منهج الامام علی فی القضاء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

منهج الامام علی فی القضاء - نسخه متنی

فاضل عباس الملا

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


طرق الاثبات عند الامام على


الاثبات، بمعناه القضائى، اقامه الدليل امام القضاء لاثبات تصرف معين كالعقود او لاثبات واقعه ما كالسرقه، فاقامه الدليل على وجود الحق المدعى به يعنى اثباته.

وموضوع الاثبات يعد من ادق المسائل الفنيه فى العمل القضائى وفقهه، وما طرقه سوى وسائله التى تحقق للقاضى علما مكتسبا بالحادث او القضيه موضوع الدعوى المكلف بالحكم فيها، كون الدعوى -كما اشرنا- لا يشترط لقبولها ثبوت الحق المدعى به فيها ابتداء، انما يتم التحرى عن وجوده وعائديته وكشف مبهماته عبر وسائل الاثبات المتحصله فى مجلس القضاء، فيكون القاضى -والحاله هذه- قد الم بحقيقه الحق المتنازع فيه، وانكشفت معالمه على النحو الذى يقتضى اقراره بشكل ملزم عن طريق الحكم.

وجدير بالتنويه ان للفقه الاسلامى اتجاهين بخصوص طرق الاثبات او ادلته، الاول ياخذ بالاثبات المقيد، وهو راى جمهور الفقهاء، اذ يذهبون الى القول بان وسائل الاثبات جاءت على سبيل الحصر، وهى: الشهاده والاقرار واليمين والكتابه والقرينه، وهناك من اضاف اليها علم القاضى الشخصى.

[ينظر، بهذا الشان، الدكتور محيى هلال السرحان فى رسالته للدكتوراه، سبق ذكرها، ج 1ص 173والدكتور احمد البهى، من طرق الاثبات فى الشريعه والقانون، ص 13مصر 1965.]

اما الاتجاه الثانى فلا ياخذ بذلك الراى، لتبنيه مبدا الاثبات المطلق، فيذهب الى القول: صحيح ان تلك الادله قطعيه الورود فى الكتاب والسنه الا ان هذا لا يعنى عدم جواز الركون الى غيرها، فورودها لم يكن على سبيل الحصر، وهو الاتجاه الادق والاصح والاعدل لانه يفتح المجال امام صاحب الحق فى اثبات ما يدعيه بكافه الطرق المتاحه والمقبوله شرعا -بطريق النقل او العقل- وهو الاتجاه الذى تدلنا آثار الامام على "ع" الادبيه وسوابقه القضائيه على انتهاجه، له لا بل انه نهجه الذى سار على هداه الكثير من الاعلام، نذكر منهم صاحب كتاب اعلام الموقعين

[وهو الفقيه الحنبلى ابن قيم الجوزيه المتوفى عام 751ه.] الذى يقول: "ان اللّه سبحانه ارسل رسله وانزل كتبه ليقوم الناس بالقسط، وهو العدل الذى قامت به الارض والسماوات، فاذا ظهرت امارات العدل واسفر وجهه باى طريق كان فثم شرع اللّه ودينه"، وابن فرحون الذى قال: "فمتى ظهر الحق واسفر طريق العدل فثم شرع اللّه ودينه".

[نقلا عن الدكتور التجكانى، النظريه العامه للقضاء والاثبات فى الشريعه الاسلاميه، ص 205.]

وبناء على ما تقدم، فليس من العدل، ولا من المنطق، رفض اجراء المضاهاه لخطوط المحرر الكتابى -وليكن سند دين مثلا- او بصمه الابهام لوقوع الانكار عليها من قبل من اسندت اليه بالطرق العلميه المبتكره حديثا، بحجه عدم النص عليها او انها لم تكن معروفه فى عهد الرسول والصحابه من بعده مثلا، لا بل قل ان الحوادث ومفردات الحياه اليوميه البسيطه لدى الناس آنذاك لم تكن تعهدها.

