و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


يتبعه كظلّه.. يدفع عنه أذى السفهاء من قريش و نسيت فاطمة كلّ شي ء بعد أن ناداها أبوها فخفّت اليه كحمامة بريّة تهفو إلى عشّها.

ابتسمت فاطمة... فانعكست ابتسامتها في وجه أبيها.. ابتسم محمّد.. أشرقت على قلبه شمس تغمره بالدف ء و الأمل والحياة.. يالهذه الحورية الصغيرة ذكرى خديجة.. وباقة ورد من جنّات السماء.

جلست فاطمة بين يدي والدها النبيّ زهرة تتفتح.. تتشرب كلمات اللَّه. و تضي ء الكلمات قلبها كنجوم في سماء صافية.

و تمر ثلاثة أعوام. و نمت فاطمة.. و تفتحت للحياة كما تتفتح الأزهار في الربيع.

القسمت 3


شي ءٌ يلوح في سماء مكة.. لعلها خيوط مؤامرة تحوكها قريش كما تحوك العنكبوت بيتاً هو أهون البيوت.

أبوجهل بدا مربّد الوجه غاظه محمد.. وقد أصبح حديث العرب في الجزيرة.. السياط تنهال على فقراء المسلمين، و الإسلام ينتشر كنهر دافق تنثال مياهه على الشطآن الرملية.

و أبوجهل لايروق له ذلك. غاظه رحيل محمد إلى الطائف يدعو قبائلها إلى دينه، و أفقده صوابه أن يبايعه رجال من يثرب...

لقد مات أبو طالب و انتهت زعامته.. و اختفت خديجة و تبددت ثروتها.. و آن لمحمّد أن يموت ليمت هذا المتمرّد الذي يريد تحطيم الأصنام آلهة الآباء و الأجداد و حارسة قوافلنا و مصدر هيبتنا؛ ولكن كيف السبيل إلى قتل محمّد.. إنه لمخ يعد وحيداً.. يحوطه رجال أشدّ من الحديد بأساً.. انّه لا ينسى صفعة حمزة صياد الاُسود. ولكن

حمزة قد فرّ من مكة. ترك ابن أخيه وهاجر. و اذن فان كل شي ء مهيأ للضربة القاضية. و يالها من فكرة رهيبة تفتقت عن شيطان مكّة.

شمت «فاطمة» عبير الوحي ورأت أباها وجبينه يتصبب عرقاً.. اكتنفه جبريل يسرّه كلمات عظيمة يكشف له خيوط العنكبوت.

غمر الليل مكة. ملأ أزقّتها بظلمة مخيفة؛ و بدت النجوم وهي تومض من بعيد لآلئ متناثرة فوق عباءة سوداء..

تقاطر رجال من مختلف القبائل يخفون سيوفاً و خناجر كأشباح، الليل كانوا يمرقون خلف أبواب مكة الموصدة و أبوجهل ينتظر اللحظة الحاسمة. لسوف يغمد شباب مكّة سيوفهم في قلب محمد و ينتهي كل شي ء.. و سيرى الحيرة بادية على وجوه بني هاشم... لقد قُتل محمد وضاع دمه.. تفرّق بين القبائل.

كان أبوجهل يعبّ خمرته منتشياً بفكرته.. ستبقى مكة تتحدث في أنديتها عن فطنة أبي جهل.

فرك شيطان مكة يديه وراح ينظر من خلال كوة تفضي إلى زقاق ملتوٍ منتظراً عودة فتيانه.

تمتم النبيّ بخشوع و قد استدعى ابن عمه عليا:

-«وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك... و يمكرون و يمكر اللَّه و اللَّه خيرُالماكرين».

أن يصمد الرجال في المعارك يقاتلون حتى النفس الأخير فتلك شجاعة فريدة تدعو إلى الاعجاب.. ولكن أن يقدّم المرء نفسه للموت تتخطفه سيوف و خناجر فهذا لا يمكن أن تستوعبه أبجدية ما مهما بلغت من دقة التعبير وسمو المعنى.

همس علي و هو يصغي إلى حديث رجل رافقه أكثر من عشرين سنة.

- أو تسلم يا رسول اللَّه ان فديتك بنفسي؟

- نعم بذلك وعدني ربي.

كان عليّ حزيناً فمكة تتآمر على قتل انسان بعثته السماء لخلاص الأرض، ولكن حزنه تبدل إلى فرحة كبرى فتقدم إلى فراش النبي بخطى هادئة و التحف ببردته ينتظر السيوف التي ستمزّقه و ستتدفق دماؤه نقية طاهرة ترسم فوق الأرض قصة رائعة من قصص الفداء.

