إمام علی (ع) سیرة و تاریخ نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام علی (ع) سیرة و تاریخ - نسخه متنی

عبدالزهرا عثمان محمود

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




علي مع أبي بكر وعمر وعُثمان



في عهد أبي بكر


بيعته لأبي بكر



رأينا فيما سبق كيف وقف أمير المؤمنين عليه السلام من أحداث السقيفة، خلال الأشهر الأولى من وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مع جماعة من المهاجرين والأنصار، موقفاً يتَّسم بالشدَّة والصلابة، محتجَّاً عليهم بالمنطق الذي احتجوا فيه على الأنصار يوم السقيفة، إضافةً إلى أنَّه عليه السلام قد ذكَّرهم بالنصوص التي صرَّح بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحقِّه، والتي لا يجهلها أحد منهم، واستطاع عليه السلام بتلك المواقف الحكيمة أن يستميل إلى جانبه عدداً من المسلمين.


ولكن ظهرت في هذه الفترة بوادر ارتداد بعض الأعراب، قال: 'فأمسكتُ يدي، حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً، تكون المصيبة به عليَّ أعظم من فوت ولايتكم، التي إنَّما هي متاعُ أيَّامٍ قلائل...'


[نهج البلاغة، الكتاب 62.]


لله وللإسلام سكت وصبر على كلَّ ما سلف من هؤلاء الذين تآمروا عليه، وأساءوا إلى بضعة رسول الله زوجته، وقنع من الدنيا أن يجمع القرآن ويحفظه، ويشتغل بتفقيه الناس والقضاء بينهم..


وبعد أن بويع لأبي بكر بالخلافة تميَّز في مجتمع المدينة ومكَّة، عن سائر الناس، فريقان:


الفريق الأول: فريق أظهر كلَّ ما كان يخفيه من نفاق وسعى إلى إثارة الفتنة، يقابله فريق آخر لم يظهر الحقَّ بكلِّ ما يملك من قدرة..


فأمَّا الفريق الأول فهم الكائدون للإسلام، أولهم وعلى رأسهم أبو سفيان الذي قدم على أمير المؤمنين عليه السلام يحرِّضه من مناجزة القوم الذين كانوا مع أبي بكر، فيقول له: والله لئن شئت لأملأنَّها عليه خيلاً ورَجِلاً. فردَّه عليه السلام: 'والله إنَّك ما أردت بهذه الا الفتنة، وإنَّك والله طالما بغيت للإسلام شرَّاً، لا حاجة لنا في نصيحتك'


[تاريخ الطبري 3: 209، الكامل في التاريخ 2: 189.]


ومن هذا القسم أيضاً مسلمو الفتح: ـ الطلقاء، والمؤلَّفة قلوبهم ـ وكان في طليعتهم: سهيل بن عمرو، والحارث بن هشام، وعكرمة بن أبي جهل، والوليد بن عقبة بن أبي معيط، سعوا في الفتنة أيضاً، يحرِّضون قريشاً على الأنصار لهتافهم باسم عليٍّ، يريدون إلزامهم بتجديد البيعة والا فليقتلوهم!


وظهر أبو سفيان مرَّة أُخرى قائلاً: يا معشر قريش، إنَّه ليس للأنصار أن يتفضَّلوا على الناس، حتى يُقرُّوا بفضلنا عليهم.. وأيم الله لئن بطروا المعيشة، وكفروا النعمة، لنضربنّهم على الإسلام كما ضربونا عليه!


ولم يذكر لنا التاريخ في هذه الحوادث موقفاً إيجابياً واحداً لأبي بكر أو عمر لردع الفتن!


هؤلاء هم الذين طالما كادوا للإسلام بسيوفهم عشرين عاماً أو تزيد فدخلوا الإسلام عنوةً، فلمَّا لم يجدوا بدَّاً من الكيد بأيديهم كادوه بألسنتهم.


