عید الغدیر اعظم الاعیاد فی الاسلام نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

عید الغدیر اعظم الاعیاد فی الاسلام - نسخه متنی

السید محمد الحسینی الشیرازی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

العيد في الإسلام


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

قال تبارك وتعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً

[
سورة المائدة: 3.]

إنّ طبيعة الأعياد في الإسلام تختلف عن الأعياد في الأديان الأخرى، فالعيد في غير الإسلام هو غالباً للحصول على مكسب مادي بحت.

مثلاً، الشخص الذي يربح في تجارته ربحاً وفيراً يتخذ ذلك اليوم عيداً له، ومن يحقّق أمنية من أمانيه يعد ذلك اليوم عيداً له، وكذلك الشخص الذي يولد له مولود يتخذ هذا اليوم عيداً، وهكذا توجد نماذج كثيرة لهذه الأعياد في نظرهم، وخصوصاً في بعض المجتمعات الغربية ومن سار على شاكلتهم.

وبتوضيح أكثر نقول: إنّ أغلب الأعياد في غير الإسلام ترتكز على الماديات المحضة فحسب، وعلى إشباع الرغبات الجسدية فقط.

أما العيد في الإسلام فإنه يختلف اختلافاً كبيراً عن هذه الأعياد ـ من حيث المعنى والدلالة ـ فالإسلام الذي يرى الإنسان جسماً وروحاً ومادة ومعنى، ويحاول التعادل بينهما والتكافؤ فيهما، ينسّق في أعياده بين الماديات والمعنويات، ويؤكد على أنه كما يستفيد الإنسان من مظاهر العيد المادية، يستفيد كذلك من الأمور الروحية والمعنوية أيضاً.

إن العيد في نظر الإسلام هو اليوم الذي يتنازل فيه الإنسان عن بعض الماديات لصالح أموره الروحية والمعنوية، خُذ مثلاً عيد الفطر: هذا العيد الذي يأتي بعد مرور شهر كامل على تنازل الإنسان عن أهم الحاجات الجسدية، والرغبات الشهوانية والجسمانية، وهي حاجته للطعام والشراب وما إلى ذلك من الأشياء التي يمتنع عنها الصائم في صيامه، فهو عيد قوة الروح وسلامته، والسيطرة على الشهوات والرغبات، لكسب معنوي، وهو التعادل بين الروح والجسم، إضافة إلى الثواب الآخروي، وامتلاك الإرادة الصلبة في مجال الطاعة لله عزوجل واكتساب فضائل روحية عديدة، مثل الإحساس بالفقراء ومواساتهم، والنزوع عن هوى النفس وشهواتها، وغير ذلك.

فقد قال أميرالمؤمنين الإمام علي: ''إنما هو عيد لمن قبل الله صيامه وشكر قيامه، وكل يوم لا تعصي الله فيه فهو يوم عيد''

[
وسائل الشيعة: ج15 ص308 ب41 ح20599.]

ومن الواضح أنّ هذا العيد لا يخصّ إنساناً واحداً بعينه، وإنْ كان يعود عليه بالنفع والفائدة، بل إنّ هذا العيد يشمل كل المجتمع، فآثاره عندنا عامة لا خاصة فقط، واجتماعية لا شخصية فحسب.

أما العيد في غير الإسلام، فإنه مجرد حصول الشخص على رغبة مادية بحتة، وان كان فيها شيء من المعنويات فهو يتغاضى عنها ولا يعبأ بها، خذ مثلاً عيد ميلاد الأشخاص العاديين، ماذا يعني ذلك عندهم؟

إنه يعني مجرد الحصول على هذا الجسم متغافلين عن الروح الذي هو جوهر الجسم وبه حياته، فهل الاحتفال بشق الإنسان وهو الجسم الأقل أهمية، ونسيان الشق الآخر وهو الروح الأكبر أهمية، يعدّ احتفالاً كاملاً وشاملاً، ومفيداً ونافعاً!

كلاّ، ليس هذا الاحتفال احتفالاً كاملاً وشاملاً، لأنه لا يعود على جوهر الإنسان وهو روحه ومعنوياته بخير أبداً، بل يزيد في تضخيم الجسم والماديات على حساب الروح والمعنويات، ولا يكون مفيداً

ولا نافعاً؛ لأنه يؤدي إلى عدم التوازن بينهما، وعدم التوازن بينهما يعني: القلق والاضطراب، والبؤس والمرض.

وربَّ سائل يسأل: لماذا يحتفل المسلمون وخصوصاً الشيعة بذكرى ولادة الأنبياء والأئمة والأولياء "عليهم الصلاة والسلام"؟

وللجواب نقول: إن احتفالنا بذكرى ولادة النبي والأئمة هو احتفالٌ كاملٌ وشاملٌ، لأنا إضافة إلى الاحتفاء بولادتهم الجسمانية، نهتم بفضائلهم الروحية والمعنوية، ونحتشد لإحياء ما قدموه للإنسانية من خدمات عظيمة تستحق الاحتفال والتذكر دوماً.

لذا فإن الاحتفال بـ ''عيد الغدير'' هو باعتبار عظمة الذكرى

[
عظمة نعمة الإمامة والولاية على البشرية التي صدع بها خاتم الرسل.]

أولاً، وباعتبار أنّ الإمام علّمنا في هذا اليوم كيف نصل إلى الأمن والسلام، والسعادة والهناء وكيف نستعمل الأمور المادية لخير الإنسانية، وكيف نستفيد من الحياة لصالح الآخرة ونعيمها، وان لا نبيع آخرتنا الباقية لدنيانا الفانية، ولا العكس بأن نترك دنيانا ونتناساها بالمرة من أجل الآخرة، فقد قال الإمام الصادق: ''ليس منا من ترك دنياه لآخرته، ولا آخرته لدنياه''

[
من لا يحضره الفقيه: ج3 ص156 باب المعايش والمكاسب ح3568.]

