غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب جلد 9

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

غدیر فی الکتاب و السنة و الأدب - جلد 9

عبدالحسین احمد الامینی النجفی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


فانهم كانوا بين مباشر لهاتيك الاحوال، وبين خاذل للمودى به، وبين مؤلب عليه، إلى مثبط عنه، إلي راض بما فعلوا، إلى محبذ لتلكم الاهوال، وكان يرن في مسامعهم قوله تعالى: لا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق. وقوله تعالى: من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا. وقوله تعالى: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما.

وما جاء في ذلك من السنة أكثر، وما يؤثر عن نبي العظمة صلى الله عليه وآله من وجوب دفن موتى المؤمنين وتغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم، وان حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا، فالقوم إن كانوا متعمدين في مخالفة هذه النصوص فهم فساق إن لم نقل إنهم مراق عن الدين بخروجهم على الامام المفترص طاعته.

أو أن هذه الاحوال تستدعي انحراف الخليفة عن الطريقة المثلى؟ وان القوم اعتقدوا بخروجه عن مصاديق تلكم الاوامر والمناهي المؤكدة التى تطابق عليها الكتاب والسنة. وليس من السهل الهين البخوع إلى أي من طرفى الترديد أما الصحابة فكلهم عدول عند القوم يركن إليهم ويحتج بأقوالهم وأفعالهم ويوثق بايمانهم، وقد كهربتهم صحبة الرسول صلى الله عليه وآله فأخرج درن نفوسهم، وكان في المعمعة منهم بقايا العشرة المبشرة كطلحة والزبير، ولطلحة خاصة فظاظات حول ذلك الجلاد، إلي اناس آخرين من ذوي المآثر نظراء عمار بن ياسر، ومالك الاشتر، وعبدالله بن بديل، وكان بين ظهرانيهم إمام المسلمين أميرالمؤمنين علي عليه السلام وهو المرموق يومئذ للخلافة، وقد انثنت إليه الخناصر، والامة أطوع له من الظل لذيه. أفتراه والحالة هذه سكت عن تلكم الفظايع وهو مطل عليها من كثب وهو أعلم الناس بنواميس الشريعة، وأهداهم إلى طريقها المهيع، وهو يعلم أن من المحظور إرتكابها؟ لا هاالله.

أو أنه عليه السلام أخذ الحياد في ذلك المأزق الحرج وهو مستبيح للحياد أو لما يعملون به أنا لا أدري.

وليس من المستطاع القول بأن معظم الصحابة ما كانوا عالمين بتلكم الوقايع، أو انهم ما كانوا يحسبون ان الامر يبلغ ذلك المبلغ، أو أنهم كانوا غير راضين بهاتيك الاحدوثة، فإن الواقعة ما كانت مباغتة ولا غيلة حتى يعزب عن أحد علمها، فإن

الحواراستدام أكثرمن شهرين، وطيلة هذه المدة لم يكن للمتجمهرين طلبة من الخليفة إلا الاقلاع عن أحداثه، أو التنازل عن عرش الخلافة، وكانوا يهددونه بالقتل إن لم يخضع لاحدى الطلبتين، وكانت نعرات القوم في ذلك تتموج بها الفضاء، وعقيرة عثمان في التوبة تارة وعدم التنازل أخرى وتخويفهم بمغبات القتل ثالثة تتسرب في فجوات الجو، فلو كان معظم الصحابة منحازين عن ذلك الرأي لكان في وسعهم تفريق الجمع بالقهر أو الموعظة، لكن بالرغم عما يزعم عليهم لم يؤثر عن أحد منهم ما يثبت ذلك أو يقربه، وما أسلفناه من الاحاديث الجمة النامة عن معتقدات الصحابة في الخليفة وفي التوثب عليه تفند هذه المزعمة الفارغة، إن لم نقل انها تثبت ما يعلمه الكل من الاجماع على مقت الخليفة والتصافق على ما نقموا عليه والرضا بما نيل منه، حتى أن أحد الم يروعن انه ساءه نداء قاتله حين طاف بالمدينة ثلاثا قائلا: أنا قاتل نعثل

___________________________________

الاستيعاب 478:2.

