غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب جلد 9

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب - جلد 9

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


أسلفناه من كلماته عليه السلام.

وقد مر قول ابن عباس: أما طلحة والزبير فانهما أجلبا عليه وضيقا خناقه. و قول عمار بن ياسر في خطبة له: ان طلحة والزبير كانا أول من طعن وآخر من أمر. وقول سعيد بن العاص لمروان: هؤلاء قتلة عثمان معك إن هذين الرجلين قتلا عثمان: طلحة والزبير، وهما يريدان الامر لانفسهما، فلما غلبا عليه قالا: نغسل الدم بالدم والحوبة بالحوبة.

وأما سعد بن أبي وقاص فهو القائل كما مر حديثه: وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعنا عنه ولكن عثمان غير وتغير، وأحسن وأساء، فإن كنا أحسنا فقد أحسنا، وإن كنا أسأنا فنستغفر الله.

وأعطف على هؤلاء بقية الصحابة الذين حسب واضعوا هذه الروايات انهم بعثوا أبناءهم للدفاع عن عثمان، وقدأسلفنا اجماعهم عدا ثلاثة رجال منهم على مقته المفضي إلى قتله، وهل ترى من المعقول أن يمقته الآباء إلى هذا الحد الموصوف ثم يبعثوا أبنائهم للمجالدة عنه؟ إن هذا الااختلاق.

وهل من المعقول ان القوم كانوا يمحضون له الولاء، وحضروا للمناضلة عنه، فباغتهم الرجلان اللذين أجهزا عليه وفرا ولم يعلم بهما أحد إلى أن أخبرتهم بهما الفرافصة ولم تعرفهما هي أيضا، وكانت إلى جنب القتيل تراهما وتبصرما ما ارتكباه منه؟.

وهل عرف مختلق الرواية التهافت الشائن بين طرفي ما وضعه من تحريه تقليل عدد المناوئين لعثمان المجهزين عليه حتى كاد أن يخرج الصحابة الآباء منهم والابناء عن ذلك الجمهور، ومما عزاه إلى مولانا أميرالمؤمنين عليه السلام من قوله لما انثال إليه القوم ليبايعوه: والله إني لاستحي أن أبايع قوما قتلوا عثمان. الخ؟ وهو نص على أن مبايعيه اولئك هم كانوا قتلوا عثمان وهم هم المهاجرون والانصار الصحابة الاولون الذين جاء عنهم يوم صفين لما طلب معاوية من الامام عليه السلام قتلة عثمان وأمر عليه السلام بتبرزهم فنهض أكثر من عشرة آلاف قائلين: نحن قتلته، يقدمهم عمار بن ياسر، ومالك الاشتر، و محمد بن أبي بكر، وفيهم البدريون، فهل الكلمة المعزوة إلى الامام عليه السلام لمبايعيه عبارة أخرى عن الرجلين المجهولين اللذين فرا ولم يعرف أحد خبرهما؟ أو هما وأخلاط من

الناس الذين كانت الصحابة تضادهم في المرمى؟ وهل في المعقول أن يلهج بهذا إلا معتوه؟

وهل نحت هذا الانسان الوضاع إن صدق في أحلامه عذرا مقبولا لاولئك الصحابة العدول الذابين عن عثمان بأنفسهم وأبنائهم الناقمين على من ناوئه في تأخيرهم دفنه ثلاثا وقد ألقي في المزبلة حتى زج بجثمانه إلى حش كوكب، دير سلع، مقبرة اليهود، ورمي بالحجارة، وشيع بالمهانة، وكسر ضلع من أضلاعه، واودع الجدث بأثيابه من غير غسل ولاكفن، ولم يشيعه إلا أربعة، ولم يمكنهم الصلاة عليه؟ فهل كل هذا مشروع في الاسلام، والصحابة العدول يرونه ويعتقدون بأنه خليفة المسلمين، وان من قتله ظالم، ولا ينبسون فيه ببنت شفة، ولا يجرون فيه أحكام الاسلام؟ أو انهم ارتكبوا ذلك الحوب الكبير وهم لا يتحوبون متعمدين؟ معاذ الله من أن يقال ذلك. أو أن هذا الانسان زحزحته بوادره عن مجاري تلكم الاحكام، وحالت شوارده بينه وبين حرمات الله، وشرشرت منه جلباب الحرمة والكرامة ومزقته تمزيقا، حتى وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة؟

