إمام علی (ع) سیرة و تاریخ نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام علی (ع) سیرة و تاریخ - نسخه متنی

عبدالزهرا عثمان محمود

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




ولمَّا أكملوا مناسك الحجِّ، نحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده ستِّين بدنة، وقيل: اربعاً وستِّين، وأعطى عليَّاً عليه السلام سائرها، فنحرها وأخذ من كلِّ ناقةٍ بضعة، فجمعت في قدر واحد فطبخت بالماء والملح، ثُمَّ أكل هو وعلي عليه السلام.


[تاريخ اليعقوبي 2: 109، إعلام الورى 1: 260، وانظر الطبقات الكبرى 2: 135.]


وخطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالناس، وأراهم مناسكهم وعلَّمهم حجَّهم، إلى أن قال:


'لا ترجعوا بعدي كفَّاراً مضلِّين يملك بعضكم رقاب بعض، إنِّي قد خلَّفت فيكم ما إن تمسَّكتم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، ألا هل بلَّغت'؟ قالوا: نعم. قال: 'اللَّهمَّ اشهد'.


ثمَّ قال: 'إنَّكم مسؤولون، فليبلِّغ الشاهد منكم الغائب'.


[صحيح البخاري، كتاب الفتن 9: 90 ح، 26ـ 29، صحيح مسلم 1: 81 ح، 118ـ 120، كتاب الايمان، مسند أحمد 5: 37، 44، 49، 73، سنن الترمذي 4: 486 ح، 2193، سنن أبي داود 4: 221 ح، 4686، تاريخ اليعقوبي 2: 111، ومثله في السيرة الحلبية 3: 336ـ دار المعرفة للطباعة والنشر ـ بيروت 1980م.] ثمَّ ودَّعهم وقفل راجعاً إلى المدينة.


غدير خُم



لمَّا قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسكه وقفل إلى المدينة، وانتهى إلى الموضع المعروف بغدير خُمٍّ نزل عليه جبريل عليه السلام وأمره أن يقيم عليَّاً عليه السلام وينصِّبه إماماً للناس؛ فقال: 'ربِّ إنَّ أُمَّتي حديثو عهد بالجاهلية' فنزل عليه: إنَّها عزيمة لا رخصة منها، فنزلت الآية: "يَا أيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن


رَبِّكَ وَإن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاس".


[إعلام الورى 1: 261، والآية من سورة المائدة 5: 67، وقصة نزولها في علي عليه السلام في غدير خم رواها كثير من المفسرين، منهم: الواحدي، اسباب النزول: 115، السيوطي، الدر المنثور 2: 398، الشوكاني، فتح الغدير 2: 60.]


فلمّا نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغدير خُمٍّ، ونزل المسلمون حوله، أمر بدوحات فقُمِمْنَ، وكان يوماً شديد الحرِّ، حتَّى قيل: إنَّ أكثرهم ليلفُّ رداءه على قدميه من شدَّة الرمضاء، وصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على مكان مرتفع، فردّ من سبقه، ولحقه من تخلَّف، وقام خطيباً، ثُمَّ قال: 'ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟' قالوا: بلى يا رسول الله. فأخذ بيد عليٍّ فرفعها، حتَّى بان بياض ابطيه، وقال: 'من كنت مولاه فهذا عليٌّ مولاه، اللَّهمَّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله'.


وقد ورد هذا الحديث في الكثير من كتب السيرة والتاريخ وكتب الحديث ايضاً وغيرها


[انظر: خصائص أمير المؤمنين، الحافظ النسائي: 21ـ 22 مطبعة التقدُّم بالقاهرة، وقد ذكر في حديث الغدير اسانيد عديدة وطرق شتَّى وألفاظ مختلفة، بلغت تسع عشرة رواية، مسند أحمد 1: 119 من طريقين، 152، 4: 281، 370، 372، وسنن ابن ماجة 1: 43 و116، والمستدرك 3: 109ـ 110، والبداية والنهاية 5: 208، الفصل الاخير من سنة 10 هـ.] بصيغ متعدِّدة، تثبت أحقِّية الإمام عليٍّ عليه السلام بالإمامة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو من أشهر النصوص على خلافته رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.


