و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


اختارته السماء رسولاً إلى الأرض المنكوبة.

الرجل الذي اكتسبت يثرب مجدها به جائع.. يشد حجر المجاعة إلى بطنه لايجد شيئاً يأكله حتى ذكرته فاطمة على حين غفلة من أهل يثرب.

غابت الشمس، وفاحت رائحة الخبز في فضاء المدينة و توهجت المواقد في البيوت تمنح الصائمين الدف ء و الشبع.. و النبي في خندقه يصلّي للَّه:

- ربِّ انى لما أنزلت إليَّ من خيرٍ فقير.

وجاءت فاطمة من بعيد تحمل اليه قلبها و خبزاً انضجته قبل قليل.

شاعت البهجة في وجه النبيّ.. بهجة تشبه بهجة الحواريين يوم نزلت اليهم مائدة من السماء.

و فاطمة حوراء أنسية جاءت تحمل له الخبز والدف ء والشبع. تمتم النبي:

- واللَّه ما دخل جوفي طعام من ثلاث.

عادت فاطمة إلى منزلها... تكفكف دموعها.. تبكي الرجل الذي حمل مشعل السماء إلى الأرض يريد له أن يبقى مضيئاً بوجه العاصفة القادمة.

القسمت 21


انطوت ليالى رمضان وابتسم هلال شوال يحمل للقلوب فرحة عيد الفطر... وامتزجت فرحة العيد بفرحة اُخرى.

لقد أتم الرسول والذين آمنوا حفر خندق امتد خمسة آلاف ذراع وعرض تسعة أذرع و عمق سبعة أذرع.

تجمع بعضهم فوق التلال المشرفة وراحوا ينظرون إلى عمل انجزته الإرادة.. إرادة الإنسان الذي اضاءت نفسه شعلة سماوية.

- أيّة قوة أنجزت هذا العمل العظيم؟

- انها قوة الإيمان يا أخي.

- أجل.. المؤمن أقوى من الجبل.

ابتسم هلال شوال يعلن نهاية رحلة الجوع والظمأ... وعاد المؤمنون يحملون معاولهم و قد نفضوا تراب يومٍ حافلٍ بالعمل.

عسكرت جيوش مكّة في «مجمع الاسيال» بين «الجرف»

و «زغابة».. و عسكرت غطفان ب«ذنب نقمى» في الجهة الغريبة من جبل اُحد... و كان حيّ بن أخطب من سلالة السامريّ يكيد من أجل احتلال يثرب و قتل النبي الأمي الذي يجده مكتوباً في التوراة... في أعماقه يتردد خوار عجل.. عجل عبدوه من دون اللَّه.

تحطمت أحلام أبي سفيان أمام خندق لم يكن ليخطر على باله يوماً.

تمتم حانقاً و هو يهمز فرسه بالسوط.

- مكيدة لا تعرفها العرب.

- انها من تدبير ذلك الفارسي.

- لا يمكن اقتحام الخندق أبداً.

- ليس أمامنا سوى ضرب الحصار.

حل المساء.. و رياح الشتاء تهب من ناحية الشمال.. رياح تخترق الجلد و تصلّ في العظم.. جلس أبوسفيان قبالة النار المشتعلة والريح تعبث بأطراف الخيمة و كانت ظلاله تتراقص فوق وبر الخيمة كشيطان مريد..

تمتم عكرمة و هو يحاول كسر الصمت الجاثم:

- انهم بعيدون عن مرمى النبال.

أجاب أبوسفيان و هو يحدق في المجمر:

- ابحثوا عن ثغرة لاقتحام الخندق فإطالة أمد الحصار ليس في صالحنا.

علق عمرو بن العاص:

- أنا لا أثق بقريظة انهم يطلقون أقوالهم جزافاً، و إلّا فأين أفعالهم... ألف مقاتل في خاصرة يثرب.. و هم ما يزالون يختبئون خلف حصونهم.

قال عكرمة يائساً:

- و لا تنس قبائل غطفان.. انهم يلوحون بالصلح مع محمد مقابل حفنة من التمر.

