امامة و اهل البیت جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

امامة و اهل البیت - جلد 1

محمد بیومی مهران

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

كنز العمال: إن وصيي وموضع سري، وخير من أترك بعدي، وينجز عدتي، ويقضي ديني، علي بن أبي طالب "قال أخرجه الطبراني عن أبي سعيد عن سلمان"

[كنز العمال للمتقي الهندي 6 / 154 "حيدر أباد الدكن 1312 هـ".]

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن مطر عن أنس- يعني ابن مالك- قال: قلنا لسلمان: سل النبي صلى الله عليه وسلم، من وصيه؟ فقال له سلمان:

يا رسول الله من وصيك، قال: يا سلمان من كان وصي موسى؟ قال: يوشع بن نون، قال: فإن وصيي ووارثي، يقضي ديني، وينجز عدتي، علي بن أبي طالب

[الإمام أحمد بن حنبل: كتاب فضائل الصحابة 2 / 615 "بيروت 1983- نشر جامعة أم القرى بمكة المكرمة".]

وفي رواية كنوز الحقائق: أنا خاتم الأنبياء، وأنت يا علي خاتم الأوصياء "قال أخرجه الديلمي"، وفي رواية أخرى: لكل نبي وصي ووارث، وعلي وصيي ووارثي "قال أخرجه الديلمي"

[عبد الرؤوف المناوي: كنوز الحقائق في أحاديث خير الخلائق ص 42 "إسلامبول 1285 هـ"، وانظر: الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد 10 / 356 "القاهرة 1329 هـ".]

ومنها "ثالثاً" أنه ليس صحيحاً أن التشيع كعقيدة تحمل آراء محدثة قد ظهرت في وقت مبكر على أيام عثمان، صحيح أنه ليس هناك ما يمنع أن يدخل في الإسلام بعض المنافقين ليكيدوا له، وصحيح كذلك ليس هنا ما يمنع أيضاً أن يستغل يهودي الأحداث التي جرت في عهد عثمان، ليحدث فتنة، وليزيدها اشتعالاً، ويؤلب الناس على عثمان، بل وأن ينادي بأفكار غريبة، ولكنه صحيح كذلك أنه من السابق لأوانه أن يكون لابن سبأ هذا الأثر الفكري العميق، فيحدث هذا الانشقاق العقائدي بين طائفة كبيرة من المسلمين.

ومن ثم فقد تشكك بعض الباحثين في وجود ابن سبأ هذا فكرياً، أي من ناحية أثره في التطور العقائدي للإسلام، فيقول برنارد لويس: ولكن

التحقيق الحديث قد أظهر أن هذا استباق للحوادث، وأنه صورة مثل بها في الماضي، وتخيلها محدثو القرن الثاني للهجرة، من أحوالهم وأفكارهم السائدة حينئذ، هذا وقد أظهر فلهاوزن وفريد ليندر، بعد دراسة للمصادر، دراسة نقدية، أن المؤامرة والدعوة المنسوبتين إلى ابن سبأ من اختلاق المتأخرين.

هذا وقد بين كيتاني أن مؤامرة مثل هذه، وبهذا التفكير، وهذا التنظيم، لا يمكن أن يتصورها العالم العربي المعروف عام 35 هـ، بنظامه القبلي القائم على سلطان الأبوة، وأنها تعكس أحوال العصر العباسي الأول بجلاء، فلقد اقتضى قتل الإمام علي، واستشهاد الإمام الحسين بن علي وآل بيته وأنصاره في كربلاء، بصورة لم يشهدها التاريخ من قبل، حدوث تبدل اجتماعي كبير، قبل أن يمكن ظهور التشيع الثوري ذي الصبغة المهدوية

[أحمد صبحي: المرجع السابق ص 37- 38، وانظر: برنارد لويس: أصول الإسماعيلية، تعريب خليل جلو وجاسم الرجب ص 86- 87.]

