إمام علی (ع) سیرة و تاریخ نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام علی (ع) سیرة و تاریخ - نسخه متنی

عبدالزهرا عثمان محمود

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




هذا هو مشروع الإصلاح، حسبما اختصره الإمام في خطبته السابقة، وكان هذا إصلاح الساحة السياسة.


أمَّا التغيير الاجتماعي والديني والثقافي فتجسَّد في بيانه للناس عامَّةً، وعمَّاله خاصَّةً، بقوله: 'إنَّ الله سبحانه أنزل كتاباً هادياً بيَّن فيه الخير والشرَّ، فخذوا نهج الخير تهتدوا، واصدِفوا عن سمت الشرِّ تقصدوا..


الفرائض، الفرائض! أدُّوها إلى الله، تؤدِّكم إلى الجنَّة..' ديناً.


أمَّا على الصعيد الاجتماعي والثقافي فيمكن أن نراه واضحاً في قوله: 'إنَّ الله حرَّم حراماً غير مجهول، وأحلَّ حلالاً غير مدخول، وفضَّل حُرمة المسلم على الحُرم كلِّها، وشدَّ بالإخلاص والتوحيد حقوق المسلمين في معاقدها..'.


ولعمَّاله خاصَّةً قوله: 'بادروا أمر العامَّة، وخاصَّة أحدكم وهو الموت..' وقوله: 'اتَّقوا الله في عباده وبلاده، فإنَّكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم..'


[نهج البلاغة، الخطبة: 167، وذكره ابن الأثير في تاريخه 3: 84ـ 85.]


بهذا الإخلاص الرفيع والحكمة المتعالية والسياسة الحكيمة، يضعنا أمام الأمر الواقع، فقد أعاد عليه السلام إلى الأذهان الدين الحقَّ المنزَّل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي تزيَّف في عهود من سبقه!!


أوَّلاً: باشر الإمام في تنفيذ العدل والمساواة بين الرعية..


وثانياً: مراقبة العمَّال والأُمراء. وله كتب عدَّة في هذه الأُمور، جمعها صاحب نهج البلاغة، بما يقارب 32 كتاباً، في الشؤون الإدارية والسياسية


ووصايا إلى الأمراء والأجناد، فلا يسعنا الحديث عن كلِّ كتبه هذه!


ثالثاً: القتال على تأويل القرآن!!


خطوات مشروعه الاصلاحي



والآن مع خطواته في مشروع التنفيذ الإصلاحي:


الغاء التمايز الطبقي



ساد في عهد 'عمر' و'عُثمان' تمايز طبقي في توزيع الثروة من بيت المال، حتى أصبح الناس قسمين، قسم في عداد الأثرياء وما فوق ذلك، وآخرون لا يرتفعون عن مستوى الفقر كثيراً! حتى تسبَّبت هذه السياسة الظالمة في استثراء تفاوت طبقي خطير..


فأعلن الإمام عليٌّ عليه السلام إلغاء التمايز الطبقي بكلِّ أسبابه، وعهد إلى التسوية بين الناس في العطاء، فالناس عنده سواسية كأسنان المشط، وانقطعت آمال الطبقة الغنية التي لم تنظر للدنيا الا في منظار مادِّي.


فقال عليه أفضل الصلاة والسلام: 'ألا لا يقولنَّ رجال منكم غداً قد غمرتهم الدنيا، فاتَّخذوا العقار وفجَّروا الأنهار وركبوا الخيول الفارهة، واتَّخذوا الوصائف الروقة، فصار ذلك عليهم عاراً وشناراً، إذا ما منعتهم ما كانوا يخوضون فيه، وأصرتهم إلى حقوقهم التي يعلمون، فينتقمون ذلك ويستنكرون، ويقولون: حرمنا ابن أبي طالب حقوقنا!'


[شرح النهج لابن أبي الحديد 7: 37.]