وهذا هو الكسب الإنساني الصحيح؛ لأنّ في اتباع ذلك الفوز بحياة سعيدة في الدنيا، وبالجنة والنجاة من النار في الآخرة.

نعم، إن عيد الغدير هو إحياء للمعنويات إلى جانب الماديات، فهو يوم تعيين الخلافة لعلي بعد الرسول مضافاً إلى أنه أمر معنوي سماوي نزل به جبرئيل على رسول الله، ولهذا يعتبر هذا العيد من أهم وأعظم الأعياد عند المسلمين. وفي ذلك قال أحد أصحاب الأئمة: سألت أبا عبد الله هل للمسلمين عيد غير يوم الجمعة والأضحى والفطر؟

قال: ''نعم، أعظمها حرمة''.

قلت: وأي عيد هو جعلت فداك؟!

قال: ''اليوم الذي نصب فيه رسول الله أميرالمؤمنين، وقال: من كُنت مولاه فعلي مولاه''.

قلت: وأي يوم هو؟

قال: ''وما تصنع باليوم؟ إنّ السنة تدور، ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجة''.

فقلت: ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟

قال: ''تذكرون الله "عزّ ذكره" فيه بالصيام والعبادة، والذكر لمحمد وآل محمد، فإن رسول الله أوصى أميرالمؤمنين أن يُتخذ ذلك اليوم عيداً، وكذلك كانت الأنبياء تفعل، كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتخذونه عيداً''

[
الكافي: ج4 ص149 باب صيام الترغيب ح3.]

فعلى المسلمين اليوم أن يجعلوا هذا اليوم حافزاً لهم لعمل الخير والصلاح، والاتجاه إلى الله في كل عمل من أعمالهم، والوقوف بوجه الظالمين وأعداء الدين، ليزدادوا قرباً من العلي القدير.

يوم البشرى


قال تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

[
سورة المائدة: 67.]

نزلت هذه الآية الكريمة على النبي الأعظم تأمره أن يبلِّغ ما أمره الله سبحانه به.

وقد ذكر ثقاة المفسرين أنها نزلت على النبي الأعظم لكي يبلِّغ ولاية أميرالمؤمنين إلى الناس، وقد ذكر المفسرون والمؤرخون والمحدثون جميعاً في تفسير هذه الآية: أنّ رسول الله قرّر الذهاب إلى الحج في السنة الأخيرة من حياته، والذي عرف فيما بعد بحجة الوداع

[
قال الأميني في موسوعة الغدير تحت عنوان واقعة الغدير: أجمع رسول الله الخروج إلى الحج في سنة عشر من مهاجره، وأذن في الناس بذلك فقدم المدينة خلق كثير يأتمون به في حجته تلك التي يقال عليها: حجة الوداع، وحجة الإسلام، وحجة البلاغ، وحجة الكمال، وحجة التمام، وقال ـ الأميني ـ: إن الوجه في تسمية حجة الوداع بالبلاغ هو نزول قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الآية، كما أن الوجه في تسميتها بالتمام والكمال هو نزول قوله سبحانه: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي الآية، انظر الغدير: ج1 ص8.]

، فوجّه نداءه إلى المسلمين كافة يدعوهم فيه إلى أداء فريضة الحج وتعلّم مناسكه منه، فانتشر نبأ سفره، وصدى ندائه في المسلمين جميعاً، وتوافد الناس إلى المدينة المنورة، وانضمّوا إلى موكب الرسول حتى بلغ عدد الذين خرجوا معه "120" ألفاً على أغلب الروايات، وفي بعض مصادر العامة "180" ألفاً، والتحق بالنبي ناس كثيرون من اليمن ومكة وغيرهما

[
كان معه جموع لا يعلمها إلا الله تعالى وقد يقال: خرج معه "90 ألفاً" ويقال: "114 ألف" وقيل: "120 ألف" وقيل: "124 ألف" ويقال أكثر من ذلك، وهذه عدة من خرج معه، وأما الذين حجوا معه فأكثر من ذلك، كالمقيمين بمكة والذين أتوا من اليمن مع علي وأبي موسى كما جاء في السيرة الحلبية: ج3 ص283 وسيرة أحمد زيني دحلان: ج3 ص3، وغيرها من مصادر العامة. أنظر الغدير: ج1 ص9 واقعة الغدير. ]

، ولمّا أدى الرسول مناسك الحج انصرف راجعاً إلى المدينة، وخرجت المسيرة التي كانت تربو على "120" ألفاً من المسلمين، حتى وصلت إلى أرض تسمى ''خُم''

[
هي المنطقة التي تتشعّب منها الطرق إلى المدينة والعراق ومصر واليمن.]

وفيها غدير اجتمع فيه ماء المطر يدعى "غدير خم" وكان وصولهم إليه في اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة من عام حجة الوداع وفي سنة عشر من مهاجره.

وعندما وصلت المسيرة العظيمة إلى هذه المنطقة هبط الأمين جبرئيل من عند الله تعالى على رسول الله هاتفاً بالآية الكريمة: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ

[
سورة المائدة: 67.]

أي: في علي فأبلغ جبرئيل الرسول رسالة الله إليه: بأن يقيم علي بن أبي طالب إماماً على الناس وخليفة من بعده ووصياً له فيهم، وأن يبلغهم ما نزل في علي من الولاية وفرض الطاعة على كل أحد.

