إمام علی (ع) سیرة و تاریخ نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

إمام علی (ع) سیرة و تاریخ - نسخه متنی

عبدالزهرا عثمان محمود

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




واستقبل القوم بسيفه، فقالوا: أظننت يا غُدر أنَّك ناجٍ بالنسوة؟! ارجع بهن لا أبا لك!! فقال: 'فإن لم أفعل؟!'، فقالوا: لترجعنَّ راغماً!!


ودنوا من المطايا، فحال عليٌّ عليه السلام بينهم، وأهوى له جناح بسيفه، فراغ عن ضربته، وضرب جناحاً على عاتقه فقدَّه نصفين، حتَّى وصل السيف إلى كتف فرسه، ثُمَّ شدَّ على أصحابه، وهو على قدميه وأنشد:




  • خلُّوا سبيل الجاهد المجاهد
    آليت لا أعبد الا الواحـد



  • آليت لا أعبد الا الواحـد
    آليت لا أعبد الا الواحـد




فتفرَّق القوم عنه، وقالوا: إحبس نفسك عنَّا يابن أبي طالب، ثُمَّ قال لهم: 'إنِّي منطلق إلى أخي وابن عمِّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن سرَّه أن أفري لحمه وأُريق دمه فليدنُ منِّي' ثُمَّ أقبل على أيمن وأبي واقد، وقال لهما: أطلقا مطاياكما، وسار الركب حتَّى نزل ضجنان، فلبث بها يوماً وليلة حتَّى لحق به نفر من المستضعفين، فلمَّا بزغ الفجر سار بهم حتَّى قدموا قباء


[سيرة الأئمة الاثني عشر 1: 171ـ 172.]


وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد مكث فيها هذه المدة، ولم يغادرها بعد إلى المدينة، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: 'ادعوا لي عليَّاً'، قيل: لا يقدر أن يمشي، فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واعتنقه وبكى، رحمةً لما بقدميه من الورم، وتفل في يديه وأمرَّهما على قدميه، فلم يشتكهما بعدُ حتَّى قُتل


[الكامل في التاريخ 2: 7.]


في المدينة المنوَّرة



المدخل


في شهر ربيع الأول


[يوم الاثنين لثمان ليالٍ خلون من شهر ربيع الأول، وقيل: لليلتين منه، وقيل: آخر يوم الخميس، لاثنتي عشرة ليلة خلت منه. انظر الطبقات الكبرى 1: 180، تاريخ اليعقوبي 2: 41.]، وصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ليباشر في وقت مبكر توطيد الأوضاع الجديدة فيها، حيث سيعيش المهاجرون الجدد مع سكان المدينة الأصليين، فكانت أولى الخطوات التي قام بها النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم هي بناء المسجد، الذي عمل فيه مع سائر أصحابه، في جوٍّ مفعم بالمحبَّة والإيمان، وهناك أثنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أصحابه ثناءً عامَّاً في لحمتهم وحماسهم، وفي أجواء الحماس تلك كان عمّار بن ياسر يسابق غيره في العمل والبناء، الأمر الذي شدَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكشف عن سرٍّ خطير، ينتظر عمَّاراً وينتظره عمَّار، ذلك قوله في تلك الأثناء: 'ويهاً ابن سُميَّة تقتلك الفئة الباغية'


[الطبقات الكبرى 1: 185.]، هذه الكلمة التي ستكون لها دلالتها الكبيرة في مستقبل غير بعيد.


