و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


وقف التاريخ مذهولاً لكلمات سماوية لكأنها حورية هبطت الأرض تحمل لها قبساً من نجوم السماء.

سكتت فاطمة هنيهةً واستجمعت قوّتها لتهزّ النخلة علّها تساقط رطباً جنيا:

أيّها الناس، اعلموا أنّي فاطمة و أبي محمد أقول عوداً و بدواً، و لا أقول ما أقول غلطاً، و لا أفعل ما أفعل شططاً، لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم، فإن تعزوه و تعرفوه تجدوه أبي من دون نسائكم، و أخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزّى إليه، فبلغ الرسالة صادعاً بالنذارة ماثلاً عن مدرجة المشركين، ضارباً ثبجهم، آخذاً بأكظامهم داعياً إلى سبيل ربّه بالحكمة و الموعظة الحسنة يجفّ الأصنام و ينكث الهام، حتى انهزم الجمع و ولّوا الدبر، حتى تفرى الليل عن صبحه، وأسفر الحقّ عن محضه و نطق زعيم الدين، و خرست شقاشق الشياطين.

و كنتم على شفا حفرة من النار، مذقة الشارب، و نهزة الطامع، و قبسة العجلان، موطئ الأقدام، تشربون الطرق، و تفتاتون القدّ، أذلّة خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم اللَّه تبارك و تعالى بمحمّد صلى اللَّه عليه و آله بعد اللتيا والتي.

ودوّت صرختها توقظ الضمير الذي أخلد إلى الأرض:

أيها المسلمون: أأغلب على إرثي! يا ابن أبي قحافة، أفي كتاب اللَّه ترث أباك و لا أرث أبي، لقد جئت شيئاً فريّاً، أفعلى عمد تركتم كتاب اللَّه ونبذتموه وراء ظهوركم، إذ يقول:(وورث سليمان داوود).

و قال في ما اقتص من خبر يحيى بن زكريا إذ قال: (فهب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب).

و قال: (و أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب اللَّه).

و قال: (يوصيكم اللَّه في أولادكم للذكر مثل حظّ الانثيين).

و قال: (إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً على المتّقين). ة

وزعمتم أن لا حظوة لي و لا إرث من أبي و لا رحم بيننا، أفخصّكم اللَّه بآية أخرج أبي منها؟! أم هل تقولون: إنّا أهل ملّتين لا يتوارثان أولست أنا و أبي من أهل ملّة واحدة؟ أم أنتم أعلم بخصوص القرآن و عمومه من أبي و ابن عمي.

فدونكها مخطومة مرحولة، تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم اللَّه، والزعيم محمّد، و الموعد القيامة، و عند الساعة يخسر المبطلون.

و لا ينفعكم إذ تندمون، ولكلّ نبأ مستقر، و سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه و يحلّ عليه عذاب مقيم.

لقد مات الضمير... دفنه رهط من المدينة في أرض فدك، فراحت البتول تحذّرهم أيام اللَّه:

فدونكموها فاحتقبوها، دبرة الظهر، نقبة الخفّ، باقية العار، موسومة بغضب الجبّار، و شنار الأبد، موصولة بنار اللَّه الموقدة التي تطّلع على الأفئدة، فبعين اللَّه ما تفعلون، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون، وأنا ابنة نذير لكم بين يدي عذاب شديد فاعملوا إنّا عاملون، وانتظروا إنّا منتظرون.

غادرت الزهراء المسجد وقد زلزلت الأرض زلزالها و صرخ رجل غصب ميراث الأنبياء:

- اقيلوني بيعتي...

و نظر الرجال الى حيث كشفت فاطمة آفاق المستقبل فإذا السحب الحمراء مخزونة بالرعود و الأرض ملغومة بالزلازل و أنهار من دمّ، و جماجم وضحايا. وفرّ الإنسان.. ألقى أمانة تهيبت السماوات والأرض عن حمْلها و حمَلها الإنسان انه كان ظلوماً جهولا.

