امامة و اهل البیت جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

امامة و اهل البیت - جلد 1

محمد بیومی مهران

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

إمرة، وإنه لا بد للناس من أمير- بر أو فاجر- يعمل في إمرته المؤمن، ويستمتع فيها الكافر، ويبلغ الله فيها الأجل، ويجمع به الفئ، ويقاتل به العدو، وتؤمن به السبل، ويؤخذ به للضعيف من القوي، حتى يستريح بر، أو يستراح من فاجر

[شرح نهج البلاغة 2 / 307 "بيروت 1979".]

وهكذا أثبت الإمام علي- رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة- وجوب الإمامة، تلك القضية التي تشغل أول الأبحاث في النظريات السياسية في الفكر الإسلامي، ولقد سبق أن اختلف المسلمون يوم السقيفة حول شخص من يخلف الرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم فبحثوا في الإمامة، وجعلوها محور تفكيرهم السياسي، ثم أثار الخوارج التشكيك في ضرورة وجود الإمام، فالتفت معظم فرق المسلمين عند القول بوجوب وجود الإمام في بداية أبحاثهم السياسية

[أحمد صبحي: المرجع السابق ص 42.]

علي أن الخوارج إنما يمثلون- من ناحية أخرى- جموح الهوى، وغلو الاجتهاد في الرأي، ثم سرعان ما تنعزل هذه الفرقة عن الناس، وتتخذ لها جبهة خاصة بها، فتنحرف عما عليه جماعة المسلمين، وحتى يحملها العناد والشقاق، على أن تشتط، وتمعن في الشطط، وإذا هي خارج دائرة الإسلام، تستحل دماء المسلمين، وتستبيح أموالهم وأعراضهم، دونما تقية أو حرج، وكانوا يلقون الواحد من المسلمين فيسألونه: ألم يكن قبول التحكيم كفراً؟ ألم يأثم علي بقبول التحكيم؟ ألسنا في حل من طاعته وبيعته حتى يقر بإثمه ويتوب؟ فإن أجاب المسؤول بنعم، تركوه ينجوه، وإن أجاب بلا، سفكوا دمه، وأزهقوا روحه.

وروى البخاري في صحيحه

[صحيح البخاري 4 / 343- 224.] "كتاب بدء الخلق- باب علامات النبوة في الإسلام" بسنده عن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقسم قسماً، أتاه ذي الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا

رسول الله إعدل، فقال: ومن يعدل إذا لم أعدل؟ قد خبت وخسرت، إن لم أكن أعدل، فقال عمر: يا رسول الله إئذن لي فيه فأضرب عنقه، قال: دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين، كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى رصافه، فما يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى نضيه، وهو قدحه، فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شئ، قد سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر، ويخرجون على خير فرقة من الناس.

قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم، وأنا معه، فأمر بذلك الرجل، فالتمس فأتي به، حتى نظرت إليه على نعت النبي صلى الله عليه وسلم، الذي نعته.

وروى الإمام مسلم في صحيحه بسنده عن ابن الزبير عن جابر بن عبد الله قال: أتى رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجعرانة، منصرف من حنين، وفي ثوب بلال فضة، رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقبض منها يعطي الناس، فقال: يا محمد أعدل، قال:

ويلك ومن يعدل إذا لم أكن أعدل، لقد خبت وخسرت، إن لم أكن أعدل، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق، فقال:

معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي: إن هذا وأصحابه يقرأون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون منه كما يمرق السهم من الرمية

[صحيح مسلم 7 / 159، وانظر روايات أخرى 7 / 159- 165.]

وفي رواية لمسلم أيضاً عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن والضحاك الهمداني أن أبا سعيد الخدري قال: بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو يقسم قسماً، أتاه ذو الخويصرة، وهو رجل من بني تميم، فقال: يا رسول الله أعدل، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ويلك ومن يعدل، إن لم أعدل،

قد خبت وخسرت، إن لم أعدل، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا رسول الله، إئذن لي فيه أن أضرب عنقه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه، فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام، كما يمرق السهم من الرمية، ينظر إلى نصله فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى رصافه فلا يوجد فيه شئ، ثم ينظر إلى نضيه فلا يوجد فيه شئ- وهو القدح- ثم ينظر إلى قذذه فلا يوجد فيه شئ، سبق الفرث والدم، آيتهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة أو مثل البضعة تدردر يخرجون على خير فرقة من الناس، قال أبو سعيد: فأشهد أني سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قاتلهم وأنا مع، فأبر بذلك الرجل فالتمس فوجد، فأتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي نعت

[صحيح مسلم 7 / 165- 167، وانظر روايات أخرى في 7 / 167- 168.]

