منهج الامام علی فی القضاء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

منهج الامام علی فی القضاء - نسخه متنی

فاضل عباس الملا

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


اهليه القاضى


المعلوم ان الانسان هو محور القضاء ومجاله الحى الفاعل ومناط احكامه، ولا بد لمن يريد تولى امره من ان يكون متمتعا بالكفاءه التى توهله للقيام بوزره. ومناط هذا التاهيل ينصب ابتداء على وجوب تمتعه بالاهليه العامه المشترطه فى العقود والتصرفات، وهى البلوغ والعقل والحريه، ثم شروط خاصه وتتمثل بالكفاءات العلميه والاخلاقيه، والصحيه. سيكون عليها مدار المباحث الثلاثه الاتيه:

الكفاءه العلميه للقاضى


الكفاءه العلميه تاتى فى مقدمه الشروط اللازم توافرها فى الشخص المزمع تكليفه بمهمات القضاء. ومفهوم هذه الكفاءه يقوم على العلم باحكام الشريعه الاسلاميه التى تعنى، فى دلالتها الاصطلاحيه، كل ما شرعه البارى تعالى للعباد من احكام شرعيه

[ينظر السيد محمد صادق بحر العلوم، دليل القضاء الشرعى، ج 1ص 19،20النجف،1956وابن ابى الدم لادب القاضى، ج 1ص 34تحقيق الدكتور محى هلال السرحان، وهى رسالته للدكتوراه، بغداد84.] وذلك من مصادرها المعتبره، علاوه على معرفه العلوم الداخله ضمن الشريعه، كعلوم العربيه وما يتعلق بها من علوم اخرى مساعده.

فالموهلات العلميه هى عماد عمل القاضى وعدته التى تتمخض عنها قدره استنباط الاحكام والاجتهاد الصائب، لهذا ذهب بعض الاعلام المسلمين الى القول بان المراد بالعالم، فى هذا المورد، هو المجتهد بالاحكام الشرعيه

[الشهيد الثانى، المسالك، ج 4ص 300.] وذهب آخر الى القول بان الشخص الجامع للفتوى والاجتهاد والفقه هو الموهل للقضاء، فباعتبار حكمه على الافراد يسمى قاضيا، ومفتيا باعتبار اخباره عن الحكم، ومجتهدا باعتبار استدلاله عليه، وفقيها باعتبار علمه به.

[محمد جواد مغنيه، فقه الامام الصادق، ج 6ص 64وما بعدها.]

ولا بد من الاشاره هنا الى ما جاء فى وصيه الامام على لابنه الحسن "ع" حيث جاء فيها: "وجاهد فى اللّه حق جهاده ولا تاخذك فى اللّه لومه لائم، وخض الغمرات للحق حيث كان، وتفقه فى الدين".

[محمد عبده فى شرح النهج، ج 3ص 39.] فالتفقه فى الاحكام الشرعيه هو مفتاح البصيره ونافذه العقل للاستنباط وغير خاف ان علم القضاء هو اخص من العلم بفقهه

[ابن الازرق، بدائع السلك، ج 1ص 256تحقيق الدكتور على النشار، بغداد، 1978.] ومن المناسب هنا ايضا التطرق الى الحديث النبوى الشريف الذى يقول بان "العلم ليس بكثره التعلم انما هو نور يقذفه اللّه فى قلب من يشاء من عباده"، وفى روايه اخرى: "فى قلوب اوليائه"،

[لمحقق البحرانى، الدرر النجفيه، ص 49.] وقد خاطب البارى تعالى رسوله الكريم بالقول: "ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء من عبادنا وانك لتهدى الى صراط مستقيم".

[سوره الشورى، آيه: 52.]

واذا كانت الموهلات العلميه تاتى فى مقدمه الشروط المطلوبه فى القاضى، فان ذلك يستتبعه وجوب احاطته بعلم القضاء، وهو كما يعرفه بعضهم: "العلم بكيفيه تنزيل القاعده الشرعيه العامه على الواقعه الجزئيه التى تحدث فى معاملات الناس وتصرفاتهم"

[الدكتور محمد الحبيب التجكانى، النظريه العامه للقضاء والاثبات فى الشريعه الاسلاميه، ص 119بغداد، نشر وزاره الاعلام، بدون تاريخ.] وتتضح هذه المعرفه من خلال ترجمه القاضى للوقائع والادله المتحصله لديه فى القضيه المثاره، فى مجلس قضائه، الى مفهوم شرعى يسمح بادراجها داخل نطاق قاعده معينه تحدد عبر عمليه وصف محصله تلك الوقائع والادله الوصف الشرعى المناسب، وصولا الى احقاق الحق وتحقيق العداله بين المتداعيين فى قرار حكمه المسبب.