والحقيقه ان القرآن الكريم فيه تبيان كل شى ء، ومن ذلك اختلاف بصمات اصابع الانسان كما يستدل من مفهوم قوله تعالى: "ايحسب الانسان الن نجمع عظامه، بلى قادرين على ان نسوى بنانه"

[سوره القيامه، الايتان: 3و4.] فاصابع اليد لدى الانسان تختلف بنانها

[البنان: اطراف الاصابع، مختار الصحاح، ص 65.] من شخص لاخر حيث لا تتشابه خطوطها بين اثنين من البشر ولا تتقارب لحكمه اقتضتها المشيئه الربانيه، وهى وحدها معجزه من معاجز القرآن الربانيه، حيث تحدى البارى تعالى اعداء الايمان بقوله: "بلى قادرين على ان نسوى بنانه"، وقد تجلت تلك الحكمه الربانيه من خلال كون اختلاف خطوط البنان تفيد فى التعريف ومعرفه عائديه البصمه، وقد استعملت انكلترا لاول مره عام 1884 طريق الاستعراف والتعريف بوساطه بصمات الاصابع،

[عفيف عبد الفتاح، روح الدين الاسلامى، ص 58ط،5علما بان لدليل البصمات قوه اثبات لا تقبل العكس كون خطوط اطراف الاصابع ثبت علميا انها ثابته مدى الحياه من دون ان تغيرها الجروح او الحروق، ولم يحصل تشابه شخصين فيها حتى فى التوائم، انظر: نوار الزبيدى وعبد الكاظم فارس، اصول التحقيق الاجرامى، ص 57بغداد 1993.] كما ان التقنيه

الحديثه

[فلقد اخترعت احدى الشركات الامريكيه، فى هذا العام "،" 1998مجسا الكترونيا يوضع فى السلاح النارى لغرض عدم استعماله وعدم امكانيه اطلاق النار منه الا من قبل صاحبه عبر بصمات اصابعه التى تلامس زناد السلاح وآليته التى يتحسسها المجس المذكور.] اخذت تكشف لنا بعض جوانب تلك الحكمه، وكما يقول اللّه تعالى: "سنريهم آياتنا فى الافاق وفى انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق اولم يكف بربك انه على كل شى ء شهيد".

[سوره فصلت، الايه: 53.]

اما اختبار الخط الكتابى وتمييزه من قبل الخبير المختص لمن انكره، بعد اخذ عينه من خطوطه لمقارنتها بخطه الذى انكره، بغيه معرفه ما اذا كان يعود اليه ام لا، فانه وسيله اثبات لم تكن معروفه فى بدايه العهد الاسلامى، ولم تعرف الا بعد عده قرون.

[حيث عرف فى عهد الفقيه الشافعى الامام ابو الحسن الماوردى المتوفى عام 450ه، كما جاء فى كتابه الاحكام الس لطانيه، ص 87سبق ذكره.] فالقاضى عليه ان يطلب من المدعى ايضاح دعواه وتقديم ما لديه من ادله او بينات ما دام عب ء الاثبات يقع عليه عاده،

[اقول عاده لانه ليس دائما يقع عب ء الاثبات على المدعى، فاذا كان الامر كذلك فى المسائل المدنيه فهو فى المسائل الجزائيه ليس كذلك، فالمشرع، عندما اخذ بمبدا الاثبات المحدد فى بعض الجرائم الحديه والقصاص فانه فى جرائم التعزيز اخذ بمبدا الاثبات المطلق، حيث اعطى للقاضى حريه الاقتناع بالدليل، والحدود لا يوخذ فيها المقر باقراره دائما، وهى تدرا بالشبهات، والتوبه فيها اولى والستر افضل الى غير ذلك مما فصله الفقهاء فى ت آليفهم.] وقد روى عن الرسول الامين قوله: "لو يعط ى الناس بدعواهم لادعى الرجال اموال قوم ودماءهم، ولكن البينه على المدعى واليمين على من انكر". وفى روايه اخرى جاء قوله: "انما اقضى بينكم بالبينات والايمان وبعضكم الحن بحجته من بعض، فايما رجل قطعت له من مال اخيه شيئا فانما قطعت له به قطعه من نار"،

