امامة و اهل البیت جلد 1

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

امامة و اهل البیت - جلد 1

محمد بیومی مهران

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

هذا ويضيف الأستاذ الدكتور الشيبي إلى ذلك دليلاً جديداً، ذلك أن الإمام الطبري في تطرقه لحرب الجمل قد عرض لأنصار علي فيها، فكان إذا عدهم وذكر اسم عمار في جملتهم، أغفل ذكر ابن السوداء، وإذا ذكر ابن السوداء تحاشى اسم عمار، مما يرجح أن الرجلين إنما هما شخص واحد.

وهكذا نخرج من هذا الاستطراد بأن عمار بن ياسر، إنما كان ثائراً على عثمان، وأنه استطاع أن يحقق ما صبا إليه من إعادة الإسلام إلى قالبه الأصيل، وإرجاع الأمر إلى علي، بحسب وصية النبي صلى الله عليه وسلم التي كان عمار يؤمن بها، وجلية الأمر في معارضة عمار لعثمان أنه كان يرى بأن الإسلام قد جاء لإزالة الفروق بين الطبقات، وبمعنى آخر لنشر العدالة الاجتماعية، فضلاً عن الإصلاح الروحي والعقلي.

وقد طبق أبو بكر وعمر خطة الرسول صلى الله عليه وسلم، فرأينا عماراً ساكتاً عن معارضتهما- مع علي وأبي ذر وغيرهما من المتمسكين بجوهر الإسلام- وقد أتاحت هذه العدالة والمساواة للعبيد السابقين والمستضعفين أن يرتفعوا- بإخلاصهم وإيمانهم- إلى المراكز العليا في الإسلام، فكان سلمان أميراً على المدائن، وعمار أمير الحرب في الكوفة، وكان غيرهما في مثل مركزهما.

هذا وقد استعمل عمر بن الخطاب عماراً على الكوفة، وكتب إلى أهلها:

أما بعد، فإني قد بعثت إليكم عماراً أميراً، وعبد الله بن مسعود وزيراً ومعلماً، وهما من نجباء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم.

ولما عزله عمر قال له: أساءك العزل، قال: والله لقد سائتني الولاية، وساءني العزل

[ابن الأثير: أسد الغابة 4 / 134.]

ويروي ابن سعد وغيره: قال عمر لعمار: أساءك عزلنا إياك؟ قال: لئن

قلت ذلك، لقد سائني حين استعملتني، وساءني حين عزلتني

[ابن سعد: الطبقات الكبرى 3 / 183، وانظر ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 31- 32، تاريخ الطبري 4 / 163- 164.]

ولما أفضت الخلافة إلى سيدنا عثمان رضوان الله عليه تنفس الملأ الملكي القديم الصعداء، وحاولوا أن يعيدوا الأمور إلى نصابها القديم، فكانت الثورة التي راح ضحيتها ذو النورين، ولم يفد من الملحة كلها إلا معاوية بن أبي سفيان- وهو طليق ابن طليق، ومن المؤلفة قلوبهم هو وأبوه كذلك، والذي كان على رأس الأحزاب ضد سيدنا ومولانا رسول الله صلى الله عليه وسلم-.

وكانت مهمة عمار- ومن نحا نحوه- أن يحرسوا النظام الجديد، بإشاعة الزهد بين المسلمين، بحيث يصبح طابعاً للدين الجديد، ويقطع الطريق على الأغنياء والأرستقراطيين أن يهدموا الإسلام بمالهم وجاههم، ومن ثم فقد رأينا عماراً يحتفل بالإمام علي، لأنه كان زاهداً، ويجعل الزهد زينة الأبرار، كما كان المال زينة الملأ الملكي الذي حاربه الإسلام، وقد روى عمار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا علي، إن الله تعالى قد زينك بزينة لم تزين العباد بزينة أحب إلى الله تعالى منها، هي زينة الأبرار عند الله عز وجل، الزهد في الدنيا فجعلك لا ترزأ من الدنيا شيئاً، ولا ترزأ الدنيا منك شيئاً، ووهب لك حب المساكين، فجعلك ترضى بهم أتباعاً، ويرضون بك إماماً

[حلية الأولياء 1 / 71.]، وزاد فيه أبو عبد الله أحمد بن حنبل في المسند فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك

[نهج البلاغة 9 / 167.]، ومن ثم ما دام زعيم عمار وقدوته "أي الإمام علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وكرم الله وجهه في الجنة": زاهداً، فأحرى بعمار أن يكون كذلك، فضلاً عن أنه من أهل الصفة

[خطط الكوفة ص 36، كامل الشيبي: المرجع السابق 1 / 40.]، هذا فضلاً عن أنه إنما كان السابقة الشيعية للتقية.