فالقضاء وظيفه فنيه تتصل بالحياه لا بل ان موضوعه هو الحياه فى احداثها ومشاكلها، ومحوره هو الانسان، كما سلف القول.

لهذا ذهب بعض المحدثين، من رجال القانون، الى القول بان فلسفه القضاء تقوم على ابراز الصله بين التشريع والحياه.

[الدكتور عبدفالفتاح، القانون والحياه، ص 10مصر، 1961.]

وجدير بالاشاره ان الرويه المتاثره بالتشريع الاسلامى وفكره الثاقب البهى تهدى الى طريقه متميزه فى الاستنباط لما تتصف به من عمق موضوعى وتحليل تاملى، بحيث تزن الامور بدقه ورويه وتبصر لاخذها بمنهجى الاستدلال والاستقراء معا، فالقاضى الكف ء عليه ان يقرا الخصوم من خلال اقوالهم وما يقدم لمجلس قضائه من ادله ووقائع وطلبات ودفوع والتفرس فى اوجه اطراف الدعوى، فلعل نظره او عثره من هذا او فلته من ذاك تكشف له بعض المبهمات، فكشف الحقيقه ليس بالامر الهين دائما، حيث لا يتهيا لاى شخص القيام به حتى لو حاز من العلم ما شاء اللّه احيانا. وهنا يصح لنا ايراد الطريقه التى مفادها ان الشيخ ابا عبداللّهبن شعيب كان قد ولى قضاء القيروان، وكان مشهورا بالفقه واصوله، فلما جلس مجلس قضائه وفصل بين الخصوم دخل منزله مقبوضا، وعندما سالته زوجته عن سر هذا الانقباض اجابها: عسر على القضاء، فقالت له: "قد شاهدت سهوله امر الفتوى عليك فاجعل الخصمين كمستفتيين سالاك، قال فاعتبرت ذلك فسهل على القضاء".

[ابن الازرق، بدائع السلك، ج 1ص 256سلف ذكره.]

فالعمليه القضائيه اقرب الى الفن منها الى العلم، ولا يغنى فى ذلك اشتراط معرفه الواقع الذى تطبق عليه الاحكام واستخلاصها من ادلتها، فقد يتفرغ المرء فى طلب العلم ويفنى زهره حياته بين الموسوعات الفقهيه والبحوث الاستدلاليه والجدليه، بعيدا عن الجانب الاستقرائى والالتصاق بالواقع الاجتماعى الذى يعيشه، لهذا فطن العلماء المسلمون منذ بدايه عهدهم الى الفارق الهام بين الفقيه والقاضى، فالقضاء يحتاج الى التفطن والفراسه لوجوه حجاج الخصوم وكشف اضاليل الماكرين منهم، فقد يكون الانسان اعلم بالاحكام الشرعيه من غيره، ولكن تنقصه قدره التفطن للخدع، او المكائد الصادره من بعض الخصوم وما يتمتع بعضهم احيانا من الاساليب البارعه فى التاثير والاقناع. وعلى هذا الاساس نجد اعلام الامه عند بحثهم فى آداب القضاء اكدوا على وجوب معرفه القاضى لتفاصيل احوال الناس وحقوقهم وحوائجهم

[الشيخ محمد حسن النجفى، جواهر الكلام، كتاب القضاء، طبعه حجريه، غير مرقمه.] فالاقضى قد يكون اقل فتيا، وقد لا يصلح الافقه للقضاء احيانا لان القضاء يعتمد الحجاج ومعايشه مفردات الحياه اليوميه للمجتمع ومتغيراته، بينما الفتيا تعتمد الادله النظريه والحجج الجدليه فى الاغلب الاعم.

[يروى، عن عمرفبن حنظله، ان الامام الصادق "ع" قال بان من له اطلاع على احكام الشريعه ونظر فى حلالها وحرامها من مصادرها المعتبر عمليا، فانه يصلح للقضاء ومقتضى هذا المفهوم انه لا يشترط الاعلميه فيه، فقد يصلح للقضاء من هو اقل علما من غيره وقد اطنب المحقق البحرانى، فى درره ص،46،53ببحث هذه الروايه وتحقيقها وتحليلها وتدقيقها بشكل مفصل، فيمكن مراجعته لمن اراد التوسع.]