ومن الكذب الصريح في هذه الروايات عد سعد بن أبي وقاص في الرعيل الاول ممن بايع عليا عليه السلام وهو من المتقاعدين عن بيعته إلى آخر نفس لفظه وهذا هو المعروف منه والمتسالم عليه عند رواة الحديث ورجال التاريخ، وقد نحتت يد الافتعال في ذلك له عذرا أشنع من العمل، راجع مستدرك الحاكم 116:3.

ومن المضحك جدا ما حكاه البلاذري في الانساب 93:5 عن ابن سيرين من قوله: لقد قتل عثمان وإن في الدار لسبعمائة منهم الحسن وابن الزبير فلو أذن لهم لاخرجوهم من أقطار المدينة.

وعن الحسن البصري

___________________________________

راجع ازالة الخفاء 242:2. قال: أتت الانصار عثمان فقالوا: يا أميرالمؤمنين ننصر الله مرتين نصرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وننصرك. قال: لا حاجة لي في ذلك ارجعوا. قال الحسن: والله لو أرادوا أن يمنعوه بأرديتهم لمنعوه.

أي عذر معقول أو مشروع هذا؟ يقتل خليفة المسلمين في عقر داره بين ظهراني سبعمائة صحابي عادل وهم ينظرون إليه، ومحمد بن أبي بكر قابض على لحيته عال بها

حتى سمع وقع أضراسه، وشحطه من البيت إلى باب داره، وعمرو بن الحمق يثب ويجلس علي صدره، وعمير بن ضابئ يكسر اضلاعه، وجبينه موجوء بمشقص كنانة بن بشر، ورأسه مضروس بعمود التجيبي، والغافقي يضرب فمه بحديد، ترد عليه طعنة بعد أخرى حتى أثخنته الجراح وبه حياة فأرادوا قطع رأسه فألقت زوجتاه بنفسهما عليه، كل هذه بين يدي اولئك المئآت العدول أنصار الخليفة غير انهم ينتظرون حتى اليوم إلى إذن القتيل وإلا كانوا أخرجوهم من أقطار المدينة، ولو أرادوا أن يمنعوه بأرديتهم لمنعوه. أين هذه الاضحوكة من الاسلام والكتاب والسنة والعقل والعاطفة والمنطق والاجماع والتاريخ الصحيح؟!.

نظرة في المؤلفات


إن ما سطرناه في عثمان إلى هذا الحد أساس ما علوا عليه بنيان فضله، وتبرير ساحته عن لوت أفعاله وتروكه، وتعذيره في النهابير التي ركبها والدفاع عنه، وقد أوقفناك على الصحيح الثابت مما جاء فيه، وعلى المزيف الباطل مما وضع له، ومن جنايات المؤرخين ضربهم الصفح عن الاول، وركونهم إلى الفريق الثاني من الروايات فبنوا ما شادوه على شفا جرف هار، فلم يأت بغيرها أي عثماني في العقيدة، أموي في النزعة، ضع يدك على أي كتاب لاحدهم في التاريخ والحديث مثل تاريخ الامم والملوك للطبري، والتمهيد للباقلاني، والكامل لابن الاثير، والرياض النضرة للمحب الطبري، وتاريخ أبي الفدا، وتاريخ ابن خلدون، والبداية والنهاية لابن كثير، والصواعق لابن حجر، وتاريخ الخلفاء للسيوطي، وروضة المناظر لابن الشحنة الحنفي، وتاريخ أخبا الدول للقرماني، وتاريخ الخميس للديار بكري، ونزهة المجالس للصفوري، ونور الابصار للشبلنجي، تجده مشحونا بتلكم الموضوعات المسلسلة، أتو بها مرسلين إياها إرسال المسلم، وشوهوابها صحيفة التاريخ بعد ماسودوا صحائفهم، وموهوابها على الحقائق الراهنة.