وفي رواية لمسلم أيضاً بسنده عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون في أمتي فرقتان فتخرج من بينها مارقة، يلي قتلهم أولاهم بالحق

[صحيح مسلم 7 / 168، وانظر روايات أخرى في 7 / 168- 173.]

وفي رواية لمسلم أيضاً بسنده عن بسر بن سعيد عن عبد الله بن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الحرورية لما خرجت- وهو مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه- قالوا: لا حكم إلا لله، قال علي: كلمة حق أريد بها باطل، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصف ناساً إني لأعرف صفتهم من هؤلاء، يقولون الحق بألسنتهم، لا يجوز هذا منهم- وأشار إلى حلقه- من أبغض خلق الله إليه، منهم أسود، إحدى يديه طي شاة، أو حلمة ثدي، فلما قتلهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: أنظروا فنظروا فلم يجدوا شيئاً، فقال: ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كذبت- مرتين أو ثلاثاً- ثم وجدوه في خربة حتى وضعوه بين يديه، قال عبيد الله، وأنا حاضر ذلك من أمرهم، وقول علي فيهم، زاد يونس في

روايته، قال بكير: وحدثني رجل عن أبي حنين أنه قال: رأيت ذلك الأسود

[صحيح مسلم 7 / 173- 175.]

هذا وقد روى الحديث الشريف النسائي في الخصائص

[النسائي: تهذيب خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ص 92- 108.]، وابن الأثير في أسد الغابة

[أسد الغابة 2 / 172.]، والطبري في تفسيره

[تفسير الطبري 10 / 109.] والإمام أحمد في المسند

[مسند الإمام أحمد 1 / 88 و 91 و 3 / 26 و 32 و 45 و 48 و 56 و 70 و 82 و 95.]، والهيثمي في مجمعه

[مجمع الزوائد 5 / 239 و 6 / 341.]، والذهبي في ميزان الاعتدال

[ميزان الاعتدال 2 / 263.]، والحاكم في المستدرك

[المستدرك للحاكم 2 / 145 و 147 و 148 و 154.]، وابن سعد في طبقاته

[طبقات ابن سعد 4 / 36.]، وأبو نعيم في الحلية

[حلية الأولياء 4 / 186 و 6 / 21 و 7 / 31.]، والخطيب البغدادي في تاريخه

[تاريخ بغداد 1 / 159 و 7 / 237.]، والمتقي الهندي في كنز العمال

[كنز العمال 1 / 92.]، والشوكاني في نيل الأوطار

[الشوكاني: نيل الأوطار، شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخبار 8 / 287- 288 "دار الكتب العملية- بيروت".]

ويذهب الدكتور أحمد صبحي إلى أن الخوارج لم يفسدوا على الإمام علي أمره في مجال السياسة والحرب فحسب، بل وفي مجال المبادئ والعقائد التي استنفر أصحابه ليحاربوا من أجلها، ولم يكن جدال الإمام معهم بكاف لإقناعهم، بل لا بد من الانقياد للإمام لكبت الأهواء الجامحة، فالفوضى المطلقة الناجمة عن الغلو في الاجتهاد، وتحكيم الرأي، لا بد وأن تقابلها سلطة مطلقة لحاكم في مجتمع في مجتمع يدين بالثيوقراطية، أو بالسياسة المستندة إلى الدين،

إلا إذا كانت مؤيدة من الله تعالى، فظهر لدى الشيعة مبدأ وجوب الإمامة، وهكذا أنكر الخوارج الإمامة، فأوجبها الشيعة، واستبعد الخوارج تحكيم الرجال، فأقر الشيعة ولاية الإمام، وكفر الخوارج الإمام "والعياذ بالله" فقدسه الشيعة.

وعلى أية حال، فإذا كانت حركة الخوارج لها أهميتها في صياغة العقيدة الشيعية، فإن ردوا بداية التشيع إلى هذا الزمن، أو إلى زمن خلافة الإمام علي، إنما قصدوا الحكم على أنصار الإمام في حرب الجمل، ثم في صفين، فالذين يرجعون الحركة الشيعية إلى وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، إنما يقصدون عماراً وسلمان وأبا ذر وغيرهم، والذين يرجعونها إلى زمن خلافة الإمام علي إنما يعتبرون المسلمين قد تفرقوا شيعاً، ولم يجمعوا على خلافة الإمام علي، فكان شيعة الإمام علي هم أنصاره ومؤيدوه في حرب الجمل ثم صفين

[أحمد صبحي: المرجع السابق ص 42- 43.]

