منهج الامام علی فی القضاء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

منهج الامام علی فی القضاء - نسخه متنی

فاضل عباس الملا

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


الصبر على تكشف الامور


ويرى الامام "ع" -بحق- وجوب ان يكون القاضى اصبر الناس "على تكشف الامور"، لا بل عليه ان "لا يكتفى بادنى فهم دون اقصاه"، ذلك لان مهمته -كما بينا- هى كشف الحقيقه واحقاق الحق، لا تقريره او انشاوه، فالدعوى المنظوره امامه ليست سوى وسيله للحصول على الحق بعد كشفه من خلال البينات، وليست هى الحق بالذات،

[لمزيد من التفصيل راجع، مثلا، الدكتور آدم وهيب النداوى فى رسالته للدكتوراه، سلطه المحكمه المدنيه فى تعديل نطاق الدعوى، ص 35بغداد79.] وهى كاجراء لا يشترط لقبولها ثبوت الحق او وضوحه ابتداء، انما على القاضى التحقق من ثبوته عبر مجريات المرافعه، لان الغايه الاساسيه من رفع الدعوى امامه هى الوصول الى حكم القضاء بتقرير وجود الحق المدعى به وعائديته من عدمهما.

وتحقيقا للحكم العادل الصحيح على القاضى التعمق فى فهم الدعوى وهضم ما يقوله اطرافها اثناء المرافعه، وان يركز فكره على ما يطرح من ادله ودفوع وان لا يكون "كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون"

[سوره الانفال، آيه: 22.] ثم عليه ان يحلل الادله ويمحصها بروى كاشفه وفكر ثاقب مقرون بالتانى كى يهتدى الى الصواب.

ولنا فى منهج الامام "ع" من خلال بعض قضاياه وسوابقه ما يوكد ذلك وبشكل لا لبس فيه، لا بل حتى عند توفر الدليل كان "ع" لا يتسرع بالاخذ بالدليل على علاته من دون تحليل ومصابره فى تدقيقه، فالاقرار مثلا لا يعتد به اذا كان مقترنا بالاكراه، كما سنرى فى المبحث الخاص به عند بحث ادله الاثبات. ولعل من المناسب ذكر احدى سوابق الامام القضائيه التى توكد منهجه فى عدم التسرع فى الحكم، تلك هى المتعلقه بقضيه الشاب الذى ضبط فى حاله سكر، اذ لم يقم عليه الحد رغم ثبوت جريمه شربه المسكر، فقد تبين له بعد التحقيق ان شربه كان نتيجه عدم بلوغه خبر التحريم، وذلك من خلال ارساله رجلين من ثقاه المسلمين اخذا يطوفان بذلك الشاب فى مجالس المهاجرين والانصار علهم يجدون من يشهد عليه فى سماعه آيه التحريم، ولكنهما لم يجدا من شهد ضده، لهذا اخلى الامام على "ع" سبيله.

[ان وددت الاطلاع على تفاصيل الحادث فى هذه القضيه، راجع: الشيخ المفيد فى ارشاده، ص 117والساروى، الحق المبين، ص 17سبق ذكرهما.]

ومساله وجوب ان لا يكتفى القاضى بادنى فهم من دون اقصاه يدخل فى نطاق مدلولها وجوب ان لا ياخذه الشرود فى المدافعه، فشرود الذهن يبعد القاضى عما يجرى فى مجلسه، ويجعله غير منتبه الى الاقوال التى تدلى امامه، وان مثل هذا من شانه المساس بمجريات التحقيق القضائى الذى يجريه فى الدعوى وبصحته، فتدوين الاقوال من قبل كاتب القاضى بشكلها المرسل -مثلا- لا يكفى لاخذ الصوره الحقيقيه لما تنم عليه تلك الاقوال من معنى او مغزى، فلعل كلمه من هذا او اماره او اشاره من ذاك تظهر من الحقيقه بعض غوامضها، وقد تكشف عن امور ليست بالحسبان.

ولعل من الطريف ان نذكر ما رواه ابن الجوزى عن ابى العطوف قاضى حران عندما تقدم اليه رجلان، فقال احدهما: هذا ذبح ديكا لى فخذ لى بحقه، فاجابهما على الفور ومن دون تامل: عليكما بصاحب الشرطه فهو الذى ينظر فى الدماء. فقد ادرج هذا القاضى فى قائمه الحمقى والمغفلين

[ابن الجوزى، اخبار الحمقى والمغفلين، ص 138سبق ذكره.] وكان موفقا فى هذا الادراج لان المذبوح ديك لا انسان، حيث ان جرائم الدم كانت تنظر عهد ذاك من قبل رجل الشرطه. فالقاضى اذن يجب ان لا يستعجل الراى، فالتمييز بين الحق والباطل قد يدق، احيانا، الى مستوى لا يمكن استيضاحه الا بعد جهد جهيد من الصبر والاناه فى التحقيق.

