منهج الامام علی فی القضاء نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

منهج الامام علی فی القضاء - نسخه متنی

فاضل عباس الملا

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


فهم الدعوى


ينبغى على القاضى، حال رفع الدعوى امامه، ان يبذل جهده لفهمها فهما شاملا، فيقرا مضمون الادعاء ويتامله -تحريريا كان ام شفهيا- ويبذل اقصى وسعه للوقوف على سر التخاصم فيها -عبر البينات والدفوع المقدمه اليه من دون ايه شكليه او قيود وملاحظه ما يصدر من الطرفين من اشارات او امارات وما تلوح على محياهم من دلالات، لاكتشاف ما يشوب الدعوى من ملابسات ومعرفه ظروفها وما احاط بها وبطرفيها من مبهمات كى يلم بجزئياتها، ناهيك عن جوهرها لفهم تفاصيلها بشكل لا لبس فيه قبل ان يصدر قراره الحاسم فيها. ولقد ورد فى القرآن الكريم نحو ثلاث عشره آيه تخص الاحكام المتعلقه بسير الدعوى وتنظيم اجراءاتها.

[عبد الوهاب خلاف، علم اصول الفقه، ص 33الكويت، 1972.]

فمن القصص القرآنى نذكر ما ورد من نزاع عرض امام فرعون مصر بين زوجته واحد العاملين فى قصره، وهو نبى اللّه يوسف "ع"، اذ اتهمته بمراودتها عن نفسها ومحاولته ارغامها على الفاحشه، ولكن يوسف انكر التهمه، وكادت مكيدتها تنجح لولا احد وزراء الفرعون، وهو من اقاربها، فقد استخدم مهارته فى التحقيق بعد فهمه بشكل دقيق مغزى التخاصم بينهما واهتدى الى وسيله -بهدى البارى تعالى- اعانته فى كشف الحقيقه على الملا -بعدما لاحظ مغريات الجمال والفتنه التى اسبغها البارى تعالى على يوسف- الا وهى النظر الى قميص يوسف الذى تبين منه انه قد شق من الخلف، فكانت النتيجه التى توصل اليها هى براءه يوسف "ع"،

[راجع الايات 23ف 28من سوره يوسف.] فلولا فهمه لتفاصيل النزاع، موضوع الدعوى وجوهره لما توصل الوزير المذكور الى تلك الحقيقه، فاعمال الفكر، بغيه فهم الدعوى على حقيقتها هو اول ما يجب على القاضى مراعاته.

ومن الحكايات ذات العلاقه نذكر واقعه الحكم الذى قرره النبى سليمان "ع" بين امراتين لكل منهما ابن، وقد اكل الذئب احدهما، فادعت كل منهما ان الابن الناجى هو ابنها، وما استعمله سليمان من اجراء كشف من خلاله الحقيقه عبر فهمه بان عاطفه الامومه هى اقوى تاثيرا على فراق الام الحقيقيه لابنها، وذلك على اثر طلبه سكينا ليقد الطفل المتنازع عليه بينهما مناصفه، ما دامت اى منهما لم تقدم اليه الدليل فى اثبات امومتها له، فلم يكن من الصغيره الا التنازل عن الابن لغريمتها لقاء ابقائه حيا فحكم لها به،

[ينظر الدكتور محمد الحبيب التجكانى، النظريه العامه للقضاء، ص 48سبق ذكره.] استدلالا على الواقع الفعلى بقرينه الشفقه التى لا تفسير لها الا الامومه، وقد عرضت قضيه مماثله تماما على الامام على بن ابى طالب "ع" فقضى فيها بالحكم نفسه -كما سبق واشرنا- فلولا فهمه الدقيق لحقيقه الحادث مثار النزاع وسر الاتهام والتنازع الذى يكمن فى الغيره والحسد لما توصل الى حكمه الصائب. هذا خصوصا وان كيدهن كيد عظيم حسب التعبير القرآنى الكريم.

فالقاضى، اذن، عليه الا يكتفى بادنى فهم دون اقصاه حسب تعبير الامام "ع" - انما عليه الخوض فى زوايا الدعوى لان فى الزوايا خبايا -كما يقال- ولا بد من ان يستقصى امرها اشد الاستقصاء لفهمها جيدا، لان النظره الاولى حمقاء كما يروى عن الرسول الكريم، لهذا نجد الامام "ع" عندما عرضت عليه قضيه الزوجين اللذين ماتا فى الطاعون على فراش واحد وما التبس فى امر الميراث فيهما، تبين له ان يد الرجل ورجله كانتا على المراه فقرر الميراث للرجل، وقال: انه مات بعدها

[التسترى، قضاء امير المومنين، ص 59سبق ذكره.] فقوله هذا لم يكن اعتباطيا، اذ لولا فهمه لما احاط بالحادث من وقائع لما كشف حقيقه كون الوفاه لم تحصل لهما فى الوقت نفسه، بدليل وضع الرجل يده ورجله على امراته، اى انه كان لا يزال حيا بعدها وهو يعالج المرض، الا انه لم يقو على مواجهته فمات هو الاخر بعدها، فهذه الوقائع قرائن لا تقبل اثبات العكس لانها ماديه،

[فى مفهوم هذه القرائن يمكن مراجعه بحثنا: "سلطه قاضى التحقيق فى تقدير الادله"، المسحوب بالرونيو عام 1992.] لهذا استند عليها الامام فى حكمه.