وأما ثاني الاحتمالين فمن المستعصب أن يبلغ سوء الظن بالخليفة هذا المدى، وإن كانت الصحابة جزموا بذلك، والشاهد يرى ما لا يراه الغايب، وقد أوقفناك على قول السيدة عائشة: اقتلوا نعثلا قتله الله وقد كفر.

وقولها لمروان: وددت والله انه في غرارة من غرائري هذه واني طوقت حمله حتى ألقيه في البحر.

وقولها لابن عباس: إياك أن ترد الناس عن هذا الطاغية.

وقول عبدالرحمن بن عوف للامام أميرالمؤمنين عليه السلام: إذا شئت فخذ سيفك وآخذ سيفي، انه قد خالف ما أعطاني.

وقوله: عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه.

وقوله له: لله علي أن لا اكلمك أبدا.

وقول طلحة لمجمع بن جارية لما قال له: أظنكم والله قاتليه: "فإن قتل فلا ملك مقرب ولانبي مرسل".

وقد مر ان طلحة كان أشد الناس على عثمان في قتله يوم الدار، وقتل دون دمه وقول الزبير: اقتلوه فقد بدل دينكم.

وقوله: إن عثمان لجيفة على الصراط غدا.

وقول عمار يوم صفين: امضوا معي عبادالله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه الحاكم على عبادالله بغير ما في كتاب الله.

وقوله: ما تركت في نفسي حزة أهم إلي من أن لا نكون نبشنا عثمان من قبره ثم أحرقناه بالنار.

وقوله: أراد أن يغير ديننا فقتلناه.

وقوله: والله إن كان إلا ظالما لنفسه الحاكم بغير ما أنزل الله.

وقوله: إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان الآمرون بالاحسان.

وقول حجر بن عدي وأصحابه: هو أول من جار في الحكم وعمل بغير الحق.

وقول عبدالرحمن العنزي: هو أول من فتح أبواب الظلم، وارتج أبواب الحق.

وقول هاشم المرقال: إنما قتله أصحاب محمد وقراء الناس حين أحدث أحداثا و خالف حكم الكتاب، وأصحاب محمد هم أصحاب الدين، وأولى بالنظر في امور المسلمين.

وقول عمرو بن العاص: أنا أبوعبدالله إذا حككت قرحة نكأتها، إن كنت لاحرض عليه حتى إني لاحرض عليه الراعي في غنمه في رأس الجبل.

وقوله له: ركبت بهذه الامة نهابير من الامور فركبوها منك، وملت بهم فمالوا بك، اعدل أو اعتزل.

وقوله: أنا عبدالله قتلته وأنا بوادي السباع.

وقول سعد بن أبي وقاص: إنه قتل بسيف سلته عائشة، وصقله طلحة، وسمه ابن أبي طالب، وسكت الزبير وأشار بيده، وأمسكنا نحن ولو شئنا دفعناه عنه. إلخ.

وقول جهجاه الغفاري: قم يا نعثل فانزل عن هذا المنبر، ندرعك عباءة، ولنطرحك في الجامعة، ولنحملك على شارف من الابل ثم نطرحك في جبل الدخان.

وقول مالك الاشتر: إلى الخليفة المبتلى الخاطئ الحائد عن سنة نبيه، النابذ لحكم القرآن وراء ظهره.

وقول عمرو بن زرارة: إن عثمان قد ترك الحق وهو يعرفه. الخ.

وقول الحجاج بن غزية الانصاري: والله لو لم يبق من عمره إلا بين الظهر والعصر

لتقربنا إلى الله بدمه.

وقول قيس بن سعد الانصاري: أول الناس كان فيه 'قتل عثمان' قياما عشيرتي ولهم أسوة.

وقول جبلة بن عمرو الانصاري: يانعثل! والله لاقتلنك ولاحملنك على قلوص جرباء ولاخرجنك إلى حرة النار.

وقوله وقد سئل الكف عن عثمان: والله لا ألقى الله غدا فأقول: إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل.

وقول محمد بن أبي بكر له: على أي دين أنت يا نعثل غيرت كتاب الله. وقوله له: الآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين.

وقول الصحابة مجيبين لقوله: لا تقتلوني فانه لا يحل إلا قتل ثلاثة: إنا نجد في كتاب الله قتل غير الثلاثة الذين سميت، قتل من سعى في الارض فسادا، وقتل من بغى ثم قاتل على بغيه، وقتل من حال دون شئ من الحق ومنعه ثم قاتل دون وكابر عليه، وقد بغيت، ومنعت الحق، وحلت دونه وكابرت عليه. الخ.

