و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




المخادع بكفيه... وعواء ذئب جائع يضج في صدره اللاهث.. ضاع السامري بين آثار الجمال و الحمير لايعرف له وطناً سوى تلك البقعة التي خسفت بقارون و خزائنة الزاخرة بالذهب الأصفر.. في أعماقه اُمنيات لعجل جديد يعبده من دون اللَّه؛ لا تكفيه بقعة واحدة. يريد أن يبتلع سيناء و أرض كنعان، و بابل و رمال جزيرة العرب.


وحط السامري رحلة هنا و هناك من أرض الجزيرة وراح يبني الحصون والقلاع و ينهب الذهب، القبائل العربية تعبد أصناماً من حجارة تنحتها بأيديها أو أشجاراً ذات رقاع، وابناء السامري يعبدون عجلاً من ذهب يخطف الأبصار، يظلون عليه عاكفين حتى جاه محمد.


توقف التاريخ يحبس أنفاسه عند حصون بني النضير فقد جاء محمد ومعه جمع من أصحابه يطالبهم بالوفاء وهم جبلوا على الغدر؛ يبتسمون لمن يدعوهم فيكشرون عن أنياب تنزّ صديداً.


قالوا وقد رأوا النبي عند الحصن في قلة ودونما سلاح.


- نعم يا أباالقاسم نعينك على ما أحببت.


وجلس النبي ينتظر الوفاء.


وخلف جدران الحصون والقلاع ولدت مؤامرة.


اجتمع ابناء السامري... العيون تبرق بالغدر:


- هذه فرصتنا للقضاء على محمد.


- أجل نتغدى به قبل أن يتعشى بنا.


- انطلق يا «عزوك» فتحدث معه و أطل الكلام.


- و أنت يا «جحاش» اصعد فوق الحصن والق عليه (رحى الطاحون).


حاكت العناكب شباكها على عجل. غير أنّ النبيّ الأمي الذي يجدون اسمه في التوراة يعرف ما يجول في خواطرهم فغادر الحصن وجاء المدينة يسعى.


و حوصرت حصون السامري عشرين يوماً حتى تهاوت جميعاً وقتل على «عزوك» ولملم بنو النضير شباك العنكبوت و رحلوا... رحلوا بعيدا و تنفس النبي والذين آمنوا الصعداء؛ وتمت كلمة ربك بالحق و قيل بعداً للقوم الظالمين.


وعادت يثرب مدينة منورة يكاد سنا نورها يضى ء التاريخ.


القسمت 19



الحياة في يثرب ينابيع متدفقة، و الأمل ينمو.. يكبر.. غدا شجرة خضراء أصلها ثابت و فرعها في السماء، والذين نصروا النبي يعملون دائبين في زروعهم، يرعون ماشيتهم. والذين هاجروا وجدوا لهم متسعاً من مكان في الأرض و في القلوب و غدا الجميع اُخوة على دين واحد كلهم من آدم و آدم من تراب، والرسول لا يفتأ يؤلّف بين القلوب.. يغسل عنها أدران الجاهلية.


على يعمل.. يسقى الزرع أو يفجر الأرض ينابيع، فيحصل لقاء ذلك صاعاً من شعير أو تميرات من نخيل يثرب.


كانت شمس الأصيل تغمر مسجد النبي بأشعتها الذهبية، ومساقط الضوء تتناثر من بين جريد النخل كدنانير ذهب نثرت فوق عروس.


جلس النبي في قبلته بعد ان انفتل من الصلاة و قد تحلّق حوله


أصحابه فبدا كقمر وسط النجوم، والزمن نهر يتدفق... تتدافع قطراته بانتظام...أو رحى كبيرة تدور و تدور، تهب السنين لمن يشاء و من لا يشاء. تفتح عيون الأطفال و تغمض عيوناً متغضنة الأجفان، تشدّ أعواد الشباب و تقوس قامات الكهول، فالجميع إلى زوال و يبقى وجه اللَّه... اللَّه وحده.


دخل المسجد شيخ عصف به الزمان. نحت وجهه و مزق ثيابه، يدب على الأرض دبيب نملة تبحث عن رزقها في يومٍ بارد.


هتف الشيخ و هو يتطلع إلى النبي كأنما يتطلّع إلى شمس تهب النور والدف ء:


- يا نبي اللَّه أنا جائع.. عريان.. اشبعنى واكسني.


أجاب النبي و قلبه يذوب تأثراً:


- ما أجدُ لك شيئاً.. ولكن الدالّ على الخير كفاعله... انطلق إلى من يحب اللَّه و رسوله، و يحبه اللَّه و رسوله، يؤثر اللَّه على نفسه.. انطلق إلى فاطمة..


التفت النبي إلى بلال:


- قم يا بلال.. فخذه إلى منزل فاطمة.