المواخاة بين المهاجرين والأنصار



من الأعمال التي قام بها رسول الله بعد بناء المسجد الشريف: المؤاخاة ولقد سبق منه صلى الله عليه وآله وسلم أن آخى بين المهاجرين بعضهم ببعض قبل الهجرة،


وآخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، هكذا رواه الترمذي والبغوي والحاكم


[سنن الترمذي "الجامع الصحيح" 5: 636 و3720، تحقيق أحمد محمَّد شاكر، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، مصابيح السُنَّة، البغوي 4: 173 و4769، تحقيق د. يوسف عبدالرحمن المرعشلي، ومحمَّد سليم سمارة، وجمال حمدي الذهبي، دار المعرفة ط1ـ 1407هـ، المستدرك على الصحيحين 3: 14.] وفي كلِّ مرَّة كان يقول لعليٍّ عليه السلام: 'أنت أخي في الدنيا والآخرة'. ورواه أحمد في مسنده بنصِّ: 'أنت أخي وأنا أخوك'


[مسند أحمد 1: 230، دار الفكر بيروت.]


ورواه أصحاب السير والتاريخ من أمثال: ابن اسحاق، وابن هشام، وابن سعد، وابن حجر العسقلاني، وابن حبَّان، وابن عبدالبرِّ، وابن الأثير، وابن أبي الحديد، وابن كثير، والسيوطي


[سيرة ابن هشام 2: 109، تحقيق طه عبدالرؤوف سعد ـ دار الجيل ـ بيروت 1985م، الطبقات الكبرى 3: 16، تهذيب الكمال 13: 301، السيرة النبوية لابن حبَّان: 149، تصحيح الحافظ سيد عزيز بك وجماعة من العلماء ـ مؤسسة الكتب الثقافية ط1 ـ 1407هـ، الاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبدالبر النمري ـ بهامش الإصابة 3: 35، ط1ـ 1328هـ دار إحياء التراث العربي، أُسد الغابة 2: 221، 4: 16، 29، عيون الأثر، لابن سيد الناس: 264ـ 265، مؤسسة عزالدين للطباعة والنشر 1406هـ، تاريخ الخلفاء للسيوطي: 135، دار الكتب العلمية ـ بيروت 1408هـ.]، وغيرهم من أصحاب الجوامع


[جامع الأصول، ابن الأثير الجزري 9: 468 و6475، دار إحياء التراث العربي ط4 ـ 1404هـ، تحقيق محمَّد حامد الفقي، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 112، دار الكتاب العربي، ط3ـ 1402هـ، الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: 122، تحقيق عبدالوهاب اللطيف ـ مكتبة القاهرة، ط2ـ 1385هـ ـ 1965م، كنز العمَّال 11 و32879.]


جاء في سيرة ابن إسحاق، وسيرة ابن هشام: آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين المهاجرين والأنصار فقال: 'تآخوا في الله أخوين أخوين' ثُمَّ أخذ بيد


عليِّ بن أبي طالب فقال: 'هذا أخي' فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سيِّد المرسلين وإمام المتَّقين ورسول ربِّ العالمين الذي ليس له خطير ولا نظير من العباد، وعليُّ ابن أبي طالب رضي الله عنه أخوين


[سيرة ابن هشام 2: 109، الروض الأُنف، السهيلي 4: 244، تحقيق عبدالرحمن الوكيل، دار إحياء التراث العربي ـ مؤسسة التاريخ ـ بيروت، ط1ـ 1992م، عيون الأثر 1: 265.]


أمَّا ابن حجر العسقلاني فذكر حديث المؤاخاة بنصِّ: 'لمَّا آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه قال له |لعليِّ بن أبي طالب|: 'أنت أخي'


[الإصابة في تمييز الصحابة، ابن حجر 2: 507، ترجمة "عليُّ بن أبي طالب".]


وعن عباد بن عبدالله، عن عليٍّ عليه السلام قال: 'أنا عبدالله وأخو رسوله، وأنا الصدِّيق الأكبر لا يقولها بعدي الا كذَّاب'


[رواه النسائي في خصائصه 3: 18، والمتَّقي في كنز العمَّال 9: 394، كما رواه السيوطي في تفسير قوله عزَّ وجلَّ: 'إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأمْوَالِهِمْ وَأنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ الله'.]


