و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




دارت الرحى، تساقط الدقيق تباعاً فجمعته في اناء صغير، أضافت قدحين من الماء وراحت تعجن الخليط حتى اذا تجانس غطت الاناء و تركته ريثما يصبح خميراً.


جلست فاطمة و أشعلت النار في الموقد، تصاعد دخان أزرق و توهج جمر فسفوري الحمرة، كانت عيدان الحطب تتكسر، و كانت فاطمة تصغى مستغرقة، سرت في أطرافها قشعريرة و تجمعت في عينها الدموع فرمقت السماء من خلالها و قلبها ينبض أملاً بما وعد اللَّه المؤمنين. ملأت رائحة الخبز الحارّ فضاء البيت.


عاد عليّ و قد بدا مهموماً بعض الشي ء و عندما وقعت عيناه على فاطمة شاعت الابتسامة في وجهه. لشدّ ما يحبها بقوامها النحيل بتلك الروح التي تكاد تغادر أهاب البدن إلى حيث ترفرف الملائكة.


نظر عليّ و هو يتناول قرص الشعير إلى يديها. كانت هناك خطوط حمراء في كفيها أدرك على الفور انّها من أثر الرحى؛ تمنى أن يكون بوسعه شراء خادم تعينها على تدبير المنزل، فكر أن يضاعف جهده في حفر الآبار، سيحيل المدينة إلى ينابيع لكى يتسنى له جمع مبلغ يكفي لشراء جارية تعين سيدة النساء: و ربما حصل على غنيمة تغنيه عن كلّ ذلك، كان علي يفكّر و هو يعالج سيفه ذي الفقار.


لم تسأل فاطمة زوجها عن المناسبة في كل هذا الاهتمام


بالسيف فقد سمعت هي الأخرى عن استعدادات المسلمين للتصدّي لقوافل قريش التجارية و سمعت من بعض نسوة المهاجرين اخباراً عن قافلة كبيرة يقودها أبوسفيان تحمل أموالاً طائلة... تذكّرت فاطمة كيف صادر المشركون أموال المهاجرين. تذكرت أيام الحصار في شِعب أبي طالب و ألوان القهر والظلم الذي صبه أبوسفيان و أبوجهل و أبولهب على الرسول والذين آمنوا.


أفاقت فاطمة على صوت زوجها و هو يرتّل بخشوع:


- يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصدّ عن سبيل اللَّه و كفر به، والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند اللَّه، والفتنة أكبر من القتل.


لكأنّ على يدرك ما يدور في خلد فاطمة، وهاهي السماء تشدّ أزر المظلومين المشرّدين... تمنحهم سيوفاً و بيارق ينتصفون بها ممن قهروهم و شرّدوا بهم من ديارهم.


ودّع النبي ابنته فاطمة. وأدرك المسلمون جميعاً أنّ الرسول قد أعدّ العدّة لاعتراض قافلة قريش، وانّه لم يبق له في المدينة شي ء.


هزّ علي راية العقاب بيده وانطلق بصحبة النبيّ باتجاه الشمال حيث «وادي الروحاء» وسُمع النبي يقول:


- هذا أفضل أودية العرب.


عسكرت قوات المسلمين و كانت تتألف من ثلاثمئة مقاتل يتناوبون على ركوب سبعين من الأبل اضافة إلى فرسين فقط، و بعد استراحة وجيزة، قضاها المسلمون في الصلاة و التهيؤ لقطع المسافة لآبار «بدر» حيث طريق القوافل التجارية.


قسم النبي الأبل على المقاتلين فكان نصيبه مع على و «أبي مرشد» بعيراً واحداً يتناوبون ركوبه.


قال علي وأيده أبومرشد:


- نحن نمشي عنك يا رسول اللَّه.


أجاب النبي و هو يطوى الصحراء ماشياً على قدميه:


- ما أنتما بأقوى مني، و لا أنا بأغنى عن الأجر منكما.


وفي «الصفراء» بعث النبي دورية استطلاع إلى «بدر».


وفي «وادي ذفران» وصلت انباء مثيرة.


القسمت 10



مكة يغمرها الظلام؛ والنجوم ترسل ضوءً واهناً... تتبض من بعيد كقلوب مجهدة؛ نامت العيون ما خلا عيوناً حجرية تحيط بالكعبة ما تزال مفتوحة تحدّق ببلاهة و غباء.