ولمَّا نودي لقبض الحقوق، قال الإمام عليٌّ عليه السلام لعبيدالله بن أبي رافع


ـ كاتبه ـ: 'إبدأ بالمهاجرين فناديهم، وأعطِ كلَّ رجلٍ ممَّن حضر ثلاثة دنانير، ثُمَّ ثنِّ بالأنصار فافعل معهم مثل ذلك، ومن حضر من الناس كلُّهم الأحمر والأسود فاصنع به مثل ذلك'!


وتخلَّف يومذاك رجال منهم: طلحة، والزبير، وعبدالله بن عمر، وسعد بن العاص، ومروان بن الحكم، قد عزَّ عليهم أن يكونوا كغيرهم من الموالي والعبيد!


هناك خطب الإمام عليٌّ عليه السلام مرَّةً أُخرى قال فيه: 'هذا كتاب الله بين أظهرنا، وعهد رسول الله وسيرته فينا، لا يجهل ذلك الا جاهل عانَدَ عن الحقِّ، منكر، قال تعالى: "يَاأيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أتْقَاكُم"' ثُمَّ صاح بأعلى صوته '"أطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فَإن تَوَلَّوا فَإنَّ اللهَ لأ يُحِبُّ الْكَافِرِين"! أتمنُّون على الله ورسوله بإسلامكم؟! "بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أنْ هَدَاكُمْ لِلإِِيمَانِ إن كُنتُمْ صَادِقِين" أنا أبو الحسن، ألا إنَّ هذه الدنيا التي أصبحتم تمنُّونها وترغبون فيها، وأصبحت تُغضبكم وترضيكم، ليست بداركم ولا منزلكم الذي خُلقتم له، فلا تغرَّنكم فقد حذَّرتكموها..


فأمَّا هذا الفيء فليس لأحدٍ على أحدٍ فيه أثرة، وقد فرغ الله من قسمته، فهو مال الله، وأنتم عباد الله المسلمون.. وهذا كتاب الله به أقررنا وله أسلمنا، وعهد نبيِّنا بين أظهرنا، فمن لم يرضَ به فليتولَّ كيف يشاء! فإنَّ العامل بطاعة الله والحاكم بحكم الله لا وحشة عليه'


[شرح ابن أبي الحديد7: 40، والآيتان على التوالي من سورة الحجرات 49: 13ـ 17.]


وقال عليه السلام: 'أتأمرونِّي أن أطلب النصر بالجور فيمن وُليِّتُ عليه! والله لاأطور به ما سَمَرَ سَميرٌ


[أي لا اُقاربه هدى الدهر.]، وما أمَّ نجمٌ في السماء نجماً! لو كان المال لي لسوِّيت بينهم، فكيف وإنَّما المال مال الله؟!'


[نهج البلاغة، الخطبة: 126.]


وكان ذلك أبلغ وأروع خطاب يهزُّ المشاعر، فهنيئاً لمن عاش في ظل النبوَّة والإمامة الحقَّة!


ثُمَّ بعث أمير المؤمنين عليه السلام الى طلحة والزبير، يعاتبهما على ما فعلاه من الصدِّ والإكراه، فقال ـ بعدما ذكَّرهما ببيعتهما له، وهو كاره ـ: 'ما دعاكما بعد إلى ما أرى؟ ما الذي كرهتما من أمري حتى رأيتما خلافي؟!'.


قالا: أعطيناك بيعتنا، على أن لا تقضي الأُمور ولا تقطعها دوننا، وأن تستشيرنا في كلِّ أمرٍ ولا تستبدَّ بذلك علينا.. إنَّك جعلت حقَّنا كحقِّ غيرنا ما قد علمت، فأنت تقسم القَسْم وتقطع الأمر، وتُمضي الحكم بغير مشاورتنا ولا علمنا.