وعندما آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبين عليٍّ عليه السلام، آخى بين حمزة وزيد ابن حارثة، وبين أبي بكر وخارجة الخزرجي، وبين عمر وعتبان بن مالك الخزرجي، وبين أبي عبيدة وسعد بن معاذ، وبين الزبير وعبدالله بن مسعود، وبين عمَّار بن ياسر وحذيفة بن اليمان، وبين طلحة وكعب بن مالك، وبين أبي ذرٍّ والمنذر بن عمر الخزرجي وهكذا.


هذا أول ما عمله رسول الله بالمدينة المنوَّرة 'المؤاخاة الخاصة' غير الأخوة العامة التي جعلها الإسلام بين المسلمين إخوّةً في الله عزَّ وجلَّ.


وتهدف قصة المؤاخاة إلى تمتين عُرى الروابط بين المسلمين وتأكيدها، واستئصال جذور الجاهلية والتعصُّب، وهي رابطة تقوم على أساس الإيمان بالله عزَّ وجلَّ وباليوم الآخر ووحدة الهدف والغاية.


قبل ذلك 'كان الصراع داخل المدينة متوتراً بين الأوس والخزرج، ولكنَّ الإسلام جعلهم موحَّدين أنصاراً، وبمؤاخاتهم مع المهاجرين تحقَّقت للإسلام أرضية جديدة، كان مقدَّراً لها أن تغيِّر تأريخ المدينة أولاً، وجزيرة العرب فيما بعد ثانياً'


[عليٌّ سلطة الحقِّ: 27.]


هنا عند المؤاخاة رفع النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم يد عليٍّ عليه السلام، قائلاً: 'عليٌّ أخي'.


وتستمر صلات المودَّة والإخاء بين محمَّد وعليٍّ عليه السلام من أجل إنجاح الرسالة الإسلامية، وتوفير قدر أكبر من الضمان لمستقبلها.


زواج علي من فاطمة الزهراء



في حدود السنة الثانية من الهجرة اجتمع عليٌّ عليه السلام مع الزهراء عليها السلام في بيت الزوجية، وكان جماعة من المهاجرين قد خطبوها قبله، لكنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ردَّهم ردَّاً جميلاً، فكان ينتظر بها القضاء. كما صرَّحت بذلك عدَّة روايات نأتي على بعضها:


أخرج ابن سعد: أنَّ أبا بكر خطب فاطمة إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، فقال: 'يا أبا بكر انتظر بها القضاء' فذكر ذلك أبو بكر لعمر، فقال له عمر: ردَّك يا أبا بكر. ثُمَّ إنَّ أبا بكر قال لعمر: أخطب فاطمة إلى النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم، فخطبها؛ فقال له مثل ما قال لأبي بكر: 'أنتظر بها القضاء'، أو قال: 'انَّها صغيرة'


[الطبقات الكبرى لابن سعد 8: 16، وانظر أُسد الغابة 7: 239، وفاطمة الزهراء والفاطميون، عباس محمود العقاد 20.]


بل إن الآتي من خبر زواجها عليها السلام يؤكد النصّ الأول 'أنتظر بها القضاء' إذ لم يكن زواجها إلاّ بأمر من الله تعالى:


عن أنس بن مالك، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فغشيه الوحي، فلمّا سري عنه قال: 'يا أنس، أتدري ما جاءني به جبرئيل من عند صاحب العرش؟' قال: الله ورسوله أعلم، قال: 'إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ'


[كنز العمال 11: 606 و33929، الرياض النضرة 3: 145.]


وعن عبدالله بن مسعود، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: 'إن الله أمرني أن أزوّج فاطمة من عليّ، ففعلت'


[المعجم الكبير، للطبراني 22: 407 و1020، مجمع الزوائد 9: 204.]


وعن أبي أيوب الانصاري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: 'أمرت بتزويجك من السماء'


[ابن شاهين، فضائل فاطمة عليها السلام: 50 و37.]


