و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




- انا يا رسول اللَّه.


- سر على بركة اللَّه.


سلك الدليل «حرّة» بني حارثة و هي أرض ذات حجارة سوداء منخورة كأنها شويت بالنار... كانت المزارع على يمين الجيش المتقدم وقوّات المشركين على شمالهم واتجه الدليل شمالاً نحو جبل اُحد، وقطع وادي «قناة».


دخل الجيش الشِعب المطلّ على الوادى، تاركاً الهضاب والجبل وسفوحه في ظهره.


نظم النبي جنوده صفوفاً في ثلاثة أنساق و انتخب خمسين من أمهر الرماة، وأمرهم بالمرابطة فوق جبل «عينين» و هو جبل صغير يقع في الجنوب الغربي من معسكر النبي و على بعد مئة و خمسين متراً من مقرّ القيادة، و كان اجراؤه هذا تحسباً من حركة التفاف يقوم بها المشركون، و كان النبي يعلم ان لدى قريش قوّة كبيرة من الفرسان تحت إمرة «خالد بن الوليد» و كانت هذه القوّة مصدر قلق للنبي.


قال النبي لابن جبير قائد الرماة:


- انضحوا الخيل بالنبل، لا يأتونا من خلفنا...


والتفت إلى بقية الرماة:


- احموا لنا ظهورنا لا يأتونا من خلفنا وارشقوهم بالنبل فان


الخيل لا تقدم على النبل.. إنّا لا نزال غالبين ما لبثتم مكانكم، اللّهم انى أُشهدك عليهم.


و للمرّة الأخيرة أوصاهم النبي.


- إن رأيتمونا تتخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم حتى أرسل اليكم، و ان رأيتمونا ظهرنا على القوم و أوطأناهم فلا تبرحوا حتى أرسل اليكم، و ان رأيتمونا غنمنا فلا تشركونا، و ان رأيتمونا نقتل فلا تغيثونا و لا تدافعوا عنا.


نظم النبي قواته واضعاً في الخط الأول رجالاً أولي بأسٍ شديد بدا فيهم علي و حمزة و أبودجانة و سعد بن الربيع و رجال حملوا أرواحهم فوق الأكف، كما خصّص كتيبة بقيادة المقداد للتنسيق مع الرماة في صدّ هجوم محتمل قد يقوم به فرسان قريش.


تذكر النبي رؤياه. عادت تتمثل أمامه من جديد.. رأى ابقاراً تسر الناظرين.. رآها تذبح فتشحط دماً عبيطاً ورأى في حدّ سيفه ثلماً...


تجمّعت في السماء النذر و بدت السيوف بين الغبار بروقاً نزلت إلى الأرض و شدّ أبودجانة حول رأسه عصابة الموت كجرح يفور و أدرك الذين رأوه أن الرجل قد اختار الموت طريقاً إلى الحياة.


الرجل الذي اختارته السماء رسولاً إلى الأرض يبلّغ رسالته:


- ما أعلم من عملٍ يقرّبكم إلى اللَّه إلَّا و قد أمرتكم به، و لا أعلم


من عملٍ يقربكم إلى النار إلَّا و قد نهيتكم عنه، وانه قد نفث الروح الأمين في روعي انه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها لا ينقص منه شي ء.. المؤمن من المؤمن كالرأس من الجسد اذا اشتكى تداعى اليه سائر الجسد.


و في المعسكر الآخر في أرض سبخة تعالت أصوات الدفوف والطبول تشف عن روح همجية متعقشة لرؤية الدماء... تسكر على صوت طبول الحرب تدق بعنف فيستيقظ الشيطان يعربد و يدمّر.


خرجت خمس عشرة امرأة ينشدن أناشيد الثأر:


و كان صوت هند له نبرة نمرة متوثبة:




  • نحن بنات طارق
    الدر في المخانق
    ان تقبلوا نعانق
    او تدبروا نفارق
    فراق غير وامق



  • نمشى على النمارق
    والمسك في المفارق
    ونفرش النمارق
    فراق غير وامق
    فراق غير وامق




وحلم رجال بليالٍ حمراء.. ليال مليئة بالمتعة. و منوا أنفسهم






بسبى من يثرب فيهنّ حسان من الأوس أو الخزرج.


اتسعت الأحداق وعض الرجال على النواجذ... و بدأت قريش الهجوم. بدأت قوّة من المشاة تساندها كوكبة من الفرسان بقيادة عكرمة بن أبي جهل هجوماً على ميسرة الجيش الاسلامي لتدميرها، و من ثم النفوذ إلى عمق الشِعب و ضرب المسلمين من الخلف.


قوبل الهجوم العنيف برشقات كثيفة من النبال واعترض المقداد بقوّاته سيل المهاجمين وأرغمهم على التراجع و من فوق سفوح أُحد تدحرجت الصخور و الحجارة فارتد المهاجمون و تشتتوا..