كانت الأشباح المخيفة تتلصص من خلال شق في الباب فترى محمداً ما يزال يغطّ في نومه هادئاً.

- ما يزال نائما.

- ولن يستيقط بعد الليلة أبداً.

- سأغمد خنجرى في قلبه.

- هذا الذي يسخر من آلهتنا.

تطلّع أحدهم من شقّ الباب و عاد ليطمئن أصحابه:

- ننتظر حلبة شاة ثم ندهمه.

مثل طيف ملائكى انسل النبي من بيته مهاجراً متجهاً صوب الجنوب لايلوى على شي ء، و هو يدعو اللَّه أن يحمي فتى الإسلام على:

- ربِّ اجعل لي وزيراً من أهلي.

لم يخالج النوم عيني فاطمة تلك الليلة. هاهو والدها العظيم يودّع مكة خائفاً يترقّب... لا تدري عن مصيره شيئاً، و في فراشه ينام فتى أبي طالب سوف تتخطفه سيوف القبائل... و الليلة حبلى بالمفاجآت. ووجدت فاطمة نفسها تتضرع إلى اللَّه أن ينصر أباها كما نصر موسى من قبل و أن يحمى ابن شيخ البطحاء.

اقتحمت الضباع منزل النبي، و كانت السيوف و الخناجر تتجه إلى رجل نائم ملتحفاً برداً حضرمياً أخضر.

هبّ الفتى من فراشه كأسد غاضب وانتزع سيف أحد المهاجمين الذين تسمّروا في أماكنهم لهول المفاجأة. صرخ أحدهم:

- أين محمد؟

وجاءه الجواب ثابتاً ثبات جبل حراء:

- لست عليه وكيلاً.

تنفس الصبح و استيقظت مكة على أنباء مثيرة. لقد أفلت محمد وهاهو الان في طريقه إلى يثرب وانطلق فرسان أشداء يجوبون

الصحراء بحثاً عن رجل شريد.

لا أحد يعلم عن مكان النبي إلا فتى في العشرين من عمره، عاد لتوه من غار في جبل ثور حيث ودع النبي بعد أن أمن الطلب؛ عاد علي ينفض عن نفسه غبار الطريق و يفكر في وصايا النبي. لقد بقيت عليه مهمة واحدة أن يؤدى الأمانات إلى أهلها و يحمل الفواطم وضعفاء المسلمين إلى يثرب...

ابتاع على «إبلاً»، وأسر إلى والدته فاطمة بنت أسد أن تتهيأ للهجرة و تخبر فاطمة بنت محمد و فاطمة بنت حمزة و فاطمة بنت الزبير.

تحركت قافلة الفواطم يقودها على ماشياً و التحقت بالركب اُم أيمن و أبو واقد.

و تسلل ضعفاء المسلمين ليلاً إلى «ذي طوى» حيث واعدهم على هناك.

كان أبوواقد يسوق الركب سوقاً حثيثاً، و أدرك على ما يموج في أعماق أبي واقد من الخوف و الهلع فقريش لن تغفر له ذلك أبداً.

هتف على مهدئاً:

- إرفق بالنسوة يا أبا واقد.

وقرب (ضجنان) لاحت للقافلة ثمانية فرسان يثيرون الغبار... كانوا ملثمين و عيونهم تبرق بالشرّ.

صاح عليّ بأبي واقد وأيمن:

- انتحيا بالإبل واعقلاها.

الصحراء مدّ البصر تموج بالرمال و عليّ الذي أنهكه المشي هو رجل القافلة الأوّل فتى تعدّى العشرين بثلاث. كانت العيون تتجه اليه أمه تراقبه متوجسة. و بنت محمد تخاف عليه سيوف أعداء أبيها، و أبوواقد لا حول له و لا قوة. وقف على وعيناها تقدحان شرراً.

هتف فارس لم يكتشف علياً بعد:

- أظننت يا غدار انك ناجٍ بالنسوة.. ارجع لا أبا لك.

- فإن لم أفعل؟.

- لترجعن راغماً.

ودنا أحدهم من النوق لإثارتها. فاعترضه عليّ وهوى بسيفه وسقط الفارس فوق الرمال.

تسمر الفرسان. لقد أخذتهم المفاجأة. انهم لم يروا في حياتهم ضربة كهذه. صاح أحدهم و قد رأى الفتى يستعد للهجوم:

- احبس نفسك عنّا يا ابن أبي طالب.

