امامة و اهل البیت جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

امامة و اهل البیت - جلد 1

محمد بیومی مهران

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

لعثمان، كما كان لأبي بكر وعمر، كما يكون له في قلوب هؤلاء النفر من أهل السبق والفضل والتقوى، ما كان لأبي بكر وعمر أيضاً.

وروى الطبري وابن الأثير: أن المغيرة بن شعبة قال لعبد الرحمن بن عوف: يا أبا محمد، قد أصبت إذا بايعت عثمان، وقال لعثمان: لو بايع عبد الرحمن غيرك ما رضينا، فقال عبد الرحمن: كذبت يا أعور، لو بايعت غيره لبايعته، ولقلت هذه المقالة، وعلى أية حال، فلقد تمت البيعة بحضور طلحة من سفره، ومبايعته لعثمان

[أنظر عن قصة الشورى "تاريخ الطبري 3 / 227- 239، الكامل لابن الأثير 3 / 65- 75، تاريخ اليعقوبي 2 / 162- 163، ابن قتيبة: الإمامة والسياسة 1 / 39- 745 الماوردي: الأحكام السلطانية ص 11- 13، تاريخ ابن خلدون 2 / 993- 998، شرح نهج البلاغة 1 / 185- 197، ابن كثير: البداية والنهاية 7 / 158- 161، البلاذري: أنساب الأشراف 5 / 16- 22، ابن دقماق:

الجوهر الثمين في سير الخلفاء والملوك والسلاطين ص 39- 40، السيوطي: تاريخ الخلفاء ص 153- 154، العقاد: ذو النورين- عثمان بن عفان ص 126- 152، ابن عبد ربه: العقد الفريد 5 / 26- 36 أسد الغابة 3 / 592- 593، 4 / 112، محمد بيومي مهران: الإمام علي بن أبي طالب 1 / 163- 173، شرح نهج البلاغة 12 / 256- 281، طبقات ابن سعد 3 / 41- 42، طه حسين: الفتنة الكبرى- الجزء الأول- عثمان- القاهرة 1984 ص 48- 49 و 58- 64.]

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى عدة نقاط تتصل بقصة الشورى، وبيعة عثمان خليفة للمسلمين: منها "أولاً" أن الفاروق عمر، رضي الله عنه، إنما كان يريد اختيار الإمام علي- رضي الله عنه. وكرم الله وجهه في الجنة- لأن الإمام- فيما يرى- أحرى أن يحملهم على الحق، ولكنه تردد أخيراً، حتى لا يتحمل مسؤولية الخلافة حياً وميتاً، ومن ثم فقد لجأ إلى الشورى، ومع ذلك فإنه يقول- حين أوصى بالشورى- لو ولوها الأحيلج لحملهم على الجادة، أو إنه أحراهم- إن كان عليهم- أن يقيمهم على طريقة من الحق، ولعله كان في هذا مقتدياً بقوله صلى الله عليه وسلم: وإن تؤمروا علياً- ولا أراكم فاعلين- تجدوه هادياً مهدياً، يأخذ بكم الصراط المستقيم.

هذا فضلاً عما يتحلى به الإمام علي- رضوان الله عليه- من فضائل كثيرة،

سنتعرض لها بالتفصيل فيما بعد، وهي على أية حال، فضائل يعرفها له أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، على اختلافهم، ويعرفها له خيار المسلمين من التابعين، ويؤمن له بها أهل السنة، كما يؤمن له بها الشيعة، والدارس للتاريخ- عن حيدة ونزاهة- إنما يعرف المشكلات والقضايا الكثيرة التي عرضت للإمام علي، والتي تدل- دونما لبس أو غموض- أن سيدنا ومولانا الإمام علي- رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة- إنما كان أهلاً لكل الفضائل التي عرفت عنه، ولأكثر منها، وأنه كان أجدر الناس بأن يسير بالمسلمين إلى الصراط المستقيم- كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولا ريب في أن الفاروق عمر إنما كان صاحب فراسة صادقة، وحدس يكاد لا يخطئ، أو نادراً ما يخطئ حين أشار بتولية الإمام علي، فقد كان يراه أشبه الناس به- أو هو أشبه الناس به- في شدته في الحق، و إذعانه للحق، وغلظته على الذين ينكرون الحق أو يضيقون به، ولكن القوم لم يولوا الإمام بعد الفاروق، حين كانت الدنيا مقبلة، والنشاط قوياً، و الإقدام قارحاً، والبصائر نافذة، والأمور تجري بالمسلمين على ما أحبوا، و إنما ولوا خلافتهم عثمان، فكان من أمرهم معه، وأمره معهم ما كان.