ونود ان نختم هذا المطلب بسابقه قضائيه اخرى للامام على "ع" حصلت فى مجلس الرسول الكريم، ومجملها

[الشبلنجى، نور الابصار، ص 79بغداد 1984.] انه "ص" كان جالسا مع اصحابه ذات يوم، فجاءه خصمان، فقال احدهما: ان لى حمارا وان لهذا بقره وان بقرته قتلت حمارى، فبدا رجل من الصحابه وتسرع فى الحكم قائلا: لا ضمان على البهائم، فالتفت الرسول الكريم الى الامام على "ع" الذى كان ضمن الحاضرين فى مجلس الرسول وقال له: اقض بينهما يا على، فلم يكن من الامام اصدار قراره الا بعد فهمه وتعمقه فى كيفيه حصول الحادث مثار هذه الدعوى، اذ استفسر منهما عما اذا كانا مرسلين ام مشدودين وعما اذا كان احدهما مشدودا والاخر مرسلا، ولما تبين له من خلال الاقوال ان الحمار كان مشدودا وان البقره مرسله وان صاحبها وقت الحادث كان معها، وبعد ان حصل له العلم بهذه الوقائع قضى "ع" على صاحب البقره بضمان قيمه الحمار لتقصيره المستفاد من تلك الوقائع.

[ومناط هذا التقصير هو ما يطلق عليه فى المصطلح القانونى المعاصر، بالمسووليه المدنيه بشقها التقصيرى وقد عرفت الشريعه الاسلاميه احكام هذه المسووليه، وفصلتها الموسوعه الفقهيه تحت عنوان: "الضمان" ينظر، مثلا، الدكتور حسن الخطيب، نطاق المسووليه المدنيه والتقصيريه والعقديه، ص 296وما بعدها، وهى رساله دكتوراه، طبع،1965وكذا الدكتور عبد المجيد الحكيم فى شرحه للقانون المدنى، الجزء الاول فى مصادر الالتزام، ص 421وما بعدها، ان شئت التوسع، بغداد 1963.]

عرض الصلح


بعد ان يعمل القاضى جهده فى فهم الدعوى ويتوصل الى حقيقه الامر فيها، عليه الا يسارع فى اصدار حكمه فيها انما عليه التاكد من نوع الحق المتنازع فيه، فان كان يدخل فى قائمه الحقوق التى يصح التنازل والصلح فيها فعليه حسم القضيه صلحا ما امكنه جهده ذلك، لان الصلح يزيل الاحقاد ويرفع الضغائن،

[ذهب صاحب الجواهر، فى باب القضاء، الى القول: اذا ترافع الخصمان، وكان الحكم واضحا لزمه القضاء، ولكن يستحب ترغيبهما فى الصلح الذى هو خير، ولا ينافى ذلك فوريه القضاء عرفا حتى لو طلب المحكوم له بتنجيز الحكم عاجلا.] فالقاضى ليس كالاله الصماء انما عليه المبادره فى جعل الخصم ازاء غريمه ودودا لا لدودا، اذ انه هاد للمسلمين وناصح قبل ان يكون حاكما فيهم وحكما بينهم، اذ ليس له افضل من تذكير الخصوم بقوله تعالى "لا تستو الحسنه ولا السيئه... ادفع بالتى هى احسن، فاذا الذى بينك وبينه عداوه كانه ولى حميم"، وقد جاء فى سوره آل عمران قوله تعالى: "انما المومنون اخوه فاصلحوا بين اخويكم" ويقول الحق ايضا: "وان طائفتان من المومنين اقتتلوا فاصلحوا بينهما" فجاءت هاتين الايتين بصيغه الامر لان الصلح، فى المنظور القرآنى، خير.

ولنا فى سنه الرسول الكريم "ص" خير دليل على ذلك، ونذكر على سبيل المثال صلحه فى دعوى دين بين كعب بن مالك وابن ابى حدره -كما جاء فى سنن ابى داود- وما يروى عنه قوله الشريف: "ان الاعمال تعرض على اللّه يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل امرى لا يشرك باللّه شيئا الا امرا كانت بينه وبين اخيه شحناء فيقول: اتركوا هذين حتى يصطلحا".

[ابن الاثير، المثل السائر، ج 1ص 135.]

ومنهج الامام على بن ابى طالب "ع" واضح فى هذا السبيل، فهناك العديد من سوابقه التى دعا فيها الخصوم الى التصالح، ونذكر منها قضيه الرجلين اللذين تخاصما بشان الدراهم الثمانيه التى وهبها لهما الضيف الذى استضافاه لمشاركتهما طعام الغداء، لاختلافهما فى حصه كل منهما من ارغفه التى تناولاها معا.

[فى تفاصيل القضيه هذه، انظر: من لا يحضره الفقيه، ج 3ص 23وابن حجر فى صواعقه، ص 129سبق ذكرهما.] فالصلح خير من الحكم، ويروى عن الرسول قوله انه: "ما اهدى المسلم لاخيه هديه افضل من كلمه حكمه تزيده هدى او ترد عما رده".

[الديلمى، ارشاد القلوب، ج 1ص 13بيروت 1978.]

ولعل من الطريف ان نذكر اخيرا ان القاضى مهاجربن نوفل القرشى كان عندما يجلس للقضاء يبدا بالنصيحه والارشاد للتصالح، ثم يذكر ما يلزم القاضى من الحساب بما يجب عليه من التحرى والاجتهاد وبعدها يجنح الى التطرف الظريف حيث "ياخذ فى النوح حتى ينصرف عنه الخصوم وقد تعاطوا الحقوق بينهم".

[الحافظ الخشنى، قضاه قرطبه، ص 3مصر 1966.]

/ 25