وجاء بعد هؤلاء المحدثون المتسرعون وهو يحسبون انهم يمحصون التاريخ والحديث تمحيصا، ويحللون القضايا والحوادث تحليلا صحيحا متجردين عن الاهواء والنزعات غير متحيزين إلى فئة، ولا جانحين إلى مذهب، لكنهم بالرغم من هاتيك الدعوي

وقعوا في ذلك وهم لا يشعرون، فحملوا إلينا كل تلكم الدسائس في صور مبهرجة رجاء أن تنطلي عند الرجرجه الدهماء، لكن قلم التنقيب أماط الستار عن تمويههم، وعرف الملا الباحث انهم إنما ردوا ما هنالك من بوائق ومخازي.

نظرة في الفتوحات الاسلامية لدحلان


وأثبتوا فضائل بنيت على أساس منهدم، وربطوها بعرى متفككة، فهلم معي نقرأ صحيفة من 'الفتوحات الاسلامية' تأليف مفتي مكة السيد أحمد زيني دحلان مما ذكره في الجزء الثاني من سيرة الخلفاء الاربعة ص 354 تا 517 قال في ص 492 تحت عنوان: ذكرما كان لسيدنا عثمان من الاقتصاد في الدنيا وحسن السيرة: كان عثمان رضي الله عنه زاهدا في الدنيا، راغبا في الآخرة، عادلا في بيت المال

___________________________________

فلماذا نقم عليه الصحابة اجمع؟ ولماذاقتلوا ذلك الزاهد الراغب العادل؟ لا يأخذ لنفسه منه شيئا

___________________________________

راجع الجزء الثامن ص 289 و 288 ط 2. لانه كان غنيا، وغناه كان مشهورا من حياة النبي صلى الله وعليه وسلم وبعد وفاته، وكان كثير الانفاق في نهاية الجود والسماحة والبذل في القريب والبعيد

___________________________________

الامن كان يمت بالبيت الهاشمى ويحمل ولاء العترة كأبى ذر وعمار وابن مسعود ونظرائهم. وأنزل الله فيه: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون

___________________________________

مر في الجزء الثامن ص 57 ط 2 بطلان هذا التقول على الله. وقوله تعالى: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا و قائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه

___________________________________

اسلفنا في هذاالجزء في ترجمة عمار القول الصحيح في نزول الاية. وقوله تعالى: رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه

___________________________________

مر في الجزء الثانى ص 51 ط 2 نزولها في على وحمزة وعبيدة بن الحرث. واخرج البخارى في صحيحه في التفسير ج 91:7 نزولها في انس بن النضر وذكر ابن حجر نزولها في جماعة ولم يذكر فيهم عثمان، راجع فتح البارى 420:8.

وكان يخطب الناس وعليه إزار غليظ عدني ثمنه أربعة دراهم

___________________________________

راجع مارويناه في الجزء الثامن ص 291 ط 2. وكان يطعم الناس طعام الامارة ويدخل بيته يأكل الخل والزيت، قال الحسن البصري: دخلت المسجد فإذا أنا بعثمان متكئا على ردائه فأتاه سقا آن يختصمان إليه فقضى بينهما،