ومنها "ثانياً" أن أصحاب الشورى الخمسة الذين حضروا مجلس الشورى- وهم علي وعثمان والزبير وسعد وعبد الرحمن- كان ثلاثة منهم مع علي- وهم علي والزبير وسعد- وقد ذكرنا من قبل: أن عبد الرحمن طلب أن يعطيه سعد نصيبه، فقال: إن اخترت نفسك فنعم، وإن اخترت عثمان فعلي أحب إلي، وأن الزبير أعطى نصيبه لعلي، هذا إذا سلمنا أن عبد الرحمن كان في صف صهره عثمان، وطبقاً لوصية عمر في الشورى فصاحب الأغلبية هو الخليفة، وعلي هو صاحب الأغلبية.

ومن ثم فإن هاشم- فضلاً عن شيعة الإمام علي- رأوا فيما فعله عبد الرحمن خدعة لإقصاء الإمام علي وبني هاشم عن الخلافة.

هذا وربما يقول البعض: إن الإمام علي لم يتعهد لعبد الرحمن- كما تعهد عثمان- بأن يعمل بكتاب الله وسنة نبيه، وسيرة الخليفتين- أبي بكر وعمر- من بعده، وإنما قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي، والحق أن جواب الإمام علي جواب حكيم، ولا يدل أبداً على أنه يعدل عنهما، وإنما يدل على أنه يعمل جهد طاقته، ولا يقول ذلك في الغالب الأعم، إلا عالم متواضع، وليس الإمام علي هو الذي يشك في أنه سيقود السفينة- التي بدأت الأمواج والرياح تأخذ بها من كل جانب- إلى بر الأمان.

على أن الدكتور جمال سرور، من ناحية أخرى، إنما يذهب إلى أن طلب عبد الرحمن من الإمام علي، أن يتعهد بأن يسير بسيرة الخليفتين- أبي بكر وعمر- وهو يعلم أن علياً لا يرضى أن يتقيد بسياستهما، إنما أراد أن يحرجه، ليفسح المجال لاختيار عثمان، وسرعان ما تحقق غرضه، فقد تحرج الإمام علي من أن يعطي هذا العهد خشية أن تضطره الظروف إلى عدم الوفاء به، وعبر عن رفضه له بقوله: اللهم لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي، وفي رواية:

أرجو أن أفعل، فأعمل بمبلغ علمي وطاقتي. ثم دعا عبد الرحمن عثمان، وقال له مثل ما قال لعلي، فقال عثمان: اللهم نعم، فرفع عبد الرحمن رأسه إلى سقف المسجد، ويده في يد عثمان، ثم قال: اللهم اسمع واشهد، إني جعلت ما في رقبتي في رقبة عثمان، فازدحم الناس على عثمان يبايعونه.

وهكذا كان انتخاب عثمان مصطبغاً بصبغة التحيز للأمويين، وقد وجدت هذه النتيجة- من أول الأمر- معارضة من الهاشميين، فضلاً عن أهل الورع والسبق في الإسلام، مثل سلمان وعمار وأبي ذر والمقداد وغيرهم من رواد شيعة الإمام، حتى ذهب البعض إلى أن التشيع إنما بدأ منذ تلك اللحظة.

هذا ويذهب الدكتور أحمد صبحي

[أحمد محمود صبحي: الزيدية- الإسكندرية 1980 ص 10.] إلى أن عبد الرحمن بن عوف قد بنى

اختياره على قاعدة غير معروفة في الشرع، إذ قرن سيرة الشيخين- أبي بكر وعمر- بكتاب الله وسنة رسوله، شرطاً على كل من علي وعثمان، ولم يقل أحد من قبل، ولا من بعد، أن سيرة الشيخين تقترن بكتاب الله وسنة رسوله في المسائل السياسية، وحين أراد الإمام على أن ينبهه إلى ذلك- كتاب الله وسنة رسوله فقط، وأن أجتهد، كما اجتهدا- نحاه عبد الرحمن، ليختار عثمان، حتى إذا اعترض الإمام علي، قال عبد الرحمن ومن نكث فإنما ينكث على نفسه، فأضاف خطأ آخر باستشهاده بالآية الشريفة في غير موضعها، فضلاً عن أنها لا تقال لمثل الإمام علي.