[الحديثان ورد ذكرهما فى المصادر الفقهيه، باب القضاء كالوسائل وغيره.] هذا من جهه، ومن جهه اخرى فهناك قواعد على القاضى مراعاتها بخصوص ادله الاثبات، كالتقيد بنوع الدليل وحدوده، فاثبات جريمه الزنا لا يصح الا باربعه شهود عدول كما ان الشاهد منهم لكى تعتبر شهادته لا بد من ان يشهد برويه الميل فى المكحله، وذلك كنايه عن رويه الفرج فى الفرج،

[المثل السائر، ج 1ص 205سبق ذكره.] وقد جاءت الموسوعات الفقهيه لاعلام الامه زاخره بتفصيلات هذا الجانب الذى يخرجنا تقصيه عن موضوعنا.

وحيث ان القاضى منقب عن الحقيقه والحق، فان متطلبات ولايته الشرعيه تلزمه القيام بتحليل الدليل وفحصه للوقوف على مدى قوته ومصداقيته من دون الاخذ به على علاته -كما سنرى ذلك فى منهج الامام على "ع" من خلال مباحث هذا الفصل- وتتطلب منه ايضا ان لا يضيف عليها او يحرفها بما يخالف الحقيقه او يكرس الادله، من دون مسوغ، فيلتبس عليه الامر وتضيع عند ذلك الحقيقه.

ومهما يكن من امر فان كثيرا من الناس حين يقدمون ادلتهم وحججهم او دفوعهم فانهم يتكلمون عن العدل والحق كانهم اصحابه فعلا، بينما هم يتكلمون من زاويه مصالحهم الخاصه -بغض النظر عن مدى مشروعيتها- فيعمد بعضهم الى شراء الذمم احيانا فى جلب شهود الزور او تقديم الهدايا لهذا او ذاك، وما الى ذلك من الوسائل غير المشروعه التى سنرى مدى العمق والدقه فى معالجتها من لدن الامام على "ع" من خلال تحليله للبينه وموازنتها مع ما تحصل لديه من ادله اخرى.

ولعل من المفيد هنا التذكير بما يروى عن الامام على بن ابى طالب "ع" من ان نبيا من الانبياء شكا الى ربه القضاء قائلا: كيف اقضى بما لم تر عينى ولم تسمع اذنى، فكان جواب البارى له ان اقضى عليهم بالبينات واضفهم الى اسمى يحلفون به.

واخيرا، فان ما بقى من آثار الامام على "ع"، من احكام وسوابق قضائيه، يجعلنا نميل الى استعراض ادله الاثبات التى اعتمدها فى قضائه الرحب فى عده مباحث، وعلى النحو التالى:

الاقرار


الاقرار لغه الاثبات، وهو يعنى الاعتراف، وفى المفهوم الفقهى يعرف بانه "اخبار عن ثبوت الحق"

[ينظر، مثلا، الدكتور محيى هلال السرحان فى رسالته للدكتوراه، ج 1ص 173سبق ذكرها، والدكتور صلاح الدين الناهى، الوجيز فى مبادى ء الاثبات، ص 60طبعه 1985.] حيث يعترف المدعى عليه او المشكو منه بما نسب اليه من ادعاء او ضده من اتهام، كان يدعى المدعى بان له عليه مبلغا من المال، وليكن عشره آلاف دينار، فيقر المدعى عليه معترفا به، او يدعى بانه قد سرق منه المال المذكور فيعترف المشكو منه بالسرقه.

ويستمد الاقرار حجيته الشرعيه اساسا، من القرآن الكريم، حيث يقول جلت عزته: "يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء للّه ولو على انفسكم".

[سوره النساء، آيه: 135.] فالشهاده على النفس، فى مذهب المفسرين، تعنى الاقرار، وهو دليل اثبات للحق المدعى به، وقد امر به سبحانه وتعالى احقاقا للحق ومجانبه للباطل والمماطله واطاله الخصومه، حيث اكده تعالى فى سوره اخرى بقوله: "وليملل الذى عليه الحق وليتق اللّه ربه"،

[سوره البقره، آيه: 282.] فالاملال يعنى الاملاء وهو لا يتحقق الا بالاقرار.

[محمد سليمان الاشقر، زبده التفسير، ص 60الكويت 1988.]

