بالنَّوى مـن كلِّ نجمِ
    بصيرٌ بالنَّوى مـن كلِّ نجمِ



[تاريخ الطبري 4: 237، الكامل في التاريخ 2: 466.]


ومهما كان الحال، فقد جاء في سائر التواريخ أنَّ أوَّل عمل قام به طلحة أن أخرج نفسه منها، ووهب حقَّه فيها لعثمان بن عفَّان، كرهاً منه لعليِّ بن أبي طالب عليه السلام، وأدرك الزبير النوايا المبيتة من طلحة، فثارت في نفسه نزعة القرابة التي تشدُّه إلى عليٍّ عليه السلام، فقال: وأنا أُشهدكم نفسي أنِّي قد وهبت حقِّي في الخلافة لعليِّ بن أبي طالب، فوقف سعد بن أبي وقَّاص وقال: لقد وهبت حقِّي لعبد الرحمن بن عوف، 'وبقي في الساحة ثلاثة كلُّ واحدٍ منهم يمثِّل اثنين' فقال عبدالرحمن لعثمان وعليٍّ عليه السلام: أيُّكما يخرج منها للآخر؟ فلمَّا


لم يجد منهما جواباً، أخرج نفسه منها على أن يجعلها في أفضلهما.


وعرض على كلٍّ منهما أن يتولَّى الأمر من يؤثر الحقَّ ولا يتَّبع الهوى، ولا يخصُّ ذا رحمِ ولا يألو الأُمَّة نصحاً، فوافق كلٌّ منهما على هذه الشروط.. لكنَّه ـ وبعد أن أحرجه الإمام بقبول الشروط ـ خلا عبدالرحمن بسعد بن أبي وقَّاص، فأدرك عليٌّ عليه السلام أنَّهما إنَّما يريدان مخرجاً يسهِّل لهما أن يُعطوا الخلافة لعثمان؛ فقال أمير المؤمنين لسعد: '"وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالاَرْحَام"


[سورة النساء: 1.]، أسألك برحم ابني هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبرحم عمِّي حمزة منك أن لا تكون ظهيراً لعبد الرحمن'..


ويبدو من هذا الاتِّفاق أنَّهم خرجوا بشرط جديد يُحرِج عليَّاً عليه السلام، ولا يمكن له أن يقبله، وبذلك تكون البيعة لعثمان بن عفَّان، فقال عبدالرحمن لعليٍّ عليه السلام: عليك عهد الله وميثاقه، لتعملن بكتاب الله وسُنَّة رسوله وسيرة الشيخين من بعده، قال الإمام: 'أعمل بكتاب الله وسُنَّة نبيِّه وبرأيي، فيما لا نصَّ فيه من كتابٍ أو سُنَّة'، ودعا عُثمان فقال له مثل ما قال لعليٍّ عليه السلام فوافق عليها، وقال: نعمل نعمل، فرفع رأسه إلى سقف المسجد، ويده في يد عُثمان فقال: اللَّهمَّ اسمع واشهد، اللَّهمَّ إنِّي قد جعلت ما في رقبتي من ذلك في رقبة عُثمان، فبايعه، وبهذا النحو الذي شهدناه تمَّت البيعة لعثمان، وحسب التخطيط الذي أراده عمر بن الخطَّاب.


وعقّب الأُستاذ هاشم معروف الحسني على قصَّة الشورى هذه بقوله: 'أقول ذلك وأنا على يقين بأنَّ عليَّاً لو وافقهما على الشرط الأخير، لوضعا


له شرطاً آخر، وهكذا حتى ينسحب منها، وتتمَّ لابن عفَّان بلا منازع'.


حتماً، فهذه ليست أوَّل مؤامرة تظاهروا بها على آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما قال أمير المؤمنين عليه السلام حينها: 'ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا، "فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون"، والله ما وليتَ عُثمان إلا ليردَّ الأمر إليك، والله كلُّ يومٍ في شأن'! فقال عبدالرحمن: يا عليُّ، لا تجعل على نفسك حجَّةً وسبيلاً، فخرج عليٌّ عليه السلام وهو يقول: 'سيبلغ الكتاب أجله'، فقال المقداد: يا عبدالرحمن، أما والله لقد تركته، وإنَّه من الذين يقضون بالحقِّ وبه يعدلون، فقال: يا مقداد، والله لقد اجتهدتُ للمسلمين. قال: إن كنتَ أردتَ الله فأثابك الله ثواب المحسنين.