وقول عبدالله بن أبي سفيان بن الحارث من أبيات مرت ج 288:8.

وشبهته كسرى وقد كان مثله++

شبيها بكسرى هديه وضرائبه

إلى كلمات آخرين محكمات وأخر متشابهات، يشبه بعضها بعضا.

إن في هذا المأزق الحرج لابد لنا من ركوب إحدى الصعبتين، والحكم هي الفطرة السليمة مهما دار الامر بين تخطئة إنسان واحد محتف بالاحداث، وبين تضليل آلاف مؤلفة فيهم الائمة والعلماء والحكماء والصالحون وقد ورد في فضلهم ما ورد كما نرتأيه نحن، أو أن كلهم عدول يحتج بأقوالهم وأفعالهم كما يحبسه أهل السنة، وإن كان في البين إجتهاد كما يحسبونه في أمثال المقام فهو في الطرفين، والتحكم بإصابة إنسان واحد وخطأ تلك الامة الكبيرة في اجتهادها، تهور بحت، وتحمل لايصار إليه، وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط، إن الله يحب المقسطين.

سلسلة الموضوعات في قصة الدار وتبرير الخليفة عثمان والنظر فيها


1- قال الطبري في تاريخه 98:5: فيما كتب به إلي السري عن شعيب عن سيف عن عطية عن يزيد الفقعسي قال: كان عبدالله بن سبا يهوديا من أهل صنعاء أمه سوداء فأسلم زمان عثمان، ثم تنقل في بلدان المسلمين يحاول ضلالتهم، فبدأ بالحجاز ثم البصرة ثم الكوفة ثم الشام، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام، فأخرجوه حتى أتى مصر فاعتمر فيهم فقال لهم فيما يقول: لعجب ممن يزعم ان عيسى يرجع ويكذب بأن محمدا يرجع وقد قال الله عزوجل: إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد. فمحمد أحق بالرجوع من عيسى: قال: فقبل ذلك عنه ووضع لهم الرجعة فتكلموا فيها، ثم قال لهم بعد ذلك: إنه كان ألف نبي ولكل نبي وصي وكان علي وصي محمد. ثم قال: محمد خاتم الانبياء وعلي خاتم الاوصياء. ثم قال بعد ذلك: من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ووثب على وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم وتناول أمر الامة ثم قال لهم بعد ذلك: إن عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم فانهضوا في هذا الامر فحركوه وابدأوا بالطعن على أمرائكم وأظهروا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الامر، فبث دعاته وكاتب من كان استفسد في الامصار وكاتبوه ودعوا في السر إلى ما عليه رأيهم، وأظهروا الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجعلوا يكتبون إلى الامصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم ويكاتبهم إخوانهم بمثل ذلك، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يضعون فيقرأ أولئك في أمصارهم وهؤلاء في أمصارهم، حتى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا الارض ازاعة، وهم يريدون غير ما يظهرون، ويسرون غير ما يبدون، فيقول أهل كل مصر: إنا لفي عافية مما ابتلى به هؤلاء إلا أهل المدينة فانهم جاءهم ذلك عن جميع الامصار فقالوا: إنا لفي عافية مما فيه الناس، وجامعه محمد وطلحة من هذا المكان قالوا: فأتوا عثمان فقالوا: يا أميرالمؤمنين أيأتيك عن الناس الذي يأتينا؟ قال: لا والله ما جاءني إلا السلامة. قالوا: فإنا قد أتانا وأخبروه بالذي أسقطوا إليهم، قال: فأنتم

شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي، قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالا ممن تثق بهم إلى الامصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم، فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر، وأرسل عبدالله ابن عمر إلى الشام، وفرق رجالا سواهم فرجعوا جميعا قبل عمار فقالوا: أيها الناس ما أنكرنا شيئا ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم، وقالوا جميعا: الامر أمر المسلمين إلا أن أمرائهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم، واستبطأ الناس عمارا حتى ظنوا أنه قد اغتيل فلم يفجأهم إلا كتاب من عبدالله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم ان عمارا قد استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه منهم: عبدالله بن السوداء، وخالد بن ملجم، وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر.

