و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


القسمت 26


الصحراء مدّ البصر... صحراء مليئة بالرمال.. تموج بالأسرار.. والغدر.. و خشخشة الأشواك تبوح باسرار الليل.

آثار مشبوهة فوق الرمال الممتدة بين حصون «خيبر» و مضارب «غطفان»، و عيون تبرق في الظلام.. ورائحة مؤامرات تدبر في الخفاء.

فرسان «محمد» يجوبون الصحراء يترصدون الذين كفروا انّهم لا أيمان لهم... الآثار الغريبة فوق الرمال و الرجال الملثمون و العيون التي تبرق في الظلام و خشخشة الأشواك في الليل و أصوات كفحيح الأفاعي... ما بين حصون «السامري» و مضارب غطفان عناكب «خيبر». تحوك شباكها.. و «غطفان» تكشّر عن أنياب ملوّثة بالصديد... و تسامع أهل البادية عن عجل يخور في حصون وسط الرمال.

واهتزت راية العقاب في قبضة على، وغادر آخر الأنبياء المدينة في ألف و ستمئة محارب. ولكي يفوّت الفرصة على العقل اليهودي الذي جبل على الغدر فقد تحتم على قوّات المسلمين أن تقطع المسافة بأقصى سرعة..

لم تمرّ ثلاثة أيام حتى وصل النبيّ بجيشه مشارف خيبر... و كان الظلام يغمر الأشياء يحيطها بالغموض و الأسرار... و بدت الحصون في رهبة الظلام كائنات خرافية رابضة فوق الأرض.

قبل أن يطلع الفجر كان المسلمون يحيطون بخيبر من كل الجهات و قد استكملوا احتلال بساتين النخيل المحيطة.

«العجل السامريّ» يتطلّع إلى أوثان «غطفان» «التبر» يستنجد «الحجر» «العجل» يطلق خواراً عالياً.. و «الأوثان» حجارة صمّاء لا تفقه شيئاً مما يدور.

طلع الفجر، و اخرجت الأفاعي رؤوسها، صرخ أحدهم مأخذواً بهول المفاجأة:

- محمد و الخميس!

كان اسم «محمد» يخلع قلوبهم.. لا يتحملون سماع هذا الاسم.. كما كانوا يتميزون غيظاً لدى ذكر «جبريل» لو كان غير جبريل يحمل رسالة السماء إلى ابن مكة لكان لهم موقف آخر...

قال النبيّ مستبشراً وهو يراقب ذعر الأفاعي:

- اللَّه أكبر! خربت خيبر... انا اذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين.

الصحراء تراقب معركة و شيكة.. معركة مدمرة سيكون لها شأن.

ووقف التاريخ يصغى إلى ما يدور بصمت.

اجتاح المسملون المناطق المشجرة ما بين الحصون... ووقفت جدران «النطاة» و «الصعب» و «ناعم» و «الشق» و «القموص» و «الوطيح» و «سلالم» ثابتة في وجه الهجوم و دار قتال رهيب في الشوارع.

سقط خمسون جريحاً من المسلمين.. صمد اليهود قاتلوا بضراوة.. على خيبر ألّا تسقط... لأن سقوطها يعني أن يعود السامري إلى التيه مرّة اُخرى.. سوف يشدّ عباءته و يرحل إلى سيناء ينقب في آثار القوافل المسافرة لعلّه يعثر على أثر « الرسول» فيأخذ قبضة اُخرى.

استشهد محمد بن مسلمة؛ ترصده يهودى من فوق الحصن ثم دفع عليه الرحى فسقطت عليه.

الحصون منيعة واقفة كالجبال... والأمل قطرات من ندى تبخرت لدى شروق الشمس و «السامري» ينظر باستعلاء و شماتة إلى نبيّ

العرب.

نشر الظلام ستائره... و اشتعلت مواقد في قلب الليل... و النسائم تداعب سعفات النخيل.. والأفاعي تخرج رؤوسها تحاول أن تصغى لما يدور حول المواقد.