وعن عبدالله بن شداد قال: رأيت عثمان رضى الله عنه يوم الجمعة وهو يومئذ أمير المؤمنين وعليه ثوب قيمته أربعة دراهم. وسئل الحسن البصري ما كان رداء عثمان؟ قال: كان قطري. قالوا: كم ثمنه؟ قال: ثمانية دراهم. وكان رضي الله عنه شديد المتواضع، قال الحسن البصري: رأيت عثمان وهو أميرالمؤمنين نائما في المسجد ورداؤه تحت رأسه فيجئ الرجل فيجلس إليه، ثم يجئ الرجل فيجلس اليه، فيجلس هو كأنه أحدهم وروى خيثمة قال: رأيت عثمان نائما في المسجد في ملحفة ليس حوله أحد وهو أمير المؤمنين، وفي رواية أخرى لخيثمة أيضا: رأيت عثمان يقيل في المسجد ويقوم وأثر الحصاة في جنبه فيقول الناس: يا أميرالمؤمن دين وكان يلى وضوءه في الليل بنفسه فقيل له: لو أمرت بعض الخدم لكفوك، قال: لا، ألليل لهم يستريحون فيه، وكان رضي الله عنه يعتق في كل جمعة رقبة منذ أسلم إلا أن لايجد ذلك تلك الجمعة فيجمعها في الجمعة الاخرى. قال العلامة ابن حجر في الصواعق: إن جملة ما أعتقه عثمان رضي الله عنه ألفان واربعمائة. ومن تواضعه: انه كان يردف غلامه خلفه أيام خلافته ولا يعيب ذلك. وكان يصوم النهار ويقول الليل إلا هجعة من أوله. وكان يختم القرآن كل ليلة في صلاته. وكان كثيرا ما يختمه في ركعة، وكان إذا مر على المقبرة يبكي حتى تبتل لحيته، وكان من العشرة المبشرين بالجنة. ومن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض، وكان من السابقين للاسلام، فانه أسلم بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثه، و شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة والزهد في الدنيا، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم نه قال: رحمك الله يا عثمان ما أصبت من الدنيا ولا أصابت منك

___________________________________

هل تؤيد هذه الصحيحة المزعومة وما قبلها سيرة الرجل؟ ما لهم بذلك من علم ان هم إلا يخرصون. وكثرت الفتوحات في زمن خلافته فقد فتح في زمنه أفريقية وسواحل الاردن وسواحل الروم واصطخر وفارس وطبرستان وسجستان وغير ذلك، وكثرت أموال الصحابة في خلافته حتى بيعت جارية بوزنها، وفرس بمائة ألف، ونخلة بألف، وعن الحسن البصري قال: كانت الارزاق في زمن عثمان وافرة وكان الخير كثيرا، وأصاب الناس مجاعة في غزوة تبوك فاشترى طعاما يصلح العسكر وأخرج أبويعلى عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عثمان في الجنة وقال: لكل نبي خليل

في الجنة وان خليلي عثمان بن عفان. وفي رواية: لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها عثمان بن عفان. وقال صلى الله عليه وسلم: ليد خلن بشفاعة عثمان سبعون ألف كلهم استحقوا النار الجنة بغير حساب. وأخرج أبويعلى عن أنس رضي الله عنه: أول من هاجر إلى الحبشة بأهله عثمان بن عفان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صحبهما الله إن عثمان لاول من هاجر إلي الله تعالى بأهله بعد لوفى، ولما زوج النبي صلى الله عليه وسلم بنته أم كلثوم لعثمان قال لها: إن بعلك لاشبه الناس بجدك ابراهيم وأبيك محمد صلى الله عليه وسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: أشد أمتي حياء عثمان بن عفان. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله أوحى إلي أن ازوج كريمتي يعني رقية وأم كلثوم من عثمان. وقال صلى الله عليه وسلم: إن عثمان حيي تستحي منه الملائكة، و قال صلى الله عليه وسلم: إنما يشبه عثمان بأبينا إبراهيم. وقال صلى الله عليه وسلم: ما زوجت عثمان بأم كلثوم إلا بوحي من السماء. وقال صلى الله عليه وسلم لعثمان: يا عثمان هذا جبريل يخبرني إن الله زوجك ام كلثوم بمثل صداق رقية وعلى مثل صحبتها، وأخرج الترمذي عن عبدالرحمن بن خباب قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة فقال عثمان بن عفان: يا رسول الله علي مائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله ثم حض على الجيش فقال عثمان: يا رسول الله علي ثلاثمائة بعير بأحلاسها وأقتابها في سبيل الله، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ما على عثمان ما فعل بعد اليوم. وعن عبدالرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثره في حجره فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها ويقول: ما ضر عثمان ما عمل بعد اليوم. وفي رواية عن حذيفة: انها عشرة آلاف دينار فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلبها ويقول: غفر الله لك يا عثمان! ما أسررت وما أعلنت وما هو كائن إلى يوم القيامة، ما يبالي عثمان ما عمل بعدها، وأخرج الواحدي: إن الله أنزل بسبب ذلك في حق عثمان: الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما انفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون. وعن أبي سعيد الخدري قال: ارتقبت النبي صلى الله عليه وسلم ليلة من أول الليل إلى أن طلع الفجر يدعو لعثمان بن عفان يقول: أللهم عثمان بن عفان رضيت عنه فارض عنه، فما زال رافعا يديه حتى طلع الفجر. وعن جابر بن عطية قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: غفر الله لك يا عثمان ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أخفيت وما أبديت وما هو كائن إلى يوم القيامة. الخ.