ثم قال المقداد: ما رأيتُ مثل ما أتى إلى هذا أهل البيت بعد نبيِّهم، إنِّي لأعجب من قريش أنَّهم تركوا رجلاً ما أقول ولا أعلم أنَّ رجلاً أقضى بالعدل ولا أعلم منه، أما والله لو أجد أعواناً عليه!


فقال عبدالرحمن: يا مقداد، اتِّق الله، فإنِّي خائفٌ عليك الفتنة.


فقال رجل للمقداد: رحمك الله، مَن أهل هذا البيت، ومن هذا الرجل؟


قال: أهل البيت بنو عبدالمطَّلب، والرجل عليُّ بن أبي طالب.


فقال عليٌّ عليه السلام: 'إنَّ الناس ينظرون إلى قريش، وقريش تنظر بينها فتقول: إن وُلِّيَ عليكم بنو هاشم لم تخرج منهم أبداً، وما كانت في غيرهم تداولتموها بينكم'.


وقد شهد أبو الطفيل رضي الله عنه حادثة الشورى بما شهده وسمعه، فقال: كنت على الباب يوم الشورى، فارتفعت الأصوات بينهم، فسمعت عليَّاً عليه السلام


يقول: 'بايع الناس لأبي بكر، وأنا والله أولى بالأمر منه وأحقُّ به منه، فسمعتُ وأطعتُ مخافة أن يرجع الناس كفَّاراً يضرب بعضهم رقاب بعضٍ بالسيف، ثُمَّ بايع الناس عمر وأنا والله أولى بالأمر منه، وأحقُّ به منه، فسمعتُ وأطعتُ مخافة أن يرجع الناس كفَّاراً يضرب بعضم رقاب بعضٍ بالسيف، ثُمَّ أنتم تريدون أن تبايعوا عُثمان! إذاً أسمع وأُطيع'


[كنز العمَّال 5: 724 و14243.]


ولمَّا عزموا على البيعة لعثمان، قال الإمام عليٌّ عليه السلام: 'أُنشدكم الله، أفيكم أحد آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين نفسه غيري؟' قالوا: لا. قال: 'أفيكم أحدٌ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من كنتُ مولاه فهذا مولاه، غيري؟' قالوا: لا.


قال: 'أفيكم أحدٌ قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أنت منِّي بمنزلة هارون من موسى غيري؟' قالوا: لا.


قال: 'أفيكم من أؤتمن على سورة براءة، وقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنَّه لا يؤدِّي عنِّي الا أنا أو رجل منِّي، غيري؟' قالوا: لا.


قال: 'ألا تعلمون أنَّ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرُّوا عنه في مأقطِ الحرب في غير موطن، وما فررتُ قطُّ؟' قالوا: بلى.


قال: 'ألا تعلمون أنِّي أوَّل الناس إسلاماً؟' قالوا: بلى.


قال: 'فأيُّنا أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسباً؟' قالوا: أنت.


فقطع عليه عبدالرحمن بن عوف كلامه، وقال: يا عليُّ، قد أبى الناس الا عُثمان، فلا تجعلنَّ على نفسك سبيلاً!


ثُمَّ توجَّه عبدالرحمن إلى أبي طلحة الأنصاري، فقال له: يا أبا طلحة،


ما الذي أمرك عمر؟ قال: أن أقتل من شقَّ عصا الجماعة!


فقال عبدالرحمن لعليٍّ: بايع إذن، والا كنتَ متَّبعاً غير سبيل المؤمنين!! وأنفذنا فيك ما أُمرنا به!!


فقال عليٌّ عليه السلام كلمته الشهيرة: 'لقد علمتم أنِّي أحقُّ بها من غيري، ووالله لأُسلمنَّ ما سلمت أمور المسلمين، ولم يكن فيها جورٌ الا عليَّ خاصَّةً؛ إلتماساً لأجر ذلك وفضله، وزهداً في ما تنافستموه من زخرفه وزبرجه'


[شرح ابن أبي الحديد 6: 166.]


كان هذا آخر ما قاله الإمام عليٌّ عليه السلام يوم الشورى، فهل تسمَّى هذه شورى؟ أم غلبة بالسيف؟!


وختاماً من المناسب أن نذكر هذا المقطع من الخطبة المعروفة بالشقشقية والذي يصف فيه موقفه من هذه الشورى، فيقول: 'فصبرتُ على طول المدَّة، وشدَّة المحنة.. حتى إذا مضى لسبيله، جعلها في جماعة زَعَم أنِّي أحدهم، فيا لله وللشورى، متى اعترض الريبُ فيَّ مع الأوَّل منهم حتى صرتُ أُقرنُ إلى هذه النظائر!'