أمَّا عليُّ بن أبي طالب فهو أخو رسول الله وربيبه الذي ما قام ركن الإسلام الا بسيفه، وهو وزير الرسول ووصيُّه، فكَّر مراراً بفاطمة، لكنَّه خالي اليدين ليس لديه ما يقدِّمه مهراً لاجتماعهما الميمون، في هذه الاثناء تذكَّر صلته بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم فتقدَّم، ولنقرأ قصته في سطور التاريخ:


قال نفر من الأنصار لعليٍّ عليه السلام: عندك فاطمة. فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلَّم عليه، فقال: 'ما حاجة ابن أبي طالب'؟


|أجاب بكلِّ ثبات|:


'ذكرت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم'.


قال: 'مرحباً وأهلاً'. لم يزده عليهما.


فخرج عليٌّ على أولئك الرهط من الأنصار ينظرونه. قالوا: ما وراءك؟ قال: 'ما أدري غير أنَّه قال لي: مرحباً وأهلاً'.


قالوا: يكفيك من رسول الله إحداهما، أعطاك الأهل أعطاك المرحب


[الطبقات الكبرى 8: 17، وانظر أُسد الغابة 7: 239ـ 240.]


ثمَّ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عرض 'خطبة عليٍّ' على فاطمة، فقال لها: 'إنَّ عليَّاً يذكرك'


[الطبقات الكبرى 8: 16.]، فسكتت، فخرج يقول: 'سكوتها إقرارها'.


وحين وجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القبول من كلا الطرفين، سأل عليَّاً عليه السلام: 'هل عندك شيء؟' وكان لا يملك غير سيفه ودرعه وناضحه.


فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: 'فأمَّا سيفك فلا غنى بك عنه، تجاهد في سبيل الله، وتقاتل به أعداء الله، وناضحك تنضح به على نخلك وأهلك، وتحمل عليه حلَّك في سفرك، ولكنِّي رضيتُ منه بالدرع'


[عليُّ بن أبي طالب سلطة الحقِّ: 27.]


فباعها وباع أشياء غيرها كانت عنده، فاجتمع له منها أربعمائة درهم، فكان هذا مهر فاطمة.


ولمَّا جاء عليُّ بن أبي طالب عليه السلام بالدراهم، وضعها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فأمره أن يجعل ثلثي الدراهم في الطيب، والثلث الآخر في المتاع، ففعل


[اتحاف السائل: 44.]


وأرجح الأقوال أنَّ زواجهما كان بعد الهجرة، وقال اليعقوبي: بعد قدوم عليٍّ بالفواطم بشهرين


[تاريخ اليعقوبي 2: 41.]، وأرَّخه ابن الأثير في أحداث السنة الثانية من الهجرة في صفر، وقبل غزوة بدر


[الكامل في التاريخ 2: 12، تهذيب الكمال في أسماء الرجال 13: 302.] ووقّته آخرون في شهر ذي الحجة من السنة الثانية..


[الاربلي، كشف الغمة 1: 364، بحار الانوار 43: 136.]


أمَّا ابن سعد في طبقاته فقال: تزوَّج عليُّ بن أبي طالب فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رجب بعد مقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة بخمسة أشهر، وبنى بها مرجعه من بدر


[الطبقات الكبرى 8: 18.]


وجهزّت فاطمة


[أنظر جهاز فاطمة في: الطبقات الكبرى 8: 19، فاطمة الزهراء والفاطميون: 21، فضائل الإمام علي: 24ـ 25.] بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وما كان لها غير سرير من جريد النخل، وسادة من آدم حشوها ليف، ومنخل ومنشفة، ورحى للطحن، وجرّتان وقميص، وخمار لغطاء الرأس، وثوب له زغب، وعباءة قصيرة بيضاء، وجلد كبش..


أمَّا عليٌّ عليه السلام قد رشَّ أرض الدار برمل ناعم، ونصب في البيت خشبة من الحائط إلى الحائط، لتعليق الثياب، إذ لا خزانة ولا صندوق لثياب العروس.


عن عليِّ بن أبي طالب عليه السلام قال: 'لقد تزوَّجت فاطمة وما لي ولها


فراش غير جلد كبش ننام عليه بالليل، ونعلف عليه الناضح بالنهار، وما لي ولها خادم غيرها'


[الطبقات الكبرى 8: 18.]