ولعل كل هذا إنما دعا بعض العلماء- من الشيعة والسنة- إلى إنكار وجود عبد الله بن سبأ- كحقيقة تاريخية، يقول الأستاذ الدكتور طه حسين:

الغريب أن هؤلاء المؤرخين قد نسوا ابن سبأ والسبئية نسياناً تاماً، أو أهملوها إهمالاً كاملاً، حين رووا حرب صفين، فابن السوداء لم يخرج مع الإمام علي إلى الشام، وأصحاب ابن السوداء خرجوا معه، ولكنهم كانوا أنصح له، وأوفى الناس بعهده، وأطوع الناس لأمره، لم يأتمروا ولم يسعوا إلى الفساد بين الخصمين، وإنما سمعوا وأطاعوا، وأخلصوا الإخلاص كله، حتى إذا رفعت المصاحف خرج بعضهم مع الحكمة الذين أنكروا الصحيفة وما فيها، كحرقوص بن زهير، وأقام بعضهم على طاعة الإمام علي، وإن أنكر الصحيفة وكره الحكومة كالأشتر.

وأقل ما يدل عليه إعراض المؤرخين عن السبئية، وعن ابن السوداء في حرب صفين، أن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء، إنما كان متكلفاً منحولاً،

قد اخترع بالأحرى حين كان الجدل بين الشيعة وغيرهم من الفرق الإسلامية، أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصراً يهودياً، إمعاناً في الكيد لهم، والنيل منهم، ولو قد كان أمر ابن السوداء مستنداً إلى أساس من الحق والتاريخ الصحيح، لكان من الطبيعي أن يظهر أثره وكيده في هذه الحرب المعقدة المعضلة التي كانت بصفين، ولكان من الطبيعي أن يظهر أثره حين اختلف أصحاب الإمام علي في أمر الحكومة، ولكان من الطبيعي بنوع خاص أن يظهر أثره في تكوين هذا الحزب الجديد الذي كان يكره الصلح وينفر منه، ويكفر من مال إليه، أو شارك فيه.

ولكننا لا نرى لابن السوداء ذكراً في أمر الخوارج، فكيف يمكن تعليل هذا الإهمال أو كيف يمكن أن نعلل غياب ابن سبأ عن وقعة صفين، وعن نشأة حزب المحكمة.

ثم يعلل الدكتور طه حسين الأمرين بعلة واحدة، وهي أن ابن السوداء لم يكن إلا وهماً، وإن وجد بالفعل، فلم يكن ذا خطر، كالذي صوره المؤرخون، وصوروا نشاطه أيام عثمان، وفي العام الأول من خلافة الإمام علي، وإنما هو شخص ادخره خصوم الشيعة للشيعة وحدهم، ولم يدخروه للخوارج، لأن الخوارج لم يكونوا من الجماعة، ولم يكن لهم مطمع في الخلافة، ولا في الملك، وإنما كانوا حزباً باقياً متصلاً، عظيم الخطر، ولا سيما بعد أن انقضى عصر بني أمية، وإنما ضعف أمرهم، وفل حدهم، بعد أن تقدم الزمان بدولة بني العباس، وبقي مذهبهم معروفاً بين المتكلمين، ولكنه اتخذ في الحياة العلمية أطواراً مختلفة. ومن ثم فهم لم يكونوا إذاً حزباً تحتاج خصومته إلى الجدل الشديد المتكلف، الذي يبغضهم إلى الناس، ويزهد فيهم أصحاب التقى والورع، كما كان أمر الشيعة الذين ظلوا ينازعون الملوك والخلفاء سياسة المسلمين

[طه حسين: الفتنة الكبرى- الجزء الثاني- علي وبنوه- القاهرة 1982 ص 90- 91.]

هذا إلى أن البلاذري

[البلاذري: هو أبو العباس، أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، ولد في بغداد في العقد الأول من القرن الثالث الهجري، سمع في دمشق وحمص وأنطاكية والعراق، وكان نديماً للخليفة العباسي المتوكل 232- 247 هـ"، ويعد البلاذري مؤرخاً جامعاً، من أشهر مؤرخي القرن الثالث الهجري، وتوفي عام 279 هـ"892 م"، وأشهر مؤلفاته: فتوح البلدان وأنساب الأشراف، ونشر الكتاب الأول محمد رضوان بالقاهرة 1959 م، وصلاح الدين المنجمد بالقاهرة أيضاً 1956- 1960 م، وعبد الله وعمر أنيس الطباع في بيروت 1957 م، ونشر الجزء الأول من أنساب الأشراف محمد حميد الله بالقاهرة 1959، كما نشرت منه أجزاء بالقدس 1936- 1938 م، وأهم مصادر ترجمة البلاذري "لسان الميزان لابن حجر 1 / 322- 323"، البداية والنهاية 11 / 65- 66، الأعلام للزركلي 1 / 252، علم التاريخ للدوري ص 48- 51، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي 3 / 83، معجم المؤلفين لكحالة 2 / 201- 202، الفهرست لابن النديم ص 113، "إرشاد الأريب لياقوت 5 / 89- 102".] لم يذكر ابن السوداء ولا أصحابه السبئية في أمر عثمان، وهو كذلك لم يذكره في أمر الإمام علي إلا مرة واحدة في أمر غير ذي خطر، إذ جاء علياً مع آخرين يسألونه عن أبي بكر، فردهم رداً عنيفاً، لائماً لهم على تفرغهم لمثل هذا، على حين كانت مصر قد فتحت وقتلت فيها شيعة علي.