[نهج البلاغة، الخطبة 3.]


في عهد عُثمان



دُفن عمر وتمَّت قصَّة الشورى، وزُفَّ عُثمان كما زُفَّ صاحباه من قبل، وبايعه الناس، وتصدَّر المنبر، منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ليخطب فيهم خطبته التي سيعلن فيها تعهده بالتزام سيرة الشيخين، وسنرى فيما بعد كيف أنَّه خالف ما تعهد التزامه، حتى سيرة الشيخين في عدَّة أمور، وعطَّل بعض


الواجبات حتى أصبح عهده عهد الفتن..


ومن أهمِّ الأمور التي انتهجها عُثمان في سياسته، والتي فتحت أبواباً من الفتن واسعة:


1ـ أحاط نفسه بأزلام بني أُميَّة، وتربَّع على العرش يهب أموال المسلمين لرجالات عمومته بني أُميَّة، فكانوا المقرَّبين منه، بحيث ترك مشورة كبار الصحابة، ولم يستعمل أحدهم على أمر من أمور المسلمين واستغنى برأيه ورأي مروان، والأنكى من كلِّ ذلك أنَّه ألحق الضرر والضرب ـ وحتى الموت ـ بكبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وسجن آخرين. فضرب عمَّاراً وفتق بطنه، وسيَّر أبا ذرٍّ إلى الربذة، وسيَّر عامر بن قيس من البصرة إلى الشام! وغير ذلك من الأمور الشنيعة، حتى غلب على عهده التسلُّط والاثرة وجمع الأموال، واكتفى برأي أصحاب الحيلة والدهاء، من ذوي قرباه.


2ـ استبدال الولاة الذين عيَّنهم عمر، بولاة جدد من بني أُميَّة من أصحاب المطامع، وليس لأحدهم دين وازع أو سلطان رادع، ولم يكن همُّ أحدهم سوى جمع الأموال والتربُّع على عرش الملك!


فجمع الشام كلَّه لابن عمِّه معاوية، وعبدالله بن أبي سرح ـ المرتدُّ، الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتله ولو وجد متعلِّقاً بأستار الكعبة! ـ على مصر، وهو أخوه من الرضاع، وفي الكوفة ـ أخوه لاُمِّه ـ الوليد بن عقبة، وفي البصرة ابن عمِّه سعيد بن العاص، وولَّى ابن خاله عبدالله بن عامر على خراسان، وفي المدينة المنوَّرة 'مقرُّ الخلافة' كان مروان بن الحكم


ـ طريد رسول الله ولعينه ـ وزير الخليفة ومستشاره، فهو ابن عمِّه وكاتبه.


وكلُّهم من طغمة بني أُميَّة خاصَّة من مسلمة الفتح 'الطلقاء، والمؤلَّفة قلوبهم' حتى أصبحت أموال الدولة والمسلمين متاعاً خاصاً لهم، وظنُّوا أنَّ الخلافة وراثةً لهم، كما قال أبو سفيان: 'يا بني أُميَّة تلقَّفوها تلقُّف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان مازلت أرجوها لكم، ولتصيرنَ إلى صبيانكم وراثةً'!


فهؤلاء هم عمال عُثمان الذين لا يريد أحدهم سوى أن يصبح جبَّاراً في الأرض أو ملكاً يُطاع أو يُسجد له!!


وقد كانت هذه المفارقات وغيرها السبّب لثورة الناس ضدّه، فسعى الأمام عليه السلام للإصلاح وإخماد الفتنة، وكم ذكّره بالله والدين، وبحقوق المسلمين، وكان مما قال له مرةً: 'والله لو ظلم عامل من عمّالك حيث تغرب الشمس لكان اثمه شركاً بينه وبينك'


[شرح نهج البلاغة، لابن أبي الحديد 9: 15.]


مهَّدت إلى ظهور فتن وأزمات وكم سعى الامام عليه السلام ومن معه من الصحابة في الإصلاح ولم يستجب عثمان ومن حوله لدعوته، حتى فلت الأمر من يده، لا سيّما وأنّ بعض أكابر الصحابة كانوا يساندون الثائرين على عثمان والمعترضين بشدة ويؤلّبون الجماهير ضده منهم عائشة التي كانت تقول: اقتلوا نعثلاً فقد كفر. وطلحة الذي كان يكاتب أهل البصرة يحرِّضهم على النهوض لقتل عُثمان


[الكامل في التاريخ 3: 109.] وعبدالرحمن بن عوف الذي قال


لعثمان: 'لِمَ فررتَ يوم أُحد، وتخلَّفت عن بدر، وخالفت سُنَّة عمر؟'


[سير اعلام النبلاء "الخلفاء الراشدون": 186.]