وما أجمل قول حسَّان بن ثابت:




  • تنـادى سهيلٌ، وابن حربٍ وحارثٌ
    أولئك رهـطٌ من قريـشٍ تبايعــوا
    وكلُّهم ثــانٍ عـن الحـقِّ عطفــه
    وأعجب منهـم، قابلــوا ذاك منهـم
    كأنَّـا اشتملنا من قريش على ذحلِ



  • وعكـرمـة الشاني لنا ابنُ أبي جهلِ
    على خطَّةٍ ليست من الخططِ الفضـلِ
    يقول اقتلوا الأنصار، يا بئس من فعلِ
    كأنَّـا اشتملنا من قريش على ذحلِ
    كأنَّـا اشتملنا من قريش على ذحلِ



[الموفَّقيَّات، الزبير بن بكَّار: 585.]


أمَّا الفريق الآخر فهم المناصرون لعليٍّ عليه السلام، الداعون إلى حقِّه بالإمامة، ويلحق بهذه الطائفة المهاجرون والأنصار الذين مالوا عن مبايعة أبي بكر، حيث كانوا لا يشكُّون أنَّ الأمر صائر إلى عليٍّ عليه السلام، وكان شعارهم الذي رفعوه بأصواتهم: 'لا نبايع الا عليَّاً' ومنهم: عتبة بن أبي لهب بن عبدالمطلب الذي أنشد يقول:




  • ما كنتُ أحسبُ أنَّ الأمرَ منصـرفٌ
    عن أوَّل النــاس إيمانـاً وسابقـةً
    وآخر النـاس عهداً بالنبـيّ ومَــنْ
    ِ
    وليس في القوم ما فيه من الحسنِ
    وليس في القوم ما فيه من الحسنِ



  • عن هاشمٍ، ثُمَّ منها عن أبي الحســنِ
    وأعلـمِ النــاس بالقـرآنِ والسُنـنِ
    جبريـلُ عونٌ له فـي الغسل والكفن
    مَنْ فيــه ما فيهم لا يمتــرون به
    وليس في القوم ما فيه من الحسنِ



[تاريخ اليعقوبي 2: 124، الموفَّقيَّات: 580.]


ومنهم: المقداد وعمَّار وسلمان وأبو ذرٍّ وحذيفة بن اليمان وخالد بن سعيد بن العاص وأبو أيوب الأنصاري، وسائر بني هاشم.


ولا ننسى موقف الحسن السبط من أبي بكر، حين رآه يرقى منبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مايزال في الثامنة من عمره، يناديه: 'إنزل عن منبر


أبي، واذهب الى منبر أبيك'


[مختصر تاريخ دمشق 7: 127.]!


ومنهم: ابن عباس في حديثه مع عمر، حين سأله عمر عن عليٍّ عليه السلام، فقال: أيزعمُ أنَّ رسول الله نصَّ عليه؟!


قال ابن عباس: نعم، وأزيدك: سألت أبي عن ذلك، فقال: صدق


[شرح نهج البلاغة 12: 21.] وغيرها من المواقف التي سنأتي عليها في موضوع لاحق.


ومنهم: قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي، إذ ذكر ـ سعد بن عبادة ـ عليَّاً عليه السلام، فذكر من أمره نصَّاً بوجوب ولايته، فقال له ابنه: أنت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول هذا الكلام في عليِّ بن أبي طالب، ثُمَّ تطلب الخلافة، ويقول أصحابك: منَّا أمير ومنكم أمير؟! لا كلَّمتك والله من رأسي بعد هذا كلمةً أبداً


[شرح نهج البلاغة 6: 44.]


وفي ما وراء المدينة ومكة هناك قبائل من المسلمين، لم يرضوا بالبيعة لأبي بكر، فامتنعوا عن أداء الزكاة له، لا جحوداً بالزكاة، ولكن إنكاراً لزعامته


[وهؤلاء غير المرتدين الذين خرجوا من الإسلام كأتباع مسيلمة الكذاب وسجاح والاسود العنسي.]، فعزم أبو بكر على مقاتلتهم بحجَّة أنَّ هذا الأمر تعطيل لفريضة الزكاة التي أوجبها الله على المسلمين، غاضَّاً بصره عن السبب الأصلي الذي دعاهم إلى هذا الموقف الصلب، وهو اعتراضهم على الخلافة!