فتوقف النبي عن المسير وأمر أن يلحق به من تأخر عنه ويرجع من تقدم عليه، وكان الجو حاراً جداً حتى كان الرجل منهم يتصبب عرقاً من شدة الحر وبعضهم كان يضع بعض ردائه على رأسه والبعض الآخر تحت قدميه لإتقاء جمرة الحر وشدته.

وأدركتهم صلاة الظهر فصلى رسول الله بالناس ومدت له ظلال على شجرات ووضعت أحداج الإبل بعضها فوق بعض حتى صارت كالمنبر، فوقف الرسول عليها لكي يشاهده جميع الحاضرين ورفع صوته من الأعماق ملقياً فيهم خطبة بليغة مسهبة، ما زالت تصكُّ سمع الدهر، افتتحها بالحمد والثناء على الله سبحانه، وركّز حديثه وكلامه حول شخصية خليفته الإمام أميرالمؤمنين، وذكر فضائله ومناقبه ومزاياه ومواقفه المشرّفة ومنزلته الرفيعة عند الله ورسوله، وأمر الناس بطاعته وطاعة أهل بيته الطاهرين، وأكّد أنهم حجج الله تعالى الكاملة، وأولياؤه المقرَّبون وأُمناؤه على دينه وشريعته، وأنّ طاعتهم طاعة الله تعالى ورسوله ومعصيتهم معصية لله، وإنّ شيعتهم في الجنة ومخالفيهم في النار.

وكان مما قال بعدما نزلت آية: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ

[
سورة المائدة: 67.]

: ''يا أيها الناس، إنه لم يكن نبي من الأنبياء ممن كان قبلي إلا وقد عمره الله ثم دعاه فأجابه، فأوشك أن أُدعى فأجيب، وأنا مسؤول وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟'' فقالوا: نشهد أنك قد بلَّغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً.

فقال: ''ألستم تشهدون أن لا إله الله وأنّ محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حقّ وناره حقّ، وإنّ الموت حقّ وأنّ الساعة آتية

لا ريب فيها وأنّ الله يبعث من في القبور''.

قالوا: بلى نشهد بذلك.

فقال: ''اللهم اشهد''، ثم قال: ''أيها الناس ألا تسمعون؟''.

قالو: نعم.

فقال: ''فإني فرط على الحوض، وأنتم واردون عليّ الحوض، وإنّ عرضه ما بين صنعاء وبصرى

[
منطقة في بلاد الشام، قصبة كورة حوران من أعمال دمشق.]

فيه أقداح عدد النجوم من فضة فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين''.

فنادى منادٍ: وما الثقلان يا رسول الله؟

قال: ''الثقل الأكبر: كتاب الله، طرف بيد الله عزوجل وطرف بأيديكم فتمسكوا به لا تضلوا، والآخر الأصغر عترتي، وإنّ اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربي فلا تقدموهما فتهلكوا، ولا تقصّروا عنهما فتهلكوا''! ثم أخذ النبي بيد الإمام علي فرفعها حتى بان بياض إبطيهما وعرفه القوم أجمعون.

فقال: ''أيها الناس مَن أولى الناس بالمؤمنين مِن أنفسهم؟''.

فقالوا: الله ورسوله أعلم.

فقال: ''إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ـ يقولها ثلاث مرات ـ ثم قال: اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه، وأحب من أحبَّه، وابغض من أبغضه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، وأدر الحق معه حيث دار، ألا فليبلِّغ الشاهد منكم الغائب''

[
راجع بحارالأنوار: ج37 في أخبار الغدير ص108.]

ثم تابع رسول الله خطبته فقال:

''فاعلموا معاشر الناس ذلك، فإن الله قد نصبه لكم إماماً، وفرض طاعته على كل أحد، ماض حكمه جائز قوله، ملعون من خالفه، مرحوم من صدقه، اسمعوا وأطيعوا، فإن الله مولاكم وعلي إمامكم، ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى يوم القيامة، لا حلال إلا ما حلله الله وهم، ولا حرام إلا ما حرمه الله وهم فصلوه، فما من علم إلا وقد أحصاه الله في ونقلته إليه ـ في أميرالمؤمنين ـ.

لا تضلوا عنه ولا تستنكفوا منه، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، لن يتوب الله على أحد أنكره، ولن يغفر له، حتم على الله أن يفعل ذلك، وأن يعذبه عذابا نكرا أبد الآبدين، فهو أفضل الناس بعدي ما نزل الرزق وبقي الخلق، ملعون من خالفه.

قولي عن جبرائيل عن الله فـ لْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ

[
سورة الحشر: 18.]

افهموا محكم القرآن ولا تتبعوا متشابهه، ولن يفسر لكم ذلك إلا من أنا آخذ بيده شائل بعضده. ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد أوضحت.

إن الله قال وأنا قلت عنه: لا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره''.

ثم رفعه إلى السماء حتى صارت رجله مع ركبته وقال:

''معاشر الناس، هذا أخي ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي على من آمن بي وعلى تفسير كتاب ربي، اللهم إنك أنزلت عند تبيين ذلك في علي الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

[
سورة المائدة: 3.]

بإمامته، فمن لم يأتم به وبمن كان من ولدي من صلبه إلى القيامة فـ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ

[
سورة التوبة: 17.]

..''

[
أنظر الصراط المستقيم: ج1 ص301 ب9.]

ثم تابع الرسول الأعظم خطبته وحثَّ الناس على إتباع علي أميرالمؤمنين وأهل بيته، وانتهت الخطبة النبوية المسهبة والتي تناولت أموراً كثيرة وحيوية بتعيين الإمام علي بن أبي طالب أميراً على المؤمنين ووصياً وخليفة لرسول ربِّ العالمين.