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن كلمة الوصي إنما تتردد أيضاً في معركة صفين- كما ترددت في معركة الجمل- يقول النضر بن عجلان الأنصاري:

كيف التفرق والوصي إمامنا++

لا كيف إلا حيرة وتخاذلا

لا تعتبن عقولكم لا خير في++

من لم يكن عنده البلابل عاقلا

وذروا معاوية الغوي وتابعوا++

دين الوصي تصادفوه عاجلا

ويقول عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي:

ألا أبلغ معاوية بن حرب++

أما لك لا تنيب إلى الصواب

يقودهم الوصي إليك حتى++

يردك عن عوائك وارتياب

ويقول المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب:

فيكم وصي رسول الله قائدكم++

وأهله وكتاب الله قد نشرا

ويقول الفضل بن عباس بن عبد المطلب:

وصي رسول الله من دون أهله++

وفارسه إن قيل هل من منازل

ويقول المنذر بن أبي خميصة الوادعي- فارس همدان-:

ليس منا من لم يكن لك في الله++

يا ذا الولا والوصية

وقال جرير بن عبد الله:

وصي رسول الله من دون أهله++

وفارسه الأولى به يضرب المثل

[المنقري: وقعة صفين ص 49 و 365 و 382 و 385 و 416 و 436.]

بل إن ابن عباس- رضي الله عنهما- إنما يصف الإمام علي- رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة- بأنه حب النبي ونفسه، وذلك في رده على عمرو بن العاص، حين فخر بخديعته لأبي موسى الأشعري في قصة خديعة التحكيم المشهورة- يقول ابن عباس

[نفس المرجع السابق ص 550.]:

وتزعم أن الأمر منك خديعة++

إليه وكل القول في شأنكم فضلا

فأنتم ورب البيت قد صار دينكم++

خلافاً لدين المصطفى الطيب العدلا

أعاديتم حب النبي ونفسه++

فما لكم من سابقات ولا فضلا

[كان الإمام علي أحب الرجال إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنظر: المستدرك للحاكم 3 / 130- 131، 155، 154، 157، خصائص النسائي ص 29، الإستيعاب لابن عبد البر 2 / 751، كنز العمال 6 / 84، 400، صحيح الترمذي 2 / 299، 319، ذخائر العقبى ص 35، مسند الإمام أحمد 4 / 257، مجمع الزوائد 9 / 126، أسد الغابة 4 / 30، 5 / 547، حلية الأولياء 6 / 339" وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر الإمام علي كنفسه "أنظر المستدرك للحاكم 3 / 122".]

وعلى أية حال، فهناك ما يثبت أن الشيعة كانت معروفة على أيام خلافة

علي، روى ابن الأثير بسنده عن سويد بن غفلة قال: مررت بقوم من الشيعة يشتمون أبا بكر وعمر، وينتقصونهما، فأتيت علي بن أبي طالب، فقلت: يا أمير المؤمنين، إني مررت بقوم من الشيعة يشتمون أبا بكر وعمر وينتقصونهما، ولولا أنهم يعلمون أنك تضمر لهما على ذلك لما اجترؤوا عليه، فقال علي:

معاذ الله أن أضمر لهما إلا على الجميل، ألا لعنة الله على من يضمر لهما إلا الحسن

[أسد الغابة 4 / 164، وانظر 4 / 166- 167.]