فمع أحد شيوخ كندة في حضرموت، الحارث بن سراقة يقول: 'نحن إنَّما أطعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ كان حيَّاً، ولو قام رجل من أهل بيته لأطعناه،


وأمَّا ابن أبي قحافة فلا والله، ما له في رقابنا طاعة ولا بيعة'!


ثمَّ أنشد أبياتاً، كان أوَّلها:





  • أطعنــا رسول الله إذ كان بيننا
    فيا عجباً ممَّن يطيع أبا بكرِ



  • فيا عجباً ممَّن يطيع أبا بكرِ
    فيا عجباً ممَّن يطيع أبا بكرِ



[انظر الفتوح، ابن أعثم 1: 58، معجم البلدان، ياقوت الحموي، 'حضرموت'.]


ومنهم: زعيم كندة الأشعث بن قيس، الذي أمر قومه بمنع الزكاة، وأن يلزموا بلادهم، ويتَّحدوا على كلمة واحدة، 'فإنِّي أعلم أنَّ العرب لا تقرُّ بطاعة بني تيم بن مرَّة، وتدع سادات البطحاء من بني هاشم إلى غيرهم..'


[الفتوح 1: 59ـ 60.]


والأنكى من ذلك كان الأمر مع مالك بن نويرة، الذي استعمله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على صدقات قومه، فلمَّا نُعي له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام بتوزيع الصدقات على فقراء قومه، ولم يبعثها إلى الخليفة الجديد..


وأنشد يقول:




  • فقلتُ خذوا أموالكـم غير خائفٍ
    فإن قام بالدين الُمحـوَّق قائــمٌ
    أطعنا، وقلنا الدين دينُ محمَّدِ



  • ولا نظرٍ فيما يجيء من الغدِ
    أطعنا، وقلنا الدين دينُ محمَّدِ
    أطعنا، وقلنا الدين دينُ محمَّدِ




إذن هؤلاء لم تطمئن قلوبهم للخليفة الجديد، هذه هي مشكلتهم التي من أجلها ارتكب خالد بن الوليد أبشع مجزرة في ظلَّ الخلافة الجديدة، فضرب أعناقهم صبراً واحداً بعد الآخر وارتكب أيضاً أقبح كبيرة، إذ واقع زوجة مالك في ليلة قتله


[الفتوح 1: 21ـ 23، أُسد الغابة والإصابة ترجمة خالد بن نويرة، تاريخ اليعقوبي 2: 131ـ 132، سير أعلام النبلاء "سير الخلفاء الراشدين": 43.]


وهناك حروب داخلية ـ دينية وسياسية ـ غير هذه التي ذكرناها، لابدَّ من الوقوف عليها ولو بشيء من الاختصار، تلك التي جرت مع المرتدّين حقَّاً، الذين أعلنوا ارتدادهم عن الإسلام جهرةً، ومالوا إلى أديان أُخرى، وبعض رؤوساء هذه القبائل ادَّعى النبوَّة، وكان على رأسهم: مسيلمة الكذَّاب، الذي كان على قبيلة بني حنيفة، ادَّعى النبوَّة، قبل وفاة النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، ثُمَّ الأسود العنسي بصنعاء، ثُمَّ ادَّعى النبوَّة طليحة بن خويلد الأسدي في بلاد بني أسد، في مرض النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم الذي توفِّي فيه.


ثمَّ ادَّعت النبوة سجاح بنت الحارث التميمية، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وكان رجل من أصحابها ينشد:




  • أمستْ نبيَّتنا أنثى نطيفُ بها
    وأصبحت أنبياء الناس ذُكرانا



  • وأصبحت أنبياء الناس ذُكرانا
    وأصبحت أنبياء الناس ذُكرانا




وانتهى أمرها أن تزوَّجها مسيلمة


[أنظر: سيرة ابن هشام 4: 182، تاريخ الطبري 3: 146ـ 147 و 273ـ 274.]


فكانت هذه الحروب حروب المرتدِّين الحقيقيين، أهمَّ دواعي توحيد الصفِّ في المدينة المنوَّرة، إذ كانت هذه الحروب طويلة وكثيرة، وقد اتَّفقوا كلّهم على مقاتلتهم يداً واحدة.


