و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


- و ما الثقلان يا نبيّ اللَّه؟

- كتاب اللَّه و عترتى أهل بيتى.

و مضى التاريخ لا يلوى على شي ء... و عادت قوافل الحج الأكبر تستأنف رحلة العودة إلى الديار وقد دخل الناس في دين اللَّه أفواجاً وهبط جبريل يتلو على الرسول آخر آيات السماء..

- اليوم أكملت لكم دينكم و أتممتُ عليكم نعمتي و رضيتُ لكم الإسلام دينا.

و شعر النبي ان مهمته في الأرض قد انتهت و آن له أن يستريح ولكن...

القسمت 30


كانت فاطمة تقرأ القرآن.. في يدها مصحف.. فجأة سقط المصحف على الأرض... ثم حلّق في السماء يخترق الغيوم.. و يتيه بين النجوم.. ورأت فاطمة نفسها تطير وراءه.. تريد اللحاق...

و كان القرآن ينادي:

- هلمي إليَّ.. هلمي إلى السماء.

و نظرت فاطمة وراءها فرأت الأرض زيتونة مشحونة بالبرق و بالرعود.

هبّت فاطمة من نومها... و هواجس الخوف تحاصرها.

قالت لأبيها:

- يا أبتي أني رأيت قرآناً يسقط من يدي.

قال الذي عنده علم الكتاب:

- يا فاطمة.. يوشك أن اُدعى فأُجيب.. وقد عرض عليَّ جبريل

القرآن في هذا العام مرّتين.

تجمّعت في عينيها الدموع... ضرب الحزن اطنابه في القلب الكسير... دق أوتاد خيامه.

قال الأب ليسرّي عن ابنته:

- لا تحزني.. أنتِ أول أهل بيتي لحوقاً بيّ.

أشرقت شمس الأمل.. وجدت لها طريقاً خلال الغيوم فعادت البسمة تموج فوق وجه أزهر... وجه يتألّق بنور اللَّه، واللَّه نور السماوات و الأرض.

و تمرّ الأيّام متوجسة و الأرض تفتقد جبريل.

سقط رسول السماء مريضاً فوق الأرض.. عصفت به الحمى.. عجز الماء عن اطفائها... و شعر الرجل السماوى بأنّ الاُفق مشحون بالمؤامرة وان هناك عيوناً تبرق في الظلام تريد الاستحواذ على أمانة.. تهيّبت حملها السماوات و الأرض.

هناك في الخفاء و بعيداً عن العيون كان العنكبوت تنسج شبكة مخيفة. و كانت هناك فراشة قادمة... تحلم بالربيع دفعتها ريح صفراء فهي توشك ان تسقط في بيت هو أهون البيوت.

في الليل و الناس نيام حطّم الشيطان أغلاله و ذرّ قرنيه يريد الفتنة...

كان الجوّ مكفهراً.. و قد ادلهمت السماء.. و سكون مهيب يجثم فوق المدينة.. والقلق عاصفة مدمّرة تهزّ القلوب تريد اجتثاث الطمأنينة منذ بيعة «العقبة» و «بيعة الرضوان»، كانت القلوب خائفة وهى تنطوي على شي ء يوشك أن تفقده... السلام... كان محمد سلاماً في الأرض.. والأرض توشك أن تفقد هذا السلام...

و رسول اللَّه يغلي بالحمّى...، وأفواه القرب تريد اطفاء الجمر، حتى اذا هدأت الحمى وانتظمت انفاس النبيّ أرسل وراء أصحابه وقد شمّ في الفضاء رائحة غريبة..

طفحت الفرحة فوق الوجوه وهى تنظر إلى النبيّ هادئاً قد فارقته الحمّى؛ قال الرسول و هو يريد تمزيق شباك العنكبوت:

- ألم آمركم أن تنفذوا جيش اسامة.

تمتم بعض الصحابة:

- بلى يا رسول اللَّه.

- لِمَ تأخرتم عن أمري؟

قال أبوبكر مبرّراً:

- اني خرجت إلى الجرف ثم رجعت لاُجدد بك عهداً.

وعلّق عمر:

- وأنا لم أخرج.. لا أُريد أن اسأل عنك القوافل.

العنكبوت منهمكة في مدّ الخيوط لاصطياد فراشة الربيع و النبي يحاول تمزيقها:

- انفذوا جيش اسامة.. لعن اللَّه مَنْ تخلف عن جيش اسامة.

تسارعت أنفاس الرسول وكان قلبه يخفق بشدّة و قد عاودته الحمى، و شعر بدوار يعصف برأسه.. حتى غامت الأشياء حوله..

و بكت النسوة.. و كادت فاطمة أن تموت.

أفاق النبيّ من غيبوبته و قد شعر بالخيوط الواهنة تسدّ الطريق على فراشة الربيع فحاول للمرّة الأخيرة:

- أئتوني بدواة و صحيفة لأكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً.

هبّ صحابي ينشد الهداية.. ولكن العنكبوت كانت قد سدّت الطريق أمام فراشة النور.

قال عمر آمراً:

- ارجع لقد غلب الوجع رسول اللَّه... انه ليهجر و حسبنا كتاب اللَّه.

رمق أبوبكر صاحبه بنظرات ذات معنى.

و قال الذي نهض:

- هل أحضر لك الدواة يا نبيّ اللَّه؟

قال النبي بحزن:

- أبعدَ الذي قاله عمر.

واحتجت النسوة من وراء حجاب و كان صوت اُم سلمة واضحاً:

- ائتوا رسول اللَّه حاجته.