قال الاميني: لو كان إبن سبا بلغ هذا المبلغ من إلقاح الفتن، وشق عصا المسلمين وقد علم به وبعيثه أمراء الامة وساستها في البلاد، وانتهى أمره إلى خليفة الوقت، فلماذا لم يقع عليه الطلب ولم يبلغه القبض عليه، والاخذ بتلكم الجنايات الخطرة، والتأديب بالضرب والاهانة، والزج إلى أعماق السجون ولا آل أمره إلى الاعدام المريح للامة من شره وفساده، كما وقع ذلك كله على الصلحاء الابرار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وهتاف القرآن الكريم يرن في مسامع الملا الديني: إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الارض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الارض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم.

'المائدة: 33'.

فهلا إجتاح الخليفة جرثومة تلكم القلاقل بقتله وهل كان تجهمه وغلظته قصرا على الابرار من أمة محمد صلى الله عليه وآله؟ ففعل بهم ما فعل مما أسلفنا بعضه في هذا الجزء والجزء الثامن.

هب ابن سبا هو الذي أمال الامصار على مناوء الخليفة فهل كان هو مختلقا تلكم الانباء من دون انطباقها على شئ من أعمال عثمان وولاته فنهضت الامة وفيهم وجوه المهاجرين والانصار على لا شئ أو أن ما كان يقوله قد انطبق على ما كانوا يأتون به من الجرائم والمآثم، فكانت نهضة الامة لا كتساحها نهضة دينية يخضع لها كل مسلم،

وإن كان ابن اليهودية خلط نفسه بالناهضين لاي غاية راقته، وما أكثر الاخلاط في الحركات الصحيحة من غير أن يمس كونهم مع الهايجين بشئ من كرامتهم.

ولو كان ما أنهاه إليهم ابن سبأ عزوا مختلقا فهلا لما قدمت وفودا الامصار المدينة- قال لهم المدنيون: إن الرجل برئ من هذه القذائف والهنات وهو بين ظهرانيهم يرون ما يفعل، ويسمعون ما يقول لكنهم بدلا عن ذلك أصفقوا مع القادمين، بل صاروا هم القدوة والاسوة في تلك النهضة، وكانوا قبل مقدمهم ناقمين عليه.

ونحن والدكتور طه حسين نصافق عند رأيه هاهنا حيث قال في كتابه' الفتنة الكبرى ص 134: وأكبر الظن أن عبدالله بن سبأ هذا- إن كان كل ما يروى عنه صحيحا- إنما قال ما قال ودعا إلى ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة وعظم الخلاف فهو قد استغل الفتنة ولم يثرها، وأكبر الظن كذلك أن خصوم الشيعة أيام الامويين والعباسيين قد بالغوا في أمر عبدالله بن سبأ هذا، ليشككوا في بعض ما نسب من الاحداث إلى عثمان وولاته من ناحية، وليشنعوا على علي وشيعته من ناحية أخرى، فيردوا بعض امور الشيعة إلى يهودي أسلم كيدا للمسلمين، وما أكثر ما شنع خصوم الشيعة على الشيعة وما أكثر ما شنع الشيعة على خصومهم في أمر عثمان؟

وفي غير أمر عثمان فلنقف من هذا كله موقف التحفظ والتحرج والاحتياط، ولنكبر المسلمين في صدر الاسلام عن أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم رجل أقبل من صنعاء وكان أبوه يهوديا وكانت أمه سوداء، وكان هو يهوديا ثم أسلم لا رغبا ولا رهبا ولكن مكرا وكيدا وخداعا، ثم أتيح له من النجح ما كان يبتغي، فحرض المسلمين على خليفتهم حتى قتلوه، وفرقهم بعد ذلك أو قبل ذلك اشيعا وأحزابا.

