و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


ونظر النبي اليهما وهتف:

- صدقا واللَّه.. انهما لقريش.. انهما لذات الشوكة.

وأردف متسائلاً:

- كم القوم؟

- كثيرون.

- ما عدّتهم.

- لا ندرى.

- كم ينحرون؟

- يوماً تسعاً و يوماً عشراً.

التفت النبي إلى أصحابه:

- القوم ما بين تسعمائة والألف.

ثمّ تساءل:

- فمن فيهم من أشراف قريش؟

- قال أحدهما:

- عتبة بن ربيعة و أخوه شيبة.. النضر بن الحارث، وأضاف الآخر:

- و فيهم أمية بن خلف و نبيه بن الحجاج و اخوه منبه و عمرو بن ود..

التفت النبي إلى اصحابه و قال بحزن:

- هذه مكة قد القت اليكم أفلاذ كبدها.

تفجّر في قلوب المهاجرين غضب مقدس وهاهي رؤوس الشرك تزحف اليهم و قد حان وقت يثأر فيه المظلوم من الظالم.

كان بلال منسحباً داخل نفسه و قد تداعت في أعماقه صور سوداء و كان وجه «اُمية بن خلف» محفوراً في ذاكرته بقسوة.. ما يزال جسده يئن من سياط أمية و شعر بثقل صخرة رهيبة تجثم فوق صدره فندت عنه آهة ألم:

- آه.. اُمية لا نجوت إن نجا.

برقت عيناه غضباً و حانت منه التفاته فرأى عماراً، و قد علت وجهه مسحة من وجوم... أدرك بلال ان صاحبه هو الآخر يستعيد حوادث رهيبة. لقد شهد مصرع والديه بحراب «أبي جهل» ذلك القرشي المتوحش.

أصدر النبي أمره بالتحرك صوب آبار «بدر» حتى اذا وصلوا أدنى المياه نزل النبي و كان «الحباب» و هو رجل رشيد يمسح الأرض بعينين ثاقبتين، اقترب من النبي و قال بأدب:

- يا رسول اللَّه! أكان اختيارك للمكان أمراً من اللَّه ليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه أم هو الرأي والحرب؟

أجاب النبي باهتمام:

- بل هو الحرب و المكيدة.

- ليس هذا بمنزل يا رسول اللَّه... انهض بالناس حتى نعسكر أدنى الماء نشرب و لا يشربون.

- لقد أشرت بالرأي.

و سرعان ما اتخذ المسلمون مواقعهم في الجهة الشرقية من الوادى الفسيح...

حل المساء وغفت العيون تترقب ما يسفر عنه عالم الغد.

القسمت 12


أشرق يوم الجمعة و التاريخ يشير إلى السابع عشر من شهر رمضان. عسكرت قوات قريش، في ثنايا التلال القريبة من وادي بدر، وبدا أبوجهل أفعى رقطاء تتلمظ. هتف ساخراً و هو يشير إلى قلة المسلمين:

- ما هم إلا أكلة رأس لو بعثنا اليهم عبيدنا لأخذوهم باليد.

تساءل عتبة بن ربيعة:

- ربما كان لهم كمين أو مدد.

- كلا يا صاحبى لقد بعثت «ابن وهب» وطاف حول مواقعهم فلم يرَ شيئاً.

قال شيبة معقباً:

- لكنه قال شيئاً آخر غير هذا.

امتعض أبوجهل، فتساءل عتبة:

- وماذا قال؟

- جاء مبهور الأنفاس و نثر كلماته كالنبل: ما رأيت شيئاً ولكني وجدت يا معشر قريش البلايا تحمل المنايا... نواضح يثرب تحمل الموت الناقع.

أطرق عتبة. كان يفكّر في المصير... ألقى أبوجهل نظرة حانقة و بصق على الأرض ثم غادر المكان.

ارتقى عتبة جمله الأحمر و قد دوّت فكرة العودة إلى مكة في رأسه و أصغت عشرات الرجال إلى ما يقول صاحب الجمل الأحمر:

- يا معشر قريش! لن تصنعوا شيئاً بلقاء محمّد وأصحابه. و بين أصحابه رجال من بني عمومتكم أو أخوالكم.. و هل يقتل المرء ابن عمه أو ابن خاله أو رجلاً من عشيرته.. ارجعوا و خلّوا بين محمد و سائر العرب..

يا معشر قريش أطيعونى اليوم واعصوني الدهر، انّ محمداً له إلُّ و ذمة.. فان يكن صادقاً فأنتم أعلى عيناً به، و ان يكن كاذباً كفتكم ذؤبان العرب أمره.

جحظت عينا «أبي جهل» و خرجت الكلمات من فمه ممزوجة بالبصاق:

- انظروا ماذا يفعل الجبن في النفوس... انظروا إلى سيد من

سادات قريش و هو يرتعد من سيوف يثرب.

وفي أدنى الوادي كان الرسول يراقب عن كثب ما يجري في أقصى الوادي... هناك على جمل أحمر رجل يحذر قومه سوء العواقب.

تمتم النبي بلهجة يشوبها اليأس:

- إن يكن في أحدهم خير ففي صاحب الجمل الأحمر.

اتصلت السماء بالأرض وهبط جبريل كوكب الأرض في تلك البقعة من دنيا اللَّه... و سرت كلمات السماء في قلب محمد:«فإن جنحوا للسلم فاجنح لها».