وقبل أن يتفرق الناس هبط جبرئيل على رسول الله بالآية الكريمة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً

[
سورة المائدة: 3.]

وقد جاء في التفاسير: بأنّ هذه الآية جاءت بعد أنّ نصب رسول الله وبأمر من الله تعالى علياً أميرالمؤمنين إماماً على العالمين، وتسمى هذه الآية بآية الكمال أي كمال الدين، وهي ـ بحسب بعض الروايات ـ آخر فريضة أنزلها الله تعالى على رسوله الكريم

[
أنظر تفسير العياشي: ج1 ص293 ح20 و 21 و 22، تفسير قوله تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً، وأنظر تفسير القمي: ج1 ص162 تفسير سورة المائدة، وتفسير فرات الكوفي: ص120 تفسير سورة المائدة، والتبيان في تفسير القرآن: ج3 ص413 تفسير سورة المائدة، وتفسير مجمع البيان: ج3 ص257 سورة المائدة وفضلها، وتفسير الصافي: ج2 ص5 سورة المائدة، وتفسير الأصفى: ج1 ص260، وتفسير نور الثقلين: ج1 ص587 سورة المائدة، وأنظر شواهد التنزيل للحافظ الحسكاني: ج1 ص201 ح211 219.]

وعن أبي عبد الله قال: ''لما نزل رسول الله عرفات يوم الجمعة أتاه جبرئيل، فقال له: يا محمد، إنّ الله يقرؤك السلام ويقول لك: قل لأمتك: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ بولاية علي بن أبي طالب وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً، ولست أنزل عليكم بعد هذا، قد أنزلت عليكم الصلاة والزكاة والصوم والحج وهي الخامسة

[
أي: الولاية لأميرالمؤمنين.]

، ولست أقبل هذه الأربعة إلاّ بها''

[
بحارالأنوار: ج37 ص138 ب52 ح28.]

وقد رأينا هنا أن نورد الخطبة كاملة وكما ذكرها السيد ابن طاووس الحلي الحسني

[
التحصين لأسرار ما زاد من أخبار كتاب اليقين: ص579 القسم 1 ب29.]

:

عن زيد بن أرقم قال: لما أقبل رسول الله من حجة الوداع جاء حتى نزل بغدير خم بالجحفة بين مكة والمدينة، ثم أمر بالدوحات بقم

[
قمَّ الشيء قمَّاً: كنسه، أنظر لسان العرب: ج12 ص493 مادة "قم".]

ما تحتهن من شوك، ثم نودي بالصلاة جامعة، فخرجنا إلى رسول الله في يوم شديد الحر، وإن منا من يضع رداءه تحت قدميه من شدة الحر والرمضاء، ومنا من يضعه فوق رأسه، فصلى بنا ثم التفت إلينا فقال:

''الحمد لله الذي علا في توحيده ودنا في تفرده وجل في سلطانه وعظم في أركانه وأحاط بكل شيء وهو في مكانه وقهر جميع الخلق بقدرته وبرهانه، حميدا لم يزل ومحمودا لا يزال ومجيدا لا يزول، ومبديا ومعيدا وكل أمر إليه يعود، بارئ الممسوكات وداحي المدحوات، متفضل على جميع من برأه متطول على كل من ذرأه، يلحظ كل نفس والعيون لا تراه، كريم حليم ذو أناة قد وسع كل شيء رحمته ومن عليهم بنعمته، لا يعجل بانتقامه ولا يبادر إليهم بما يستحقون من عذابه، قد فهم السرائر وعلم الضمائر ولم يخف عليه المكنونات ولا اشتبه عليه الخفيات، له الإحاطة بكل شيء والغلبة لكل شيء والقوة في كل شيء والقدرة على كل شيء، ليس كمثله شيء، وهو منشئ حي حين لا حي، ودائم حي وقائم بالقسط، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.

جل أن تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، لا يلحق وصفه أحد من معاينة، ولا يحده أحد كيف هو من سر وعلانية إلا بما دل هو عز وجل على نفسه، أشهد له بأنه الله الذي ملأ الدهر قدسه والذي يغشى الأمد نوره وينفذ أمره بلا مشاورة ولا مع شريك في تقدير ولا يعاون في تدبيره، صور ما ابتدع على غير مثال، وخلق ما خلق بلا معونة من أحد ولا تكلف ولا اختبال، شاءها فكانت، وبرأها فبانت.

فهو الله لا إله إلا هو المتقن الصنعة والحسن الصنيعة، العدل الذي لا يجور، والأكرم الذي إليه مرجع الأمور، أشهد أنه الله الذي تواضع كل شيء لعظمته، وذل كل شيء لهيبته، مالك الأملاك ومسخر الشمس والقمر، كل يجري لأجل مسمى، يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل يطلبه حثيثا، قاصم كل جبار عنيد وكل شيطان مريد، لم يكن له ضد ولم يكن معه ند، أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، إلها واحدا ماجدا، شاء، فيمضي ويريد ويقضي ويعلم ويحصي ويميت ويحيي ويفقر ويغني ويضحك ويبكي و يدني ويقصي ويمنع ويعطي، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير.

لا يولج لليل في نهار ولا مولج لنهار في ليل، إلا هو مستجيب للدعاء، مجزل العطاء محصي الأنفاس رب الجنة والناس، الذي لا يشكل عليه لغة ولا يضجره مستصرخ لا يبرمه إلحاح الملحين، العاصم للصالحين والموفق للمفلحين مولى المؤمنين ورب العالمين، الذي استحق من كل خلق أن يشكره ويحمده على كل حال.