ولمَّا طالبت الجماهير المنتفضة عُثمان بعزل الولاة الفاسدين، واستبدالهم بولاةٍ صالحين، أبى ذلك، فعزل أهل الكوفة سعيد بن العاص الأموي ورشحوا أبا موسى الأشعري، لكن عثمان أقرّ سعيداً ولم يعزله، وهكذا كان الأمر في بعض الولايات الاسلامية الاخرى بسبب ما لاقاه الناس من الولاة من جورٍ وفساد، وحينئذٍ عادوا وطلبوا من عثمان، أن يعزل نفسه، حينها قال عُثمان: 'ما كنت لأخلع سربالاً سربلنيه الله'


[تاريخ الطبري 4: 371.]، فجعل أمر الخلافة هبةً من الله تعالى، ولا يمكن له أن ينزعها، وليس من حقِّ الأُمَّة أيضاً أن تثور عليه وتنزع الخلافة منه!


رأى عُثمان أنَّ الأُمَّة كلَّها ضدَّه وسوف لا تتركه حتى يستجيب لارادتها، ولم يرَ ناصحاً في هذه الأيَّام الشديدة من حياته غير الإمام عليِّ بن أبي طالب عليه السلام، حينها أجتمع الناس إلى الإمام عليه السلام وبيَّنوا له فساد الأمر بيد عُثمان، فنهض الإمام عليه السلام ليكلِّم الخليفة وينصحه، فقال له: 'إنَّ الناس ورائي، وقد استسفروني بينك وبينهم، ووالله ما أدري ما أقول لك! ما أعرف شيئاً تجهله، ولا أدلُّك على أمرٍ لا تعرفه، إنَّك تعلم ما نعلم، وما سبقناك إلى شيءٍ فنُخبرك عنه، ولا خلونا بشيء فنبلِّغكه، وقد رأيتَ كما رأينا، وسمعتَ كما سمعنا، وصحبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما صحبنا..


وما ابن أبي قحافة ولا ابن الخطَّاب بأولى بعمل الحقِّ منك، وأنت


أقرب إلى أخي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وشيجة رحمٍ منهما، وقد نلتَ من صهره ما لم ينالا، فالله الله في نفسك، فإنَّك والله ما تُبصَّر من عمىً، ولا تُعلَّم من جهلٍ، وإنَّ الطرق لواضحة، وإنَّ أعلام الدين لقائمة..


فاعلم أنَّ أفضل عباد الله عند الله إمامٌ عادل، هُدِي وهدى، فأقام سُنَّةً معلومة، وأمات بدعةً مجهولة، وإنَّ السنن لنيِّرةٌ لها أعلام، وإنَّ البدع لظاهرةٌ لها أعلام. وإنَّ شرَّ الناس عند الله إمامٌ جائرٌ، ضلَّ وضُلَّ به، فأمات سُنَّةً مأخوذةً، وأحيا بدعةً متروكة، وإنِّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: يؤتى يوم القيامة بالإمام الجائر وليس معه نصير ولا عاذر، فيُلقى في نار جهنَّم فيدور فيها كما تدور الرحى، ثُمَّ يرتبط في قعرها..


وإنِّي أُنشدك الله الا تكون إمام هذه الأُمَّة المقتول! فإنَّه كان يُقال: يُقتل في هذه الأُمَّة إمام يفتح عليها القتل والقتال إلى يوم القيامة، ويلبس أمورها عليها، ويبثُّ الفتن فيها، فلا يُبصرن الحقَّ من الباطل، يموجون فيها موجاً، ويمرجون فيها مرجاً، فلا تكوننَّ لمروان سيِّقةً يسوقك حيث شاء بعد جلال السنِّ وتقضِّي العمر'!


فقال له عُثمان: 'كلِّم الناس فيّ أن يؤجِّلوني حتى أخرج إليهم من مظالمهم'.


فقال عليه السلام: 'ما كان بالمدينة فلا أجل فيه، وما غاب فأجله وصول أمرك إليه'


[نهج البلاغة، الخطبة: 164.] مة.


فكلَّمهم عليٌّ، فرجع المصريون إلى مصر، ولكنَّ تأخَّر عُثمان عن


/ 23