و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


- فماذا قالت قريش؟

- قالت: انا شجرة محمد.

تتم على بأسى:

- احتجوا بالشجرة و أضاعوا الثمرة.

وقف هارون حائراً يتأمل رمال سيناء.. يترقّب عودة أخيه.. و كان موسى يمم وجهه شطر الجبل..

- ما أعجلك عن قومك يا موسى؟

- هم أولاء على أثرى وعجلت اليك رب لترضى.

- فإنّا قد فتنّا قومك من بعدك و أضلّهم السامريّ.

وعاد موسى غضبان أسفاً يحمل معه ألواح السماء.

و كان هارون يقاوم العاصفة و كان العجل يخور وسط العاكفين. قال هارون مشفقاً:

- إنّما فتنتم به و إن ربّكم الرحمن فاتبعوني واطيعوا أمري.

- لن نبرح عليه عاكفين حتى يعود الينا موسى.

و لمّا عاد موسى ألقى الألواح و قال بغضب:

- بئسما خلفتمونى من بعدى.

و قال هارون بحزن:

- إنّ القوم استضعفونى و كادوا يقتلوننئ.

ولمّا سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح و تمتم:

- إن الذين اتخذوا العجل سينالهم غضب من ربِّهم و ذلّة في الحياة الدنيا. ونظر موسى إلى السماء و قال متضرعاً:

- ربِّ اغفر لي و لأخي و أدخلنا في رحمتك و انت أرحم الراحمين.

و التفت موسى إلى السامريّ:

- ما خطبك يا سامريّ؟

- بصرتُ بما لم يبصروا به فقبضت قبضة من أثر الرسول فنبدتها و كذلك سوّلت لي نفسي.

قال موسى و هو ينبذه في قلب التيه:

- إذهب فإن لك في الحياة ان تقول لامساس و ان لك موعداً لن تخلفه وانظر إلى إلهك الذي ظلت عليه عاكفاً لنحرقنه ثم لننسفنه في اليم نسفاً.

وضاع السامريّ في التيه.. بين تموّجات الصحراء.. وعواء الذئاب. كان صوته يتبدد في المدى يبحث عن وطن.. والوطن لا يقبل شجراً مجتثاً من فوق الأرض ماله من قرار.

الصحراء بعيدة.. و الرجل المنبوذ يشدّ إلى جسده عباءة خرّقتها الريح و هو يطوي التيه.. يقبض قبضة من الرمال يشمّها علّه يجد فيها أثر الرسول... ولكن لا شي ء سوى الريح حتى إذا بلغ «فدك» من أرض الجزيرة تهالك عند جذوعها ينازع الموت و قد أيقظت العرب أوثانها.

القسمت 34


جلست حفصة قرب عائشة كما تجلس الجارية عند سيدتها أو المريد عند استاذه يتعلّم منه أو يراقب حركاته و سكناتة ولعلّ الصداقة التي تربط بين الأبوين قد بخّرت تماماً ما تضمره المرأة لضرّتها وأزاحت بعيداً ذلك التنافس المرير في التفوّق وهاهي الأيام تمرّ لتوحّد بينهما، تضاعفت خلوات عمر بأبي بكر وزادت الأواصر بين عائشة و حفصة...

و قد جلست المرأتان فيما يشبه الاحتفال بالنصر... أو التفكير لجولة قادمة...

كانت عائشة تغالب شعوراً بالتشفي والانتقام وها هو أبوها يحقق أول انتصار على منافسه.

منذ سنوات و أبوبكر يفعل المستحيل ليبقى في الصدارة... فهو صاحب النبي في الغار و هو الملازم له في العريش... هو و عليّ فرسا

رهان ولكن ماذا يفعل و عليّ السبّاق في كل شي ء.. ماذا تتذكر عائشة.. «خيبر» «ذات السلاسل».. سورة براءة...

لشدّ ما تمقت عليّاً... انّها لا تستطيع أن تنسى كلماته و هو ينصح النبي بطلاقها يوم «الافك».. وفاطمة التي تغار منها و من اُمّها.. خديجة.. ولكن ما تبغي وهاهو أبوها يمسك بالزعامة والخلافة.

امّا عليّ فهو جليس داره وحيد ليس معه من يؤازره أحد... و فاطمة التي لا تفتأ تبكي أباها ليل نهار.