ابو بكر يستشير الإمام علي في حرب الروم



في مطلع سنة 13هـ عزم أبو بكر على محاربة الروم، فشاور جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقدَّموا وأخَّروا، فاستشار عليَّ بن أبي طالب عليه السلام، فأشار عليه أن يفعل، وقال له: 'إن فعلتَ ظفرت'


فقال: 'بُشِّرت بخير'


[تاريخ اليعقوبي 2: 132ـ 133.]


لكنَّ الناس تباطؤوا عن تلبية أمر أبي بكر، فقال عمر: لو كان عرضاً قريباً وسفراً قاصداً لاتَّبعتموه!


فاختار أبو بكر خالد بن سعيد على قيادة الجيش وعقد له اللواء، لكنَّ عمر ـ وكعادته ـ اعترض، بحجَّة أنَّه تباطأ في بيعته للخليفة؛ فقال: أتولِّي خالداً وقد حبس عنك بيعته، وقال لبني هاشم ما بلغك؟! فحلَّ لواءه وجعل الجيش تحت إمرة يزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، وأبي عبيدة الجرَّاح، وعمرو بن العاص، بالإضافة إلى خالد وجنده.


فحقَّق المسلمون انتصارات عظيمة ومتوالية، افتتحوا خلالها عدَّة مدن، وهذه كانت بشارة أمير المؤمنين عليه السلام.


ولكن سنرى قريباً كيف كانت سياسة أبي بكر في تعيين الولاة والامراء قد حقَّقت مطامع بني أُميَّة، وفتحت أمامهم أبواب الخلافة الواسعة، حتى تربَّع أوغاد بني أُميَّة وغيرهم من الطلقاء على رؤوس المسلمين، وجرت وراءها فتن وبحور من الدماء العظيمة!!


رجوع أبي بكر إليه في الأحكام الشرعية



ومن جملة موارد الرجوع إليه في الأحكام الشرعية والقضايا الدينيّة في عهد أبي بكر، وكما جاء الخبر به عن رجال من العامَّة والخاصَّة: أنَّ رجلاً رُفع إلى أبي بكر وقد شرب الخمر، فأراد أن يقيم عليه الحدَّ، فقال له: إنَّني شربتها ولا علمَ لي بتحريمها، لأنَّي نشأت بين قومٍ يستحلُّونها، ولم


أعلم بتحريمها حتى الآن.. فأُرتج


[أُرْتجَ عليه وارتُجَّ عليه: استبهم عليه.] على أبي بكر، ولم يعلم وجه القضاء فيه، فأشار عليه بعضُ من حضره أن يستخبر أمير المؤمنين عليه السلام عن الحكم في ذلك، فأرسل إليه من سأله عنه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: 'مُرْ ثقتين من رجال المسلمين يطوفان به على مجالس المهاجرين والأنصار، ويُناشدانهم الله هل فيهم أحدٌ تلا عليه آية التحريم أو أخبره بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ فإن شهد بذلك رجلان منهم فأقم الحدَّ عليه، وإن لم يشهد عليه أحدٌ بذلك فاستتبه وخلِّ سبيله' ففعل أبو بكر ذلك، فلم يشهد عليه أحدٌ من المهاجرين والأنصار أنَّه تلا عليه آية التحريم، ولا أخبره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، فاستتابه أبو بكر وخلأَ سبيله، وسلَّم لعليٍّ عليه السلام فيما حكم به


[الإرشاد 1: 199 وما بعدها...]


جمع القرآن الكريم وتفسيره



إنَّ الإمام عليَّاً عليه السلام وفي مدَّة اعتزاله الطويل تفرَّغ لعدَّة مهام، كان أهمُّها وأوَّلها مهمَّة جمع القرآن الكريم، فقد ثبت تاريخياً أنَّ عليَّاً عليه السلام أخذ على عاتقه الشريف مهمة جمع آيات الذكر الحكيم، وكان ذلك مبكِّراً جدَّاً من بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلم يخرج من بيته، الا للصلاة حتى جمعه عنده.