أحمده كثيرا وأشكره دائما على السراء والضراء والشدة والرخاء، وأؤمن به وبملائكته وكتبه ورسله، أسمع لأمره وأطيع وأبادر إلى رضاه وأسلم لما قضاه، رغبة في طاعته وخوفا من عقوبته؛ لأنه الله الذي لا يؤمن مكره ولا يخاف جوره، أقر له على نفسي بالعبودية وأشهد له بالربوبية وأؤدي أن لا إله إلا هو، لأنه قد أعلمني أني إذا لم أبلغ ما أنزل إلي لما بلغت رسالته، وقد ضمن لي العصمة وهو الله الكافي الكريم. أوحى إلي: بسم الله الرحمن الرحيم يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ واللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ

[
سورة المائدة: 67.]

ـ إلى آخر الآية ـ.

معاشر الناس، وما قصرت فيما بلغت، ولا قعدت عن تبليغ ما أنزله، وأنا أبين لكم سبب هذه الآية: إن جبرئيل هبط إلي مرارا ثلاثا، فأمرني عن السلام رب السلام، أن أقوم في هذا المشهد وأعلم كل أبيض وأسود: أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والإمام من بعدي، الذي محله مني محل هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، ووليكم بعد الله ورسوله نزل بذلك آية هي: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ورَسُولُهُ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ ويُؤْتُونَ الزَّكاةَ وهُمْ راكِعُونَ

[
سورة المائدة: 55.]

وعلي بن أبي طالب الذي أقام الصلاة وآتى الزكاة وهو راكع، يريد الله تعالى في كل حال.

فسألت جبرئيل أن يستعفي لي السلام من تبليغي ذلك إليكم أيها الناس؛ لعلمي بقلة المتقين وكثرة المنافقين ولأعذال الظالمين وأدغال الآثمين وحيلة المستشرين، الذين وصفهم الله تعالى في كتابه بأنهم: يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ

[
سورة الفتح: 11.]

ويحسبونه هَيِّناً وهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ

[
سورة النور: 15.]

، وكثرة أذاهم لي مرة بعد أخرى، حتى سموني أذنا، وزعموا أني هو لكثرة ملازمته إياي وإقبالي عليه وهواه وقبوله مني، حتى أنزل الله تعالى في ذلك لا إله إلا هو: الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ ويَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ

[
سورة التوبة: 61.]

ـ إلى آخر الآية ـ ولو شئت أن أسمي القائلين بأسمائهم لأسمينهم، وأن أومي إليهم بأعيانهم لأومأت، وأن أدل عليهم لدللت، ولكني والله بسترهم قد تكرمت.

وكل ذلك لا يرضى الله مني إلا أن أبلغ ما أنزل إلي بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ

[
سورة المائدة: 67.]

ـ إلى آخر الآية ـ واعلموا معاشر الناس ذلك وافهموه. واعلموا أن الله قد نصبه لكم وليا وإماما، فرض طاعته على المهاجرين والأنصار وعلى التابعين بإحسان، وعلى البادي والحاضر، وعلى العجمي والعربي، وعلى الحر والمملوك، والصغير والكبير، وعلى الأبيض والأسود، وعلى كل موجود، ماض حكمه وجاز قوله ونافذ أمره، ملعون من خالفه ومرحوم من صدقه، قد غفر الله لمن سمع وأطاع له.

معاشر الناس، إنه آخر مقام أقومه في هذا المشهد، فاسمعوا وأطيعوا وانقادوا لأمر الله ربكم، فإن الله هو مولاكم وإلهكم، ثم من دونه رسوله ونبيه محمد القائم المخاطب لكم، ومن بعده علي وليكم وإمامكم، ثم الإمامة في ولدي الذين من صلبه إلى يوم القيامة ويوم يلقون الله ورسوله، لا حلال إلا ما أحله الله، ولا حرام إلا ما حرمه الله عليكم، وهو والله عرفني الحلال والحرام، وأنا وصيت بعلمه إليه.

معاشر الناس، فصلوه ما من علم إلا وقد أحصاه الله في، وكل علم علمته فقد علمته عليا، وهو المبين لكم بعدي.

معاشر الناس، فلا تضلوا عنه ولا تفروا منه، ولا تستنكفوا عن ولايته، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به، ويزهق الباطل وينهى عنه، لا تأخذه في الله لومة لائم، أول من آمن بالله ورسوله، والذي فدى رسول الله بنفسه، والذي كان مع رسول الله، ولا يعبد الله مع رسوله غيره.

معاشر الناس، فضلوه فقد فضله الله، واقبلوه فقد نصبه الله.

معاشر الناس، إنه إمام من الله، ولن يتوب الله على أحد أنكره، ولن يغفر الله له حتما على الله أن يفعل ذلك، وأن يعذبه عذابا نكرا أبد الأبد، ودهر الدهر، واحذروا أن تخالفوا فتصلوا بنار وَقُودُهَا النَّاسُ والْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِين

[
سورة البقرة: 24.]

معاشر الناس، لي والله بشرى لأكون من النبيين والمرسلين والحجة على جميع المخلوقين من أهل السماوات والأرضين، فمن شك في ذلك فقد كفر كفر الجاهلية الأولى، ومن شك في شيء من قولي فقد شك في الكل منه، والشاك في ذلك في النار.

معاشر الناس، حباني الله بهذه الفضيلة منا منه علي وإحسانا منه إلي، لا إله إلا هو، ألا له الحمد مني أبد الأبد، ودهر الدهر على كل حال.