عائشة هادئة البال تنعم بالمجد.. لقد كانت زوجة أعظم رجل في الجزيرة وهاهي اليوم بنت رجل يهابه الجميع..

كانت عائشة مستغرقة في خيالات الماضي و المستقبل عندما دخل أبوها و كان معه عمر..

بدا أبوبكر مهموماً... لقد جاء أبوسفيان و هو يخشى صولته.

قال عمر و قد أدرك ما يجول في خاطره:

-الأمر بسيط يا خليفة رسول اللَّه.. أنا أعرفه.. اترك ما في يده من الزكوات.. اننا نحتاج إلى بني اُمية للوقوف بوجه بني هاشم.. نشغل بعضهم ببعض فتصفولك الاُمور.

- ارحتني يا عمر من همّ وبقيت هموم.

- أتعنى عليّاً و أصحابه... و اللَّه لأجعلنهم يبايعون.. طائعين أو

كارهين... ولسوف أمضي اليهم بنفسى فان تعلّلوا أحرقت عليهم البيت.

- إنّ فيه فاطمة يا عمر.

- و إنْ.

تداعت الذكريات في خيال أبي بكر. تذكر يوم خطب فاطمة فردّه الرسول. انّه لن يغفر لها ذلك... كما لن يغفر لها ما سببته من آلام لإبنته. كانت عائشة لا تطيق رؤيتها و لا رؤية زوجها.. هو أيضاً كان لايرتاح لفاطمة و كان يشعر بالحسرة لما تقاسيه ابنته.

قال عمر و هو يرمق صاحبه بنظرة ذات معنى:

- يا له من حديث أصبت به مقتلاً... أنا أيضاً أذكر ان النبي قال: «نحن معاشر الأنبياء لا نورّث.. ما تركناه صدقة».

ابتسم أبوبكر... و كأنه يقول و ما في وسعي أن أفعل غير ذلك.. امامنا جولات و جولات.. و فاطمة ما تزال تقارم..

قال أبوبكر متوجّساً:

- أنا أخشى فاطمة.. انّها ثائرة ولن تسكت.. و كيف تسكت و هي بنت محمد.. و زوج عليّ.

- لا تخشَ شيئاً يا صاحبي سينتهي كلّ شي ء.. ما هي إلّا امرأة.. و ليس معها أحد.

قال أبوبكر و قد استيقظت في أعماقه بقايا ضمير:

- ماذا لو نسلّمها «فدكاً» و نرتاح من كلّ هذا العناء.

- ماذا تقول يا صاحبي اذا أعطيتها فدكاً اليوم فستأتي غدا لتطالب بالخلافة إلى بعلها.. و أنت تعرف ان فدكاً لديها ليست فاكهة أو نخيل و لا أرض انّها الخلافة.. لا لا.. لا تفعل ذلك أبداً.

- ألا تخشى غضبها يا أباحفص.. غضبها يعني غضب اللَّه و رسوله.. الجميع يعرف ذلك.

- و هذه أيضاً ستمرّ كما تمرّ العاصفة.. سوف نزورها ذات يوم فتصفح عنا و ينتهى كل شى ء.. انّك لتصوم و تصلّى و تحجّ و تجاهد فلا تقلق.

-اتمنى أن يكون ذلك.

كانت عائشة تصغي بصمت إلى حديث أبيها تدرك ما يموج في أعماقه من رقة تكاد تنقض كل صلابته لولا صاحبه الذي لا يعرف غير الاندفاع كالزوبعة... و لولاه ما وقف أبوها كلّ هذه المواقف... وعائشة تدرك جيداً ان عمر يحلب لأبيها ليأخذ شطراً منه غداً. على هذا تعاهدا و معهما «الجرّاح».

عائشة لا ترتاح لتردد أبيها. انّها تريد منه أن يكون قوّياً هذه المرّة... و قد غاب «محمّد» فليندفع ليهزم «عليّاً» أمام عيني

«فاطمة»، لشدّ ما يسعدها أن ترى فاطمة كسيرة مغلوبة تندب المجد الذي ولّى و العزّ الذي مضى.

- لا لا يا عائشة لا تكوني قاسية إلى هذا الحدّ...

أرجوك إذا مررت بشجرة محطمة فلا تدوسى ثمارها.. أو حمامة مهيضة الجناح فلا تستلّي السكين لتذبحيها.. أليس هناك مكان للحبّ.. للَّه؟

- أتريدني اشفق على فاطمة.. فاطمة التي استحوذت على قلب زوجي... لا لا لن أغفر لها ذلك.. و علي الذي ود طلاقي.. كلّا لن أغفر لهما أبداً.