وكتب علي كتاباً يذكر فيه ما صارت إليه الأمور، بعد تخاذل أهل العراق، وأمر أن يقرأ الكتاب على الناس لينتفعوا به، قال البلاذري: وكانت عند ابن سبأ- وهو عنده عبد الله بن وهب الهمداني- نسخة حرفها، وهكذا فالبلاذري يرى أن ابن سبأ، ليس ابن السوداء، ولكنه عبد الله بن وهب الهمداني، ثم هو يروي هذا الخبر متحفظاً، متوخياً الصدق ما استطاع، وهو كثيراً ما يروي بعض الأحاديث، ثم يعقب عليها، بما يظهر الشك فيها، لأنها من اختراع أهل العراق.

والواقع أن الخصومة بين الشيعة وأهل الجماعة قد اتخذت ألواناً من الجدل والإذاعة ونشر الدعوة، بعد أن استقام الأمر لبني العباس، كثر فيها المكر والكيد والاختراع، بحيث يجب على المؤرخ المنصف أن يحتاط أشد الاحتياط،

حين يصور هذه الفتن في عهدها الأول، وأي شئ أيسر من أن يكذب أهل الشام على أهل العراق، وأن يكذب أهل العراق على أهل الشام، ولا سيما بعد أن يمضي الزمن ويبعد العهد، ويصبح التحقيق في الوقائع الصحيحة عسيراً.

ولا ريب في أن الذين استباحوا لأنفسهم أن يضعوا الأحاديث على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لا يتحرجون من أن يستبيحوا لأنفسهم وضع الأخبار على أهل العراق والشام

[طه حسين: علي وبنوه ص 91- 92.]

هذا وقد أصدر الأستاذ مرتضى العسكري- عميد كلية أصول الدين بالعراق- كتاباً ذهب فيه إلى أن عبد الله بن سبأ أسطورة خلقها وضاع اسمه سيف بن عمر "توفي بعد عام 170 هـ" واستدل على ذلك بمواقف متعددة كانت الرواية فيها عن سيف تختلف عن الرواية عن سواه، ثم أبرز المؤلف في رواياته صوراً من الانحراف

[أنظر: أحمد شلبي: التاريخ الإسلامي 2 / 154- 146 "القاهرة 1973".]

هذا وقد تحدثنا من قبل- عند الحديث عن عمار بن ياسر- إلى الرأي الذي نادى به الأستاذ الدكتور علي الوردي، وهو أن الصحابي الجليل- عمار بن ياسر- إنما قد شوه أعداؤه صورته، فصوروه في صورة شخص سئ دعوه عبد الله بن سبأ ثم قدم عديداً من الأدلة على ذلك، دعمها الأستاذ الدكتور الشيبي، بأدلة أخرى.

وعلى أية حال- وكما يقول الدكتور طه حسين- فإن البلاذري لا يذكر ابن السوداء وأصحابه في شئ من الفتنة أيام عثمان وعلي، رضوان الله عليهما، والطبري، ورواته الذين أخذ عنهم، والمؤرخون الذين أخذوا عنه فيما بعد، يذكرون ابن السوداء وأصحابه في أمر الفتنة أيام عثمان، وفي العام الأول من أيام علي، ثم ينسونهم بعد ذلك، والمحدثون وأصحاب الجدل متفقون مع

الطبري وأصحابه فيما ذهبوا إليه، إلا أن المحدثين وأصحاب الجدل ينفردون من دون الطبري وأصحابه بشئ آخر، فيزعمون أن ابن السوداء وأتباعه ألهوا علياً، وأن علياً حرقهم بالنار.