عاود الفرسان الكرة مرة بعد اُخرى ولكن دون جدوى. وفي تلك اللحظات الحساسة أصدر النبي أمره بشن الهجوم المعاكس.. مستهدفاً قلب القوّات المتقهقرة و كان ثقل المعركة يدور حول «لواء» قريش من أجل اسقاطه و تحطيم الروح الجاهلية. وسقط اللواء بضربة من عليّ.. ثم ارتفع مرّة اُخرى ثم هوى على الأرض... ثم ارتفع... ثم هوى ممزقاً فوق الأرض...


تزلزلت معنويان المشركين ودبّت فيهم الهزيمة و اطلقت هند ساقيها للريح وسقطت الدفوف و تبعثرت أمنيات زوج أبي سفيان وذهبت أدراج الرياح....


وفي غمرة النصر سقط حمرة. اخترق قلبه رمح وحشي..


سقطت ثلمة من سيف محمد.


وفوق جبل «عينين» كانت هناك معركة من نوع آخر.. معركة في داخل النفوس رهيبة مشتعلة.. أشعلتها الغنائم المبعثرة في الوادي.


وأخيراً وبعد صراع عنيف انتصرت النفوس الامارة بالسوء.. و غادر أكثر الرماة مواقعهم «لا يلوون على شي ء» و (ابن جبير) يدعوهم.. يذكّرهم بوصايا الرسول. غير أن النفوس التي أصغت إلى فحيح الشياطين نسيت همسات السماء.


كان خالد بن الوليد ينتظر الفرصة و عندما شاهد منظر الرماة و هم يهبطون الجبل التمعت في عينيه حمى الحرب، فاندفعت الخيول كالعاصفة و عمت الفوضى صفوف الجيش الاسلامي...


وفرّ المسلمون لا يلوون على شي ء، و الرسول ينادى:


- أنا رسول اللَّه.. هلموا إلي!


وبعد لأي تمكن النبي من تجميع أكثر قواته و الانسحاب بهم نحو سفح الجبل.


صرخ أبوسفيان في بطن الوادى:


- اعل هبل.


وجاء صوت الرسول:


- اللَّه أعلى وأجلّ.


- لنا العزى و لا عزى لكم.


- اللَّه مولانا و لا مولى لكم.


- يا محمد حنظلة بحنظلة و يوم بيوم بدر و الحرب سجال.


أمر النبي عليّاً أن يستطلع قوات قريش فقد تجتاح المدينة:


- انظر فإن جنبوا الخيل وامتطوا الإبل فانهم يريدون مكّة.. و ان ركبوا الخيل فانّهم يريدون المدينة..


وأردف النبي و قد برق العزم في عينيه:


- والذي نفسي بيده لئن أرادوا المدينة لأُناجزنّهم.


جراح النبي تنزف.. تفور.. لا تعرف التوقّف. بالجراح الأنبياء حمراء حمراء بلون الشفق، تبشّر بالنهار.. بشمس ساطعة ودف ء الربيع.


القسمت 18



كذئاب مجنونة راح المشركون يجوسون خلال الجثث الهامدة يمزقون اكباداً و قلوباً كانت تنبض بالحياة؛ تحلم بعالم جميل؛ بدنيا آمنة مطمئنة.


جثمت «هند» على جسد حمزة كنسر متوحّش وبدا وجهها الحاد كغراب شره.. كان صوتها يشبه فحيح الأفاعى:


- حمزة.. صياد الاُسود... جثة هامدة.. انهض يا قاتل أبي و أخي:


استلت هند خنجراً و بقرت بطن أسد اللَّه و أسد رسوله ثم انشبت يدها في بطنه. كانت المخاطب تبحث عن كبد حرى و لما عثرت عليها انتزعتها.. و حمزة ما يزال نائماً يعلو وجهه غبار خفيف.


مزّقت الذئبة كبد الإنسان. تريد أن تلوكه.. أن تبتلعه.


و على تلال قريبة كانت نسوة في المدينة يرقبن المعركة، و قد


غاظهن فرار المسلمين، صرخت «اُم أيمن» وهي تحثو التراب في وجه «عثمان»:


- هاك المغزل فاغزل به وهلم سيفك.


أراد عثمان أن يخبرها بمقتل النبي و انه سمع أحدهم يهتف وسط المعركة: قتلتُ محمداً؛ ولكنه فضل الصمت فأمّ أيمن إمرأة في رجل. سوف تحثو في وجهه التراب مرة اُخرى.


لوى عثمان عنان فرسه وانطلق صوب جبل «الجلعب» في ناحية يثرب وتبعه المنهزمون فهو خبير في اكتشاف المخابئ و قد يجتاح أبوسفيان المدينة.