وبعد أن نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلَّى ركعتين، ثُمَّ زالت الشمس فأذَّن مؤذنه لصلاة الظهر، فصلَّى بالناس وجلس في خيمته، وأمر عليَّاً عليه السلام أن يجلس في خيمة له بإزائه، ثُمَّ أمر المسلمين أن يدخلوا عليه فوجاً فوجاً


فيهنِّئوه بالإمامة، ويسلِّموا عليه بإمرة المؤمنين، ففعل الناس ذلك اليوم كلُّهم، ثُمَّ أمر أزواجه وجميع نساء المؤمنين أن يدخلن معه ويسلِّمن عليه بإمرة المؤمنين، ففعلن ذلك، وكان ممَّن أطنب في تهنئته بذلك المقام عمر بن الخطَّاب، وقال فيما قال: 'بخٍ بخٍ لك يا عليُّ، أصبحت مولاي ومولى كلِّ مؤمن ومؤمنة'.


وأخرج أحمد وغيره ان أبا بكر وعمر قالا له: أمسيت يبن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة.


[مسند أحمد 4: 281، فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل 2: 569 و1016 و610 و1042، اسد الغابة 4: 28، تفسير الرازي 12: 49ـ 50، روح المعاني للآلوسي 6: 194، الصواعق المحرقة: 44.]


وأنشد حسَّان بن ثابت:




  • يناديهـم يــومَ الغديـر نبيُّهـم
    بأنِّي مولاكــم نعـمْ ووليُّكــم
    إلهك مولانــا وأنـتَ وليُّنــا
    فقــال له قـم يـا علـيُّ فإنَّني
    فمـن كنت مـولاه فهذا وليُّــه
    هنــاك دعـا: اللَّهمَّ والِ وليَّه
    وكُن للذي عادى عليَّاً معاديا



  • بخُمٍّ وأسمع بالنبــيِّ مناديــا
    فقالوا ولم يبدوا هنــاك التعاميا
    ولاتجدن في الخلق للأمر عاصيا
    رضيتك من بعـدي إماماً وهاديا
    فكونوا له أنصـارَ صدقٍ مواليا
    وكُن للذي عادى عليَّاً معاديا
    وكُن للذي عادى عليَّاً معاديا



[روى هذه الأبيات: الخوارزمي في مقتل الإمام الحسين 1: 47 الطبعة الاولى، والجويني في فرائد السمطين، من طريقين 1: 73ـ 74، تحقيق محمَّد باقر المحمودي، مؤسَّسة المحمودي، 1978م، وابن الجوزي في تذكرة الخواص: 33، والكنجي في كفاية الطالب: 64، تحقيق هادي الأميني، دار احياء تراث أهل البيت، ط3، وإعلام الورى 1: 262ـ 263. مع اختلاف في بعض الألفاظ.]


إذن فحديث الغدير حديث صحيح بلغ حدَّ التواتر، جمع كثير من


العلماء طرقه ـ كما رأينا سابقاً ـ لكنَّه لاقى من التأويل والكتمان ما لم يبلغه خبر قبله ولا بعده!


فصاحب "البداية والنهاية" على سبيل المثال ـ مع كل ما جمعه من طرق هذا الحديث ومصادره ـ يصرّ على اختزال دلالته إلى ردّ شكاوى نفر من الصحابة، وفدوا معه من اليمن، وكانوا على خطأ، وهو على الصواب، فيقول ابن كثير عن هذا الحديث: 'فبيّن فيه فضل علي وبراءة عرضه ممّا كان تكلّم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم' إلى قوله: 'وذكر من فضل علي وامانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثيرة من الناس منه'.


[البداية والنهاية 5: 183ـ 189.]