ومن القضايا التى علقت فى ذهنى اثناء ممارستى لقضاء الحج

[ان محاكم الجنح تنظر فى القضايا الجزائيه عن الجرائم التى لا تزيد عقوبتها عن الحبس فى حده الاعلى البالغ خمس سنوات.] ان متهما شابا قد مثل امامى، فلفت نظرى مظهره الخارجى وتقاطيع وجهه التى تنم على الرزانه والبراءه والشك فى ما اسند اليه من فعل نشل احد المواطنين -والنشل ابسط جرائم السرقات فى القانون الوضعى- وكاد يعزز ذلك ما نسبه اليه محاميه من كونه طالبا متفوقا على اقرانه، وهو فى الصف السادس العلمى، كون التفوق العلمى قرينه تدل على حصانه اخلاق صاحبها عاده، وعند ورود جواب مدرسته تبين لى انه راسب لسنتين متتاليتين وانه تارك الدراسه، ولولا هذه القرينه التى عززت شهاده الشاهد الواحد المتوفره فى القضيه، وما لاحظته من وشم فى ظهر ساعه احدى يديه التى تدل رسومه على مظهر لا اخلاقى لكان قد افلت من يد العداله.

الصرامه عند اتضاح الحق


واخيرا، لا بد من اضافه لما يقتضى ان يكون عليه القاضى من فطنه وحلم وصبر ان يكون صاحب راى صارم بالحق وقول فاصل ثابت: "واصرمهم عند اتضاح الحكم ممن لا يزدهيه اطراء ولا يستميله اغراء" فالصرامه فى الراى مظهر لقوه الشخصيه واستقلاليتها، لذا على القاضى ان يوازن فى الادله بروح محايده

[العلامه الحلى، تبصره المتعلمين، ص 11طبعه 1353ه.] كى يصدر قراره الحاسم الصارم بكل دقه وقناعه. والحياديه هنا لا تعنى وقوفه كالاله الصماء امام الخصوم انما عليه موازره الحق والميل نحوه حيثما مال، وقد جاء فى وصيه الامام على لولديه الحسنين قوله: "وقولا بالحق واعملا للاجر وكونوا للظالمين خصما وللمظلوم عونا".

[محمد عبده، شرح النهج، ج 3ص 76.]

ولعل من المناسب، اخيرا، الاشاره الى قول الامام على فى "ان بين الحق والباطل اربعه اصابع". وعندما سئل عن معنى ذلك وضع اصابعه بين اذنه وعينه

[ابن ابى الحديد فى شرح النهج، المجلد الثالث، ص 177بيروت، 1983.] فقلما ينطوى السماع على دقه فى القول او مصداقيه كتلك التى فى العين، فالعين لا تكذب قطعا.

وليس من شك فى ان عباره "اصبرهم على تكشف الامور" متداخله مع العباره التى تليها وهى "واصرمهم عند اتضاح الحكم" الوارده فى عهد الامام المذكور ومترابطه معها ايضا من حيث المعنى، ولا عجب فى ذلك ما دام قائلها هو ابلغ البلغاء وافصحهم، فالصرامه فى قول الحق بعد كشف مواقعه دليل على كفاءه القاضى وقوه شخصيته التى لا تتاثر باى ترغيب او ترهيب، وان ثباته على هذه الروحيه النقيه وصلابه موقفه ليس الا خصيصه طبيعيه للقاضى الملتزم الذى لا تهمه او تهزه المفاجات ولا يوثر فيه حسد الحاسدين، وقد قال الرسول الكريم: "لا حسد الا فى اثنين: رجل اتاه اللّه مالا فسلط على هلكته الحق، ورجل اتاه اللّه الحكمه فهو يقضى بها ويعمل بها"،

[دليل القضاء الشرعى، ج 1ص 12.] فغدا بصلابته هذه متحسسا بان ابتلاءه بالقضاء يعنى تحمله وزره على ثقله، الا وهو التنقيب عن الحق بكل ما اوتى من قوه وجهد وصبر وتجسيد العداله من اوسع ابوابها، وقليل من يوفق الى ادائها الاداء المطلوب او المامول.

[اشار الخطيب البغدادى، فى تاريخه، عند ذكر من ولى القضاء ببغداد بعد ابى بشر عمرفبن اكثم قائلا: "كان الصاحب بن عباد يقول: كنت اشتهى ان ازور بغداد لاشهد جراه محمدفبن عمر العلوى وتنسك ابى محمد الموسوى".]

/ 25