فقال: 'فوالله ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولكنكم دعوتموني إليها، وجعلتموني عيها فخفت أن اردّكم فتختلف الأمة، فلمّا أفضتْ إليَّ نظرتُ إلى كتاب الله وسنّة رسوله فأمضيت ما دّلاني عليه واتبعته ولم احتج في ذلك إلىآرائكما فيه، ولا رأي غيركما،ولو وقع حكم ليس في كتاب الله بيانه ولافي السنّة برهانه، واحتيج إلى المشاورة فيه لشاورتكما فيه. وأما القسم والأُسوة، فإن ذلك أمر لم أحكم فيه باديء بدء، قد وجدت أنا وأنتما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم


يحكم بذلك،... أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحق وألهمنا وإياكم الصبر'.


ثم قال عليه السلام: 'رحم الله امرءاً رأى حقاً فأعان عليه، ورأى جوراً فردّه، وكان عوناً للحق على من خالفه'


[شرح نهج البلاغة 7: 41ـ 42.]


وكان موقف عليٌّ عليه السلام من أمثال هؤلاء، هو اتباع لغة القرآن الكريم وسُنَّة الرسول العظيم، عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، فلم يبدل حكماً ويستبدل بآخر، غير الذي رآه أنَّه جادَّة الصواب المستقيمة، وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً!


هذه هي الثورة الاجتماعية التي أحدثها الإمام عليه السلام، والتي كانت من أشدِّ الصعوبات التي واجهها في ذاك المجتمع الشائب بأدران الآلهة والأوثان! هذه هي التسوية بين الفقراء والمساكين والأغنياء الذين طغوا بالأموال.. وسنرى قريباً نتائج هذه التسوية في خروج الناكثين والقاسطين على الخليفة الحق، تحت شعارٍ زائفٍ وحجَّةٍ داحضةٍ وهي 'دم عُثمان'!


ومن مظاهر العدل والمساواة انتزاع الأموال والثروات التي تصرَّف بها عُثمان، وكأنَّها ملكٌ له لا للمسلمين، والتي أغدقها على ذويه وخاصَّته من أزلام بني أُميَّة من هدايا ضخمة والى ما شابه ذلك.


فقام الإمام عليٌّ بانتزاعها منهم، ليعيدها إلى وضعها الطبيعي، لينتفع بها الفقراء والمساكين الذين 'لاكو الصخر خبزاً'! فقال عليه السلام بهذا الموضع: 'والله لو وجدتُه قد تُزوِّج به النساءُ، ومُلِكَ به الإماءُ لرددته، فإنَّ في العدل


سَعَة، ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق'


[نهج البلاغة، الخطبة: 15.]


فما كان من بني أُميَّة، الذين هالهم هذا العدل، الا أن يحرِّض بعضهم البعض الآخر، فكتب عمرو بن العاص إلى معاوية بن أبي سفيان يقول: 'ما كنت صانعاً فاصنع! إذ قَشَرك ابن أبي طالب كلَّ مالٍ تملكه، كما تُقشر من العصا لحاها'!


حتى تمخَّضت هذه الأحداث عن معركتين الجمل وصفِّين، حيث لم يطيقوا عدل الإسلام الذي طبَّقه عليهم ابنُ أبي طالب عليه السلام!


وفي أصحاب الحزبين جاء قوله عليه السلام: 'فلمَّا نهضتُ بالأمر نكثت طائفة ومرقت أُخرى وقسط آخرون، كأنَّهم لم يسمعوا كلام الله تعالى يقول: "تِلْكَ الدَّارُ الاخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لأ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الاَرْضِ وَلأ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين"'


[سورة القصص: 83.]


سياسته في الحكم



حيث وضع دستوراً إسلامياً شرعياً تسير عليه السياسة الجديدة فخطب الملأ قائلاً 'قد جعل الله سبحانه لي عليكم حقاً بولاية أمركم، ولكم عليَّ من الحق مثل الذي عليكم..


جعل سبحانه من حقوقه حقوقاً، افترضها لبعض الناس على بعض، فجعلها تتكافأ في وجوهها..


وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق: حقّ الوالي على الرعية،


وحقُ الرعية على الوالي، فريضةٌ فرضها الله سبحانه لكلٍّ على كلٍّ، فجعلها نظاماً لأُلفتهم، وعزّاً لدينهم.