ومنهج الامام على، او موقفه من الاقرار الذى اعتبره دليل اثبات، لا شائبه فيه عند وجود ما يقنع بصحته، فقد قضى باقامه الحد على قوم شربوا الخمر فى الشام، بعد ان تيقن من سلامه اعترافهم واقرارهم الصادق بشرب الخمر.

[مناقب الخوارزمى، ص 53سبق ذكره.] ومن خلال استقراء سوابق الامام القضائيه وحيثيات احكامه فيها فان الذى يستلخص منها عده قواعد ومبادى ء منها ما يتعلق بحجيته ومنها ما يخص شروط صحته:

فالاقرار ينبع من اراده المقر المنفرده فى ترتيب اثر قاصر عليه، لهذا يجب ان تتحقق فى المقر الشروط اللازم تحققها فى التصرفات الشرعيه من اهليه ورضا، اضافه الى ان يكون المقر به معلوما وان يكون الاقرار بمناى عن ايه شبهه -وخصوصا فى المسائل الجزائيه كما تدلنا سوابقه العادله- فاقرار فاقد الاهليه او ناقصها لا يمكن الركون اليه، حيث لا يصح اقرار الصبى والمجنون والمعتوه ومن فى حكمه،

[ممن لحق باهليته موثر سلبى على ادراكه وتمييزه، وقد تناول الفقهاء تفاصيل احكام ذلك فيمكن مراجعه موسوعاتهم وللمقارنه فى القانون الوضعى راجع: الدكتور عبد المجيد الحكيم، مصادر الالتزام، ص 107.] كما لا يقبل اقرار من لحق ارادته عيب من العيوب كالاكراه او حاله الضروره.

[تطرق صاحب كتاب نزهه الناظر الى الحالات التى لا يقبل فيها الاقرار، فراجعه ص 117طبعه النجف 1976لمولفه المحقق يحيى فبن سعيد.]

ومن تطبيقات الامام القضائيه، فى هذا الباب، نذكر قضيه المجنونه التى ارتكبت الفعل الفاحش، فلم يوافق الامام على "ع" على اقامه حد الزنى عليها رغم ثبوت الدليل ضدها، وقال: هذه مجنونه آل فلان وان النبى قال: "رفع القلم عن المجنون حتى يفيق، وعن الغلام حتى يحتلم، وعن النائم حتى يستيقظ". كما جاء فى حيثيات حكمه ايضا: "انها مغلوبه على عقلها ونفسها"

[الارشاد، ص 119ومناقب الخوارزمى ص 38وكشف المراد، ص 410سبق ذكرهما.] لهذا قرر الافراج عنها وغلق قضيتها. وفى قضيه اخرى تحصلت الادله الكافيه ضد امراه فى ارتكابها الفعل الفاحش مع رجل غريب، وعندما سالها الامام على "ع" عن حقيقه قضيتها اجابت انه "كان لاهلى ابل، فخرجت فى ابل اهلى وحملت معى ماء ولم يكن فى ابل اهلى لبن، وخرج خليطنا وكان فى ابله لبن فنفذ مائى فاستسقيته فابى ان يسقينى حتى امكنه من نفسى فابيت، فلما كادت نفسى تخرج امكنته من نفسى كرها" فقال الامام: "اللّه اكبر "فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه، واخلى سبيلها.

[الارشاد، ص 11والتسترى فى قضائه، ص 40.]

ففى القضيه الاولى، كان اتيان الفاحشه من قبل المجنونه وهى فاقده لتمام الوعى والادراك ومنعدمه الاهليه، فلا عبره بالبينه المثاره ضدها ولا قيمه لاقرارها بارتكابها جريمه الزنى. اما القضيه الثانيه فان اقرار الجانيه انما ثبت لدى الامام انه كان بدافع الاضطرار فى ارتكابها الفعل الفاحش الذى يشكل احد عيوب الاراده، وقد بلغت دقته فى وصفه للفعل منتهاها، اذ لم يعتد بالوصف الذى اضفته تلك الامراه على فعلها، وهو الاكراه، انما كف فعلها بوصف آخر يقع فى دائره حاله الضروره لا كما ظن احد الكتاب المحدثين ب "ان الجريمه فى هذه الحاله لم تدخل تحت حاله الاكراه"،