عاد النبي إلى المدينة ينوء بجراحاته، واخفق على و هو يغسل جراحه أن يوقف نزف الدماء؛ وكادت «فاطمة» أن تموت و هي ترى أباها و الدماء تسيل من وجهه.. تدفقت الدموع غزيرة كسماء ممطرة واستيقظت في أعماقها كوامن الأمّ تحاول انقاذ وليدها بأيّ شي ء؛ عمدت إلى حصير فاحرقته، ولما صار رماداً لمت الرماد وراحت ترش جراح النبي.


نجح الرماد في وقف اشتعال النار، أطفأ الجراح بعد أن أخفق الماء.


كان عليّ يراقب زوجه تضمد الجراح.. تمسها ببلسم يوقف تدفق


الألم. تأملت فاطمة سيف أبيها وسيف بعلها و قد جللتهما الدماء وأدركت هول الملحمة التي دارت في جبل اُحد.


قال علي و هو يناولها سيفه:


- خذيه فلقد صدقنى اليوم.


فقال النبي:


- لقد أدى بعلك ما عليه و قتل اللَّه بسيفه صناديد قريش حتى نادى جبريل بين السماء و الأرض: لاسيف إلّا ذوالفقار و لا فتى إلا على.


نظرت فاطمة إلى زوجها تشكره بعينين تشعان رحمة... اللَّه وحده يعرف الأعماق... وحده الذي يعرف روح هذا الفتى الشجاع الذي حمل روحه على كفه يفدى رسول اللَّه و قد غدا كل شي ء في دنياه، انه لا يعرف للحياة معنى إلا بمحمد... محمد الذي منحه في زمن الرعب الطمأنينة والسلام.


عاد عثمان و من معه إلى المدينة بعد أن مكث في الجبل ثلاثة أيام... و قال النبي عندما وقعت عيناه عليهم:


- لقد ذهبتم فيها عريضة!!


و تمرّ الأيام و تندمل آلاف الجراح و عادت إلى المدينة روح


الأمل... وانطلق المجتمع الجديد يزرع و يبني و يعمل و يشحذ السيوف... و قد أدرك الذين آمنوا ان طاعة اللَّه و الرسول هي الطريق الى النصر... إلى المجد و إلى جنة عرضها السماوات و الأرض.


عادت فاطمة تدير الرحى و تهز المهد و تدير منزلها الصغير و تضمد جراح النبي .. تعرف مواقعها في روحه العميقة؛ و ربما انطلقت إلى أُحد تبكي حمزة سيد الشهداء.. تعرف عمق الجرح الذي أحدثه رحيله في قلب أبيها.


و أطلل عام جديد يحمل معه أفراح النصر و يقدم إلى رسول اللَّه ريحانة اُخرى في حنايا فاطمة؛ فلقد ولد الحسين وجيهاً في الدنيا و في الآخرة و من المقربين.


وهمس النبي في اُذنيه بكلمات السماء و سمعه الكثير و هو يقبله قائلاً:


- حسين منى و أنا من حسين.


و كان الحسين قريباً فدبّ كنملة و راح يداعب شعر أخيه و قد غمره فرح طفولي، و تدفق نبعٌ جديد؛ نبع في اُسرة صغيرة؛ اُسرة أسسها النبي و باركتها السماء.


و تمر الأيام و النبي يشمر عن ساعديه و يبني الإنسان... انسان الصحراء.. يروض في أعماقه الوحش و يضى ء في ظلماته شمعة.


و بدت يثرب في أرض اللَّه الواسعة سراجاً في مهب إعصار فيه نار أو قارباً صغيراً وسط الأمواج العاتية، و النبي و الذين آمنوا يقاومون المد الجاهلى و يحبطون مؤامرات يهودية... و اليهود عجنوا بالغدر و تشربوا تعاليم التلمود... نبذوا التوراة بعيداً الّا ما حرّفوه عن مواضعه، يبنون حصونهم و قلاعهم، وظنوا انهم مانعتهم حصونهم. يخفون وراءها حقداً دفيناً للإنسان تناقلته أجيالهم منذ السبى البابلى و إلى ان يقضي اللَّه أمراً كان مفعولا. يباهون الاُمم بموسى بن عمران و قد عشعش قارون في نفوسهم. ترن في أعماقهم خشخشة الذهب و الفضة، فتوارثوا عجلاً صنعوه منذُ أن سوّل لهم السامريّ، وظلوا عاكفين عليه حتى اذا نصحهم هارون كادوا ان يفتكوا به، أداروا ظهرهم للذى أنجاهم من البحر و عكفوا على عجل له خوار.


كان موسى غاضباً و هو يلقي الألواح.. و يأخذ بمخانق أخيه. هتف هارون:


- انهم استضعفونى و كادوا يقتلوننى.


واتجهت الأبصار إلى السامري. كاد موسى يبطش به:


- فما خطبك يا سامرى؟


- لا شي ء.. لقد رأيت أثر الملاك.. وكذلك سولت لي نفسي. و مضى السامري في التيه... يشد عباءته إلى كتفيه يعتصر وجهه


/ 22