في أعقاب مأساة كربلاء


لا ريب في أن استشهاد مولانا الإمام الحسين وآل بيته الطاهرين المطهرين في كربلاء "في العاشر من المحرم عام 61 هـ= العاشر من أكتوبر عام 680 م" إنما هو يوم من أخطر الأيام في تاريخ البشرية جمعاء- وليس في تاريخ العرب والإسلام فحسب- ففي هذا اليوم الكئيب كانت مذبحة كربلاء التي لم ير المسلمون لها مثيلاً- بل لم ير لها تاريخ البشرية كله مثيلاً- فما حدثنا التاريخ أبداً، أن أمة من الأمم آمنت بنبيها وأحبته، وعملت بكتاب الله وسنة نبيها، كما عمل المسلمون على أيام الراشدين، ثم شاءت إرادة الله أن تجعل منهم- بفضل الله وببركة نبيه- سادة العالم المعروف وقت ذاك، ذلك العالم الذي لم يكن- قبل الإسلام- يعترف بوجودهم، أو يقيم لهم وزناً إلا يكونوا خدماً له، وحرساً على قومهم، حتى كان العربي يقتل أخاه العربي، ابتغاء مرضاة الفرس أو الروم، حين اتخذ الفرس قبائل من العرب- عرفوا باللخميين أو المناذرة- واتخذ الروم قبائل من بني غسان، أعواناً لكل منهم ضد الآخرين

[أنظر عن المناذرة والغساسنة "محمد بيومي مهران: تاريخ العرب القديم- ط ثامنة- الإسكندرية 1990 ص 561- 625".]

ومع ذلك، ففي هذا اليوم المنكود، قام جيش اللئام- على أيام يزيد بن معاوية بن أبي سفيان- بمذبحة مروعة، قتل فيها سيدنا الإمام الحسين، وقتل

معظم الهاشميين، ثم فعل اللئام- بأجسادهم الطاهرة، من قطع للرؤوس، ووطء للأجساد الطاهرة بسنابك الخيل- ما يخجل الشيطان من اقترافه، إن كان الشيطان يخجل، وقد بكى المسلمون جميعاً، حتى أعداء بيت النبي صلى الله عليه وسلم- مولانا الإمام الحسين، وما زالوا يبكونه حتى يوم الناس هذا.

ومن البديهي أن خطيئة كبرى- كمجزرة كربلاء- لن تذهب بغير جريرة، وأن تكون لها من النتائج الخطيرة- القريبة منها والبعيدة- حتى دخل في روع بعض المؤرخين، نتيجة لإصابة الحركة في نتائجها الواسعة، أنها من تدبير الإمام الحسين عليه السلام، وأنه توخاه منذ اللحظة الأولى، وعلم موعد النصر فيه، فلم يخامره شك في مقتله ذلك العام، ولا في عاقبة هذه الفعلة التي ستحيق، لا محالة، بقاتليه بعد أعوام.

وقد قال ماريين الألماني في كتابه السياسية: إن حركة الحسين في خروجه على يزيد إنما كانت عزمة قلب كبير، عز عليه الإذعان، وعز عليه النصر العاجل، فخرج بأهله وذويه، الخروج الذي يبلغ به النصر الآجل بعد موته، ويحيي به قضية مخذولة، ليس لها بغير ذلك حياة.

وفي الواقع، إن لم يكن رأي الكاتب حقاً كله- كما يقول الأستاذ العقاد- فبعضه على الأقل حق لا شك فيه، ويصدق ذلك على حركة الإمام الحسين، بعد أن حيل بينه وبين الذهاب لوجهه الذي يرتضيه، فآثر الموت كيفما كان، ولم يجهل ما يحيق ببني أمية من جراء قتله، فهو بالغ منهم بانتصارهم عليه، ما لم يكن ليبلغه بالنجاة من كربلاء

[أنظر عن المناذرة والغساسنة "محمد بيومي مهران: تاريخ العرب القديم- ط ثامنة- الإسكندرية 1990 ص 561- 625".]

هذا ولم تنقض سنتان على مذبحة كربلاء، حتى كانت المدينة المنورة- أي في أخريات عام 63 هـ"682 م"- في ثورة حنق جارف، يقتل السدود، ويخترق الحدود، لأن اللئام من بني أمية حملوا إليها خبر مقتل الإمام الحسين، محمل التشهير والشماتة، وضحك واليهم عمرو بن سعيد، حين سمع أصوات البكاء والصراخ من بيوت آل النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت بنت عقيل بن أبي طالب، تخرج في نسائها، حاسرة وتنشد:

ماذا تقولون إن قال النبي لكم++

ماذا فعلتم وأنتم آخر الأمم

بعترتي وبأهلي بعد مفتقدي++

منهم أسارى ومنهم درجوا بدم

ما كان هذا جزائي إذ نصحت لكم++

أن تخلفوني بسوء في ذوي رحم

فكان الأمويون يجيبون بمثل تلك الشماتة، ويقولون ناعية كناعية عثمان، وبدهي أنه لا موضع للشماتة بالإمام الحسين، ذلك لأنه إنما قد أصيب- وكذا أخوه الإمام الحسن- وهما يذودان عنه ويجتهدان في سقيه، وسقي آل بيته، ولكنها شماتة هوجاء، لا تعقل ما تصنع ولا ما تقول، وكان أبوهما الإمام علي أمرهما أن اذهبا بسيفيكما حتى تقوما على باب عثمان، ولا تدعا أحد يصل إليه، وحين قتل الخليفة المظلوم، ثار عليهما، ولطم الحسن، وضرب الحسين، بينما كان هذا الوالي السفيه حيث يعلم الله