[احمد فتحى بهنسى، الحدود والتعزير، ص 53مصر 1965.] اى كما وصفته المتهمه على ما تقدم، ولكن عند تامل مدلول آيه الاضطرار التى استند اليها الامام فى حكمه وتامل مفهوم الاضطرار لتراجع مثل ذلك الكاتب عن رايه المذكور، فالاضطرار رغم ان حكمه هو حكم الاكراه نفسه تماما الا انه يختلف عنه من حيث المعنى، فرغم انهما ينفيان المسووليه الجزائيه عن مرتكب الفعل الاجرامى فى المنظور الاسلامى، ولكن المراه فى هذه القضيه لم تكن مكرهه حيث ان الرجل الغريب لم يستعمل ايه وسيله من

وسائل الاكراه معها لنيل مرامه منها، ولم تقسر على ارتكاب الفعل الفاحش انما قبلت، بمحض ارادتها، العرض الذى تقدم به اليها ذلك الرجل الفاسق لقاء ان يسقيها الماء، وتلافيا لموتها قبلت منه ذلك العرض، فهى هنا مضطره لا مكرهه على اتيان الفعل الفاحش، وهو ما قرره الامام بكل دقه سواء فى الوصف ام فى الحكم.

وقضاء امير المومنين على "ع" يدلنا على عدم الركون الى الاقرار بوصفه دليل اثبات من دون تمحيص او تدقيق، اذ كثيرا ما كان يهدره حتى لو تحققت شروط صحته احيانا، انطلاقا من نظرته الحيه والانسانيه لموضوع التجريم والعقاب الذى يستنتج منه وجوب تدقيق النظر لا فى مجرد الاقرار بل فى ظروف الحادث وملابساته وما اكتنف الجانى من ظروف. ونذكر على سبيل المثال، ما يروى من ان رجلا جاء اليه -اى الامام على "ع" - واقر امامه بارتكابه جنايه السرقه، فقال له الامام: اتقرا شيئا من القرآن؟ فقال: نعم سوره البقره. فقال له: قد وهبت يدك لسوره البقره، ثم اضاف قائلا: "اذا قامت البينه فليس للامام ان يعفو" ولكن "اذا اقر الرجل على نفس فذاك الى الامام ان شاء عفا وان شاء قطع".

[راجع الوسائل، وقد اورد هذه القضيه محمد جواد مغنيه، فقه الامام الصادق، ج 6ص 85.]

والذى نستشفه من هذه القضيه ان قرار الحكم العلوى فيها قد تمخضت عنه جمله قواعد وفوائد فى مقدمتها انه لا يجوز عند توفير بينه جريمه جديه كجريمه السرقه هذه -اى النصاب المطلوب فى الشهاده- العفو عن مرتكبها، ولكن اذا ما توفر ضده دليل الاعتراف فقط فان مساله العفو عنه وارده، ومتروك امر تقديرها الى القاضى او الامام، وهنا وجد الامام ما يسوغ العفو عن السارق فى هذه القضيه كونه يقرا سوره البقره ويحفظها، اى فيه مسحه من الايمان، والا لما قرا تلك السوره الطويله وحفظها. والقرآن، كما هو معلوم، يهدى للتى هى احسن واقوم فى مسار سلوك العبد الذى يلازم قراءته او حفظه، ويتمعن فى معانيه ومدلولات آياته، فضلا عن فضائل قراءته الاخرى.