ثم إن لعمار موقفاً محدداً بالنسبة لخلافة عثمان، رضي الله عنه، فقد كان من أنصار الإمام علي، فعندما جمع عبد الرحمن بن عوف الناس في المسجد النبوي الشريف في اليوم الثالث، قال عبد الرحمن: أيها الناس، أشيروا علي في هذين الرجلين "عثمان وعلي"، فقال عمار بن ياسر: إن أردت ألا يختلف الناس، فبايع علياً عليه السلام، فقال المقداد: صدق عمار، وإن بايعت علياً سمعنا وأطعنا، فقال عبد الله بن أبي سرح: إن أردت ألا تختلف قريش فبايع عثمان، وقال عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي: صدق، إن بايعت عثمان سمعنا وأطعنا، فشتم عمار ابن أبي السرح "وهو أخو عثمان لأمه"؛ وقال: متى كنت تنصح الإسلام. فتكلم بنو هاشم وبنو أمية، وقام عمار فقال: أيها الناس، إن الله أكرمكم بنبيه صلى الله عليه وسلم، وأعزكم بدينه، فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم.

فلما اختار عبد الرحمن عثمان قال عمار: يا عبد الرحمن: أما والله لقد تركته، وإنه من الذين يقضون بالحق، وبه يعدلون

[نهج البلاغة 1 / 193- 194، وانظر: تاريخ الطبري 4 / 232- 233، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 70- 71 "حيث ينسبان العبارة الأخيرة للمقداد، وليس لعمار".]

ابوذر الغفاري


يقول أبو نعيم في حليته: هو العابد الزهيد، القانت الوحيد، رابع الإسلام، ورافض الأزلام قبل نزول الشرع والأحكام، تعبد قبل الدعوة بالشهور الأعلام، وأول من حيا الرسول بتحية الإسلام، لم يكن تأخذه في الحق لائمة اللوام، ولا تفزعه سطوة الولاة والحكام، أول من تكلم في علم البقاء، وثبت على المشقة والعناء، وحفظ العهود والوصايا، وصبر على المحن والرزايا، واعتزل مخالطة البرايا إلى أن حل بساحة المنايا، أبو ذر الغفاري، رضي الله عنه، خدم الرسول، وتعلم الأصول، ونبذ الفضول

[حلية الأولياء 1 / 156- 157.]

هذا وقد اختلف في اسم أبي ذر، فقيل: جندب بن جنادة- وهو أكثر وأصح ما قيل- وقيل: برير بن عبد الله، وبرير بن جنادة، وبريرة بن عشرقة، وقيل: جندب بن عبد الله، وقيل جندب بن سكن والمشهور: جندب بن جنادة بن قيس بن عمرو بن مليل بن صعير بن حرام بن غفار، وقيل: جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد الله بن حرام، بن غفار بن قليل بن ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة الغفاري، وأما أمه: فهي رملة بنت الوقيعة من بني غفار أيضاً

[أسد الغابة 6 / 99، وانظر طبقات ابن سعد 4 / 61.]

وكان أبو ذر

[أنظر عن ترجمة أبي ذر الغفاري: ابن سعد: الطبقات الكبرى 4 / 161- 175، أبو نعيم الأصفهاني: حلية الأولياء 1 / 156- 170، ابن الأثير: أسد الغابة 6 / 99- 101، ابن حجر العسقلاني: الإصابة في معرفة الصحابة 4 / 62- 64. ابن عبد البر: الإستيعاب في معرفة الأصحاب 4 / 61- 65، ابن أبي الحديد: شرح نهج البلاغة 8 / 252- 262، الإمام ابن حنبل:

كتاب الزهد ص 145- 150، السمهودي وفاء الوفا 3 / 1091، دائرة المعارف الإسلامية 1 / 477، المسعودي 4 / 268- 274، ابن حجر: تهذيب التهذيب 12 / 790 النووي: تهذيب الأسماء ص 714.] من كبار الصحابة وفضلائهم، قديم الإسلام، يقال أسلم بعد أربعة، وكان خامساً، وطبقاً لرواية الإمام مسلم في صحيحه، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: إرجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، فقال: والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد "الكعبة" فنادى بأعلى صوته، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وثار القوم فضربوه حتى أضجعوه، فأتى العباس فأكب عليه فقال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام عليهم، فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد بمثلها، وثاروا إليه فضربوه، فأكب عليه العباس فأنقده

[صحيح مسلم 16 / 34 "ط بيروت 1981".]