خطبة النبي في التزويج



عن أنس بن مالك أنَّ النبيَّ، قال له: 'انطلق وادع لي أبا بكر وعمر وعُثمان وطلحة والزبير، وبعدَّتهم من الأنصار'، قال فانطلقت فدعوتهم، فلمَّا أخذوا مجالسهم قال صلى الله عليه وآله وسلم: 'الحمد لله المحمود بنعمته، المعبود بقدرته، المطاع لسلطانه، المهروب إليه من عذابه، النافذ أمره في أرضه وسمائه، الذي خلق الخلق بقدرته، ونيرهم بأحكامه، وأعزَّهم بدينه، وأكرمهم بنبيِّه محمَّد صلى الله عليه وآله وسلم. إنَّ الله عزَّ وجلَّ جعل المصاهرة نسباً لاحقاً، وأمراً مفترضاً، وحكماً عادلاً، وخيراً جامعاً، أوشج بها الأرحام، وألزمها الأنام. فقال الله عزَّ وجلَّ: "وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيراً"


[سورة الفرقان: 54.]، وأمر الله يجري إلى قضائه، وقضاؤه يجري إلى قدره، ولكلِّ أجلٍ كتاب "يَمْحُوا اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَاب"


[سورة الرعد: 39.] ثُمَّ إنَّ الله تعالى أمرني أن أُزوِّج فاطمة من عليٍّ، وأُشهدكم أنِّي زوَّجت فاطمة من عليٍّ على أربعمائة مثقال فضة، إن رضي بذلك على السنة القائمة والفريضة الواجبة، فجمع الله شملهما وبارك لهما وأطاب نسلهما، وجعل نسلهما مفاتيح الرحمة ومعادن الحكمة وأمن الأُمَّة، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم'.


قال أنس: وكان عليٌّ عليه السلام غائباً في حاجةٍ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بعثه فيها.. ثُمَّ أمر لنا بطبق فيه تمر، فوضع بين أيدينا، فقال: 'انتبهوا'، فبينما نحن كذلك إذ أقبل عليٌّ، فتبسَّم إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: 'يا علي! إنَّ الله أمرني أن أُزوِّجك فاطمة، وإنِّي زوَّجتكما على أربعمائة مثقال فضَّة'، فقال عليٌّ عليه السلام: 'رضيت يا رسول الله'! ثُمَّ إنَّ عليَّاً عليه السلام خرَّ ساجداً شكراً لله، فلمَّا رفع رأسه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: 'بارك الله لكما وعليكما وأسعد جدكما وأخرج منكما الكثير الطيِّب'.


قال أنس: والله لقد أخرج منهما الكثير الطيِّب


[أنظر خطبة رسول الله في المصادر التالية: فاطمة الزهراء والفاطميون: 21ـ 22، الإمام علي بن أبي طالب 1: 61.]


وتمَّ عقد القران بين عليٍّ وفاطمة، وكتب لهما أن يعيشا حياةً مفعمةً بالإيمان، وكان اجتماعهما يحمل الكثير من المعاني التي ظهر نورها في حياتهما، وامتدَّ بعدهما في الآفاق من نسلهما المبارك، سادة بني الإنسان!


ورحَّب النبيُّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بهذا الزواج الميمون وباركه وأسبغ عليه أنبل المشاعر وأقام حفلة الزفاف، ومشى خلفهما، معه حمزة وعقيل وجعفر، ونساء النبي يرتجزن فرحات مستبشرات، وهنَّ يمشين قدَّامها..


وأُدخلت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت عليٍّ عليه السلام يتجلَّلها الحياء، متعثِّرةً بأذيالها وقال أبوها صلوات الله وسلامه عليه: 'يا عليُّ لا تحدث شيئاً حتَّى تلقاني'.


فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإناء فتوضَّأ فيه، ثُمَّ أفرغه على عليٍّ عليه السلام ثُمَّ


/ 23