ولكنك تبحث عن هذا في كتب التاريخ فلا تجد له ذكراً، فلسنا نعرف في أي عام من أعوام الخلافة القصيرة التي وليها الإمام علي كانت فتنة هؤلاء الغلاة، وليس تحريق جماعة من الناس بالنار، في الصدر الأول للإسلام، وبين جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن صلحاء المسلمين، بالشئ الذي يغفل عنه المؤرخون فلا يذكرونه ولا يوقتونه، وإنما يهملونه إهمالاً تاماً.

وكل ما رواه المؤرخون هو ما ذكره البلاذري في حديث قصير وقع إليه، من أن قوماً ارتدوا بالكوفة فقتلهم الإمام علي، وحكم الإسلام فيمن ارتدوا معروف، وهو أن يستتاب، فإن تاب حقن دمه، وإن لم يتب قتل، فلا غرابة إذاً في أن يقتل الإمام علي نفراً ارتدوا، ولم يتوبوا- إن صح هذا الخبر- وإن كان البلاذري لم يسم أحداً، ولم يوقت لهذه الحادثة وقتاً، وإنما رواها مطلقة إطلاق من لا يطمئن إليها

[طه حسين: المرجع السابق ص 93.]

على أن الأستاذ الدكتور أحمد صبحي إنما يذهب إلى أن مبالغة المؤرخين وكتاب الفرق في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ إنما يرجع إلى سبب آخر- غير ما ذهب إليه الدكتور طه حسين- فلقد حدثت في الإسلام أحداث سياسية ضخمة- كمقتل عثمان، ثم حرب الجمل- وقد شارك فيها كبار الصحابة وزوج الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلهم يتفرقون ويتحاربون، وكل هذه الأحداث تصدم وجدان المسلم المتتبع لتاريخه السياسي، أن يبتلي، تاريخ الإسلام هذه الابتلاءات، ويشارك فيها كبار الصحابة، الذين حاربوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشاركوا في وضع أسس الإسلام، كان لا بد أن تلقى مسؤولية هذه الأحداث على كاهل أحد.

ولم يكن من المعقول أن يتحمل وزر ذلك كله صحابة أجلاء، أبلوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلاء حسناً، فكان لا بد أن يقع عبء ذلك كله على ابن سبأ، فهو الذي أثار الفتنة التي أدت إلى قتل عثمان، ثم هو الذي حرض الجيشين يوم الجمل على الالتحام، على حين غفلة من علي وطلحة والزبير، ولم يكن أحد منهم يدري أنه سيكون قتال، هذا في التاريخ السياسي.

وأما في التاريخ الفكري، فعلى عاتق ابن سبأ يقع أكبر انشقاق عقائدي بظهور الشيعية. هذا هو تفسير مبالغة كتاب الفرق وأصحاب المذاهب- لا سيما السلفيين والمؤرخين- في حقيقة الدور الذي قام به ابن سبأ، ولكن أليس عجباً أيضاً، أن يعبث دخيل في الإسلام، كل هذا العبث فيحرك تاريخ الإسلام السياسي والعقائدي معاً على النحو الذي تم عليه، وكبار الصحابة شهود؟

[أحمد صبحي: نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية- القاهرة 1969 ص 39- 40.]

على أن هناك اتجاهاً جديداً- كما قلنا آنفاً- في ابن سبأ هذا، إنما هو الصحابي الجليل عمار بن ياسر، حيث شوه أعداؤه- وأعداء الإمام علي وآل البيت من قبله- صورته، فصوروه في صورة شخص سئ، دعوه عبد الله بن سبأ، ثم حمل النواصب من أعداء أهل بيت النبوة، ابن سبأ،- تلك الشخصية الوهمية- تلك العقائد التي انتشرت في كتب العقائد، والتي لعنها أهل السنة والجماعة، كما لعنها الشيعة

[أنظر: علي الوردي: وعاظ السلاطين- بغداد 1954 ص 274- 278، كامل مصطفى الشيبي:

الصلة بين التصوف والتشيع 1 / 36- 40 "بغداد 1964".]