هذه بلايا تمنتها يد الغلو في الفضائل، منيت بها الامة، وطمست تحت أطباقها حقايق العلم والدين، وانطمست بها انوار الهداية، وستعرف انها روايات مختلفة زيفتها نظارة التنقيب ولا يصح منها شئ، غير أن المفتي دحلان على مطمار قومه أرسلها إرسال المسلم، وموهها على أغرار الملا الديني، ولا يجد عن سردها منتدحا، ذلك مبلغهم من العلم إن هم إلا يظنون، ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا.

نظرة في الفتنة الكبرى


واقرأ صحيفة من 'الفتنة الكبرى' للدكتور طه حسين قال في بدء كتابه . هذا حديث أريد أن أخلصه للحق ما وسعني إخلاصه للحق وحده، وأن أتحرى فيه الصواب ما استطعت إلى تحري الصواب سبيلا، وأن أحمل نفسي فيه على الانصاف لا أحيد عنه ولا امالئ فيه حزبا من أحزاب المسلمين على حزب، ولا أشايع فيه فريقا من الذين اختصموا في قضية عثمان دون فريق، فلست عثماني الهوى، ولست شيعة لعلي، و لست أفكر في هذه القضية كما كان يفكر فيها الذين حاصروا عثمان واحتملوا معه ثقلها وجنوا معه أو بعده نتائجها.

وأنا أعلم أن الناس ما زالوا ينقسمون في أمر هذه القضية إلى الآن كما كانوا ينقسمون فيها أيام عثمان رحمه الله، فمنهم العثماني الذي لا يعدل بعثمان أحدا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بعد الشيخين، ومنهم الشيعي الذي لا يعدل بعلي رحمه الله بعد النبي أحدا لا يستثني الشيخين ولا يكاد يرجو لمكانهما وقارا، ومنهم من يتردد بين هذا وذاك يقتصد في عثمانيته شيئا، أو يقتصد في تشيعه لعلي شيئا، فيعرف لاصحاب النبي مكانتهم ويعرف لاصحاب السابقة منهم سابقتهم، ثم لا يفضل بعد ذلك أحدا منهم على الآخر يرى انهم جميعا قد اجتهدوا ونصحوا لله ولرسوله وللمسلمين، فأخطأ منهم من أخطأ وأصاب منهم من أصاب، ولاولئك وهؤلاء أجرهم لانهم لم يتعمدوا خطيئة ولم يقصدوا إلى إساءة، وكل هؤلاء إنما يرون آراءهم هذه يستمسكون بها ويذودون عنها و يتفانون في سبيلها، لانهم يفكرون في هذه القضية تفكيرا دينيا، يصدرون فيه عن الايمان، ويبتغون به ما يبتغي المؤمن من المحافظة على دينه والاستمساك بيقينه وابتغاء

رضوان الله بكل ما يعمل في ذلك أو يقول.