وهكذا دخل عليّ دنيا الفروسية، كما دخل دنيا الفداء قبل أيام.

وسارت سفن الصحراء تشقّ طريقها على مهل صوب يثرب، تسير ليلاً و تكمن نهاراً.

القسمت 4


السماء مرصعة بالنجوم... تتلألأ من بعيد كلالئ منثورة.

حطّ المهاجرون عصا الترحال في «ضجنان» وانحنى على يعالج قدميه و قد تفطرتا من المشى مئات الأميال.

بركت النوق فوق الرمال تلتقط أنفاسها و تشم رائحة وطن قريب.

عينا فاطمة تسافران بين النجوم تستكشفان آفاق السماء... حيث انطلق أبوها في رحلة الاسراء و المعراج على ظهر البراق.

عينا فاطمة ما تزالان مسمرتين في النجوم، و قد أزهر وجهها كوكب صغير هبط على الأرض، وبدا القمر في آخر ساعات الليل أصفر الوجه كما لو أجهده السهر،همست فاطمة في نفسها تناجي:

- أنت وحدك الباقي... كلُّ شي ءٍ آخذ طريقه نحو المغيب، النجوم، القمر.. الأرواح البيضاء تتجه اليك لا تبالي بأشواك الطريق في الصحراء حتّى لو كانت حافية القدمين...

أنت وحدك الحق يا رب... أنت نور عيني و فرحة قلبى... دعنى ألج ملكوتك اسبحك واطوف مع النجوم حول عرشك.. أنت وحدك الحقيقة و ما سواك وهمٌ.. أنت وحدك نبع الحياة وعداك سراب يحسبه الظمآن ماء.

في «قبا» هبط جبرئيل يحمل كلمات السماء إلى رجل فرّ من اُمّ القرى ينبئه عن مسار قافلة فيها ابنته و امرأة ربّته وفتى ربّاه في حجره فلما اشتدّ ساعده وقف إلى جانبه يفديه بنفسه...

فاح عبير الوحي... ملأ فضاء «قبا» حيث بنى الرسول أوّل مسجد في الإسلام:

- «والذين يذكرون اللَّه قياماً وقعوداً و على جنوبهم و يتفكرون في خلق السماوات و الأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار. فاستجاب لهم ربّهم اني لا اُضيع عمل عامل منكم من ذكرٍ أو اُنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا من ديارهم و أوذوا في سبيلى و قاتلوا و قتلوا لأُكفرنّ عنهم سيئاتهم و لأدخلنهم جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند اللَّه و اللَّه عنده حسن الثواب».

كان النبيّ يترقّب وصول القافلة المهاجرة فيها أخوه و ابنته و امرأة ربّته. كلمات جبريل ما تزال تطوف في خياله و هو ينظر إلى الأفق البعيد ولكن لاشي ء سوى الرمال السمراء...

ولو قدّر لأحد كان في «قبا» لرأى رجلاً قد ذرف على الخمسين ليس بالطويل و لا القصير كان ربعة «و قد جعل الخير كله في الربعة»؛ أزهر الوجه، ناصع البياض مشرباً بحمرة خفيفة لعلّها من أثر الشمس و رياح الصحراء، رجل الشعر يبلغ شحمة اُذنيه و يكاد يلامس منكبيه؛ واسع الجبين، مقوّس الحاجبين كهلالين، و كانت عيناه نجلاوين واسعتين؛ اقنى الأنف، كأنّ أسنانه لؤلؤ منضود فاذا مشى مشى الهوينى متقارب الخطى كزورق ينساب على هون.

وقف النبيّ يتأمل الصحراء المترامية تمسح عيناه الأفق البعيد، ينتظر أحبّة فارقهم في لحظة ليل وقد حاصرته ذئاب مكة.

غمر الليل الصحراء و آب النبي إلى مضارب «بنى سهم»، وقد بدا على وجهه حزن كحزن آدم يوم بحث في الأرض عن حوّاء.

وصلت القافلة بسلام، وخفّ الأب للقاء ابنته ذكراه الغالية من خديجة... خديجة التي رحلت بعيداً و تركته وحيداً.

عانقت البنت أباها. غرقت في عبير رجل سماوي، فاضت عيناها دموعاً، دموع فرح و دموع رحمة.

- يا لعذاب محمد.. يالعذاب الأنبياء.

ربما دهشت بعض النسوة وهن يتطلعن إلى رجل ذرف على الخمسين يجتاز في لحظة نصف قرن من الزمن ليتحول إلى طفل

/ 22