ويقول الأستاذ الدكتور النشار: ومن المتحمل أن تكون شخصية عبد الله بن سبأ شخصية موضوعة، أو أنها رمزت إلى شخصية عمار بن ياسر، كما فعل الأمويون بكلمة أبي تراب والترابيين، وقد كانت كنية أبي تراب، إحدى كنى الإمام علي

[روى مسلم في صحيحه بسنده عن أبي حازم عن سهل بن سعد "ابن وقاص" قال: أستعمل على المدينة رجل من آل مروان قال: فدعا سهل بن سعد فأمره أن يشتم علياً، فأبي سهل، فقال له:

أما إذا أبيت فقل: لعن الله أبا التراب، فقال سهل: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وأنه كان ليفرح إذا دعي بها، فقال له: أخبرنا عن قصته: لم سمي أبا تراب؟ قال: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت فاطمة، فلم يجد علياً في البيت، فقال: أين ابن عمك؟ فقالت: كان بيني وبينه شئ فغاضبني، فخرج فلم يقل عندي، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم لإنسان: أنظر أين هو، فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد، فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه فأصابه تراب، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسحه عنه، ويقول: قم أبا التراب "صحيح مسلم 15 / 181- 182".

وروى الإمام أحمد في الفضائل بسنده عن عمار بن ياسر: قال: كنت أنا وعلي رفيقين في غزوة ذي العشيرة، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقام بها، رأينا ناساً من بني مدلج يعلمون في عين لهم في نخل، فقال لي علي: يا أبا اليقظان: هل لك أن تأتي هؤلاء فننظر كيف يعملون؟

فجئناهم فنظرنا إلى عملهم ساعة ثم غشينا النوم، فانطلقت أنا وعلي فاضطجعنا في صور من النخل في رقعاء من التراب، فنمنا، فوالله ما أهبنا، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم يحركنا برجله، وقد تتربنا من تلك التراب، قال: ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين، فقلنا: بلى يا رسول الله، قال: أحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا علي على هذه- يعني قرنه- حتى تبتل منه هذه- يعني لحيته- "الإمام ابن حنبل: فضائل الصحابة 2 / 686- 687، التهذيب 9 / 147، 148، مسند الإمام أحمد 4 / 263".]، وخدع معاوية الطليق، و الأمويون معه

أهل الشام، بأنهم يحاربون أبا تراب والترابيين.

وربما كان عبد الله بن سبأ هو مجرد تغليف لاسم عمار بن ياسر، في رسالته إلى معاوية، وليس من المعقول قطعاً أن يكون حجر بن عدي

[حجر بن عدي الكندي، ويسمى حجر الخير، وفد على النبي صلى الله عليه وسلم مع أخيه هانئ، وكان من فضلاء الصحابة، ومن محبي الإمام علي، شهد القادسية، وكان على كندة يوم صفين، وعلى الميسرة يوم النهروان، كما شهدت الجمل، ولما ولي زياد العراق وأظهر السب للإمام علي، خلعه حجر، ولم يخلع معاوية، وتابعه جماعة من شيعة الإمام علي، فكتب فيه زياد إلى معاوية الذي أمر بإرسالهم إليه، وهناك في عذراء- قريباً من دمشق- "وحجر هو الذي فتح عذراء، وأول من كبر فيها" معاوية نفر من أهل الشام أن يعرضوا عليهم البراءة من الإمام علي واللعن له، وإلا قتلوا، ففعل البعض، ورفض سبعة، على رأسهم حجر، حيث قتلوا "أنظر عن حجر بن عدي:

أسد الغابة 1 / 461- 462، الإستيعاب 1 / 356- 359، الإصابة 1 / 314- 315، محمد بيومي مهران: الإمام الحسن بن علي ص 121- 129، تاريخ الطبري 5 / 279، الكامل لابن الأثير 3 / 487، ابن كثير: البداية والنهاية 8 / 141".]، الصحابي الكبير، من أتباع يهودي يفسد عليه وعلى المسلمين دينهم.