ولنقرأ قصة إسلامه- كما رواها البخاري في صحيحه بسنده عن أبي حمزة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما- قال: لما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم،

قال لأخيه: إركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخبر من السماء، واسمع من قوله، ثم ائتني، فانطلق الأخ حتى قدمه، ثم رجع إلى أبي ذر فقال له: رأيته يأمر بمكارم الأخلاق، وكلاماً ما هو بالشعر، فقال: ما شفيتني مما أردت، فتزود وحمل شنة له فيها ماء، حتى قدم مكة.

فأتى المسجد فالتمس النبي صلى الله عليه وسلم، لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل، فرآه علي فعرف أنه غريب، فلما رآه تبعه، فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ، حتى أصبح، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد، وظل ذلك اليوم، ولا يراه النبي صلى الله عليه وسلم، حتى أمسى فعاد إلى مضجعه، فمر به علي فقال: أما نال للرجل أن يعلم منزله فأقامه فذهب به معه، لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ، حتى إذا كان يوم الثالث فعاد علي مثل ذلك فأقام معه ثم قال: ألا تحدثني ما الذي أقدمك، قال: إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدنني فعلت، ففعل فأخبره، قال: فإنه حق، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أصحبت فاتبعني، فإني رأيت شيئاً أخاف عليك، قمت كأني أريق الماء، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي ففعلي، فانطلق يقفوه، حتى دخل على النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل معه، فسمع من قوله، وأسلم مكانه.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إرجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، قال:

والذي نفسي بيده، لأصرخن بها بين ظهرانيهم، فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكب عليه، قال: ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وأن طريق تجارتكم إلى الشام، فأنقذه منهم، ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه، فأكب العباس عليه

[صحيح البخاري 5 / 59- 60 "دار الجيل- بيروت".]

وكان أبو ذر رضوان الله عليه زاهداً، حتى قال فيه سيدنا ومولانا وجدنا

رسول الله صلى الله عليه وسلم: أبو ذر في أمتي على زهد عيسى بن مريم، وقال الإمام علي:

وعى أبو ذر علماً عجز الناس عنه، ثم أو كي عليه فلم يخرج منه شيئاً

[أسد الغابة 6 / 101.]

وعن ابن مسعود قال: لما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك

[أنظر عن غزوة تبوك: الواقدي: كتاب المغازي 3 / 989- 1076- تحقيق مارسدن جونس "بيروت 1984"، سيرة ابن هشام 4 / 379- 396 "تحقيق أحمد حجازي السقا"، ابن قيم الجوزية: زاد المعاد في هدى خير العباد- تحقيق شعيب وعبد القادر الأرناؤوط 3 / 526- 538 "بيروت 1985"، ابن كثير: السيرة النبوية 4 / 3- 52 "القاهرة 1966"، السيرة الحلبية 3 / 99- 133 "القاهرة 1964"، محمد بيومي مهران: السيرة النبوية الشريفة 2 / 457- 486 "بيروت 1990".]، جعل لا يزال يتخلف الرجل، فيقولون: يا رسول الله، تخلف فلان، فيقول: دعوه، إن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم، وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه، حتى قيل:

يا رسول الله، تخلف أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يقوله، فتلوم "تمهل" أبو ذر على بعيره، فلما أبطأ عليه أخذ متاعه فجعله على ظهره، ثم خرج يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ماشياً، ونظر ناظر من المسلمين فقال: إن هذا الرجل يمشي على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كن أبا ذر، فلما تأمله القوم قالوا: يا رسول الله، هو والله أبو ذر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يرحم الله أبا ذر، يمشي وحده، ويموت وحده، ويحشر وحده

[أسد الغابة 6 / 101.] هذا وقد توفي أبو ذر بالربذة- على مبعدة حوالي 5 كيلاً من المدينة- سنة إحدى وثلاثين للهجرة، أو اثنين وثلاثين، وصلى عليه عبد الله بن مسعود، ثم مات بعده في ذلك العام

[أسد الغابة 6 / 101.]

وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن مجاهد عن إبراهيم بن الأشتر قال:

إن أبا ذر حضره الموت، وهو بالربذة، فبكت امرأته فقال: وما يبكيك؟ فقالت:

أبكي أنه لا يد لي بتغييبك، وليس عندي ثوب يسعك كفناً، فقال: لا تبكي،

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم، وأنا عنده في نفر يقول: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض، تشهده عصابة من المؤمنين، قال: فكل من كان معي في ذلك المجلس مات في جماعة وقرية، فلم يبق منهم غيري، وقد أصبحت بالفلاة أموت، فراقبي الطريق فإنك سوف ترين ما أقول لك، فإني والله ما كذبت ولا كذبت، قالت: وأنى ذلك وقد انقطع الحاج؟ قال: راقبي الطريق، فبينا هي كذلك. إذا هي بالقوم تجد بهم راحلتهم كأنهم الرخم، فأقبل القوم حتى وقفوا عليها، قالوا: ما لك؟ قالت: امرؤ من المسلمين تكفونه وتؤجرون فيه، قالوا: ومن هو؟ قالت: أبو ذر، ففدوه بآبائهم وأمهاتهم، ووضعوا سياطهم في نحورها يبتدرونه، فقال: أبشروا أنتم النفر، الذين قال فيكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما قال، أبشروا، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من أمر أين من المسلمين هلك بينهما ولدان أو ثلاثة فاحتسباه وصبرا، فيريان النار أبداً، ثم قال: قد أصبحت اليوم حيث ترون، ولو أن ثوباً من ثيابي يسعني، لم أكفن إلا فيه، أنشدكم الله ألا يكفني رجل منكم كان أميراً أو عريفاً أو بريداً، فكل القوم كان نال من ذلك شيئاً، إلا فتى من الأنصار كان مع القوم قال: أنا صاحبك، ثوبان في عيبتي، من غزل أمي، وأحد ثوبي هذين اللذين علي، قال: أنت صاحبي فلفني

[طبقات ابن سعد 4 / 171- 172، وانظر روايات أخرى "4 / 173"، ابن الأثير: الكامل في ال " تاريخ 3 / 133.]

وروى ابن الأثير في الكامل، قال أبو ذر لابنته: استشرقي يا بنية هل ترين أحداً؟ قالت: لا، فما جاءت ساعتي بعد، ثم أمرها فذبحت شاة ثم طبختها، ثم قال: إذا جاءك الذين يدفنوني، فإنه سيشهدني قوم صالحون، فقولي لهم: يقسم عليكم أبو ذر أن لا تركبوا حتى تأكلوا، فلما نضجت قدرها قال لها: أنظري هل ترين أحداً؟ قالت: نعم هؤلاء ركب، قال: استقبلي بي

الكعبة، ففعلت، فقال: بسم الله، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم مات. فخرجت ابنيه فتلقتهم وقالت: رحمكم الله، اشهدوا أبا ذر، قالوا: وأين هو؟ فأشارت إليه، قالوا: نعم ونعمة عين، لقد أكرمنا الله بذلك، وكان فيهم ابن مسعود فبكى، وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، يموت وحده، ويبعث وحده، فغسلوه وكفنوه، وصلوا عليه ودفنوه، وقالت لهم ابنته: إن أبا ذر يقرأ عليكم السلام، وأقسم عليكم أن لا تركبوا حتى تأكلوا، ففعلوا، وحملوا أهله معهم حتى أقدموهم مكة، ونعوه إلى عثمان، فضم ابنته إلى عياله، وقال: يرحم الله أبا ذر، ويغفر له نزوله الربذة

[نفس المرجع السابق 3 / 133- 134، وانظر: تاريخ الطبري 4 / 308- 309، ابن كثير: البداية والنهاية 7 / 180.]

وفي رواية اليعقوبي: أنه لما بلغ عثمان وفاة أبي ذر قال: رحم الله أبا ذر، قال عمار: نعم، رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا، فغلظ ذلك على عثمان، وبلغ عثمان عن عمار كلام، فأراد أن يسيره أيضاً، فاجتمعت بنو مخزوم إلى علي بن أبي طالب، وسألوه إعانتهم، فقال علي: لا ندع عثمان ورأيه، فجلس عمار في بيته، وبلغ عثمان ما تكلمت به بنو مخزوم فأمسك عنه

[تاريخ اليعقوبي 2 / 173 "بيروت 1980".]