صرخ أبوسفيان هائجاً:

- و هل جاءوا إلّا من أجل ذلك...

سكت هنيهة و أردف و قد التمعت عيناه ببريق مخيف:

- غداً سأحسم الأمر.

اطلّ الصباح بارداً برود الموتى، و قد بلغت القلوب الحناجر...

كان «العامري» يجول بفرسه في «السبخة» بين الخندق و جبل «مسلع».. لقد تمكّن مع قوّة من فرسانه من اقتحام الخندق.

أمر النبي مفرزة من قواته بقطع طريق العودة.

صرخ الفارس المعلَّم بكبرياء:

- هل من مبارز..

وخيم صمت رهيب و كانت القلوب الخائفة تدق بعنف كطبول الحرب.

- هل من مبارز.. ألا من مشتاق إلى جنته؟!

وقهقه فرسان كانوا ينظرون اليه باعجاب و نهض عليّ للمرة الثالثة يطلب المواجهة فأذن له الرسول.. و تقدّم فتى الإسلام.

رفع النبي يديه إلى السماء.. إلى عالم لا نهائي:

- اللّهم انّك أخذت منى عبيدة يوم بدر و حمزة يوم اُحد و هذا عليّ أخي و ابن عمّي فلا تذرني فرداً و أنت خير الوارثين.

ثم تمتم و هو يشيّع عليّاً بنظراته:

- برز الإيمان كلّه إلى الشرك كلّه.

وتقابل فارس و راجل؛ مشرك و مؤمن.

- من أنت؟

- على بن أبي طالب.

- ليبرز إليَّ غيرك.. اني أكره أن اقتُلك..

لقد كان أبوك صديقاً لي.

- لكني أحبُّ أن اقتلك.

قال «ابن ودّ» وقد لاحت له طيوف من بدر يوم التقى الجمعان:

- أكره أن أقتل رجلاً كريماً مثلك.. ارجع خيرٌ لك.

أجاب عليّ بعزم:

- ان قريشاً تتحدّث عنك انّك تقول:

لا يدعوني أحد إلى ثلاث خلال إلّا أخذت واحدة منها.

- أجل.

- فإني أدعوك إلى الإسلام.

- دع عنك هذه وهات لى غيرها.

- ادعوك إلى أن ترجع بمن تبعك من قريش إلى مكة.

- اذن تتحدث عنى نساء مكة ان غلاماً خدعنى.

- أدعوك إلى القتال راجلاً.

اشتعل غضب متأجج في عينيه، واقتحم عن فرسه... واحتدم الصراع بين سيفين؛ سيف الإسلام و سيف الجاهلية... الإيمان و الكفر... الغضب السماوي و الحمية.. حمية الجاهلية... و كان الرسول يدعو:

- اللهم لاتذرنى فرداً و أنت خير الوارثين.

وهوى سيف كصاعقة غاضبة... ليسقط رجل اقتحم الخندق على حين غفلة...

وعاد على وبشائر نصر عظيم تموج فوق وجهه.

هتف عمر مدهوشاً:

- هلا سلبته درعه فانه ليس في العرب درعٌ مثلها.

أجاب على وقد أطلّ الإنسان من عينيه:

- استحييت أن أكشف سوأته.

وفي حصن «فارع» كان حسّان مع النسوة و الأطفال.. و قد بلغت القلوب الحناجر.

كانت رائحة الغدر تتصاعد من حصون بني قريظة.

جلست فاطمة قرب صفية تراقبان شوارع المدينة. فجأة، لاح الخطر... عينان يهوديتان تتلصصان ورائحةُ الغدر تزكم الانوف.

هتف صفية:

- يا حسان هذا يهودي يطوف حول الحصن كما ترى فانزل اليه واقتله.. والّا دلّ علينا.

أجاب حسان وهو يبلع ريقه:

- غفر اللَّه لك يا ابنة عبدالمطلب

نهضت صفية و قد أخلد حسان إلى الأرض. شدت وسطها. كانت فاطمة تراقب ملامح لحمزة في وجهها في عزمها و الإيمان الذي غمر قلبها.