والالتواء والتحميل واضحان جداً في ما ذهب إليه ابن كثير وغيره هنا


[في مناقشة دعاوى ابن كثير، راجع: منهج في الانتماء المذهبي: 95ـ 124.]، فشكاوى هؤلاء النفر كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ردّها في محلّها وأمام شهودها، وبيّن فيها ما يمكن أن يبيّنه، وقد أوردها ابن كثير كلّها. فأمرها لا يستدعي جمع كلّ الحجيج الذين بلغوا مئة ألف أو يزيدون!! ولا يستدعي أيضاً التأخير كل هذا الوقت، منذ أول وفودهم مكة، وحتى انقضاء الحج وعودتهم من مكة صوب أوطانهم! إنه تحميل كبير لا يرتضيه ناقد له فقه بالأخبار والسيرة، لكنها مشكلة الركون لما استقر في أذهانهم، بفعل الواقع السياسي الذي جانب هذا الحديث الشريف ودلالاته الناصعة.


وأقل ما يقال في تأويل ابن كثير ومن ذهب مذهبه إنهم خلطوا، إن لم


يكونوا عامدين فغافلين، بين قضيتين منفصلتين، قضية الشكوى الخاصة، وقضية خطبة الغدير العامة على الملأ من المسلمين.


علي مع الرسول في ساعات الوداع



مرض النبيِّ وبعثة أُسامة


لمَّا قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة المنوَّرة، من حجِّ الوداع، أقام أيَّاماً وعقد لأُسامة بن زيد، على جُلَّة من المهاجرين والأنصار ـ منهم أبو بكر وعمر ـ وأمره أن يقصد حيث قُتل أبوه، وقال له: 'أوطئ الخيل أواخر الشام من أوائل الروم'، فتكلَّم المنافقون في إمارته، وقالوا: أمَّر غلاماً على جلَّة المهاجرين والأنصار! فاشتكى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: 'إن تطعنوا في إمارته، فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وإنَّه لخليق للإمارة، وكان أبوه خليقاً لها'.


[الكامل في التاريخ 2: 182، الطبقات الكبرى 2: 146، تاريخ اليعقوبي 2: 113. وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أمّر زيد بن حارثة، أبا أسامة، في غزوة مؤتة، وفيها استشهد رضوان الله عليه.]


واشتدَّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه، فتأخَّر مسير أُسامة لمرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وثقل رسول الله، ولم يشغله شدّة مرضه عن إنفاذ أمر الله، فقال: 'أنفذوا جيش أُسامة'! قالها مراراً، وإنَّما فعل عليه السلام ذلك لئلا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الإمامة، ويطمع في الإمارة، فيستوسق الأمر لأهله


[إعلام الورى 1: 263.]


وروى بعضهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما أحس منهم التباطؤ، كان يكرر قوله:


'أنفذوا بعثة أُسامة' ثم يقول: 'لعن الله من تخلّف عنه'.


[الشهرستاني، الملل والنحل 1: 29.]


وقد أثبتت المصادر التاريخية أنّ في هذا الجيش أُناساً من كبار الصحابة، منهم أبو بكر وعمر


[ابن سعد الطبقات الكبرى 4: 66، ترجمة اسامة بن زيد، تهذيب تاريخ دمشق 2: 395، 3: 218، مختصر تاريخ دمشق 4: 248 و237، 5: 129 و56، تاريخ اليعقـوبي 2: 77، تاريخ الخميس 2: 172.]


الرزية كلُّ الرزية



لم يكن موقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خلافة الإمام عليٍّ عليه السلام يوم غدير خُمٍّ آخر المواقف التي صرَّح فيها بأنَّه الوصي من بعده، بل حينما اشتدَّ به مرضه وعلم بما ستقع به أُمَّته من الاختلاف من بعده، أراد أن يصرِّح بها؛ فقال: 'ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لا تضُّلون بعده أبداً' ثُمَّ أُغمي عليه، وقام أحدهم ليلتمس الدواة والكتف، فقال عمر: ارجع فإنَّه يهجر ـ أو غلبه الوجع ـ حسبنا كتاب الله!!


فمازال يمنع منها حتى كثر التنازع؛ فغضب النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجهم من عنده، فقال ـ بعد أن عرضوا عليه الدواة والكتف ـ: 'دعوني، فالذي أنا فيه خير'.