والحق ان مساله الكفاءه العلميه، بوصفها ضروره يشترطها الشارع الاسلامى فى القاضى، تستمد اساسها من قوله تعالى:

"وان احكم بينهم بما انزل اللّه ولا تتبع اهواءهم واحذرهم ان يفتنوك عن بعض ما انزل اللّه اليك".

[سوره المائده، آيه: 49.] فالقاضى الاسلامى ملزم بان يحكم بما انزل اللّه تعالى من تشريع، بعيدا عن الهوى واضاليل الخصوم لتعزيز ما اختلفوا فيه وقد قال جلت قدرته:

"كان الناس امه واحده فبعث اللّه النبيين مبشرين ومنذرين وانزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فى ما اختلفوا فيه"،

[سوره البقره، آيه: 213.] لذا يقتضى ان يكون القاضى عارفا بالاحكام الشرعيه وما له منها علاقه بالقضاء. فالقرآن، باعتباره المصدر الاساسى للاحكام الشرعيه، يجب تعلمه، ويستتبع ذلك كون تعلم العربيه وما يتعلق بها من علوم -كونها لغه القرآن- واجب ايضا، لهذا نجد امير المومنين "ع" قد وضع علم النحو واملى اصوله وقواعده على ابى الاسود الدولى فدونه هذا بارشاد منه

[يراجع ابن ابى الحديد فى شرحه للنهج، ج 1ص 12والسيوط ى فى تاريخه، ص 81ومن اجل التفصيل اكثر:

السيد حسن الصدر، تاسيس الشيعه لعلوم الاسلام، ص 40،60الطبعه الاولى.] كما يستتبعه ايضا واجب الاحاطه ببقيه علوم القرآن الاخرى. ولناخذ علم التنزيل، مثلا، فالامام على "ع" هو اول من قال بانه يعرف اين ولما نزلت هذه الايه او تلك ولماذا

[السيوط ى، ص 185والخوارزمى، ص 46والدكتوره سعاد ماهر، ص 410فى مصادرهم السابقه.] ناهيك عن العلوم الاخرى التى يخرجنا تقصيها عما نحن بصدده.

وقد نبه الامام على "ع" الى مساله حساسه جدا تقتضى الاشاره اليها هنا، فقد ورد فى وصيه له "ع" لعبداللّهبن العباس لما بعثه للاحتجاج على الخوارج قوله: "لا تخاصمهم بالقرآن، فان القرآن حمال ذو وجوه، تقول فيقولون، ولكن حاججهم بالسنه فانهم لن يجدوا عنها محيصا"

[ابن ابى الحديد، شرح النهج، المجلد الخامس، ص 250طبعه بيروت، 83.] لما فى القرآن المجيد من المعانى العميقه فلغته جاءت بلغه العرب الفصحى التى افرغت الذات الالهيه شيئا من عظمتها فاضحت عميقه الغور، حيث لا يتهيا لاى شخص من الوقوف على قيمها الفكريه الا من قذف اللّه فى قلبه من النور الذى يهتدى به الى فهم مداليل الايات فيها ويخوض غمارها خوض العارف المتمرس، فالايه الكريمه مثلا "فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر" يدل ظاهر معناها على حريه العبد فى الاعتقاد واباحيه عمله على ضوئه.

وتفسيرها بهذا المعنى ينطوى على السطحيه وهوى الراى من دون تدقيق او معرفه لقواعد التفسير، حيث ان من تمعن فى هذه القواعد لادرك ان تفسيرها مرتبط بقوله تعالى:

"انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا" فالبارى تعالى منح الانسان العقل الذى بمقتضاه يدرك الطريق الصحيح والامثل

[بحثنا فن القضاء فى الاسلام، ص 38وما بعدها مسحوب بالرونيو 1992.] وهكذا فعندما يتحاجج الخصوم بظواهر بعض الايات وتفسيرها حسب هواهم عند منازعاتهم لا بد للقاضى من امعان النظر فى قوله تعالى: "وان تنازعتم فى شى ء فردوه الى اللّه والرسول" فالسنه المطهره اوضحت بواطن ما يدل عليه القرآن وفسرت غوامضه، وفصلت بقيه مصادر التشريع المعتبره بقيه احكام التشريع ومتفرعات مسائله، وقضاء الامام "ع" حافل بكنوز جواهر هذا المورد الذى انفرد به عن غيره، ولا غرابه فى ذلك ما دام هو كاتب وحى الرسول الكريم ونتاج مدرسته ووارث علمه ومستودع سره.