هتف عمر بعصبية:

- اسكتن فانكن صواحب يوسف.. إذا مرض عصرتن أعينكنّ واذا صح أخذتن بعنقه.

نظر النبيّ إلى أبي حفص و تمتم:

- هنّ خيرٌ منكم.

و بكى أحد الصحابة، و قد شعر بهبوب العاصفة... و تفرق من كان حاضراً.. ولم يبق مع النبيّ إلّا شاباً لا يفارقه مذ أطلّ على الدنيا وهاهو اليوم الموعود.. يوم تعود فيه النفس إلى بارئها راضية مرضية..

اليوم هو يوم الاثنين.. و «صفر» لا يريد الانطواء إلّا بعد أن يشهد رحيل السلام..

كان عليّ يعتنق الرجل الذي ربّاه صغيراً و علّمه كبيراً وفتح له أبواب الملكوت.. و النبيّ يشدّ على يد فتى شرى روحه للَّه و الرسول.. اللَّه وحده الذي يراقب الأعماق..

كان عليّ كالمذهول. ودّ لو يقيه بروحه... الحياة مريرة دون محمّد. و ما أحلى الموت معه أو دونه.

نهضت «فاطمة» تجرجر نفسها بعناء و تبعها السبطان.. فإنّ للنبيّ والوصي ساعة من وداع بعد رحلة دامت ثلاثة و عشرين سنة..

لحظات كالقرون المتمادية والنبي ينوء بنفسه، يصغي إلى ملائكة الرحمن، ولكن أهل الأرض عن السمع لمحجوبون.. لم يسمعوا شيئاً سوى كلمات هي آخر ما حفظته الأرض من رسول السماء:

- بل الرفيق الأعلى..

وانطلق «محمد» نحو اللَّه يعبر السماوات مخلّفاً جسده بين ذراعي عليّ.. وقد هبّت العاصفة، و حطّم الشيطان أغلاله فراح يوقظ الأوثان العربية.

القسمت 31


المدينة هائجة وقد زلزلت الأرض زلزالها.. فالقلب الذي كان ينبض حبّاً للفقراء والمحرومين قد توقف إلى الأبد... وانقطع ذلك الحبل الممدود الذي يربط السماء بالأرض.. واختفت ظلال جبريل وبدا المسجد خاوياً على عروشه..

العيون تبكي و الحناجر تشرق بالعبرات. ليت السماء اطبقت على الأرض وليت الجبال تدكدكت على السهل.

هل رأيت قطيعاً من الماشية سقط راعيها فراعها خوف من ذئب قد يشدّ عليها فهي تجرى في كلّ اتجاه تبحث عمّن يهبها الطمأنينة حتى لو كان وهماً.

وهل رأيت غريقاً في بحرٍ هائج يتشبث بكلّ شي ء غير الماء حتى لو كان قشّة لا شأن لها..

هكذا كانت المدينة... ذلك النهار العاصف كان أبوحفص زائغ

العينين يبحث عن صاحبه يترقّب حضوره بين اللحظة و الأخرى... همس في نفسه حانقاً:

- ما كان على أبي عائشة أن يذهب إلى «السنخ» في هذه الأيام...

كان منظر «عمر» مخيفاً بطوله الفارع و عينيه المتوقدتين وزادت نظراته الغاضبة هيبته في النفوس فتنحوا عن طريقه و هو يدخل منزل النبي.

كشف عمر عن وجه النبيّ و تمتم بصرامة:

- لقد اغمي على رسول اللَّه.

قال أحد الحاضرين مستنكراً:

- قد مات رسول اللَّه.

أجاب عمر بغضب:

كذبت ما مات ولقد ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران.

غادر عمر المنزل هائجاً ووقف وسط الجماهير و هو يلوح بسيفه:

- ان رجالاً من المنافقين يزعمون ان رسول اللَّه قد مات وانّه واللَّه ما مات ولكنه ذهب إلى ربّه كما ذهب موسى بن عمران واللَّه ليرجعنّ رسول اللَّه فليقطعنّ أيدي رجال و أرجلهم ممن أرجف بموته.

وجد القطيع الممزّق شبحاً لراع فالتفت حوله تلتمس الأمن؛

ووجد الغرقى قشّشا فراحوا يتشبثون.

و عندما يفقد الإنسان الأمل فانه قد يعمد إلى وهم يهبه شكل الحقيقد في لحظد يأس مريرة...

تحلّق الناس حول رجل يبرق و يرعد و يهدّد من يقول بموت الرسول... و ما أجمل ما يقوله «عمر» ان محمد لم يمت و لا يموت حتى يظهر دينه على الدين كلّه.. للَّه درّك يابن الخطّاب.

كان المغيرة ينظر إلى أبي حفص يفكر في لغز استعصى حله عليه.. ارتسمت علامة استفهام كبيرة ما تزال حتى اليوم و ربما إلى يوم الدين.

من بعيد لاح أبوعائشة يحث الخطى.. ولعل «المغيرة» قد لاحظ شيئاً.. فقد بدا الرجل الذي كان يهدد و يتوعد من حوله بالويل والثبور يخفف من حدته.. و انحسرت تلك الزوبعة المدمّرة ليحل مكانها سكون رهيب.

هتف أبوبكر من بعيد:

- على رسلك ايها الحالف.

ثم التفت إلى الأمّة المدهوشة:

- ايها الناس من كان يعبد محمداً فان محمداً قد مات و مَن كان يعبد اللَّه فان اللَّه حيٌّ لا يموت.. و ما محمد إلا رسول قد خلت من

/ 22