وأنا أريد أن أنظر إلى هذه القضية نظرة خالصة مجردة لاتصدر عن عاطفة ولا هوى، ولاتتأثر بالايمان ولا بالدين، وإنما هي نظرة المؤرخ الذي يجرد نفسه تجريدا كاملا من النزعات والعواطف والاهواء مهما تختلف مظاهرها ومصادرها وغاياتها الخ.

هكذايحسب الدكتور ويبدي انه لا يروقه النزول على حكم العاطفة ولا التحيز إلى فئة أو جنوح إلى مذهب، وقد تجرد فيما كتب عن كل ذلك حتى عن الايمان والدين، وزعم انه قصر نظرته في قضايا عثمان على البساطة ليتسنى له الحكم الطبيعي، والقول في تلكم الحوادث على الحقائق المحضة، هكذا يحسب الدكتور، لكنه سرعان ما انقلب على عقبيه كرا على ما فر منه، فلم يسعه إلا الركون إلى العواطف ومتابعة النزعات، فلم يرتد إلا تلكم السفاسف التي اختلقتها سماسرة العثمانيين، ولم يسرح في مسيره إلا مقيدا بسلاسل أساطير الاولين التي سردها الطبري ومن شايعه أو سبقه بتلك الاسانيد الواهية والمتون المزيفة التي أوقفناك عليها في هذا الجزء وفيما سبقه من الاجزاء، فلم نجد مائزا بين هذا الكتاب وبين غيره من الكتب التي حسب الدكتور ان مؤلفيها حدث بهم الميول و النزعات، فما هو إلا فتنة كبرى كما سماه هو بذلك.

ترى الدكتور يحايد حذرا من أن يحيد عن مهيع الحق ويجور في الحكم، و زعم الحياد أسلم في اليوم الحاضر كما كان في الامس الدابر، فذهب مذهب سعد بن أبي وقاص الحايد في القضية واتبع أثره، قال في ديباجة كتابه: عاش قوم من أصحاب النبي حين حدثت هذه القضية وحين اختصم المسلمون حولها أعنف خصومة عرفها تاريخهم فلم يشاركوا فيها ولم يحتملوا من أعبائها قليلا ولا كثيرا، وإنما اعتزلوا المختصمين وفروا بدينهم إلى الله، وقال قائلهم سعد بن أبي وقاص رحمه الله: لاأقاتل حتى تأتوني بسيف يعقل ويبصر وينطق فيقول: أصاب هذا وأخطأ ذاك.

فأنا أريد أن أذهب مذهب سعد وأصحابه رحمهم الله، لا أجادل عن أولئك ولا عن هؤلاء، وإنما أحاول أن أتبين لنفسي وأبين للناس الظروف التي دفعت أولئك وهؤلاء إلى الفتنة، وما استتبعت من الخصومة العنيفة التي فرقتهم ومازالت تفرقهم إلى الآن، وستظل تفرقهم في أكبر الظن إلى آخر الدهر، وسيرى الذين يقرأون

هذا الحديث ان الامر كان أجل من عثمان وعلي وممن شايعهما وقال من دونهما، وأن غير عثمان لو ولي خلافة المسلمين في تلك الظروف التي وليها لتعرض لمثل ما تعرض له من ضروب المحن والفتن، ومن اختصام الناس حوله واقتتالهم بعد ذلك فيه. اه.

ها هنا نجد الدكتور جاريا على ما عهد إلى نفسه تجرد عن العواطف، وجانب المبادئ الدينية، وحايد الدين الحنيف حقا، ونظر إلى القضية بالحرية المحضة، وحسبها فتنة يحق للعاقل أن يكون فيها كابن لبون لا ظهر له فيركب ولا ضرع فيحلب، ونعم الرأي هذا لولا الاسلام المقدس، لولا ما جاء به نبي العظمة، لولا ما نطق به كتاب الله العزيز، لولا ما تقتضيه فروض الانسانية والعواطف البشرية القاضية بخلاف ما ذهب إليه الدكتور، وإني لست أقضي العجب منه، ولست أدري كيف يقدس مذهب ابن أبي وقاص، أيسوغ للباحث المسلم أن يصفح في تلكم القضايا عن حكم الدين المقدس، ويشذ عما قرره نبي الاسلام، ويسحق العواطف كلها حتى ما يستدعيه الطبع الانساني والغريزة العادلة في كسح الفساد والتفاني دون صالح المجتمع العام؟ ألم يكن هنالك كتاب ناطق أو سنة محكمة أو شريعة حاكمة أو عقل سليم يبعث الملا الديني إلى الدفاع عن كل مسلم مدت إليه يد الظلم والجور فضلا عن خليفة الوقت الواجب طاعته؟

