و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


«حذيفة» يحمل البشرى.

وأصدر النبي أمره بالعودة إلى المنازل بعد ثلاثين يوماً من الحصار و الخوف و القلق.

و كان بنوقريظة منكمشين في حصونهم يترقبون بخوف المصير الذي ينتظرهم... فالغدر يعقبه انتقام.

هاهي الأفاعي تلوذ بجحورها و تمدّ ألسنتها متوجسة..

هتف الرسول؛ وقد حانت لحظة الاقتصاص:

- مَن كان سامعاً مطيعاً فلا يصلّين العصر إلّا في بني قريظة.

هزّ النبيّ اللواء ودفعه إلى عليّ:

- كُن في مقدمة الجيش واسبقنا إلى بني قريظة.

وانطلق عليّ واللواء يخفق فوق رأسه حتى اذا دنا من الحصن ركزه في الأرض بقوة وأيقن الذين مسخوا قردة و خنازير انها الحرب ولا شي ء سواها.

وسمع عليّ شتائم تنهال على النبي الأمّي فهتف بغضب:

- السيف بيننا و بينكم.

و استمر الحصار عشرين يوماً... و المناوشات بالسهام و النبال مستمرة.. والشتائم تنهال من فوق جدران الحصون فهتف النبيّ:

- يا اخوان القردة!.. هل أخزاكم اللَّه و أنزل فيكم نقمته.

وشن على أول هجوم عنيف، فارتفعت راية بيضاء فوق الحصون.. و كان الاستسلام دون قيد أو شرط.

وهتف سعد وقد رضي الجميع حكمه:

- آن لسعد أن لا تأخذه في اللَّه لومة لائم.

كان سعد يعرف «توراتهم» حيث حرّفوا الكلم عن مواضعه ليسوموا البشر الموت و الفناء...

كان يدرى ما في الاصحاح من التثنية من ريح صفراء لا تبقي و لا تذر «حين تقترب من مدينة لكى تحاربها استدعها إلى الصلح فان أجابتك الى الصلح وفتحت لك فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير و يستعبد لك و ان لم تسالمك بل عملت معك حرباً فحاصرها واذا دفعها الربّ الهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحدّ السيف، و اما النساء والأطفال و البهائم و كلّ ما في المدينة غنيمة تفتحها لنفسك و تأكل غنيمة اعدائك التي أعطاك الرب الهلك».

و أذاقهم سعد حكم التوراة و كانوا أذاقوها الأمم.

وهكذا تساقطت رووس الخيانة و الغدر.. و سقط رأس حى بن أخطب مخطط فكرة الغزو والفناء وفر السامريّ إلى «خيبر» لا يفتأ يعبد العجل من دون اللَّه.

القسمت 23


عاد السلام يرفرف فوق المدينة و كلمات السماء تتردد بين سعف النخيل وعروش الأعناب.

وعاد عليّ يعمل في الأرض... يسقى الزرع و يفجر الينابيع يريد للأرض أن ترتدي حلّة خضراء...

عاد الأطفال يلعبون في الأزقة... ضحكاتهم البريئة تتردد في الفضاء الأزرق.

و مرّ النبي في طريقه إلى المسجد تحفه كوكبة من أصحابه.

و ركض الحسن و الحسين و كانا يلعبان مع الأطفال وخف النبيّ لاستقبال ريحانتيه من الدنيا، و البسمة تطوف فوق وجهه...

حمل النبي ولديه... شم الجنة فيهما... استنشق عبير الرياحين.. و حملهما على عاتقه..

والتفت إلى اصحابه:

- من أحب هذين الغلامين واُمهما و أباهما فهو معي في الجنّة.

قال عمر مغتبطاً و هو يرى أجمل منظر:

- نعم الفرس فرسكما.

فأجاب النبي مبتسماً:

- و نعم الفارسان هما.

شمّ المهاجرون رائحة وطن بعيد و تلفتت العيون صوب الجنوب و تلفتت القلوب؛ وطافت صور جميلة لمكة مرابع الصبا و ذكريات الطفولة فاذا الحنين نهر حزين يجري بصمت و الخريف فصل الوداع يستثير هواجس العودة واللقاء وهاهي ستة أعوام تنطوي و المهاجرون ما يزالون يقاومون عواصف الصحراء و الزمان... يحلمون بالعودة إلى ديار الحبيب... الكعبة بيت ابراهيم و اسماعيل.. و غار حراء في جبل النور.. و ذكريات الجهاد.

وأطل «ذوالقعدة» يوقظ في النفوس نداء ابراهيم فتنطلق القوافل بين الأودية.. فالقلوب تهوى إلى بقعة مباركة حيث أول بيت وضع للناس.

و عمّت الفرحة المدينة... لقد اعلن النبي رغبته في أداء العمرة و زيارة البيت العتيق.. و انه لا يريد حربا مع أحد. انّه ينشد السلام.. و هل الإسلام يعنى شيئاً سوى السلام.

وطار النبأ في الجزيرة رايةً بيضاء بياض حمائم في الفضاء الأزرق.

و اجتمع الف واربعمئة ممن تخفق قلوبهم لمكة واداء شعائر الحج... و تقدّم النبي على ناقته «القصواء» زورقاً ينساب فوق امواج الرمال.. و كان «اللواء» يخفق فوق هامة عليّ.. وساق النبي من الهدى سبعين.. و السيوف في الأغماد، حتى اذا بلغ ذا الحليفة، أحرم فيها ولبّى.

ردّدت الصحارى هتافات التوحيد:

- لبيك اللّهم لبيك.. لبيك لا شريك لك لبيك..

وفي «عسفان» حطّ النبيّ الرحال.. يمدّ يد السلام..