هنا كان يتوجَّع ابن عبَّاس ويقول: 'يوم الخميس، وما يوم الخميس!' ثُمَّ بكى حتَّى بلَّ دمعه الحصى. فقيل له ـ والرواية عن سعيد بن جُبير ـ: يا ابن عبَّاس، وما يوم الخميس؟


قال: 'اشتدَّ برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه، فقال: 'ائتوني أكتب لكم كتاباً لا


تضلُّون بعدي' فتنازعوا، وما ينبغي عند نبيٍّ تنازع، وقالوا: ما شأنه، أهَجَر؟ استفهموه! قال: 'دعوني، فالذي أنا فيه خير''. فكان ابن عبَّاس يقول: 'إنَّ الرزية كلَّ الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم'


[ذكرت بعدَّة صيغ في كلٍّ من: صحيح مسلم ـ كتاب الوصية 3: 1257 و1637، مسند أحمد 1: 222، مسند أبي يعلى 4: 298 و2409 البداية والنهاية 5: 200، الطبقات الكبرى 2: 188، صحيح البخاري ـ كتاب المرضى 7: 219 و30، الكامل في التاريخ 2: 182، إعلام الورى 1: 265، تاريخ ابن خلدون 2: 485 تحقيق الأستاذ خليل شحادة وسهيل زكار، الملل والنحل ـ المقدِّمة الرابعة: 29.]


علي وآخر لحظات الرسول



لمَّا كثر التنازع عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما رأينا سابقاً بشأن الكتاب، وخرجوا من عنده، قال: 'رُدُّوا عَلَيَّ أخي عَلِيَّ بن أبي طالب'. ولمَّا حضر قال: 'ادنُ منِّي' فدنا منه فضمَّه إليه، ونزع خاتمه من يده، فقال له: 'خُذ هذا فضعه في يدك' ودعا بسيفه ودرعه ولامته، فدفع جميع ذلك إليه، وقال له: 'اقبض هذا في حياتي' ودفع إليه بغلته وسرجها وقال: 'امضِ على اسم الله إلى منزلك'


[إعلام الورى 1: 266ـ 269.]


وكان عليٌّ عليه السلام لا يفارقه الا لضرورة، ولمَّا خرج لبعض شأنه قال لهم: 'أُدعوا لي أخي وصاحبي' وفي رواية: 'ادعو لي حبيبي' فدعوا له أبا بكر، فنظر إليه، ثم وضع رأسه، ثم قال: 'ادعو لي حبيبي' فدعوا له عمر، فلما نظر إليه وضع رأسه ثم قال: 'ادعو لي حبيبي' فقالت أُمُّ سلمة: أُدعوا له عليَّاً، فدُعي أمير المؤمنين عليه السلام، فلمَّا دنا منه أومأ إليه فأكبَّ


عليه، فناجاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طويلاً


[انظر الحديث بألفاظه المتقاربة في: ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق 3: 17 و1036، الرياض النضرة 3: 141، ذخائر العقبى: 73، المناقب للخوازرمي: 29. ] ولمَّا سُئل عن ذلك قال: 'علَّمَني ألف باب من العلم، فتح لي من كلِّ باب ألف باب


[كنز العمَّال 13: 114 ح، 36372، ورواه ابن عساكر في تاريخه كما في ترجمة الإمام عليٍّ منه 2: 485 و1012، والجويني في فرائد السمطين 1: 101 و70.]، ووصَّاني بما أنا قائمٌ به إن شاء الله'


[إعلام الورى 1: 266.]


ولمَّا قرب خروج تلك النفس الطيِّبة إلى جنان الخلد وسدرة المنتهى قال له: 'ضع رأسي يا عليُّ في حجرك، فقد جاء أمر الله عزَّ وجلَّ فإذا فاضت نفسي، فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثُمَّ وجِّهني إلى القبلة وتولَّ أمري، وصلِّ عليَّ أوَّل الناس، ولا تفارقني حتَّى تواريني في رمسي، واستعن بالله عزَّ وجلَّ'.


ثمَّ قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ويد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه، ففاضت نفسه، فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثُمَّ وجَّهه وغمَّضه ومدَّ عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره..