[ابن ابى الحديد، مصدر سبق ذكره، المجلد الثالث، ص 523وما بعدها ان شئت التوسع.]

ومن السوابق القضائيه لعلى "ع" التى تدلنا على ابداعاته المتميزه فى مجال الاحكام، بما له علاقه بالعلوم، نذكر من المسائل الجزائيه قضيه المراه التى اتهمت احد الفتيان بارتكابه معها الفعل الفاحش بعد ان قامت بصب بياض البيض على ثوبها وبين فخذيها...، فطلب الامام عندما عرضت عليه هذه القضيه بصب ماء مغلى على موضع تلك الماده فى الثوب، فبان مظهره الدال على كونه بياض بيض لا حيوانات منويه كون الاخيره لا ينقلب ماوها الى ماده بيضاء متخثره، الامر الذى يدل على عمق تحليله واعتماده الاسلوب العلمى المتعلق بخواص المواد المذكوره فى اكتشاف حيله تلك المراه التى حكم عليها بحد القذف بعد ان اخلى سبيل الفتى.

[ان وددت الاطلاع على تفاصيل القضيه راجع: التسترى، قضاء امير المومنين، ص 11ط،5النجف 1966.]

وفى قضيه اخرى مجملها ان احد المسنين كان قد تزوج من شابه وانكر نسبه حملها اليه، بدعوى عدم افتضاضه لبكارتها وكاد الخليفه يقيم عليها الحد لولا عرض الامر على الامام على "ع" الذى اثبت براءه الشابه، بعد ان سال زوجها الشيخ عما اذا كان قد قذف، فى اثناء محاولته افتضاض بكارتها، وعندما اجابه بالايجاب قرر الحكم لها بالبراءه معللا حكمه هذا بالقول:

"ان للمراه سمين -اى ثقبين

[الرازى، مختار الصحاح، ص 315الكويت، 1983.]- سم للمحيض وسم للبول، فلعل الشيخ كان ينال منها فسال ماوه فى سم المحيض فحملت منه". ثم اضاف: "ان الحمل له والولد ولده وارى عقوبته على الانكار له".

[الشيخ المفيد، الارشاد، ص 54سبق ذكره.] فلولا خوضه فى علم التكوين العضوى والجنسى للمراه، وهو علم يتعلق بالطب، لما وصل الى حكمه السديد هذا الذى تدل حيثياته على جمله مبادى ء، منها ان الشك يفسر لصالح المتهم، كما يستدل من كلمه "فلعل"، ومنها انه قضى بعقوبه المشتكى لانه تسرع وارتكب جنايه القذف بحق زوجته الشابه، وكان الاولى به الستر حتى لو كان له مسوغ بما نسب اليها اذ يمكنه تطليقها مثلا لا التشهير بها.

وفى مجال المسائل المدنيه، نذكر قضيه عرضت عليه وقد استعصى على غيره البت بها. وخلاصه القضيه ان امراه ولدت ولدا ونازعتها فيه اخرى من دون ان يكون لاى منهما دليل يثبت صحه دعواها، فهنا باشر الامام "ع" بوعظهما وانذارهما، وعندما وجد عدم جدوى ذلك امر بمنشار وعندما سئل عما يصنع به، اجاب انه يريد تقسيم الوليد نصفين لتاخذ كل منهما نصفه، فسكتت احداهما بينما الاخرى لم تتمالك اعصابها وبانت عليها علامات التاثر والهياج العاطفى فسمحت لغريمتها باخذ الطفل مقابل عدم قده. فقد اعتمد الامام هنا على علم النفس فتنازل احداهما عن حصتها للاخرى لقاء ابقاء الوليد حيا لا تفسير له الا عاطفه الامومه، لهذا قرر الامام قائلا: "اللّه اكبر هذا ابنك دونها ولو كان ابنها لرقت عليه واشفقت"،

[المصدر السابق، ص 120.] وعلى اثر ذلك اعترفت الاخرى بانها ليست صاحبه الطفل وان الحق هو ما قضى به الامام.

والحق ان الخوض فى هذه المساله وحدها، يدلنا على ان فى الزوايا خبايا، ففضلا عما جاء فى حيثيات الحكم من اعتماده على علم النفس، فانه استلهم قراره هذا من قضاء نبى اللّه سليمان "ع"،

[الدكتور محمد الحبيب التجكانى، النظريه العامه للقضاء والاثبات فى الشريعه الاسلاميه، ص 48سبق ذكره.] وفى روايه اخرى من داود او دانيال "ع"،

[ينظر الشيخ محمد مهدى الحايرى، الكوكب الدرى، ج 2ص 45النجف، 1353ه.] علما بان الرسول الكريم كان قد اطلع على عده قضايا للامام اعتمد فيها على قضاء الانبياء، وخصوصا منهم نبى اللّه داود فحمد البارى، وقال ما نصه: "الحمد للّه الذى جعل فينا اهل البيت من يقضى على سنن داود "ع" فى القضاء".