هذه كلها أمور لا تستقيم للعقل، ولا تثبت للنقد، ولا ينبغي أن تقام عليها امور التاريخ، وإنما الشئ الواضع الذي ليس فيه شك هو أن ظروف الحياة الاسلامية في ذلك الوقت كانت بطبعها تدفع إلى إختلاف الرأي افتراق الاهواء ونشأة المذاهب السياسية المتباينة، فالمستمسكون بنصوص القرآن وسنة النبي وسيرة صاحبيه كانوا يرون امورا تطرأ ينكرونها ولا يعرفونها، ويريدون أن تواجه كما كان عمر يواجهها في حزم وشدة وضبط للنفس وضبط للرعية، والشباب الناشئون في قريش و غير قريش

من أحياء العرب كانوا يستقبلون هذه الامور الجديدة بنفوس جديدة، فيها الطمع، وفيها الطموح، وفيها الاثرة، وفيها الامل البعيد، وفيها الهم الذي لا يعرف حدا يقف عنده، وفيها من أجل هذا كله التنافس والتزاحم لا على المناصب وحدها بل عليها و على كل شئ من حولها. وهذه الامور الجديدة نفسها كانت خليفة أن تدفع الشيوخ والشباب إلى ما دفعوا إليه، فهذه أقطار واسعة من الارض تفتح عليهم، وهذه أموال لا تحصى تجبى لهم من هذه الاقطار، فأي غرابة في أن يتنافسوا في إدارة هذه الاقطار المفتوحة والانتفاع بهذه الاموال المجموعة؟ وهذه بلاد أخرى لم تفتح وكل شئ يدعوهم إلى أن يفتحوها كما فتحوا غيرها، فما لهم لا يستبقون إلى الفتح وما لهم لا يتنافسون فيما يكسبه الفاتحون من المجد والغنيمة إن كانوا من طلاب الدنيا، ومن الاجر والمثوبة إن كانوا من طلاب الآخرة ثم مالهم جميعا لا يختلفون في سياسة هذا الملك الضخم وهذا الثراء العريض وأي غرابة في أن يندفع الطامعون الطامحون من شباب قريش هذه الابواب التي فتحت لهم ليلجوا منها إلى المجد والسلطان والثراء وأي غرابة في أن يهم بمنافستهم في ذلك شباب الانصار وشباب الاحياء الاخرى من العرب وفي أن يمتلئ قلوبهم موجدة وحفيظة وغيظا إذا رأوا الخليفة يحول بينهم وبين هذه المنافسة، ويؤثر قريشا بعظائم الامور، ويؤثر بني امية بأعظم هذه العظائم من الامور خطرا وأجلها شأنا.

والشئ الذي ليس فيه شك هو أن عثمان قد ولى الوليد وسعيدا على الكوفة بعد أن عزل سعدا، وولى عبدالله بن عامر على البصرة بعد أن عزل أبا موسى. وجمع الشام كلها لمعاوية وبسط سلطانه عليها إلى أبعد حد ممكن بعد أن كانت الشام ولايات تشارك في إدارتها قريش وغيرها من أحياء العرب، وولى عبدالله بن أبي سرح مصر بعد أن عزل عنها عمرو بن العاص، وكل هؤلاء الولاة من ذوي قرابة عثمان، منهم أخوه لامه، ومنهم أخوه في الرضاعة، ومنهم خاله، ومنهم من يجتمع معه في نسبه الادنى إلى أمية بن عبد شمس.

كل هذه حقائق لا سبيل إلى انكارها، ومانعلم أن ابن سبأ قد أغرى عثمان بتولية من ولى وعزل من عزل، وقد أنكر الناس في جميع العصور على الملوك والقياصرة

والولاة والامراء ايثار ذوي قرابتهم بشؤون الحكم، وليس المسلمون الذين كانوا رعية لعثمان بدعا من الناس، فهم قد أنكروا وعرفوا ما ينكر الناس ويعرفون في جميع العصور. إنتهى حرفيا.

على أن ما تضمنته هذه الرواية من بعث عمار إلى مصر وغيره إلى بقية البلاد مما لا يكاد أن يذعن به، أو أن يكون له مقيل من الصحة، ولم يذكر في غير هذه الرواية الموضوعة المكذوبة على ألسنة رواتها المتراوحين بين زندقة وكذب وجهالة، فإن ما يعطيه النظر في مجموع ماروي حول مشكلة عثمان ان عمارا ومحمد بن مسلمة لم يفارقا المدينة طيلة أيامها ومنذ مبادئها إلى غايتها المفضية إلى مقتل عثمان، وعمار هو الذي كان في مقدم الثائرين عليه من أول يومه الناقمين على أعماله، وقد أراد نفيه إلي الربذة منفى أبي ذر بعد وفاته فيه رضوان الله عليهما فمنعته المهاجرون والانصار كما مر حديثه، وكم وقع عليه في تضاعيف تلكم الاحوال تعذيب وضرب وتعنيف، وكان عثمان يعلم بكراهة عمار إياه منذ يومه الاول، فمتى كان يستنصح عمارا حتى يبعثه إلى البلاد فيحكي عمار له أخبارها، أو يستميله ابن سبأ وأصحابه وهذا مما لا يعزب علمه عن أي باحث كما تنبه له الدكتور طه حسين في 'الفتنة الكبرى' ص 128 حيث قال: أكاد أقطع بأن عمارا لم يرسل إلى مصر ولم يشارك هذين الفتيين