معاشر الناس، فضلوا عليا فهو أفضل الناس بعدي من ذكر وأنثى، مانزل الرزق وبقي الخلق، ملعون ملعون من خالفه مغضوب عليه، قولي عن جبرئيل، وقول جبرئيل عن الله عز وجل، فلتنظر نفس ما قدمت لغد، واتقوا الله أن يخالفوه إن الله خبير بما تعملون.

معاشر الناس، تدبروا القرآن وافهموا آياته ومحكماته، ولا تبتغوا متشابهه؛ فوالله لن يبين لكم زواجره، ولن يوضح لكم تفسيره، إلا الذي أنا آخذ بيده، ومصعده إلي، وشائل عضده ورافعها بيدي، ومعلمكم، من كنت مولاه فهو مولاه، وهو علي بن أبي طالب أخي ووصيي، أمر من الله نزله علي.

معاشر الناس، إن عليا والطيبين من ولدي من صلبه هم الثقل الأصغر والقرآن الثقل الأكبر، وكل واحد منهما مبني على صاحبه، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، أمر من الله في خلقه وحكمه في أرضه. ألا وقد أديت، ألا وقد بلغت، ألا وقد أسمعت، ألا وقد نصحت، ألا إن الله تعالى قال، وأنا قلت عن الله، ألا وإنه لا أمير للمؤمنين غير أخي هذا، ألا ولا يحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره''.

ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه، وكان أميرالمؤمنين منذ أول ما صعد رسول الله منبره على درجة دون مقامه، متيامنا عن وجه رسول الله كأنهما في مقام واحد، فرفعه رسول الله بيده وبسطها إلى السماء، وشال عليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله ثم قال:

''معاشر الناس، هذا علي أخي ووصيي، وواعي علمي، وخليفتي على من آمن بي، وعلى تفسير كتاب ربي، والدعاء إليه، والعمل بما يرضاه، والمحاربة لأعدائه، والدال على طاعته، والناهي عن معصيته، خليفة رسول الله، وأميرالمؤمنين، والإمام والهادي من الله، بأمر الله، يقول الله عز وجل: ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ

[
سورة ق: 29.]

بأمرك أقول: اللهم، وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، والعن من أنكره، واغضب على من جحده، اللهم، إنك أنزلت الآية في علي وليك عند تبين ذلك ونصبك إياه لهذا اليوم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي ورَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً

[
سورة المائدة: 3.]

، ومَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ

[
سورة آل عمران: 85.]

، اللهم، إني أشهدك أني قد بلغت.

معاشر الناس، إنما أكمل الله لكم دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به وبمن كان من ولدي من صلبه إلى يوم القيامة والعرض على الله، فأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ

[
سورة التوبة 17.]

لا يخفف العذاب عنهم ولا هم ينظرون.

معاشر الناس، هذا أنصركم لي، وأحق الناس بي، والله عنه وأنا راضيان، وما أنزلت آية رضا إلا فيه، ولا خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به، وما أنزلت آية في مدح في القرآن إلا فيه، ولا سأل الله بالجنة في هَلْ أَتى عَلَى الإِنْسان

[
سورة الإنسان: 1.]

إلا له، ولا أنزلها في سواه، ولا مدح بها غيره.

معاشر الناس، هو يؤدي دين الله، والمجادل عن رسول الله، والتقي النقي الهادي المهدي نبيه، خير نبي، ووصيه خير وصي.

معاشر الناس، ذرية كل نبي من صلبه وذريتي من صلب أميرالمؤمنين علي.

معاشر الناس، إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم وتزل أقدامكم، أهبط آدم بخطيئته وهو صفوة الله، فكيف أنتم؟ فإن أبيتم فأنتم أعداء الله. ما يبغض عليا إلا شقي، ولا يوالي عليا إلا تقي، ولا يؤمن به إلا مؤمن مخلص، في علي والله نزل سورة والعصر بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ? والْعَصْرِ ? إِنَّ الإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ

[
سورة العصر: 1ـ 2.]

إلا علي، الذي آمن ورضي بالحق والصبر.

معاشر الناس، قد أشهدني الله وأبلغتكم، وما عَلَى الرَّسُولِ إِلا الْبَلاغُ الْمُبِين

[
سورة النور: 54.]

معاشر الناس، اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ ولا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

[
سورة آل عمران: 102.]

معاشر الناس، آمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلناه مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَما لَعَنَّا أَصْحابَ السَّبْتِ

[
سورة النساء: 47.]

معاشر الناس، النور من الله تعالى فيّ، ثم مسلوك في علي، ثم في النسل منه إلى القائم المهدي، الذي يأخذ بحق، وبكل حق هو لنا، بقتل المقصرين والغادرين والمخالفين والخائنين والآثمين والظالمين من جميع العالمين.

معاشر الناس، إني أنذر لكم أني رسول الله، قد خلت من قبلي الرسل، فإن مت أو قتلت انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ

[
سورة آل عمران: 144.]

ألا إن عليا الموصوف بالصبر والشكر، ثم من بعده ولدي من صلبه.

معاشر الناس، على الله فينا ما لا يعطيكم الله ويسخط عليكم ويبتليكم بسوط عذاب، إن ربكم لبالمرصاد.

معاشر الناس، سيكون بعدي أئمة يدعون إلى النار، ويوم القيامة لا ينصرون.

معاشر الناس، إن الله تعالى وأنا بريئان منهم.

معاشر الناس، إنهم وأشياعهم وأنصارهم وأتباعهم فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ

[
سورة النساء: 145.]

و فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ

[
سورة غافر: 76.]

معاشر الناس، إني أدعها إمامة ووراثة، وقد بلغت ما بلغت، حجة على كل حاضر وغائب، وعلى كل أحد ممن ولد وشهد، ولم يولد ولم يشهد، يبلغ الحاضر الغائب، والوالد الولد إلى يوم القيامة، وسيجعلونها ملكا واغتصابا، فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان من يفرغ و يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ ونُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ

[
سورة الرحمن: 35.]