ما الذي أحوج المتمسك بعرى الدين الحنيف إلى سيف يعقل ويبصر وينطق والله يقول: فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر؟ أولم يكفهم إنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى عليهم؟ وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه.

ما الذي أذهل الدكتور عن قول الصحابي العظيم حذيفة اليماني: لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل؟ وكيف يشتبه الحكم في القضية على المسلم النابه وهي لا تخلو عن وجهين، فإن عثمان إن كان إماما عادلا قائما بالقسط عاملا بالكتاب والسنة مرضيا عندالله؟ فالخروج عليه معلوم الحكم عند جميع فرق المسلمين لا يختلف فيه اثنان، ولاتشذ فئة عن فئة، وإن لم يكن كذلك وكان كما حسبه أولئك العدول من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله، ومرت آرائهم ومعتقداتهم فيه؟

فالحكم أيضا بين مبرهن بالكتاب العزيز كما استدل بذلك الثائرون عليه لما قال لهم: لا تقتلوني فانه لا يحل إلا قتل ثلاثة: رجل زنى بعد إحصانه. أو كفر بعد إسلامه، أو قتل نفسا بغير نفس فيقتل بها. فقالوا: إنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت: قتل من سعى في الارض فسادا، وقتل من بغى، ثم قاتل على بغيه، وقتل من حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دونه وكابر عليه، وقد بغيت، ومنعت الحق، وحلت دونه وكابرت عليه. الحديث 'راجع ص 205'

فنحن لانعرف وجها للحياد كما ذهب اليه ابن أبي وقاص في القضية وفي المواقف الهائلة بعدها، فالحياد وإن راق الدكتور تقاعد عن حكم الله، وتقاعس عن الواجب الديني، وخروج عما قررته الحنيفية البيضاء، نعم: الحياد حيلة أولئك المتشاغبين المتقاعدين عن بيعة إمام المتقين أميرالمؤمنين، المتقاعسين عن نصرته، المتحايدين عن حكم الكتاب والسنة في حروبه ومغازيه، عذر تترس به سعد بن أبي وقاص وعبدالله ابن عمر وأبوهريرة وأبوموسى الاشعري ومحمد بن مسلمة السابقون الاولون من رجال الحياد الزائف، والانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره.

نظرة في كتاب عثمان بن عفان


وأعطف على كتاب عثمان بن عفان للمدرس في كلية اللغة العربية بمصر الاستاذ صادق إبراهيم عرجون نظرة ممعنة حيث يقول في فاتحته: فهذا طراز من البحث في سيرة ثالث الراشدين 'عثمان' رضي الله عنه، صورت به حياته صورة لا أعيذها من اجمال غير مجحف بحق، ولا أعضها تفصيل يظهر حجة أويدفع شبهة.

وقد احتفلت فيه بتحقيق ما احتف بهذه السيرة الاسيفة من عوامل اجتماعية و سياسية، دفعت المجتمع الاسلامي دفعا عاصفا إلى أخطر انقلاب عرفه التاريخ في الاسلام

وسيرة عثمان رضي الله عنه حرية بالبحث الممحص الهادئ، ليكشف منها ما سترته الاقاصيص العابثة من فضائل، وما شوهته الروايات الغالطة من محاسن، ويصحح ما غالطت بينها من حقائق، ويزيف ما بهرجه المتقولون من أكاذيب مزورة وحكايات باطلة.

/ 41