تلاشى الدويّ وخفتت نداءات الإنسان.. وانتصر النمر المتوثّب في الأعماق ليطلّ من عينين يكاد بريقهما ينفذ في الضلوع.

القسمت 35


فاطمة حزينة.. وحيدة في هذه الدنيا الغادرة.. غيّب التراب وجهاً كان يضي ء دنياها و توقف قلب كان يملأ حياتها أملاً....

رحلت أمّها وهي بعد صبيّة.. وهاهى تفقد أباها وهى في عمر الربيع..

فقدت الأشياء شفافيتها و بدت عارية مقرفة. كانت تنظر إلى الجزيرة فتراها خضراء.. خضراء. تنظر بعيني محمد فترى البراعم تتفتح و الرياحين تفوح بالعطر.. والسماء تزخر بأجنحة الملائكة مثنى وثلاث و رباع و كلمات جبريل تملأ الفضاء. و لمّا أغمض الأب عينيه انطفأت كلّ الشموع.. انكفأت فوق صحون الحنّاء.. ذبلت الرياحين و غادر الربيع الجزيرة... واستيقظت الاصنام... فتحت عيونها الحجرية.. وانبعث خوار «عجل» في «فدك».

العاصفة تهبّ عنيفة تدمّر كلّ شي ء.. ولو مرّت على النجوم

لأطفأتها أو على شجرة زيتون لاجتثتها من فوق الأرض... و فاطمة وحيدة.. ليس معها أحد سوى رجلها و قد أغمد «ذا الفقار» بعد ان وضعت الحرب أوزارها.. و سيّد الرجال يأبى أن تكون له في الفتنة سيف.. سلاحه الصبر؛ و الصبر سلاح الأنبياء.

ليس في منزل فاطمة سوى صبيين ينتظران عودة جدّهما.. ليس في منزل فاطمة سوى بنت صغيرة غارقة في حزن سرمدي... بنت اسمها «زينب»؛ ليس في منزل فاطمة أحد إلّا المستضعفون فبدا كقلعة مهجورة تحمل آثاراً لجبريل. ستهبّ العاصفة اعصاراً فيه نار و قد لاذ الخائفون فئراناً مذعورة في جحورها.. وليس هناك من سلاح إلّا الصبر... و الصبر له طعم كالحنظل لايعرفه إلّا المظلومون.

بدا عليّ ذلك اليوم كأسد جريح.. أسد مثقل بالقيود و السلاسل.. و أصعب ما يواجه الرجل من ضيم أن يرى امرأته مقهورة وحيدة و هو موثق الأيدى... كان عليّ يدرك ما يدور في الخفاء... شمّ منذ أمد بعيد رائحة المؤامرة و لم يكن في مقدوره أن يفعل شيئاً... كانت العناكب تحوك شباكها ليل نهار. والسماء تكتظّ بقطع السحب السوداء، والقمر في المحاق..

هبّت العاصفة، وهتف ابن صهاك، وقنفذ ينظر بعينين فيهما بريق شيطاني:

- يا علي اخرج و بايع كما بايع الناس.

لاذ الأسد بالصمت، و رفع ابن صهاك صوته بعصبية:

- لتخرجنّ أو لأحرقن الدار.

هتف رجل مستنكراً:

- إن فيها فاطمة.

أجاب ابن صهاك.

- و إن!.

هتفت فاطمة بغضب:

- سرعان ما أغرتم على أهل البيت.

ركل قنفذ الباب بوحشية... وظهرت بنت محمّد في قبضتها لواء المقاومة.. وجهها الأزهر مضمخ بعبير النبوّات و كان حسن و حسين ينظران بدهشة إلى رجال كانوا بالأمس يبتسمون لهما و قد جاءوا اليوم يكشّرون عن أنياب كالذئاب.

- أين أنت يا جدّاه.. هلمّ لترى ما يفعل أصحابك.

هتفت فاطمة بغضب الأنبياء:

- اخلوا الدار.. و خلّوا عن ابن عمي..

ثم أردفت و هى تستنجد بالسماء:

- لئن لم تخلّوا عنه لانشرن شعري و لأصرخن إلى اللَّه.

/ 22