أطرق أبوبكر برأسه و تمتم آسفاً:

- حصون مستعصية منيعة و اليهود مسلّحون بسلاح حسن... و «القموص» حصن لا يفتح.. أرأيتم الخندق حوله.. ارجو ألّا يكون رسول اللَّه غاضباً مني.

أجاب عمر:

- ليس الذنب ذنبك يا صاحبى.. أنا أيضاً لم استطع ان أفعل شيئاً لقد قضيت النهار كلّه نهجم و يهجمون ولكن إخوان القردة يخرجون الينا من خلف الأشجار كالشياطين.

علق «أبوعبيدة»:

- اسمعتم ما قال رسول اللَّه.

- و هل ينسى قوله.

- كلماته ما تزال ترنّ في اُذني: لأُعطينَ الراية غداً رجلاً يحبُّ اللَّه رسوله و يحبُّه اللَّه و رسوله.

- ترى مَن سيكون صاحب الراية.

- الأمر واضح.. انّه عليّ.

- ولكن عليّاً أرمد!!

- ربما سلّم الراية إليّ.

- ماذا تقول يا أباحفص؟.

- في الصباح يعرف القوم السرى.

كانت النجوم تومض من بعيد.. نام البعض و ظلّ البعض ساهراً يحلم براية حبّ أزلية.

ونام أبوحفص بعد أن عزم على أن يكون غداً أقرب الناس إلى النبي علّه يسلّمه الراية التي أصبحت حلمه تلك الليلة.

القسمت 27


طلع الفجر و تنفس الصباح.. و زقزقت العصافير في أعشاشها.. واستيقظت الكائنات لتبدأ يوماً جديداً...

رماد الفجر يتبدد شيئاً فشيئاً.. وزرقه السماء الفيروزية تصبح شفّافة رائعة... و قد بزغت الشمس.. تألّقت خلف ذرى النخيل.

بدت الحصون ذلك الصباح كابوساً يجثم فوق الصدور. صخرة تحطّمت فوقها المعاول...

تحلّق المسلمون حول النبي.. يتطلّعون إلى رجل يحب اللَّه و رسوله و يحبه اللَّه و رسوله...

و هتف النبي:

- أين على؟

وتقدم فتى في الثلاثين أو يزيد فاستلم راية العقاب وراح يصغي إلى صوت سماوي:

- انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام فان لم يستجيبوا فقاتلهم.. انطلق فتح اللَّه عليك.

كان على عليّ أن يقود نفس القوة التي هزمت مرتين... فقد عادت مرّة تلوم أبابكر و أبوبكر يلومها.. و عادت تحت راية عمر تجبنه و يجبنها...

هرول على ليبث الحماس في جنوده فبدا بحلّته الارجوانية جمرة متألّقة... و عند ما صار قريباً من «القموص» نزع درعه ليكون أكثر قدرة في الحركة، و أمر جنوده أن يفعلوا ذلك.

رفض اليهود ساخرين دعوة الإسلام ونداء السلام. و كان خيار الحرب هو الطريق لإحراق العجل.

كان منظر عليّ بلا درع قد حرّك شهوة الغدر و الانتقام في نفوسهم... فراح شجعانهم يخرجون مدججين بالسلاح.. و كانوا يتساقطون الواحد تلو الآخر عند قدميه.

الذين كانوا يراقبون الصراع.. أدركوا أن هناك سرّاً في انتصار عليّ.. رأوا بأُمّ أعينهم كيف هزم الحديد أمام قلب المؤمن..

وهبط «مرحب» درجات الحصن.. كتلة هائلة من الحديد والبأس.. في قبضته حربة ذات ثلاث رؤوس كأفعى اسطورية.. تقدم «مرحب» ينقل خطاه المثقلة بالزرد و الحديد.. ليس هناك في كلّ

جسده الفارع ثغرة يمكن للسيف أن ينفذ فيها.