هبطت صفية درجات الحصن وفي قبضتها عمود.

ودوّت ضربة هاشمية على رأس «السامريّ».. و شخصت العينان و بريق الغدر يخبو شيئاً فشيئاً...

هتفت صفية:

- يا حسان انزل اليه و اسلبه.

تشبث حسان بالأرض، وقد ذعر الجرذ القابع في أعماقه.

القسمت 22


الخيول تدك بسنابكها الأرض على طول الخندق و قد مضت اسابيع ثلاثة... كان مع النبي ثلاثة آلاف.. ولكن ثلاثة أسابيع من الخوف و الرعب كافية لامتحان إرادة الإنسان... في المساء و عندما يخيم الظلام تنسل أطياف كالاشباح.. و قد ابتلي المؤمنون و زلزلوا زلزالاً شديداً.. و رفع «ابن قشير»- و كان رجلاً ذا وجهين- عقيرته:

- محمّد يعدنا كنوز كسرى و قيصر.. وأحدنا اليوم لايأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط.

مضت أسابيع أربعة.. ولا شي ء سوى مناوشات بالسهام.. والرياح ما تزال تعصف بشدّة.. تمزّق الخيام و تقلب القدور و تطفي النار.. و لم يبق مع النبي إلا تسعمئة من الذين امتحن اللَّه قلوبهم بالتقوى.

و في ليلة سوداء كسواد الكحل مدّ الرسول كفيه إلى السماء ينشد

نصر اللَّه:

- اللّهم منزل الكتاب، سريع الحساب اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم و انصرنا عليم و زلزلهم اللهم ادفع عنّا شرّهم، وانصرنا عليهم، واغلبهم لا يغلبهم غيرك .

أضاءت نجمة في السماء.. و قد غضبت الريح فراحت تعدو مجنونة بين القبائل.

قال النبي و قد استدعى «حذيفة»:

- اذهب فادخل في القوم فانظر ماذا يفعلون و لا تحدثن شيئاً حتى تأتيني.

وانطلق «حذيفة» عبر الخندق و تسلل بين خيام مزّقتها رياح الشتاء.. كان الظلام دامساً وراح يتلمس طريقه إلى خيمة أبي سفيان حيث تحاك خيوط العناكب.

دس حذيفة نفسه في زاوية مظلمة و أخذ مكاناً بين رجلين كانا يحدقان بأبي سفيان . قال صخر بن حرب متوجساً:

- يا معشر قريش ليتعرف كل امرئ جليسه واحذروا الجواسيس والعيون.

هتف حذيفة وهو يشدّ على يد جليسه:

- مَن أنتَ؟

- معاوية بن أبي سفيان.

- وأنت؟

- عمرو بن العاص.

خفتت الأصوات و قد بدا حذيفة كأحدهم. قال أبوسفيان:

- يا معشر قريش انكم ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف... واخلفتنا بنوقريظة العهد ولقينا من شدّة الريح ما ترون.. ما تطمئن لنا قدر و لا تقوم لنا نار و لا يستمسك لنا بناء فارتحلوا فاني مرتحل.

انفجرت السماء بالصواعق.. وهطلت الأمطار غزيرة.. وهبت الرياح شديدة.. تجتثّ الخيام و تبثّ الرعب في القلوب...

فكر «طلحة بن خويلد» أو لعلّه راى أشباحاً تعبر الخندق فهتف مذعوراً:

- انّ محمداً قد عبر اليكم باصحابه... فالنجاة النجاة.

تمزقت جيوش الأحزاب؛ مزقتها الرياح و جنود لم يروها حتى اذا أطلّ الصباح كان كلّ شي ء هادئاً في الجانب الآخر من الخندق.

وأرسل النبيّ «حذيفة» مستطلعاً فاذا كل شي ء يشير إلى هزيمة ساحقة.. الخيام الممزقة متناثرة هنا و هناك.. و أكوام التبن.. ومواقد منطفئة و قدور منكفئة.. والرماد يغطي الأرض الموحلة، وعاد

/ 22