فليست تصلح الرعية إلاّ بصلاح الولاة، ولا تصلح الولاة إلاّ باستقامة الرعية، فإذا أدّت الرعية إلى الوالي حقه، وأدّى الوالي إليها حقّها، عزّ الحقّ بينهم، وقامت مناهج الدين، واعتدلت معالم العدل، وجرت على أذلالها السنن، فصلُح بذلك الزمان، وطمع في بقاء الدولة، ويئست مطامع الأعداء...


وإذا غلبت الرعية واليها، وأجحف الوالي برعيته، اختلفت هنالك الكلمة، وظهرت معالم الجور وكثُر الإدغال في الدين، وتُركتْ محاجُّ السنن، فعمل بالهوى وعطّلت الأحكام وكثرت علل النفوس، فلا يستوحَش لعظيم حقٍّ عُطِّل، ولا لعظيم باطلٍ فُعل، فهنالك تذلّ الأبرار، وتعِزُّ الأشرار.


فعليكم بالتناصح في ذلك، وحسن التعاون عليه، فليس أحد ـ وإن أشتدّ على رضى الله حرصه، وطال في العمل اجتهاده ـ ببالغ حقيقة ما الله أهلّه من الطاعة.. وليس أمرؤٌ ـ وإن عظمت في الحق منزلته، وتقدّمت في الدين فضيلته ـ بفوق أن يعان على ما حمّله الله من حقّه، ولا امرؤٌ ـ وإن صغّرته النفوس واقتحمته العيون ـ بدون أن يعين على ذلك أو يعان عليه'..


[نهج البلاغة: الخطبة: 216، بتصرف.]


وهكذا تتكامل المسؤوليات، وتتعاضد الأدوار، ويستوي الناس أمام


الحق والعدل، ويأخذ مبداً التكافل الاجتماعي طريقه إلى الواقع.. إنها مباديء السياسة النموذجية التي تتوخى صناعة المجتمع النموذجي.


استبدال الولاة



انتخب الإمام عليٌّ عليه السلام رجالاً من الذين أُبعدوا في عهد سابقيه دون أدنى سبب، جعلهم مكان الولاة الذين ضجَّت الأُمَّة من سياستهم المنحرفة، كالوليد بن أبي معيط ـ الذي سمَّاه القرآن فاسقاً ـ وعبدالله بن أبي سرح، الذي انتفضت عليه مصر، وعبدالله بن عامر، ومعاوية الرجل المتجبِّر!


وأمَّا البدائل، فهم: قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، والأنصاريان الجليلان: سهل بن حنيف وعُثمان بن حنيف، بدائل عن ابن أبي سرح وابن عامر ومعاوية، على مصر والبصرة والشام


[أنظر: الأخبار الطوال: 141.]


وجعل عبيدالله بن عبَّاس على اليمن، وقثم بن عبَّاس على مكَّة.


لكنَّ عقبة استبدال معاوية كانت هي الأشدُّ، حيث تربَّع على العرش، يذبح شيعة الإمام عليٍّ عليه السلام ويستنُّ السنن لأهل الشام، الذين لا يعرفون من الإسلام الا ما يعرِّفهم به معاوية، فعمل على أن لا يبقي في الشام صحابياً، فأخرج منها أبا ذرٍّ، وعبادة بن الصامت وغيرهم، لتخلو له أرض الشام فلا يعرفوا غيره!


وجاءت وصايا الإمام عليه السلام إلى الولاة، فكتب يقول لأحدهم: 'واعلم أنَّ الرعيَّة طبقات، لا يصلح بعضها الا ببعض، ولا غنى ببعضها عن بعض،


فمنها جنود الله، ومنها كُتَّاب العامَّة والخاصَّة، ومنها قضاة العدل، ومنها عمَّال الإنصاف والرفق، ومنها أهل الجزية والخراج من أهل الذمَّة ومسلمة الناس، ومنها التجَّار وأهل الصناعات، ومنها الطبقة السفلى من ذوي الحاجة والمسكنة.