وكان هذا أوَّل مصحف يجمع، مرتَّباً بحسب ترتيب نزول السور القرآنية، وكتب في حواشيه أشياء من الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول، واختصَّ به لنفسه..


قال ابن سيرين: طلبت ذلك الكتاب، وكتبت فيه إلى المدينة، فلم أقدر عليه


[انظر فهرست النديم: 42، الإتقان في علوم القرآن 1: 166، المكتبة العصرية ـ بيروت 1988م.]


وكان الإمام عليٌّ عليه السلام في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أبرز كتَّاب الوحي، ولمَّا توفِّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر علياً عليه السلام يجمع القرآن الكريم في مصحفٍ واحدٍ، لذلك باشر عليه السلام بجمع القرآن وترتيبه، ولمَّا تولَّى أبو بكر الخلافة أمر من جهته بجمع القرآن الكريم، وقد أسند هذه المهمَّة إلى الصحابي زيد بن ثابت الأنصاري.


ولمَّا كان الإمام عليٌّ عليه السلام أكثر الصحابة ملازمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، واختصاصاً به، فقد كان أكثر من عُرف عنه تفسير القرآن الكريم، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشأنه: إنَّه أكثرهم علماً؟


وذكر القرطبي في تفسيره: 'فأمَّا صدر المفسِّرين والمؤيَّد فيهم، فعليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه، ويتلوه عبدالله بن عبَّاس، وهو تجرَّد للأمر وكمّله، وقال ابن عبَّاس: ما أخذت من تفسير القرآن فعن عليِّ بن أبي طالب'


[تفسير القرطبي 1: 27.]


وروي عن عليٍّ عليه السلام أنَّه قال: 'سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيءٍ إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آيةٍ إلا وأنا أعلم أبليل نزلت، أم بنهار، أم في سهل، أم في جبل'


[الإتقان في علوم القرآن 4: 204.]


وفي عهد أبي بكر واجه ـ وهو الخليفة ـ مشكلة في معنى بعض مفردات القرآن أحرجته كثيراً، فقال في التخلُّص منها قولاً عجيباً، فبلغ


ذلك أمير المؤمنين فعجب لتوقف أبي بكر في هذه المفردة، ثُمَّ لكلامه في التخلُّص منها.


سُئل أبو بكر عن معنى 'الأبِّ' في قوله تعالى: "وَفَاكِهَةً وَأبّاً"


[سورة عبس: 31.]، فتحيَّر في معناها، فقال: أيُّ سماء تظلُّني أو أيُّ أرضٍ تقلُّني: أم كيف أصنع إن قلت في كتاب الله تعالى بما لا أعلم؟! أمَّا الفاكهة فنعرفها، وأمَّا الأبُّ فالله أعلم به!


فبلغ مقاله هذا أمير المؤمنين عليه السلام، فقال: 'يا سبحان الله! أما علم أنَّ الأبَّ هو الكلأ والمرعى؟! وأمَّا قوله عزَّ اسمه: "وَفَاكِهَةً وَأبّاً" اعتدادٌ من الله سبحانه بإنعامه على خلقه فيما غذَّاهم به وخلقه لهم ولأنعامهم، مما تحيى به أنفسهم وتقوم به أجسادهم'


[الإرشاد 1: 200.]


ونحو هذا في جوابه عليه السلام في معنى الكلالة، بعد أن تحيَّر فيها أبو بكر وتردَّد في معناها


[انظر المصدر السابق 1: 200ـ 201.]


قصة الاستخلاف



في اللحظات الأخيرة من عمر أبي بكر، عزم على أن يعهد بالخلافة من بعده إلى عمر بن الخطَّاب، كذا وبكلِّ جرأة أنكر هو وأصحابه حديث الوصاية لعليٍّ عليه السلام ويوم غدير خُمٍّ، وكأنَّ خلافة المسلمين ورثٌ ورثه من أبي قحافة، وعليٌّ عليه السلام شهد كلَّ ذلك فكضم غيضه وأغمض عينيه، وهو صاحب الحقِّ الأوَّل والأخير.


/ 23