ويذهب ابن الأثير إلى أن أبا ذر قد مات سنة إحدى وثلاثين، بينما يذهب الإمام الطبري وابن كثير إلى أنه مات سنة اثنين وثلاثين، وفي نفس السنة مات العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن مسعود وعبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنهم أجمعين

[ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 134، ابن كثير: البداية والنهاية 7 / 176- 180، تاريخ الطبري 4 / 308.]

وروى ابن سعد في طبقاته بسنده عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر

[طبقات ابن سعد 4 / 167.]

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء على ذي لهجة من أبي ذر، من سره أن ينظر إلى تواضع عيسى بن مريم، فلينظر إلى أبي ذر.

وعن مالك بن دينار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيكم يلقاني على الحال التي أفارقه عليها؟ فقال أبو ذر: أنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: صدقت، ثم قال: ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، على ذي لهجة أصدق من أبي ذر، من سره أن ينظر إلى زهد عيسى بن مريم، فلينظر إلى أبي ذر

[طبقات ابن سعد 4 / 167- 168.]

وعن الإمام علي قال: لم يبق اليوم أحد لا يبالي في الله لومة لائم غير أبي ذر، ولا نفسي، ثم ضرب بيده إلى صدره

[طبقات ابن سعد 4 / 170.]، وعن أبي الأسود: قال ابن جريح ورجل، عن زاذان قالا: سئل علي عن أبي ذر فقال: وعي علماً عجز فيه، وكان شحيحاً حريصاً، شحيحاً على دينه، حريصاً على العلم، وكان يكثر السؤال فيعطى ويمنع، أما أن قد ملئ له في وعائه حتى امتلأ، فلم يدروا ما يريد بقوله: وعى علماً عجز فيه، أعجز عن كشف ما عنده من العلم؟ أم عن طلب ما طلب من العلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم

[طبقات ابن سعد 4 / 170- 171.]

ولعل من الأهمية بمكان أن أبا ذر إنما كان ينكر على معاوية بن أبي سفيان- عامل عثمان في الشام- وصحبه ما يفعلون، قال أبو ذر: لقد حدثت أعمال لا أعرفها، والله ما هي في كتاب الله، ولا سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والله إني لأرى حقاً يطفأ، وباطلاً يحيا، وصادقاً مكذباً، وأثرة بغير تقى.

وأراد معاوية أن يتلطف ويتقرب إليه، فدعاه إلى قصره، وهو قصر ضخم، بناه معاوية في دمشق، لينافس به قصور أباطرة الرومان، وأسماه الخضراء، فقال له أبو ذر: يا معاوية، إن كانت هذه الأبهة من مال الله فهي الخيانة، وإن كانت من مالك فهي الإسراف

[عبد الرحمن الشرقاوي: علي إمام المتقين 1 / 170 "ط مكتبة غريب- القاهرة 1985"، نهج البلاغة 8 / 256.]

فسكت معاوية على مضض، غير أن أبا ذر سرعان ما سأل: يا معاوية ما يدعوك إلى أن تسمي مال المسلمين مال الله؟ وكان معاوية، وسائر عمال عثمان من بني أمية، يرون أنهم يتصرفون في المال بموجب حق إلهي، بما أن المال مال الله، وهم خلفاؤه على هذا المال.

فلما سمع معاوية سؤال أبي ذر قال: يرحمك الله يا أبا ذر، ألا إن كل شئ لله، ألسنا عباد الله، والمال ماله، والخلق خلقه، والأمر أمره؟ قال أبو ذر:

كأنك تريد أن تحجب هذا المال دون المسلمين، فلا تقل هذا، فقال معاوية: لا أقول إنه ليس لله، ولكني سأقول مال المسلمين

[تاريخ الطبري 4 / 283، ابن الأثير: الكامل في التاريخ 3 / 114، عبد الرحمن الشرقاوي: علي إمام المتقين 1 / 170.]

وكان أبو ذر يذهب إلى أن المسلم لا ينبغي له أن يكون في ملكه، أكثر من قوت يومه وليلته، أو شئ ينفقه في سبيل الله، أو يعده لكريم، ويأخذ بظاهر القرآن * "والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله * فبشرهم بعذاب أليم" *

[سورة التوبة: آية 34.]

فكان يقوم بالشام ويقول: يا معشر الأغنياء، واسوا الفقراء، بشر الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكاوي من نار تكوى بها

/ 47