وفى قضيه اخرى اقر فيها المتهم امام الامام على بن ابى طالب، بانه قام بقتل شخص، وملخص الحادث انه عثر على جثه رجل وجد مرميا فى خربه، وشوهد بالقرب منه رجل وبيده سكين ملطخه بالدم، فاخذ به الى امير المومنين الامام على "ع" فاقر امامه انه هو الذى ارتكب جنايه القتل هذه، كما ذكرنا. وفى هذه الاثناء جاء رجل آخر وادعى انه القاتل الحقيقى، فسال الامام المتهم الاول عن سر اعترافه بالقتل، فاجاب: انى رجل قصاب، وكنت قد ذبحت شاه وبيدى السكين الملطخه بالدم، فاخذنى هولاء وقالوا: انت الذى قتلت صاحبنا. فقلت: ما يغنينى الانكار وقد تم ضبط ى قرب الجثه وبيدى السكين الملطخه بالدم، لهذا اعترفت بقتله. ثم سال الامام المتهم الثانى عن اقراره فاجاب بما يفيد انه قتل الرجل بدافع الطمع فى ماله، اذ كان وقت الحادث ليلا فصادف ان جاءت الشرطه "العسس" وعندما حاول الخروج من الخربه والهرب صادفه القصاب المسكين فاستتر منه فى بعض زوايا الخربه، وتم مسكه من قبل العسس وافاد موضحا انه لولا اقراره بهذه الحقيقه فانه سيتحمل دم هذا القصاب ايضا، وهنا وجه الامام سوالا لابنه الحسن "ع" الذى كان حضرا قائلا: ما الحكم فى هذا؟

فاجابه: "اما هذا فان كان قد قتل رجلا فقد احيا نفسا واللّه عز وجل يقول: "ومن احياها فكانما احياء الناس جميعا، فخلى على عنهما ودفع ديه المقتول من بيت المال.

[تطرق الى ذكر هذه القضيه الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 3ص 14وابن قيم الجوزيه، الطرق الحكميه فى السياسه الشرعيه، ص 61فو 62وصاحب الوسائل واضرابهم.]

ففى هذه القضيه نجد ان الامام قد اخلى سبيل القصاب رغم اعترافه الصريح بالقتل، اذ انه فحص هذا الاعتراف وقارنه باعتراف المتهم الثانى فتبين له، من خلال ملابسات الحادث وقرائنه، انه اعتراف غير صحيح، لهذا اهدره. اما المتهم الثانى الذى اخلى سبيله هو الاخر فان مرد ذلك يعود الى ان اقراره هذا قد انقذ حياه القصاب من القصاص، كما ان مبادرته التلقائيه بالاعتراف تمثل قرينه على ندمه وتوبته، والا لما قدم نفسه الى العداله، وللسببين المذكورين صفح عنه الامام واخلى سبيله، لا بل انه، فضلا عن ذلك، جعل ديه المقتول من بيت المال تشجيعا للقاتل الحقيقى وتثمينا لمصداقيته وهدايته للتوبه ورحمه به وبعائلته، اذ قد يكون من الفقراء المحتاجين اصلا الى المال، لهذا اغراه الشيطان ونفذ اليه من هذه الثغره التى يقول فيها الامام: "لو كان الفقر رجلا قتلته"، فركب هواه واقدم على جريمته لحاجته الى المال، ولا يفوتنا قول الامام على "ع" ان "العفو عن المقر لا عن المصر"،

[ابن ابى الحديد فى شرح النهج، المجلد الخامس، ص 955طبعه 1983.] اما فى حاله انكار المتهم لما اسند اليه من اتهام وعدم وجود ما يعزز ادعاء المشتكى ضده فيصار الى رفض شكواه وغلق دعواه، فقد روى

[السيوطى، تاريخ الخلفاء، ص 180.] ان رجلا جاء الى الامام على "ع" مدعيا ان له شاهدين على آخر كان قد سرقه، وعندما عجز عن جلب شهوده تم اخلاء سبيل المشكو منه لانكاره ما اسند اليه من فعل السرقه.

هذا والثابت ان الامام على "ع" كان لا يعتد بالاعتراف المقترن بالاكراه او التهديد، ومن سوابقه فى هذا المجال نذكر اعتراف احدى الحوامل امام الخليفه عمر بانها حملت سفاحا، فامر عمر برجمها، وصادف فى الطريق ان شاهدها الامام على "ع" فسال عن موضوعها، وبعدما علم بخبرها استفسر من عمر عما اذا كان قد اخافها او نهرها، فاجابه بالايجاب، فقال على "ع": "يا عمر اما سمعت قول الرسول: لا حد على معترف بعد البلاء انه من قيدت او حبست او تهددت فلا اقرار له". لهذا اخلى عمر سبيلها.