وكلٌّ قد سمَّى الله سهمه، ووضع على حدِّه فريضته في كتابه أو سُنَّة نبيِّه صلى الله عليه وآله وسلم عهداً من عندنا محفوظاً:


فالجنود بإذن الله، حصون الرعيَّة، وزين الولاة، وعزُّ الدين، وسُبل الأمن، وليست تقوم الرعيَّة الا بهم، ثُمَّ لا قوام للجنود الا بما يُخرج الله لهم من الخراج..


ثُمَّ لا قِوام لهذين الصنفين الا بالصنف الثالث من القضاة والعمَّال والكتَّاب، لِما يُحكِمونَ من المعاقِد، ويجمعون من المنافع، ويؤتمنون عليه من خواصِّ الأُمور وعوامِّها.


ولا قوام لهم جميعاً الا بالتجَّار وذوي الصناعات..


ثُمَّ الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحقُّ رفدهم ومعونتهم، وفي الله لكُلّ سَعة، ولكلٍّ على الوالي حقٌّ بقدر ما يُصلحه..'


[نهج البلاغة، الكتاب 53، بتصرف.]


بلا شكٍّ لو أنَّ الإمام عليه السلام قد تولَّى خلافة المسلمين بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مباشرة؛ لظهر الإسلام للعالم بوجهه الصحيح، ولم تكن أُمور الغدر والجور والتزوير والفتن، وإلى ما شابه ذلك من الأُمور التي نعيشها اليوم، وتعيش فينا إلى آخر يوم..


فقد ترك 'الحكَّام' غير الشرعيين صوراً تحفل بالآلام والمخازي، شوَّهت الإسلام في أذهان الذين لا يعرفون عنه شيئاً الا اسمه.. لكن الذي وقع هو أنَّ خلافة الإمام عليه السلام قصيرة جدَّاً، بسبب تلك الأُمور التي أحاطت به، ولم تترك له مجال يمكِّنه من الإصلاح الشامل، وبناء دولة إسلامية ذات أُسس رصينة، كما أراد ذلك الله ورسوله..


لم يكن الإمام عليَّاً عليه السلام طالب ملك.. فهو لا يرى السلطة الا وسيلةً للحقِّ والعدالة.. لذلك نراه يصرُّ على عزل معاوية؛ لأنَّ إبقاءه ولو يوم واحد يعني إقرار الظلم والجور، وأجاب من أشار عليه بترك معاوية وشأنه بقوله: "وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً"! فهو لا يرى معاوية الا ضالاً مضلأًَ، لذلك كرَّس كلَّ قوَّاته لاجتياح الظلم من أرض الشام، كما أجتاحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أرض الحجاز!


وقال الأستاذ عبدالفتاح، حول سياسة عليٍّ عليه السلام من أنصار عُثمان وولاته: 'إنَّ الناظر إلى سياسة عليٍّ عليه السلام حيال ولاة عُثمان، ليعلم مدى صوابه حين أبى الا خلعهم وتولية سواهم، ممَّن يؤمنون بمبادئه ومثله، ويعلم أيضاً أنَّه كان نافذ البصيرة مؤمناً باستجابة البلاد كلِّها له، لأنَّه لم يعمل الا ما أملاه عليه شعور أهل الأمصار نحو أولئك الولاة، وها هو الزمن قد أثبت فراسته فجاءته الطاعة من كلِّ الأقاليم.


أمَّا الشام فلها وحدها شأن تنفرد به في قبضة رجل مفتون بالسلطان إقراره عليها وعدم إقراره سواء بسواء لن يسفر الا عن تمرُّد؛ لأنَّه لا يرضى بغير احتلاب السلطان الذي وقع في كفِّ غريمه القديم'.


ومضى يقول: 'ولعلَّه لو أثبته الإمام في حكم الشام، لوسعه أن يبدو


/ 23