وتوقع المسلمون واليهود.. توقعوا جميعاً نهاية على.. تقدّمت كتلة الحديد.. ووجه مرحب حربته برؤوسها الثلاثة.. وكادت أن تنفذ في صدر عليّ.

ارتدّ عليّ إلى الوراء ثم قفز في الهواء ليهوي بضربة هائلة أودعها غضب السماء ... تحطّم الحديد. مرّت لحظة صمت قبل أن ترتطم كتلة هائلة بالأرض محدثة دوّياً تتخلع له القلوب المذعورة. وقد قتل داوود جالوت، واندفع عليّ بعد أن حطّم الغرور اليهودي إلى باب الحصن... لينتزعه وسط دهشة الجميع، وأصبح جسراً فوق الخندق يندفّق عبره المهاجمون.. و سرعان ما سقط «القموص» و «الوطيح» و «السلالم» و سقطت خيبر كلها..

اطلق العجل صرخة استغاثة قبل أن يحترق.. و تذرو الريح رماده في الصحراء، و كان السامريون قد أقسموا قالوا:

- لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع الينا موسى.

و قال لهم اللَّه: كونوا قردة خاسئين.

طارت الفرحة للنبيّ فراشةً ترفرف... على يصنع الفرح لمحمد...

وها هو أخوه جعفر يعود من أرض الحبشة... عاد يمخر البحر الأحمر و يطوي رمال الصحارى و معه الذين آمنوا... الذين اخرجوا من

ديارهم بغير حقّ إلّا أن قالوا ربنا اللَّه.

وعانق النبيّ أخاً لعليّ وابناً لحامي آخر النبوّات في التاريخ، هتف النبي و ينابيع الفرح تتدفق من عينيه:

- ما أدرى بأيهما أشدّ سروراً. بقدوم جعفر أم بفتح خيبر.

و قال أبوحفص لما رأى اسماء:

- هذه البحرية، هذه الحبشية.

و التفت اليها قائلاً:

- لقد سبقناكم في الهجرة... فنحن أحقّ برسول اللَّه منكم.

بركان غضب ينفجر في أعماق امرأة هاجرت مرّتين... أعلنت اضرابها عن الطعام حتى ترى رسول السماء...

- يا رسول اللَّه ان ابن الخطاب يقول نحن أحقّ برسول اللَّه سبقناكم بالهجرة.

قال النبيّ:

- فما كان جوابك له؟

قالت أسماء:

- قلت له: كلّا واللَّه كنتم مع رسول اللَّه يطعم جائعكم و يعظ جاهلكم.. و كنا في أرض البغضاء بالحبشة.

- أجل واللَّه.. انه ليس بأحقّ بي منكم.. له و لأصحابه هجرة

ولكم أهل السفينة هجرتان.

غادرت الأفاعي جحورها... محطمة الأنياب.. وعاد السلام يرفرف فوق الأرض... وشدّ السامري الرحال. التفّ بعباءته ميمماً وجهه نحو أرض التيه.

مادت «فدك» بأهلها... لقد جاء «محمد» تحمله الملائكة تخفق فوق رأسه أجنحة جبريل.

وجاء رجل من تلك النواحي يسعى:

- يا محمد لكم الأرض.. ولنا السلام.

- ولكم نصف ثمار الأرض.. والسلام.

و لما قال اللَّه:«وآت ذا القربى حقّه».

أعلن النبيّ:

- إنّ فدكاً لفاطمة.

ومن ذلك اليوم أضحت «فدك» رمزاً لانتصار الإنسان على نفسه.. هزيمة «الاسخريوطي» و احتراق «العجل».

و ستبقى فدك رمزاً للأمانة التي أبت السماوات و الأرض أن يحملنها و حملها الإنسان.

و كانت فدك رمزاً لخلافة الإنسان على الأرض..

ستكبر «فدك» و سيكون لها وجود في الجغرافية و في التاريخ..

/ 22