القسمت 38


كما تذوي الشموع في قلب الظلمات... كما تذوب و تسيل دموع التوهج.. كانت «فاطمة» تذوي.. قوامها يزداد نحولاً...

قرّرت فاطمة الصمت و ان تصوم كما صامت مريم من قبل... و أدرك عليّ ان الرحيل و شيك و ان «البيت» الذي بناه من جريد النخل «بالبقيع» سيكون ملجأً لفاطمة... بيتاً للأحزان و الآلام... سيشهد ذلك البيت انطفاء الشموع.. رحيل النجوم... و مصرع شمس أضاءت حياته مدّت بالدف ء.. النور.. الأمل.

سكتت فاطمة. والذين اشتكوا من بكائها لم يعودوا يسمعون انيناً ينبعث من أعماق قلب كسير. لم يعد أحد يسمع نشيجها الّا الذين يمرّون ب«البقيع»..

غابت فاطمة كما تغيب النجوم خلف السحب الدكناء. غابت فاطمة كفراشة تبحث عن الشمس... عن ربيع مضى تطارده رياح شتائية.

غابت فاطمة.. لم يعد أحد يسمع بها.. انها تذوي وحيدة في بيت من جريد النخيل غادرته الحياة.. الملائكة لا تريد حياة الأرض، والحوريات لا تعيش في عالم التراب.. والذين اكتشفوا السماء لن يطيقوا الانتظار...

و عندما يدرك الأنبياء ان مواعظهم لاتجد آذاناً واعية سيتحدّثون بلغة الصمت...

في بيت الأحزان كانت فاطمة تذوب كشمعة متوهّجة تحرق نفسها لتبعث النور والدف ء من حولها... فاطمة تتحدّث بلغة الشموع لغة لا يسبر غورها إلّا فراشات النور. ها هي فاطمة تصرخ بصمت:

- بدويّ صمتي اناديكم.. ثورتي تنطوي في حزني.. و رفضي كامن في دموعي.

و هذا كلّ ما أملكه من لغة... علّكم تفهمون خطابي. انا مظلومة يا ربيّ...

حرّرني من هؤلاء.

ذوت الشمعة... أحرقت نفسها. لم يبق منها إلّا حلقات من نور... آن لها أن تنطفئ. الوجه يشبه قمراً أنهكته ليلة شتائية طويلة بدا مصفرّاً... و كان الصوت واهناً تحمله أمواج حزينة... والدموع غزيرة كمطر سماء غاضبة...

رتبت «اسماء» فراش سيدتها و سيّدة كلّ امرأة في التاريخ...

لم يعد الجسد الواهن قادراً على تحمل روح عظيمة تريد الانطلاق إلى عوالم لانهائية.

وجاء الشيخان يريدان عيادتها و قد أوجسا خيفة...

فاطمة غاضبة... ينشدان رضاها.. رضا السماء و الأرض والتاريخ.

هكذا قال محمّد من قبل ولكن انّى لهما ذلك و فاطمة تكاد تميز من الغيظ..

قال عمر لعليّ و هو يحاوره:

- يا أباالحسن ان أبابكر شيخ رقيق القلب و كان مع رسول اللَّه في الغار.. و قد أتيناها غير هذه المرّة فلم تأذن لنا.. فاستأذن لنا منها

ماذا يقول أبوحفص كيف يفكّر هذان الرجلان.. نهض عليّ جلس عند فاطمة و قال مستأذناً:

- يا بنت رسول اللَّه قد كان من هذين الرجلين ما قد رأيت وقد تردّدا مراراً ورددتهما.. وقد جاءا الآن يسألاني الأذن.

- و اللَّه لا أُكلّمهما حتى ألقى أبي.

- يا بنت محمّد.. اني قد ضمنت لهما الاُذن.

- امّا وقد ضمنت لهما شيئاً فلا اخالفك.

شعر أبوبكر بالأمل يراود قلبه و نظر إلى صاحبه بامتنان.

- السلام عليك يا بنت رسول اللَّه.

-...

- إنّا جئنا نسألك العفو و قد أقررنا بالإساءة.

-...

- ارضي عنا رضي اللَّه عنك.

-...