هتف النبي و جبينه يتلألأ:

- يا معشر قريش! ارجعوا من حيث أتيتم فلأن يلى هذا الأمر مني غيركم أحبُّ إليّ من أن تلوه أنتم.

تمتم عتبة و هو يصغي إلى ابن مكة الذي فرّ منذ عامين:

- ماردّ هذا قوم ثم افلحوا.

تجمعت في السماء النذر، و بدت السيوف بروقاً مخزونة بالرعود، نزل عتبة عن جمله الأحمر، و تقدم مع أخيه شيبة وابنه الوليد إلى الأرض التي تفصل ما بين الجبهتين و نادى عتبة بصوت غاضب و كان أبوجهل قد استفزّه:

- يا محمد أخرج الينا أكفاءنا من قريش:

التفت النبيّ إلى عبيدة.

- قم يا عبيدة بن الحارث.

و إلى حمزة بن عبدالمطلب و إلى علي بن أبي طالب.

كانت راية «العقاب» تخفق في قبضة عليّ فركزها في الأرض ثم انطلق إلى ميدان الصراع... و تراءى امام عينيه طيف جميل. كان وجه «فاطمة» يبتسم له وقد شعّ من عينيها نورٌ سماويُّ.

ران الصمت على الجبهتين، ما خلا ستة سيوف كانت تلمع وسط الغبار كبروق غاضبة، فجأة ارتفع السيف «ذوالفقار» ثم هوى فهوت معه جمجمة الوليد، ثم ارتفع مرة اُخرى ليهوي على عتبة ثم على شيبة و تساقطت رؤوس الشرك... تعفّرت بالرمال و كانت العيون جاحظة تنظر برعب إلى شي ء ما.

كبر النبي و كبر معه المسلمون و انتقل اسم عليّ على الألسن في الفضاء... وفي التاريخ...

وسمع النبي يقول:

- والذي نفس محمّد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلّا أدخله اللَّه الجنة.

و تراءت للذين سمعوا كلمات الرسول جنّات تجري من تحتها

الأنهار... فإذا السيوف ظلال لجنّة عرضها السماوات و الأرض.

كان سقوط صناديد قريش صرعى فوق الرمال إيذاناً ببدء معركة رهيبة. و بدأت قريش هجوماً عنيفاً و تساقطت السهام و النبال كالمطر...

وقف المسلمون صفّاً واحداً كالبنيان المرصوص، وصمدوا أمام هجمات مدمّرة كعاصفة هوجاء... تصاعد غبار كثيف و تساقط القتلى والجرحى كجراد منتشر. و شيئاً فشيئاً خفّت حدّة الهجوم... وفي هذه اللحظة الحاسمة دوت كلمة القائد العظيم مختصرة و مصيرية:

- شدوا.

اندفع المسلمون كالسيل و كانت راية العقاب تخفق في قبضة على قوية ثابتة؛ و اختلطت أصوات عديدة بين صهيل الخيل ورغاء الجمال وقعقعة الأسلحة وصيحات الرجال و كانت:«أحَد... أحَد» تتردد في فضاء المعركة.

و تفجّر غضب مقدس في القلوب و قد رأى المعذبون جلّاديهم... و غادر النبي مقر القيادة و بقي أبوبكر وحيداً. اندفع النبي يقاتل في الخطوط الاُولى و ظهرت في الاُفق سحب بيضاء شفافة... تشبه أجنحة الملائكة و كان النبيّ يهتف بحماس:

- سيهزم الجمع و يولّون الدبر، بل الساعة موعدهم والساعة

أدهى وأمرّ...

استمر القتال مريراً... واقتربت المعركة من نهايتها بعد ان تمزّقت خطوط المشركين ولاحت في الاُفق هزيمة و شيكة.

هتف النبي غاضباً و هو يقذف حفنة من الحصى:

- شاهت الوجوه!

انفجرت ساعة الانتقام وقذف بركان الثأر حممه مدوّية وهتف بلال وهو يرمق جلّاده بغضب:

- اُميّة! رأس الكفر لانجوت إن نجا... حاول بعض المسلمين اعتراض بلال. أرادوا عدوّهم أسيراً فصاح بلال:

- يا أنصار اللَّه.. إنّه اُمية رأس الكفر... لانجوت ان نجا...

انقض بلال على جلّاده فهوى كأنما سقط من شاهق... ولأوّل مرّة تنفّس بلال الصعداء وانزاحت عن صدره صخرة قاسية كانت تجثم فوق اضلاعه فدمعت عيناه وراح ينظر إلى السماء في امتنان.

حاول أبوجهل في عناد قديم أن يمنع هزيمة «قريش» و كان يقاتل خلف سياج من رماح رجاله وفي مقدمتهم ابنه عكرمة... ولكن أنّى لهؤلاء الحفنة من الحمقى الوقوف بوجه رياح النصر وهي تعصف بعنف من أدنى الوادي... اقتربت هتافات: أحَد.. أحَد... و ماهي إلَّا لحظات حتى هوى أبوجهل وارتطم رأسه بالأرض.

وضع عبداللَّه بن مسعود قدمه على عنق أبي جهل الذي رمقه متسائلاً:

- لمن الدائرة؟

- للَّه ولرسوله وللمؤمنين.

كانت قدم ابن مسعود تدقّ عنق أبي جهل،فتمتم حانقاً:

- لقد ارتقيت مرتقى صعباً يا رويعي الغنم.

حاول أن يبصق كعادته فسقط البصاق فوق وجهه وجحظت عيناه. كان هو الآخر ينظر برعب إلى شي ء ما.

/ 22