ومنها "ثالثاً" ما ذهب إليه الأستاذ الخطيب

[عبد الكريم الخطيب: علي بن أبي طالب- بقية النبوة وخاتم الخلافة- بيروت 1975.]، من أن انتقال الخلافة من شخص إلى شخص، ومن بيت إلى بيت، من شأنه أن يحدث في مشاعر الناس وفي أفكارهم شيئاً جديداً، يتولد من نظرتهم لهذا الشخص وتقديرهم له، وصلتهم النفسية أو النسبية به وبأهله، وقد حدث شئ من هذا في خلافة الصديق والفاروق، فرضي أناس، وسخط آخرون، ولكن سرعان ما فاء الساخطون إلى الرضا،، فقد كان الناس قريبي عهد بالنبوة، وأمرهم لم يزل قائماً لحساب الدين وفي ظله، أكثر من قيامه لحساب العصبية وفي ظلها.

غير أن خلافة ذي النورين- عثمان بن عفان- إنما كان الأمر فيها مختلفاً، لأسباب، منها أن الزمن كان قد تراخى قليلاً بعهد النبوة، فانطلقت النفوس على طبيعتها، وتحركت النزوات والأطماع التي كان الدين قد اعتقلها زمناً، ومنها أن الصديق أبا بكر والفاروق عمر، لم يكونا من البيوت المتنازعة على زعامة قريش، بعكس عثمان- وهو أموي- ومن ثم فقد تحركت العصبية التي كانت قائمة قبل الإسلام بين بني أمية وبني هاشم، بل لقد ظن الأمويون أن هذه فرصتهم للحاق ببني هاشم، وأن الخلافة ستعيد إليهم مكانتهم التي كانت لهم

في الجاهلية، روى المسعودي أن أبا سفيان قال- عقب اختيار عثمان خليفة- يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي يحلف به أبو سفيان ما زالت أرجوها لكم، ولتصيرن إلى صبيانكم وراثة، فانتهره عثمان وساءه ما قال.

ونمي هذا القول إلى المهاجرين والأنصار، وغير ذلك الكلام، فقام عمار ابن ياسر في المسجد، فقال: يا معشر قريش، أما إذ صرفتم هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم، ههنا مرة، وههنا مرة، فما أنا ينزعه الله منكم، فيضعه في غيركم، كما نزعتموه من أهله، ووضعتموه في غير أهله.

وقال المقداد: ما رأيت مثل ما أوذي به أهل هذا البيت بعد نبيهم، فقال له عبد الرحمن بن عوف: وما أنت وذاك يا مقداد بن عمر، فقال المقداد: إني والله لأحبهم، لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم، وإن الحق معهم وفيهم، يا عبد الرحمن، أعجب من قريش- وإنما تطولهم على الناس بفضل أهل هذا البيت- قد اجتمعوا على نزع سلطان رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعده من أيديهم، أما وأيم الله يا عبد الرحمن، لو أجد على قريش أنصاراً لقاتلهم، كقتالي إياهم مع النبي عليه الصلاة والسلام، يوم بدر

[المسعودي: مروج الذهب ومعادن الجوهر 1 / 633 "بيروت 1982".]

ومنها أن عثمان كان سخي اليد، سمح النفس، قريب الرضا، بعيد الغضب، كما كان فيه حياء حي، يملك عليه أمره، إنه يلقى أحداً بما يسوؤه أو يحرجه أو يخزيه، هذا إلى أنه- كما وصفه الإمام علي- إنه أوصلنا للرحم، وفي طبقات ابن سعد عن الزهري قال: لما ولي عثمان عاش اثنتي عشرة سنة أميراً، يعمل ست سنين لا ينقم الناس عليه شيئاً، وإنه لأحب إلى قريش من عمر بن الخطاب، لأن عمر كان شديداً عليهم، فلما وليهم عثمان لان لهم ووصلهم، ثم توانى في أمرهم، واستعمل أقرباءه وأهل بيته في الست الأواخر،

وكتب لمروان بخمس مصر، وأعطى أقرباءه المال، وتأول في ذلك الصلة التي أمر الله بها، واتخذ المال، واستلف من بيت المال.