وقف الشيخ على باب يغضى إلى عالم من أمل.. عالم يهب الخير للجياع.


هتف الشيخ بصوت واهن ينوء بعب ء السنين:


- شيخ عصف به الدهر و أضر به الفقر.. واسينى يا بنت محمد. نظرت فاطمة حواليها.. لم تجد شيئاً تسعف به انساناً ينتظر بأمل. كان هناك في زاوية الحجرة جلد كبش مدبوغ، فطوته و ناولته الشيخ:


- خذه، فعسى اللَّه أن يختار لك ما هو خيرٌ منه.


دقّق الشيخ النظر و تمتم:


- و ما أصنع بجلد كبش يا بنت محمد!


وأصعب شي ء أن تهب المرأة زينتها... اساور من ذهب أو فضّة أو عقداً من لآلئ البحر، ولكن هناك ما يضى ء في نفس المرأة و يتألق في أعماقها تألق اللؤلؤ في الأصداف.


انتزعت فاطمة عقداً كان في عنقها و ناولته الشيخ الملهوف:


- خذه يا شيخ.. عسى اللَّه أن يعوضك به ما هو خيرٌ منه.


عاد الشيخ الهوينى إلى المسجد... كان النبي ما يزال جالساً بين أصحابه، قال الشيخ:


- يا رسول اللَّه أعطتني فاطمة هذا العقد و قالت بعه عسى اللَّه أن يصنع لك به خيرا.


دمعت عينا النبي:


- كيف لا يصنع اللَّه لك! و قد اعطتك ايّاه سيدة بنات آدم.


سأل عمار و كان حاضراً:


- بكم تبيع العقد يا شيخ؟


- بشبعة من الخبز و اللحم، و بردة يمانية استر بها نفسي و اُصلي بها لربى.


ملأ الشيخ كفيه دنانير من ذهب و دراهم من فضة فهتف جذلاً:


- ما أسخاك بالمال يا رجل!


غاب الشيخ برهة ثم عاد و بريق أمل يشع من عينيه، و كلمات الدعاء و تمتمات الثناء تنساب من بين شفتيه فقد أغناه اللَّه بعد فقر و أشبعه بعد جوع و كساه بعد عرى.


انطلق عمار إلى منزله.. فسكب عطراً غالياً على العقد ثم لفه


ببرده يمانيه و قال لفتاه و كان اسمه سهم:


- انطلق إلى فاطمة و سلمها العقد و أنت لها.


و انطلق سهم كسهم يجتاز البيوت حتى اذا وقف على باب فاطمة:


- السلام عليك يا بنت رسول اللَّه... العقد وأنا لك يا بنت محمد.


- العقد لى و أنت حرٌّ لوجه اللَّه.


كاد الفتى يطير فرحاً.. كان يفكّر بالحريّة.. يحلم بها.. وهاهي


اللحظة التي كاد أن ينساها تتحقق فيدخل الدنيا حرّاً طليقاً.. انه لن ينسى أبداً فاطمة... السيدة التي أعادت اليه شيئاً غالياً فقده منذُ زمن.


عاد مهرولاً و الفرحة تطفو فوق وجهه جبينه مشرق وفمه كهلال عيد الفطر. وجد نفسه يعود إلى عمار، هتف عمار:


- ما يضحكك يا سهم؟


- أضحك لبركه هذا العقد... اشبع جائعاً و كسى عرياناً وأغنى فقيراً واعتق عبداً ثم عاد إلى صاحبه.


و عندما أوت الطيور إلى أعشاشها... و عاد المزارعون إلى بيوتهم وساق الرعاة غنيماتهم... في طريق العودة و قد غابت الشمس... لتتألّق النجوم في صفحة السماء و يشرق القمر... كانت حكايات السمر تتحدث بقصة عقدٍ مبارك وهبته بنت محمد ثم عاد اليها بعد أن مست بركته جياعاً و عراة و عبيداً... و هبتهم الخبز و الكساء و الحريّة.


القسمت 20



مضت خمسة أعوام على هجرة النبي... والمدينة ما تزال تنعم ببركات السماء.. تبني و تزرع و تنتج و تقدم إلى العالم الكلمة الطيبة ولكن قريشاً واليهود يفكرون باجتثاث شجرة غرستها السماء ليعود الناس القهقرى إلى زمان لا عودة اليه..


دخل فصل الشتاء.. و رياح باردة تهب من ناحية الشمال، الغيوم تتجمع في السماء.. ثم سرعان ما تتبدد.. تاركة الأرض عطشى و الزروع أيدى متضرعة تنشد المطر، العواصف تشتد يوماً بعد آخر و لا قطرة مطر...