[تاريخ الطبري 5 / 466- 467، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 4 / 88- 89، ابن كثير: البداية والنهاية 8 / 214.]

وسرعان ما حدثت وقعة الحرة في يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من ذي الحجة سنة ثلاث وستين "28 سبتمبر 682 م" فقتل فيها خلق كثير، واستبيحت مدينة الرسول ثلاثة أيام، وأوقع مسلم بن عقبة المري وجيشه من جنود الشام- والمكون من عشرة آلاف فارس، وقيل اثنا عشر ألفاً، أو خمسة عشر ألف

رجل- كثيراً من المفاسد العظيمة في المدينة النبوية، ما لا يحد ولا يوصف، حتى ذهبت بعض المصادر إلى أن عدد القتلى بلغ ألفاً وسبعمائة من بقايا المهاجرين والأنصار وخيار التابعين، وقتل من أخلاط الناس عشرة آلاف، سوى النساء والصبيان، وقتل من حملة القرآن سبعمائة، ومن قريش 97 قتلوا ظلماً في الحرب صبراً، وافتضت ألف عذراء، روى المدائني بسنده عن أبي قرة قال هشام بن حسان: ولدت بعد الحرة ألف عذراء من غير زواج، وروى المدائني أيضاً بسنده عن أم الهيثم ابنة يزيد قالت: رأيت امرأة من قريش تطوف فعرض لها أسود فعانقته فقبلته، فقلت: يا أمة الله أتفعلين هذا بهذا الأسود، فقالت:

هو ابني، وقع علي أبوه يوم الحرة.

ويقول ابن حزم: وجالت الخيل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبالت وراثت بين القبر والمنبر "الروضة الشريفة" أدام الله تشريفها، وأكره الناس على البيعة على أنهم عبيد ليزيد، إن شاء أعتق

[أنظر عن وقعة الحرة "تاريخ اليعقوبي 2 / 250- 251، ابن دقماق: المرجع السابق ص 60، ابن عبد ربه: العقد الفريد 5 / 136- 139، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 4 / 111- 121، تاريخ الطبري 5 / 482- 495، ابن كثير: البداية والنهاية 8 / 235- 243، المسعودي: مروج الذهب 2 / 63- 65، محمد بيومي مهران: الإمام الحسين بن علي ص 183- 189.]

وسرعان ما ينتقل موكب الشر إلى البلد الحرام- إلى مكة المكرمة- فيحاصرها، ويضرب الكعبة المشرفة بالمنجنيق حتى يحرقها، وكان سعيد بن المسيب يسمي سني يزيد بالشؤم، في السنة الأولى قتل الحسين بن علي، وأهل بيت رسول الله، والثانية استبيح حرم رسول الله، وانتهكت حرمة المدينة، والثالثة سفكت الدماء في حرم الله، وحرقت الكعبة

[أنظر عن شرب الكعبة بالمنجنيق أيام الأمويين "ابن فهد الهاشمي: غاية المرام بأخبار سلطنة البلد الحرام 1 / 141- 144 و 182- 188، الفاسي: العقد الثمين 5 / 45- 59، 143- 144، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 4 / 123- 124، الأزرقي: أخبار مكة 1 / 196- 221، النجم عمر بن فهد: إتحاف الورى بأخبار أم القرى 1 / 58- 77 و 88- 99 و 103- 104، تاريخ الطبري 5 / 496- 499 و 6 / 187- 195، ابن كثير: البداية والنهاية 8 / 243- 245 و 270- 271، ابن دقماق: المرجع السابق ص 60- 61، ابن عبد ربه: العقد الفريد 5 / 139- 142 و 162- 168، تاريخ اليعقوبي 2 / 251- 253 و 266- 267 و 272، مروج الذهب 2 / 65 و 75 و 100- 103، ابن قتيبة: الإمامة والسياسة 2 / 14- 15، ابن الطقطقي: الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية ص 95".]

/ 47