وقال: إن أبا بكر وعمر تركا من ذلك ما هو لهما، وإني أخذته فقسمته في أقربائي، فأنكر الناس عليه، وعن أم بكر بنت المسور عن أبيها عن أبيها قال: سمعت عثمان يقول: أيها الناس، إن أبا بكر وعمر كانا يتأولان في هذا المال ظلف أنفسهما وذوي أرحامهما وإني تأولت فيه صلة رحمي

[طبقات ابن سعد 3 / 44 "دار التحرير- القاهرة 1969".]

ومن عجب أن صلة رحم عثمان بأهله وبره بهم، إنما كانت من الأسباب التي أدت إلى تغيير مجرى الأحداث، حتى انتهت بقتله شهيداً بين يدي كتاب الله، فلقد استغل بنو أمية أدب ذي النورين في صلة رحمه، أسوأ استغلال، فكان عثمان- وهو القانت ذو النورين- يصوم الدهر، وما يكاد يشبع من طعام، ثم يمنح أبا سفيان مائتي ألف دينار

[ليس صحيحاً ما ذهبت إليه بعض المراجع عن غنى أبي سفيان وثروته الطائلة من التجارة على أيام الجاهلية وأول الإسلام، ودليلنا أن ولده معاوية بن أبي سفيان كان على أيام النبي صلى الله عليه وسلم، فقيراً وربما معدماً، وقد روى أهل الفقه والحديث والمغازي وأصحاب الطبقات ما يدل على ذلك في قصة فاطمة بنت قيس، حيث روى الأئمة مالك ومسلم وأبو داود وابن قيم الجوزية وابن سعد وابن الأثير وابن حجر العسقلاني، واللفظ هنا للإمام مالك، حيث يروي في الموطأ "باب ما جاء في نفقة المطلقة" بسنده عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف، عن فاطمة بنت قيس: أن أبا عمر بن حفص طلقها البتة- وهو غائب بالشام- فأرسل إليها وكيلة بشعير فسخطته، فقال: والله ما لك علينا من شئ، فجاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكرت ذلك له، فقال: ليس لك عليه نفقة، وأمرها أن تعتد في بيت أم شريك، ثم قال: تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتد عند عبد الله بن أم مكتوم، فإنه رجل أعمى، تضعين ثيابك عنده، فإذا حللت فأذنيني، قالت: فلما حللت ذكرت له: أن معاوية بن أبي سفيان، وأبا جهم بن هشام، خطباني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

أما أبو جهم فلا يضع عصاه عن عاتقه، وأما معاوية فصعلوك، لا مال له، انكحي أسامة بن زيد، فنكحته، فجعل الله في ذلك خيراً، واغتبطت به "الموطأ ص 358- 359، صحيح مسلم 10 / 94- 98، سنن أبي داود 1 / 531- 532، ابن الأثير: أسد الغابة 7 / 230، ابن حجر:

الإصابة في معرفة الصحابة 3 / 497- 498، ابن قيم الجوزية: زاد المعاد 5 / 185- 186، ابن سعد: الطبقات الكبرى 8 / 200. وروى الطبري وابن الأثير وابن أبي الحديد بسنده عن زيد بن أسلم عن أبيه قالوا: إن هند ابنة عتبة قامت إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فاستقرضته من بيت المال أربعة آلاف درهم، تتجر فيها وتضمنها، فأقرضها، فخرجت فيها إلى بلاد كلب، فاشترت وباعت، فبلغها أن أبا سفيان وعمرو بن أبي سفيان قد أتيا معاوية "وكان أميراً في الشام" فعدلت إليه من بلاد كلب، فأتت معاوية- وكان أبو سفيان قد طلقها، قال: ما أقدمك أي أمة؟ قالت النظر إليك أي بني، إنه عمر، وإنما يعمل لله، وقد أتاك أبوك فخشيت أن تخرج إليه من كل شئ، وأهل ذلك هو، فلا يعلم الناس من أين أعطيته فيؤنبونك، عمر، فلا يستقيلها أبداً، فبعث إلى أبيه وأخيه بمائة دينار، وكساهما و حملهما، فتعظمها عمر، فقال أبو سفيان: لا تعظمها، فإنه عطاء لم تغب عنه هند، ومشورة قد حضرتها هند، ورجعوا جميعاً، فقال أبو سفيان لهند: أربحت؟

فقالت: الله أعلم، معي تجارة إلى المدينة، فلما أتت المدينة وباعت شكت الوضيعة، فقال لها عمر: لو كان مالي لتركته لك، ولكنه مال المسلمين، هذه مشورة لم يغب عنها أبو سفيان، فبعث إليه، فحبسه حتى أوفته، وقال لأبي سفيان: بكم أجازك معاوية، فقال: بمائة دينار "تاريخ الطبري 4 / 221، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 62، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 12 / 98".]، ويسمح لأعوانه أن يتخذوا

القصور والضياع، ويلبسوا الديباج، وهو بعد يبيحهم من ألوان الترف والمتاع كل ما حرمه عليهم أبو بكر وعمر، واستهجنه علي.