تم يرى الدكتور النشار بعد ذلك: أن كل ما أشير إليه من قبل محتمل، وأن الأمويين أخفوا اسم عمار بن ياسر- الصحابي الكبير- تحت اسم ابن سبأ، حتى لا تثور ثائرة أهل الشام، حين يعلمون أن ابن ياسر والملتفين حوله، هم أتباع علي

[إن أهل الشام قد قتلوا عماراً في صفين- كما رأينا من قبل- فكانوا هم الفئة الباغية- وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان، طبقاً للحديث الصحيح تقتلك الفئة الباغية "صحيح البخاري 4 / 25، صحيح مسلم 18 / 39- 41، تحفة الأحوذي 10 / 300- 301، طبقات ابن سعد 3 / 77 و 187، حلية الأولياء 1 / 139، فضائل الصحابة لابن حنبل 2 / 858- 861، وقعة صفين ص 340- 344".]، ولكن لا شك أن آراء السبئية المتغالية وجدت صدى لدى الكيسانية

[أنظر عن الكيسانية "البغدادي: الفرق بين الفرق ص 38- 53".]، ثم يرجح أن عبد الله بن سبأ هو عمار بن ياسر، ومن المرجح أن النواصب حملوا- كذباً- عمار بن ياسر، كل تلك الآراء التي لم يعرفها قط، ولم يقل بها قطعاً، وإن كان من المؤكد أن كثيراً من آراء السبئية قد ظهرت إبان ذلك الوقت، ووجدت بيئة صالحة للنمو

[علي سامي النشار: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 2 / 26- 28.]

منذ وقعة الجمل


بويع الإمام علي- رضي الله، عنه، وكرم الله وجهه في الجنة- بالخلافة في يوم الجمعة الخامس والعشرين من ذي الحجة عام 35 هـ"24 يونية 656 م" في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالمدينة المنورة.

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة هنا إلى لقب الإمام ذلك اللقب الذي اختص به الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام، من بين جميع الخلفاء الراشدين، ومن ثم فإن لقب الإمام إنما يطلق- إذ أطلق- فلا ينصرف إلى أحد، غير الإمام علي، بين جميع الأئمة الذين وسموا بهذه السمة من سابقيه ولاحقيه.

ولعل سائلاً يتساءل: ألم يكن الصديق إماماً كعلي؟ ألم يكن الفاروق إماماً كعلي؟ ألم يكن ذو النورين إماماً كعلي؟ ألم يكونوا خلفاء راشدين- إذا قصدت الخلافة بعد النبوة، نعم كانوا أئمة مثله، بل وسبقوه في الإمامة.

ولكن الإمامة يومئذ كانت وحدها في ميدان الحكم بغير منازع ولا شريك، ولم يكتب لأحد منهم أن يحمل علم الإمامة ليناضل بها علم الدولة الدنيوية، ولا أن يتحيز بعسكر يقابله عسكر، وصفة تناوئها صفة، ولا أن يصبح رمزاً للخلافة يقترن، ولا يقترن بشيء غيرها، فكلهم إمام حيث لا اشتباه ولا التباس، ولكن الإمام بغير تعقيب ولا تذييل، إنما هو الإمام كلما وقع الاشتباه والالتباس، وذلك هو علي بن أبي طالب كما لقبه الناس، وجرى على الألسنة، فعرفه به الطفل، وهو يسمع أماديحه المنغومة في الطرقات، بغير حاجة إلى تسمية أو تعريف

[عباس محمود العقاد: عبقرية الإمام علي ص 174- 175 "القاهرة 1981".]

ويروي اليعقوبي: أنه ما أن تمت البيعة للإمام علي، حتى قام قوم من الأنصار فتكلموا، وكان أول من تكلم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري- وكان خطيب الأنصار- فقال: والله يا أمير المؤمنين، لئن كانوا تقدموك في الولاية، فما تقدموك في الدين، ولئن كانوا سبقوك أمس، فقد لحقتهم اليوم، ولقد كانوا وكنت لا يخفى موضعك، ولا يجهل مكانك، يحتاجون إليك فيما لا يعلمون، وما احتجت إلى أحد مع علمك.

ثم قام خزيمة بن ثابت الأنصاري- وهو ذو الشهادتين- فقال: يا أمير المؤمنين، ما أصبنا لأمرنا هذا غيرك، ولا كان المنقلب إلا إليك، ولئن صدقنا أنفسنا فيك، فلأنت أقدم الناس إيماناً، وأعلم الناس بالله، وأولى المؤمنين برسول الله، لك ما لهم، وليس لهم ما لك.

/ 47