معاشر الناس، إن الله تعالى لم يكن ليذركم على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، وما كان الله ليطلعكم على الغيب.

معاشر الناس، إنه ما من قرية إلا والله مهلكها قبل يوم القيامة، ومملكها الإمام المهدي، والله مصدق وعده.

معاشر الناس، قد ضل قبلكم أكثر الأولين، والله فقد أهلك الأولين بمخالفة أنبيائهم، وهو مهلك الآخرين''، ثم تلا الآية إلى آخرها.

ثم قال:

''معاشر الناس، إن الله أمرني ونهاني، وقد أمرت عليا ونهيته، وعلم الأمر والنهي لديه، فاسمعوا لأمره، وتنهوا لنهيه، ولا يفرق بكم السبل عن سبيله.

معاشر الناس، أنا صراط الله المستقيم الذي أمركم الله أن تسلكوا الهدى إليه، ثم علي من بعدي، ثم ولدي من صلبه أئمة الهدى، يهدون بالحق وبه يعدلون''، ثم قرأ الحمد

[
أي سورة فاتحة الكتاب.]

وقال: ''فيمن ذكرت ذكرت فيهم، والله، فيهم نزلت، ولهم والله شملت، وآباءهم خصت وعمت، أولئك أولياء الله لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ولا هُمْ يَحْزَنُونَ

[
سورة يونس: 62.]

و حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ

[
سورة المائدة: 56.]

، ألا إن أعداءهم هم الشقاء والغاوون وإخوان الشياطين، الذين يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً

[
سورة الأنعام: 112.]

، ألا إن أولياءهم الذين ذكر الله في كتابه، المؤمنين الذين وصف الله فقال: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ ورَسُولَهُ ولَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمانَ

[
سورة المجادلة: 22.]

ـ إلى آخر الآية ـ، ألا إن أولياءهم المؤمنون الذين وصفهم الله أنهم لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وهُمْ مُهْتَدُونَ

[
سورة الأنعام: 82.]

ألا إن أولياءهم الذين آمنوا ولم يرتابوا، ألا إن أولياءهم الذين يدخلون الجنة بسلام آمنين، وتتلقاهم الملائكة بالتسليم أن طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ

[
سورة الزمر: 73.]

ألا إن أولياءهم لهم الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ

[
سورة غافر: 40.]

، ألا إن أعداءهم الذين سَيَصْلَوْنَ سَعِيراً

[
سورة النساء: 10.]

، ألا إن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم شهيقا، ويرون لها زفيرا كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها

[
سورة الأعراف: 38.]

ـ إلى آخر الآية ـ، ألا إن أعداء الله الذين قال الله: كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ

[
سورة الملك: 8.]

ـ إلى آخر الآية ـ، ألا فَسُحْقاً لأَصْحابِ السَّعِيرِ

[
سورة الملك: 11.]

، ألا وإن أولياءهم الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأَجْرٌ كَبِيرٌ

[
سورة الملك: 12.]

معاشر الناس، شتان ما بين السعير والأجر الكبير.

معاشر الناس عدونا كل من ذمه الله ولعنه وولينا كل من أحبه الله ومدحه. معاشر الناس ألا إني النذير وعلي البشير. معاشر الناس إني منذر وعلي هاد.

معاشر الناس ألا إني نبي وعلي وصي. معاشر الناس ألا إني رسول وعلي الإمام والأئمة من بعده ولده والأئمة منه ومن ولده ألا وإني والدهم وهم يخرجون من صلبه.

ألا وإني والدهم وخاتم الأئمة منا القائم المهدي الظاهر على الدين. ألا إنه المنتقم من الظالمين. ألا إنه فاتح الحصون وهادمها. ألا إنه غالب كل قبيلة من الترك وهاديها. ألا إنه المدرك لكل ثار لأولياء الله. ألا إنه ناصر دين الله. ألا إنه المصباح من البحر العميق الواسم لكل ذي فضل بفضله وكل ذي جهل بجهله. ألا إنه خيرة الله ومختاره. ألا إنه وارث كل علم والمحيط بكل فهم ألا إنه المخبر عن ربه والمشيد لأمر آياته. ألا إنه الرشيد السديد. ألا إنه المفوض إليه. ألا إنه قد بشر به كل نبي سلف بين يديه. ألا إنه الباقي في أرضه وحكمه في خلقه وأمينه في علانيته وسره.

معاشر الناس، إني قد بينت لكم وأفهمتكم وهذا علي يفهمكم بعدي. ألا وعند انقضاء خطبتي أدعوكم إلى مصافقتي على يدي ببيعته والإقرار له ثم مضافقته

[
في العدد القوية وردت بلفظ "مصافقته" ص178 خطبة النبي يوم غدير خم.]

بعد يدي. ألا إني قد بايعت الله وعلي قد بايع لي وأنا أمدكم بالبيعة له عن الله عز وجل: فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ

[
سورة الفتح: 10.]

ـ إلى آخر الآية ـ معاشر الناس، ألا وإن الحج والعمرة من شعائر الله فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ

[
سورة البقرة: 158.]

ـ إلى آخر الآية ـ معاشر الناس، حجوا البيت فما ورده أهل بيت إلا تموا وأبشروا ولا تخلفوا عنه إلا تبروا وافتقروا.

معاشر الناس، ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر له ما سلف من ذنبه إلى وقته ذلك فإذا انقضت حجته استؤنف به معاشر الناس الحاج معانون ونفقاتهم مخلفة عليهم والله لا يضيع أجر المحسنين.