وجاء رجل من اُم القرى يسعى:

- يا رسول اللَّه هذه قريش قد سمعت بك، فلبست جلد النمر... وقد اجتمع الرجال و النساء و الأطفال «بذي طوى»... و خيلها الآن في «كراع الغميم».

قال النبي بحزن:

- يا ويح قريش.. لقد أكلتهم الحرب. ماذا عليهم لو خلوا بيني و بين العرب.. ما تظنّ قريش.. واللَّه لا أزال أجاهد أو تنفرد هذه السالفة.

وكان الرجل يتأمل سوالف النبيّ المتلألئة وقد انفردت عن شعر النبيّ المتموّج تموج الصحارى و هو يكاد يلامس منكبيه.

و جلس النبي يفكر.. يفكر في قوم كذبوه و آذوه.. وألّبوا العرب عليه يريدون أن يطفئوا نور اللَّه.. و اللَّه متم نوره.

قال النبي و قد أحدق به أصحابه:

- مَن يدلّنا على طريق غير طريقهم؟

فنهض رجل من أسلم و كان عالماً بخفايا الصحراء وبطون الأودية.

وسار ألف و أربعثمة رجل يتقدّمهم آخر الأنبياء و قد هبّت نسائم وطن بعيد.

كانت المفازات وعرة كثيرة الحجارة كأنها شظايا بركان انفجر قبل آلاف السنين . حتى اذا وصلوا ارضاً سهلة انعطفوا جهة اليمين حيث الجادة المؤدية إلى «ثنية المراد» مهبط «الحديبية» من أسفل مكة.

توقفت القصواء ثم بركت.. و توقّفت الجموع، قال قائل:

- حرمت الناقة وأجهدت.

فقال النبيّ: لا.. ولكن حبسها الذي حبس الفيل عن مكة..

وأردف و هو ينزل عن «القصواء»:

- و اللَّه لا تدعوني قريش إلى خطة تسألنى فيها صلة الرحم إلَّا أعطيتهم ايّاها...

والتفت إلى الجموع:

- انزلوا.

قال أحدهم و هو يستعرض الوادى ببصر نافذ:

- يا رسول اللَّه ما بالوادى ماء.

أخرج النبيّ سهماً من كنانته و أشار إلى بئرٍ معطّلة.

- اغرزه في جوفه.

كانت هالة من النور تغمر رجلاً ارسلته السماء ليحيي الأرض بعد موتها.

انفجرت البئر بالماء نميراً فخشع الذين هاجروا والذين قالوا انّا انصار اللَّه.

القسمت 24


كان الجو مشحوناً بالقلق ما بين «الحديبية» و مكة. قريش لا تذعن للحقّ و لا تصيخ السمع لصوت العقل، فتفتح أبواب مكة لقوافل الحجيج. و بعث النبي «عثمان» فله قرابة بأبي سفيان.

- اخبر قريش أنّا لم نأت لقتال أحد، وانّما جئنا زوّاراً للبيت، معظمين لحرمته و معنا الهدي ننحره و ننصرف.

و مضى عثمان إلى مكة و لم يعد.. مضت ثلاثة أيام.. اختفت فيها أخباره، وسمعوا شائعات عن مصرعه مع عشرة من المهاجرين دفعهم الشوق إلى زيارة أهليهم .

عندها وقف النبيّ تحت ظلّ شجرة في الوادي أسند جذعه إلى جذعها.. وأحدق أصحابه و هم يعاهدون على الموت من أجله... و باركت السماء عهد المؤمنين.. و قد رضي اللَّه عنهم.

الجو يزداد تأزّماً و لما يعد عثمان بعد...

وجاءت رسل السلام.. وقد أدركت قريش أن الخطر قاب قوسين أو أدنى.

جاء «سهيل» يعرض على النبي شروط قريش:

- أن تضع الحرب أوزارها بين الفريقين عشر سنين.

- أن يردّ محمّد من يأتيه من قريش مسلماً و لا تلتزم قريش بردّ من يأتيها من عند محمّد.

- أن يعود محمد و أصحابه هذا العام دون عمرة و أن يأتوا في العام القادم.

- من أراد الدخول في عهد قريش فله ذلك و من أراد الدخول في عهد محمّد جاز له ذلك.

كان النبيّ يصغي إلى عرض قريش يلقيه «ابن عمرو» وقد بدا بعض الصحابة ممتعضاً وكاد عمر أن ينفجر بعد ان سمع النبي يستدعي عليّاً:

- اكتب يا عليّ: بسم اللَّه الرحمن الرحيم.

اعترض سهيل:

- لا أعرف هذا.. اكتب باسمك اللّهم.

استأنف النبي:

- اكتب ذلك واكتب: هذا ما صالح عليه محمد رسول اللَّه سهيل

بن عمرو.

قال سهيل:

- لو شهدت انك رسول اللَّه لم اقاتلك.. ولكن اكتب اسمك واسم أبيك.

أطل الحزن من عينى الرسول:

- واللَّه اني رسول اللَّه وان كذبتموني... اكتب يا علي محمد بن عبداللَّه وامح رسول اللَّه.

رفع علي رأسه وقد شعر بالغضب يتفجر في صدره.

- ان قلبى لا يطاوعنى... و اللَّه لا أمحوها.

تناول النبي الصحيفة و محاها..

واستأنف على يثبت بنود السلام.

و نهض الوفد عائداً إلى مكة...

لم يتمالك «عمر» اعصابه فتقدم من النبي بطوله الفارع و عيناه تبرقان بغضبٍ عارم:

- ألست نبى اللَّه حقّاً؟

أجاب النبي بهدوء:

- بلى.

- أليس قتلانا في الجنة و قتلاهم في النار؟

/ 22