[الحافظ الموفق بن احمد الحنفى الخوارزمى، المناقب، ص 39سبق ذكره.] وعلى ضوء ما تقدم يتضح جليا ان منظور الامام على ازاء الاقرار، بوصفه دليلا للاثبات يقوم على التمحيص والتحليل، وكثيرا ما يتردد فى قبوله حتى عند صحته فى المسائل الجزائيه، لا بل انه لم يقبله فى الجرائم الحديه ما لم يعزز بدليل آخر، فهناك اكثر من سابقه قضائيه لم يقم فيها حد الزنا الا بعد اصرار الجانى على الاعتراف واقراره فى اربع مرات عبر فواصل زمنيه كان فى كل مره فيها يود الامام ان لا يعود اليه الجانى كى يكرر له الاعتراف ويطلب منه اقامه الحد عليه بكلمه "طهرنى" عسى ان يرعوى ويتوب الى اللّه تعالى توبه نصوحه، اذ اعتبر كل اعتراف هنا بمثابه شهاده، لهذا لم يكن له من بد -فى مثل هكذا حالات- من انزال عقوبه الحد بالجانى

[ان شئت الاطلاع على تلك القضايا راجع: فروع الكافى والتسترى فى قضائه، وقضيته فى قضاء الرسول الكريم ذكرها عبد القادر عوده، التشريع الجنائى، ج 2ص 378.] فجرائم الحدود تدرا بالشبهات، وان الاعتراف وحده لا يمثل دليلا كافيا للادانه، والحكم عنده فى الاعم الاغلب من قضائه، وحتى لو اقتنع بصحه الاقرار فامر باقامه الحد استنادا عليه امر متروك تقديره للامام او القاضى، لان الاساس فى جرائم الحدود وخصوصا منها ما يمس العرض والشرف هو الستر، كما تدلنا عليه سنه الرسول الكريم.

[راجع باب القضاء فى كتابى الوسائل وجواهر الكلام.]

ومن سوابقه "ص" نذكر قراره لمن حمل رجلا على الاقرار عنده بالزنا الذى ورد فيه "هلا سترته بثوبك وسماعها بالبينه"، فالاقرار لم يعتد به هنا مفضلا الستر فى هكذا حاله لعدم وجود البينه الشخصيه -اى الشهاده المطلوبه وهو الطريق الذى سار عليه ابن عمه الامام على "ع". اما فى المسائل المدنيه، فان الاقرار يكفى للاثبات ما دام قد صدر من شخص كامل الاهليه، وبارادته الحره والواعيه، وبشكل لا لبس فيه ولا شبهه، كما يدلنا عليه منهجه "ع"، فقد قضى فى رجل مات وترك ورثه فاقر احدهم بدين على ابيه انه يلزمه ذلك لوحده من حصته فى التركه، ولكن فى حاله ما اذا اقر اثنان منهم، وكانا عدلين، شمل اقرارهما بقيه حصص الورثه حيث اعتبرا بحكم الشهود، وفى حاله عدم ثبوت عدالتهما الزما من حصتهما بقدر ما ورثا.

[محمد جواد مغنيه، فقه الامام، ج 5ص 179.] اى انه هنا اعتبر الاقرار حجه قاصره على المقر، وهذا هو عين العدل والمنطق، وقد سار على هذا النهج المشترعون الوضعيون حاليا. وبمراجعه وصيه الامام على الى شريح يتضح لنا ان البينه فى الحقوق الماليه على المدعى واليمين على المدعى عليه عند الانكار، اما فى حاله الاقرار فانه يبطل اليمين

[لمزيد من التفصيل، راجع: الوسائل.] وكذا فى حاله المملوك فان ادعى الحريه فعلى مالكه اثبات خلاف ذلك لقوله "ع" ان "الناس كلهم احرار الا من اقر على نفسه بالعبوديه، وهو مدرك، من عبد او امه".

[السيد الخوئى، مبانى تكمله المنهاج، ج 1ص 69الهامش، بغداد 1978.]

/ 25