معاشر الناس، حجوا بكمال في الدين وتفقه ولا تنصرفوا عن المشاهد إلا بتوبة إقلاع.

معاشر الناس أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة كما أمرتكم فإن طال عليكم الأمد فقصرتم أو نسيتم فعلي وليكم الذي نصبه الله لكم ومن خلقه مني وأنا منه يخبركم بما تسألون ويبين لكم ما لا تعلمون. ألا وإن الحلال والحرام أكثر من أن أحصيها وأعدها فآمر بالحلال وأنهى عن الحرام في مقام واحد، وأمرت فيه أن آخذ البيعة عليكم والصفقة لكم بقبول ما جئت به من الله عز وجل في علي أميرالمؤمنين والأوصياء من بعده الذين هم مني ومنه إمامة فيهم قائمة خاتمها المهدي إلى يوم يلقى الله الذي يقدر ويقضي.

ألا معاشر الناس وكل حلال دللتكم عليه وحرام نهيتكم عنه فإني لم أرجع عن ذلك ولم أبدل. ألا فادرسوا ذلك واحفظوه وتواصوا به ولا تبدلوه. ألا وإني أجدد القول. ألا وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ومروا بالمعروف وانهوا عن المنكر. ألا وإن رأس الأمر بالمعروف أن تنبهوا قولي إلى من يحضر ويأمروه بقبوله عني ونبهوه عن مخالفته فإنه أمر من الله تعالى''.

فهذه هي البشرى، بشرى ولاية أميرالمؤمنين فمن تمسّك بها فاز بدنيا سعيدة، وآخرة حميدة بأعلى الجنان، ومن لا يؤمن بها فقد ضل ضلالاً مُبيناً وخسر دنياه وآخرته.

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المتمسكين بولاية أميرالمؤمنين والعاملين بها

[
انظر قصة الغدير وتصريح النبي بخلافة أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب من بعده بألفاظ مختلفة وفي أحاديث متواترة رواها الأميني في "الغدير"، واليك بعض المصادر من كتب العامة: صحيح ابن حبان: ج15 ص176 ط مؤسسة الرسالة ـ بيروت، والمستدرك على الصحيحين: ج3 ص118 و126 و613 ط دار الكتب العلمية، ومسند أحمد: ج1 ص84 و88 و118 و119 و152 وج4 ص368 و370 ط مؤسسة قرطبة مصر، ومسند أبي يعلى: ج1 ص249 ط دار المأمون للتراث دمشق، وفضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: ج2 ص572 و585 و586 و613 و682 و705 ط مؤسسة الرسالة بيروت، وفضائل الصحابة للنسائي: ج1 ص15 ط دار الكتب العلمية بيروت، ومعجم ما استعجم: ج1 ص368 ط عالم الكتاب ـ بيروت، وتفسير ابن كثير: ج2 ص15 ط دار الفكر، والأحاديث المختارة: ج2 ص80 و87 و105 و106 و173 و174 و274 وج3 ص213 ط مكتبة النهضة الحديثة ـ مكة المكرمة، وموارد الظمآن: ص544 ط ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت، ومجمع الزوائد: ج5 ص14 وج9 ص104 و105 و106 و107 و164 ط دار الريان للتراث ـ القاهرة، والسنن الكبرى للنسائي: ج5 ص45 و130 و132 و134 و135 و136 و154 ط دار الكتب العلمية ـ بيروت، ومعتصر المختصر: ج2 ص301 ط عالم الكتب ـ بيروت، ومسند الشاسي: ج1 ص127 و166 ط ـ المدينة المنورة، والمعجم الأوسط: ج2 ص257 و369 ط دار الحرمين ـ القاهرة. ومسند البزار: ج2 ص133 و235 وج3 ص35 ط مؤسسة علوم القرآن ـ بيروت. والمعجم الصغير: ج1 ص119 ط المكتب الإسلامي ـ بيروت، والمعجم الكبير: ج2 ص357 وج4 ص16 وج5 ص166 و170 و171 و191 و192 و195 و204 ط ـ الموصل، وأمالي المحاملي: ص162 ط ـ الأردن، والسنة لابن أبي عاصم: ج2 ص607 ط المكتب الإسلامي ـ بيروت، وفيض القدير: ج6 ص218 ط ـ مصر، والتاريخ الكبير للبخاري: ج4 ص193 ط دار الفكر، وتهذيب التهذيب: ج7 ص296 وج8 ص106 ط دار الفكر ـ بيروت، وتهذيب الكمال: ج11 ص99 وج20 ص484 وج22 ص398 وج33 ص283 ط مؤسسة الرسالة ـ بيروت، وتاريخ بغداد: ج8 ص289 ط دار الكتب العلمية ـ بيروت، ومعجم الصحابة: ج1 ص199 ط ـ المدينة المنورة، وصفوة الصفوة: ج1 ص313 ط دار المعرفة ـ بيروت، والاستيعاب: ج3 ص1099 ط دار الجيل ـ بيروت، والإصابة: ج3 ص592 و597 وج4 ص328 وج7 ص330 ط دار الجيل، ونزهة الحفاظ: ص102 ط مؤسسة الكتب الثقافية ـ بيروت، وتالي تشخيص المتشابه للخطيب البغدادي: ج1.]

ولهذه المناسبة العظيمة نذكر قصيدة في مدح أميرالمؤمنين الإمام علي أوردها الشيخ الكفعمي في مصباحه ذكر فيها من فضائله قليلاً من كثير مع الإشارة فيها إلى يسير من أسماء يوم الغدير

[
مصباح الكفعمي: ص700 الفصل 49.]

:

/ 33