ولمَّا أراد عليٌّ عليه السلام غسله استدعى الفضل بن العبَّاس، فأمره أن يناوله الماء، بعد أن عصَّب عينيه، فشقَّ قميصه من قبل جيبه، حتى بلغ به إلى سرَّته، وتولَّى غسله وتحنيطه وتكفينه، والفضل يناوله الماء، فلمَّا فرغ من غسله وتجهيزه تقدَّم فصلَّى عليه


[إعلام الورى 1: 266ـ 269، ارشاد المفيد 1: 187، تاريخ اليعقوبي 2: 114، الطبقات الكبرى 2: 201ـ 202 و 212ـ 215 و 220، تهذيب الكمال 13: 298، مجمع الزوائد، باب إسلامه 103:9.]


هذه خاتمة ثلاثين عاماً من الجهاد مع هذا الإنسان العظيم المسجَّى اليوم بين يدي عليِّ بن أبي طالب، فكانت النهاية أن وارى جسده التراب وما أصعبها من نهاية!!


أمَّا البداية فقد احتضن محمَّد بن عبدالله عليَّاً في حجره وهو وليد، وها هو عليٌّ يحتضن محمَّداً على صدره في آخر رمق من حياته! آه فطبت حيَّا وميِّتاً..


ولنقرأ ما قاله عليُّ بن أبي طالب عليه السلام وهو يصفُ هذه الخاتمة المؤلمة: 'ولقد قُبِض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإنَّ رأسه لعلى صدري، ولقد سالت نفسه في كفِّي، فأمررتُها على وجهي، ولقد وُلِّيتُ غسله صلى الله عليه وآله وسلم والملائكة أعواني، فضجَّت الدار والأفنية: ملأ يهبط، وملأ يعرج، وما فارقتْ سمعي هينمةٌ منهم، يصلُّون عليه، حتَّى واريناه ضريحه'


[نهج البلاغة، الخطبة: 197.]


وبعد هذه النهاية المفجعة تتساقطُ قطرات الدمع من عليٍّ عليه السلام حزناً منه على فراق أخيه محمَّد بن عبدالله، الرسول، الأمين صلى الله عليه وآله وسلم، فيضجُّ صدره بالآلام والمحن، ويقف على شفير قبر أخيه مطأطأ رأسه، والدمع يجري كحبَّات لؤلؤ تناثرت على خدَّيه، وهو يقول: 'بأبي أنت وأمي يا رسول الله! لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنبياء وأخبار السماء، خصَّصت حتى صرت مسلِّياً عمّن سواك، وعمَّمت حتى صار الناس فيك سواء. ولولا أنك أمرت بالصبر، ونهيت عن الجزع؛ لانفدنا عليك ماء الشؤون'


[نهج البلاغة، الخطبة: 235.]


علي قبل تولي الخلافة



مدخل في خصائصه والأدلَّة على إمامته


في القرآن الكريم له أوفر نصيب، وفي حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم له الحظُّ الأوفر والذكر الأكثر والشأن الأكبر، وفي أيام الإسلام كلها، منذ ابتداء الإسلام، وعلى امتداد أكثر من نصف قرن من عمر الإسلام، له المناقب والمواقف والمفاخر، التي لا تعرفها هذه الأُمَّة لرجل عاش معه أوجاء بعده، بل وقبل الإسلام أيضاً، حظي بما لم يحظَ به أحدٌ من البشر.


فهو أقرب الناس إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وأخصُّهم به، نشأ في حجره، يتَّبعه اتِّباع الصبي لأمِّه وأبيه، يتلقى منه مكارم الأخلاق ومحاسن الآداب ومفاتح العلوم وأسرار الحياة وفلسفتها.


فإذا قال أهل العلم بالحديث كأحمد بن حنبل وغيره: 'إنَّه لم يرد في الصحاح والحسان لأحد من الصحابة ما ورد لعليٍّ'


[انظر: المستدرك على الصحيحين 3: 107ـ 108، الاستيعاب 3: 51، تاريخ الخلفاء: 133.]، فإنَّما يقرِّون حقيقة شاهدها تأريخ صدر الإسلام كلِّه، من هنا حقَّ لبعض أهل العلم القول: إنَّ


/ 23