وهناك رياح اُخرى.. رياح جاهلية تهب من ناحية الجنوب.. قريش تعد العدة لغزو المدينة.. و السامري الذي حطّ رحلة في خيبر يخطط لإطفاء النور في جزيرة العرب. اشتعلت في القبائل حمى السلب و النهب... و يثرب لقمة دسمة.. و كذلك سول لهم السامريّ..


دقّت طبول الحرب بين مضارب القبائل و سيوف الغدر تشحذ، تومض في بطون نجد وكنانة و قريش تطرب على رقصة الحرب و هند تلوك كبد حمزة، و أبوسفيان يحلم بالمجد.. يهتف: اعل هبل.


رياح الشتاء ما تزال تعصف بالمدينة و الغيوم تعبر السماء كسفن تائهة، حل شهر رمضان، القى رحله في الجزيرة غريباً لا يعرفه أحد إلّا في أرض طيبة..


صامت يثرب للَّه.. امتنع أهلها عن الأكل و الشرب.. وصامت جوارحهم... و المعدة توقفت عن الانبساط و التقلّص.. فانتفض القلب يخفق بقوّة.. واستيقظ العقل من سباته متوتراً.. يرى ما لا تراه العيون.. و يدرك ما لا تدركه الأبصار...


جاء رمضان يعلّم الإنسان كيف يجوع فينتصر. كيف يظمأ لتولد إرادته.. كيف يهزم الوحش القابع في داخله لينتصر الإنسان المضطهد في الأعماق.. رمضان نهرٌ يجري.. تتدافع أمواجه برفق. يغسل القلوب من الدرن.. يعيدها بيضاء بيضاء كحمائم بريّة تطير في الفضاء.. خفيفة حرّة تسبح في ملكوت اللَّه.


الرياح الباردة ما تزال تهب من ناحية الشمال... و الغيوم ما تزال تفرّ مذعورة باتجاه الجنوب... و لا قطرة مطر والعام عام جفاف... والرسول يشد على بطنه حجر المجاعة، و يصغى إلى انباء تأتي من


ناحية الصحراء


- انهم عشرة آلاف مقاتل.. قبائل غطفان و قريش و كنانة.. و قد نقض «بنوقريظة» العهد و هم داخل المدينة.. ألف خنجر في خاصرة يثرب.


- و هناك أعداء موجودون بيننا لا نعلمهم. اللَّه يعلمهم.


- كفانا اللَّه شرّ المنافقين.


- يثرب في خطر.


- انهم يزحفون باتجاه المدينة من فوقنا و من أسفل منّا.


- لا تنسوا اللَّه فينساكم.. و اذكروه يذكركم و يثبّت أقدامكم.


وفي المسجد كاد اليأس يعصف بالقلوب المؤمنة والقلق يزعزع شجرة غرسها النبي لتؤتي اُكلها كل حين بإذن ربِّها.


وبعد حيرة و وجوم نهض رجل من أهل فارس.. يلوح بطوق نجاة ليثرب فالطوفان قادم:


- يا رسول اللَّه إنا كنا بأرض فارس اذا خفنا العدو خندقنا.


فكرة لم تكن العرب لتعرفها. هتف الأنصار:


- سلمان منا.


وردّد المهاجرون:


- سلمان منّا.


و تنازع الفريقان رجلاً جاب الأرض بحثاً عن رجل يدعى محمد.


هتف النبيّ و قد رنت اليه العيون:


- سلمان منّا أهل البيت.


رياح الشتاء تعصف بعنف... و العام جفاف و البطون خاوية.. ولكن الإرادة التي ايقظها رمضان تكاد تلوى التاريخ...


من الشمال ستهب عاصفة الأحزاب. ضرب النبي الأرض بمعول من حديد و ببأس شديد؛ وهوت المعاول تفتت الأرض على طول خمسة آلاف ذراع و عرض تسعه أذرع و عمق سبعة أذرع.


ومرت الأيام و الرياح ما تزال تهبّ شديدة البرودة و الأجساد تذوى لاتجد ما يسدّ رمقها.. ولكن الإرادة كانت تشتدّ.. تفتت الصخور و تغوص في أعماق الأرض، فأسراب الجراد قادمة.. تريد أن تحيل كل ما هو أخضر إلى يباب لاشي ء فيه إلّا سراب يحسبه الظمآن ماء.


جلس النبي ليستريح قليلاً... جفف حبات عرق كانت تتألّق فوق جبينه وبدا معوله قطعة نادرة أو كنزاً منحته الأرض... شدّ حجر المجاعة إلى بطنه أكثر.. ثلاثة أيام تمر و هو لا يجد شيئاً يطعمه.


لم يذكره أحد.. الجوع و البرد و الاعياء هواجس الصحراء تنسي المرء أقرب الأشياء اليه ولكن فاطمة لم تنس الرجل الذي


/ 22