- لا تحوّلي وجهك عنّا.. انّا نطمع أن يغفر لنا ربّنا...

قالت فاطمة كلمتها الأخيرة:

- ان كنتما صادقين فاخبراني عمّا أسألكما.

- سلي يا بنت رسول اللَّه.

- نشدتكما باللَّه هل سمعتما أبي يقول: فاطمة بضعة مني فمن آذاها فقد آذاني؟

- اللّهم نعم.

رفعت الزهراء يديها امام محكمة السماء:

- اللّهم اشهد فانّهما قد آذياني.. وأني اشكوهما اليك.

انتفض أبوبكر. ودّلو تبلعه الأرض.

- يا ويلي.. يا ويلي.. ليتني لم اتّخذك خليلا. لقد ضللتني عن الذكر بعد إذ جاءني.

أجاب صاحبه و كان فضّاً غليظ القلب:

- لا تجزع يا خليفة الرسول لغضب امرأة.

هتف بمرارة.

- اقيلوني.. فقد ترضى فاطمة.

رمقه عمر بعينين متنمّرتين:

- ماذا تقول يا خليفة الرسول... أترضي فاطمة و تغضب عائشة... والأقربون أولى بالمعروف. ولقد قضي الأمر.

وقف أبوبكر عاجزاً عن صدّ الرياح وهي تعدو مجنونة تهزّ شجرة غرسها رسول السماء تريد أن تجتثها من فوق الأرض.

وقف الخليفة عاجزاً عن توجيه قافلة التاريخ الجهة التي أرادها سيّد التاريخ وهاهو يتّخذ طريقه في الصحراء سربا.

و تمرّ الأيام و الرياح المجنونة التي تريد اجتثات شجرة غرستها السماء في الأرض... تكاد تأتي على شمعة تسيل دموعها قطرات حزينة... ولسوف تنطفئ بعد حين.

القسمت 39


هوت الشمس.. اشتعلت حمرتها في الاُفق كجراح الشهداء... و شيئاً فشيئا زحفت كتائب المساء و لملمت الشمس خيوطها و رحلت بعيداً.. و ظهرت نجيمات تومض بأمل و فاطمة مشغولة دبّت في جسدها عروق الحياة.. قالت لاسماء بسكينة:

- اسكبي لي غسلاً.

فرحت اسماء و هي ترى سيدّتها تقبل على الحياة تخطو نحو العافية.

اغتسلت فاطمة... تطهّرت من أدران الأرض وارتدت ثياباً جدداً.. و تعطّرت بكافور كان جبريل قد أهداه إلى أبيها...

قالت فاطمة وقد شاعت ابتسامة في وجهها.

-افرشي لي وسط البيت...

فاطمة تستعد للرحيل... لم يكن في البيت أحد سوى اسماء...

اسماء تراقب فتاة تشعّ نوراً كلما اشتدت ظلمة الأرض.

قالت فاطمة قبل أن ترقد:

- يا أسماء أنا استقبح ما يفعل بالمرأة بعد الموت يطرح عليها ثوب فيصفها للناظر... ألا تصنعين لي شيئاً يسترني.

أجابت اسماء تطيب خاطرها:

- كنت بأرض الحبشة فرأيتهم يصنعون شيئاً فان أعجبك صنعت لك مثله.

هزّت فاطمة رأسها موافقة.. و راحت تراقب اسماء و قد تدفّقت ينابيع الأمل في قلبها الكسير.

أحضرت السماء سريراً فأكبّته على وجهه ثم جاءت بجريد النخل و أوصلت بين قوائمه و شدّتها بحبال من الليف... ثم ألقت عليه غطاءً.

بان الرضا في وجه حورية الأرض وابتسمت:

- نعم اصنعي لي مثله.. ما أجمل هذا يا اسماء... استريني سترك اللَّه.

تمدّدت فاطمة في فراشها ثم وضعت يدها تحت خدّها.. أغمضت عينيها ونامت... و كانت اسماء قد سمعتها تتمتم بصوت ملائكي:

- السلام على جبريل. الهي في رضوانك و جوارك ودارك دار السلام.

/ 22