___________________________________

يعنى بهما: محمد بن ابى بكر ومحمد بن أبي حذيفه. فيما كانا بسبيله من التحريض وإنما هي قصة إخترعها العاذرون لعثمان فيما كان بينه وبين عمار قبل ذلك أو بعده مما سنراه بعد حين. اه.

2- قال الطبري ص 99: كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وعطية قالوا: كتب عثمان إلى أهل الامصار:

أما بعد: فاني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم، وقد سلطت الامة منذ وليت على الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يرفع علي شئ ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته، وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إلا متروك لهم، وقد رفع إلى أهل المدينة أن أقواما يشتمون، وآخرون يضربون، فيا من ضرب سرا وشتم سرا، من ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان مني أو من عمالي أو تصدقوا.

فإن الله يجزي المتصدقين.

فلما قرئ في الامصار أبكي الناس ودعوا لعثمان وقالوا: إن الامة لتمخض بشر، وبعث إلى عمال الامصار فقدموا عليه عبدالله بن عامر، ومعاوية، وعبدالله ابن سعد، وادخل معهم في المشورة سعيدا وعمرا فقال: ويحكم ما هذه الشكاية وما هذه الاذاعة إني والله لخائف أن تكونوا مصدوقا عليكم وما يعصب هذا إلا بي، فقالواله: ألم تبعث؟ ألم نرجع إليك الخبر عن القوم ألم يرجعوا ولم يشافههم أحد بشئ؟ لا والله ما صدقوا ولابروا ولانعلم لهذاالامر أصلا، ولا كنت لتأخذ به أحدا فيقيمك على شئ، وما هي إلا إذاعة لا يحل الاخذ بها ولا الانتهاء إليها. قال: فأشيروا علي. فقال سعيد بن العاص: هذا أمر مصنوع يصنع في السر فليقى به غير ذي المعرفة فيخبر به فيتحدث به في مجالسهم، قال: فما دواء ذلك؟ قال: طلب هؤلاء القوم ثم قتل هؤلاء الذين يخرج هذا من عندهم. وقال عبدالله بن سعد: خذ من الناس الذي عليهم إذا أعطيتهم الذي لهم فانه خير من أن تدعهم. قال معاوية: قد وليتني فوليت قوما لا يأتيك عنهم إلا الخير والرجلان أعلم بناحيتيهما. قال: فما الرأي؟ قال: حسن الادب. قال: فما ترى يا عمرو؟ قال: أرى أنك قد لنت لهم، وتراخيت عنهم، و زدتهم على ما كان يصنع عمر، فأرى أن تلزم طريقة صاحبيك فتشتد في موضع الشدة وتلين في موضع اللين، إن الشدة تنبغي لمن لا يألو الناس شرا، وللين لمن يخلف الناس بالنصح، وقد فرشتهما جميعا اللين، وقام عثمان فحمدالله وأثنى عليه وقال: كل ما أشرتم به علي قد سمعت،ولكل أمر باب يؤتى منه، إن هذا الامر الذي يخاف على هذه الامة كائن، وإن بابه الذي يغلق عليه فيكفكف به اللين والمؤاناة والمتابعة إلا في حدود الله تعالى ذكره التي لايستطيع أحد أن يبادي بعيب أحدها، فإن سده شئ فرفق فذاك والله ليفتحن وليست لاحد علي حجة حق، وقد علم الله أني لم آل الناس وخيرا ولا نفسي، ووالله إن رحى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها كفكفوا الناس وهبوا لهم حقوقهم واغتفروا لهم، وإذا تعوطيت حقوق الله فلا تدهنوا فيها. فلما نفر عثمان أشخص معاوية وعبدالله بن سعد إلى المدينة، ورجع ابن عامر وسعيد معه. ولما استقل عثمان رجز الحادي:

/ 41