[الشيخ المفيد فى ارشاده، ص 115و117.]

ومن السوابق القضائيه للامام على "ع" التى لها مغزاها نذكر ما قضى به فى منع اقامه الحد على المراه التى ولدت لسته اشهر مع زوجها، اذ اعتمد على قوله تعالى: "وحمله وفصاله ثلاثون شهرا"

[سوره الاحقاف، آيه: 15.] وقوله عز وجل: "والوالدات يرضعن اولادهن حولين كاملين"

[سوره البقره، آيه: 233.] فالحمل والرضاع معا امدهما ثلاثون شهرا فلو حذفنا مده الرضاع البالغه سنتين -اى 24 شهرا- لكان الباقى سته اشهر، وهى مده الحمل حدا ادنى عند المراه. فقضاء الامام فى هذه القضيه

[وقد تطرق الى ذكرها عدد من الاعلام نذكر منهم ابن قتيبه الدينورى الذى عدها من القضايا الدقيقه التى عجز عن امثالها اجله الصحابه، ينظر كتابه: تاويل مختلف الحديث، ص 109مطبعه العلوم، بيروت، بدون تاريخ.] قد استند على النصوص القرآنيه المذكوره وتمخض حكمه عن عمليه حسابيه بسيطه وقد سار على هديه فيها عدد من الصحابه والتابعين.

[راجع العلامه الحلى، كشف المراد، ص 410طبعه بيروت عام،79ومن الذين اوردوا ذكر هذه القضيه ونالهم العجب، نذكر الامام مالك فى الموطا والخطيب فى اربعينه واضرابهما، اما من المحدثين فنذكر عبد القادر عوده، التشريع الجنائى الاسلامى، ج 2ص 440مصر 1964.]

وهناك العديد من سوابق الامام على "ع" الخاصه بتوزيع السهام بين الورثه عن تركه مورثهم واضرابها من القضايا ذات العلاقه بعلم الرياضيات.

[للتوسع راجع: الخوارزمى فى مناقبه والساروى فى الحق المبين، طبعه دمشق،1962والتسترى فى قضائه، وغيرهم حيث اوردوا العديد من القضايا فى هذا الخصوص.] ومن خلال ما تقدم فان الذى اسفرت عنه رويا الامام على "ع"، ازاء موضوع كفاءه القاضى العلميه، انها قد اسهمت بشكل فاعل فى افراز قاعده فقهيه مهمه هى ان ما يعرف به الواجب واجب ايضا والتى صيغت عند الفقهاء بعباره: "ما لا يتم الواجب الا به فهو واجب".

وعلى هذا فلكى يكون القاضى ناجحا فى عمله عليه ان يستحضر دائما قول الامام "ع": "فلانقبن الباطل حتى يخرج الحق من جنبه"

[محمد عبده، شرح النهج، ج 1ص 154سبق ذكره.] شانه شان المنقب فى البحر عن اللولو، او المنقب فى الصحراء عن النفط، حيث لم يصل الى مرامه وينال مناله على احسن وجه ما لم يستجمع لوازم العلم الخاص بذلك الحقل وما يتعلق به من علوم اخرى مساعده بقدر ما يحتاج اليه فى الاستفاده منها للوصول الى هدفه، وقد قال "ع" ايضا: "فلا تقولوا بما لا تعرفون" لان الحقائق دقائق، كما يقول الشيخ محمد عبده.

[المصدر نفسه، ص 155.] لذا لا يجوز القضاء بالراى او بالمقاييس الظنيه ونحوها من الاستنباطات الظنيه

[العاملى، الوسائل، باب القضاء، المرجع السابق ذكره.] وقد قال تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم".

[سوره الاسراء، آيه: 36.]

وبهذا يكون الامام على "ع" قد ايقظ حسا ووعيا قضائيا وذاتيا حقق القيمه الذاتيه للفكر القضائى عند الامه بمحوريه العلمى والفنى، وكم هى بليغه وعميقه كلمته التى خاطب بها كميل بن زياد، عندما قال له: "يا كميل لا تاخذ الا عنا تكن منا".

[المصدر نفسه.]

/ 25