وكان عثمان قد أخذ نفسه بورع الخلافة والإمامة والسنة الشريفة، ولكن عماله وأقاربه قد تسلطوا على رقاب الناس، فأخذوا الرعية بسياسة الملك العضوض، و ليس بسياسة الإمامة الورعة، ثم رأى الخليفة أنه من البر بذوي القربى ألا يسوءهم فتمادوا في مظالمهم، يحبسون مخالفيهم ويضربونهم بالسياط، وهم من خيرة الصحابة البررة الأمر الذي أثار ثائرة الناس على الخليفة، وسرعان ما وجد أعداء الإسلام من تفرق الشمل، ثغرة تسللوا منها، ومن ثم فليت الخليفة الشهيد أخذ عماله بسياسة عمر، ولكنه كان رفيقاً بهم، فرتعوا حتى سخطت الرعية، وانتهت الأمور بقتل الخليفة المظلوم، رضوان الله عليه-.

بقيت الإشارة إلى أن ابن خلدون، رغم أنه إنما يرى أن بداية التشيع إنما كان عندما توفي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، غير أن الشيعة إنما وضح أمرها في أيام الشورى، حيث يقول: كان جماعة من الصحابة يتشيعون لعلي، ويرون

استحقاقه على غيره، ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك و أسفوا له، مثل الزبير وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وغيرهم، إلا أن القوم لرسوخ قدمهم في الدين، وحرصهم على الألفة، لم يزيدوا في ذلك وعلى النجوى بالتأفف والأسف

[تاريخ ابن خلدون 3 / 364- 365.]

منذ أخريات أيام عثمان


يميل كثير من كتاب الفرق والباحثين المحدثين إلى أن يرجعوا بداية التشيع إلى أواخر عهد عثمان، أو إلى حركة ابن سبأ بتعبير أدق، فأبو الحسن الملطي، حينما يذكر الاثني عشرة فرقة من أهل الضلال الرافضة الملقبين بالإمامية، إنما يجعل السبئية على رأسهم، دونما أدنى تفرقة في الحكم بينهم وبين الإمامية، فكلهم- في زعمه- روافض ملحدون، ومنشأ التشيع من ابن سبأ

[أحمد صبحي: نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية ص 35 "القاهرة 1969"، أبو الحسين الملطي: التنبيه والرد على أهل الأهواء والبدع ص 25.]

هذا ويذهب الأستاذ الدكتور النشار بعيداً، حيث يرى أن اليهود إنما هم مؤسسو العقيدة الشيعية الغالية الحقيقيين، فقد دخل بعض أحبارهم- أو كهانهم- في الإسلام، وتقدموا إلى العالم الإسلامي، منتهزين إبعاد علي عن الخلافة، بفكرة الإمام المعصوم، أو خاتم الأوصياء، وتكاد تجمع كتب العقائد الإسلامية على أن عبد الله بن سبأ- وهو أول من دعا إلى فكرة القداسة التي نسبت إلى علي- كان يهودياً.

ويؤكد الدكتور النشار أن الفكرة التي تقول إن الإمام علي- رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة- إنما هو صاحب الحق الأول في الخلافة، لم تظهر إلا على أيام عثمان، على يد عبد الله بن سبأ، والذي كان يمثل تباراً باطنياً من

التيارات التي كانت تعمل على هدم العالم الإسلامي

[علي سامي النشار: نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام 2 / 23- 27.]

والأمر كذلك بالنسبة إلى القصيمي، الذي يعتبر ابن سبأ أساس المذهب الشيعي، والحجر الأول في بنائه

[عبد الله القصيمي: الصراع بين الإسلام والوثنية ص 41.]

ويذهب المقريزي إلى أن ابن سبأ- ويكنيه بابن السوداء- هو الذي أحدث القول بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بالإمامة من بعده، فهو وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخليفته على أمته من بعده بالنص، وأحدث القول برجعة علي، وبرجعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً، وزعم أن علياً لم يقتل، وأنه حي، وأن فيه الجزء الإلهي، وأنه هو الذي يجئ في السحاب، وأن الرعد صوته، والبرق سوطه، وأنه لا بد أن ينزل إلى الأرض فيملأها عدلاً، كما ملئت جوراً، ومن ابن سبأ تشعبت أصناف الغلاة من الرافضة، وصاروا يقولون بالوقف، أي إن الإمامة موقوفة على أناس معينين، وهو صاحب القول بتناسخ الأرواح، وأن الجزء الإلهي يحل في الأئمة بعد علي بن أبي طالب، وبهذا فقد استحقوا الإمامة بطريق الوجوب، كما استحق آدم عليه السلام سجود الملائكة، وابن سبأ هو الذي أثار الفتنة على عثمان حتى قتل، وأن له أنصاراً في معظم الأقطار، فكثرت الشيعة

[المقريزي: الخطط 4 / 82، وانظر: علي مصطفى الغرابي: تاريخ الفرق الإسلامية ص 17 "القاهرة 1959".]

ويذهب الشيخ أبو زهرة إلى أن الطاغوت الأكبر- عبد الله بن سبأ- إنما هو الذي دعا إلى ولاية علي ووصايته وإلى رجعة النبي، وأنه في ظل هذه الفتن نشأ المذهب الشيعي

[محمد أبو زهرة: المذاهب الإسلامية ص 46.]

ويخطئ أصحاب هذا الاتجاه في رؤياهم لأسباب منها "أولاً" أن عبد الله بن سبأ، لو كان هو منشأ التشيع في الإسلام، لما هاجمه علماء الشيعة هجوماً يفوق هجوم أهل السنة، ومنها "ثانياً" أن كلمة الوصي بخاصة، والتي

تنسب إلى عبد الله بن سبأ، إنما ذكرها سيدنا الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب يوم وفاة الإمام علي، فضلاً عما جاء في كتب الحديث، روى الحاكم بسنده عن علي بن الحسين، قال: خطب الحسن بن علي على الناس، حين قتل علي عليه السلام، فحمد الله وأثنى عليه وقال: لقد قبض في هذه الليلة رجل لا يسبقه الأولون بعمل، ولا يدركه الآخرون، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيه رايته فيقاتل، وجبريل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، فما يرجع حتى يفتح الله عليه، وما ترك على أهل الأرض صفراء ولا بيضاء، إلا سبعمائة درهم فضلت من عطاياه، أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله، ثم قال: أيها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني، فأنا الحسن بن علي، وأنا ابن النبي، وأنا ابن الوصي

[المستدرك للحاكم 3 / 172، وانظر: المحب الطبري: ذخائر العقبى ص 138.]

وروى الهيثمي في مجمعه بسنده عن أبي الطفيل قال: خطبنا الحسن بن علي، عليهما السلام، فحمد الله وأثنى عليه، وذكر أمير المؤمنين علياً، رضي الله عنه، خاتم الأوصياء، ووصي الأنبياء، وأمين الصديقين والشهداء

[مجمع الزوائد للهيثمي 9 / 146.]، وروى الهيثمي في مجمعه بسنده عن سلمان قال: قلت يا رسول الله، إن لكل نبي وصياً فمن وصيك، فسكت عني، فلما كان بعد رآني فقال: يا سلمان، فأسرعت إليه قلت: لبيك، قال: تعلم من وصي موسى عليه السلام؟ قلت:

يوشع بن نون، قال: لم؟ قلت: لأنه كان أعلمهم يومئذ، قال: فإن وصيي وموضع سري، وخير من أترك بعدي، وينجز عدتي، ويقضي ديني، علي بن أبي طالب "قال رواه الطبراني"

[مجمع الزوائد 9 / 113 "ط مكتبة القدسي- القاهرة 1352 هـ".]

وروى ابن حجر في تهذيب التهذيب بسنده عن أنس عن سلمان قال: قال رسول الله صلى الله عليه السلام لعلي: هذا وصيي وموضع سري، وخير من أترك بعدي

[ابن حجر العسقلاني: تهذيب التهذيب 3 / 106 "حيدر أباد الدكن 1325 هـ".]، وفي

/ 47