وفي عالم هلامي كان رجل يركب بعيراً يخطر به حتّى اذا وقف «بالأبطح» صرخ عالياً:


- يا آل غدر انفروا إلى مصارعكم!


خف البعير براكبه فوق ظهر الكعبة وصرخ:


- يا آل غدر انفروا إلى مصارعكم.


طار البعير نحو جبال مكة. هبط على قمة «أبي قبيس» و صرخ الراكب مرّة اُخرى:


- يا آل غدر انفروا إلى مصارعكم.


انتزع الراكب صخرة من الجبل ثم قذف بها بيوت مكة.. انفجرت الصخرة في أسفل الوادي وأضحت حجارة متناثرة تساقطت كشهب


مجنونة فوق منازل مكة وأفنيتها.


استيقظت «عاتكة» امرأة من بني عبدالمطلب. استيقظت مذعورة تجفف وجهها من حبات العرق، و ما تزال الرؤيا ماثلة أمامها.


كانت السماء تنث مطراً خفيفاً كدموع هادئة، وظلت «عاتكة» مستيقظه تحدق في الظلام حتى اذا طلع الفجر أخذت طريقها إلى منزل «العباس».


كغراب أسود يدور البيوت، شاع خبر الرؤيا في منازل مكة؛ وجثم الوجوم على القلوب. ترى ماذا تخبئ الأيام. وهرع بعضهم إلى أصنام نحتوها يتمسحون بها يلتمسونها الطمأنينة فلا تألوهم إلّا خبالا؛ و قدم بعضهم نذوراً للآلهة، تصاعد دخان لكن دون جدوى؛ القلق ما يزال يلوي القلوب كريح عاصفة.


غضب «أبوجهل» برقت عيناه حقداً و هو يصغى إلى تفاصيل الرؤيا و هتف بالعباس متهدداً:


- أما كفاكم يا بنى عبدالمطلب أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم!... سنتربص بكم ثلاثه أيام.. فان مضت و لم يكن شي ء... فأنتم أكذب بيت في العرب. ردّ العباس بغضب:


- يا مصفراً استه أنت أولى بالكذب منا.


مضت ثلاثه أيام؛ كصفحات من كتاب كبير تنطوي وبدت صفحة


كبيرة من عالم مفتوح و ظهرت مكة، و يثرب و صحراء واسعة مليئة بالرمال و الحوادث، وظهرت خيول وابل ورجال تجوب الأودية.


استيقظت مكة مذعورة... صرخات «ضمضم» تبعث الرعب في القلوب الخطر يهدد الآلهة؛ و آلهة قريش عبادة و تجارة:


- يا معشر قريش اللطيمة»... أموالكم مع أبي سفيان قد تعرض لها محمد و أصحابه.


كان منظره عى بعير مجدوع الأنف، مشقوق القميص إنذاراً بالخطر الداهم. و ثارت الحمية حمية الجاهلية؛ صرخ أبوجهل:


- واللات والعزى ما نزل بكم أمرٌ أعظم من أن يطمع بكم محمد و أهل يثرب فانهضوا و لايتخلّف منكم أحد.


و تجهزت قريش، اظهرت كل حقدها الدفين تطلب رأس رجل هاجر إلى ربّه.


تجمّع الحاقدون فكانوا الفاً إلَّا خمسين، و من الابل ثلاثمئة و خمسون ومن الخيل مئتان.


وسارت قريش بخيلها و خيلائها بدفوفها وقيانها بخمرتها وآلهتها، سارت تشقّ بطون الأودية.


وفي الصحراء كان أبوسفيان يقود القافلة، يسوقها سوقاً حثيثاً، عيناه تدوران في محجريهما؛ تسعان الآفاق؛ تترصدان الآثار. و بين


الفينة و الاُخرى كان يتوقف ليدقق في أثر بعير أو فرس، أو يفتت بعرة يبحث فيها عن أثر لغريم يترصده. ينتظر لحظه الثأر المقدس ولكن لا شي ء، الصحراء غامضة غموض البحر و الرمال هي هي بتموجاتها والسماء تزدحهم بغيوم رمادية تمر فوق الرمال كسفن تائهة.


كانت القافلة تتقدم من آبار بدر، وقد عصف القلق بأبى سفيان وأطل الرعب من عينيه يخشى أن يسقط في قبضة محمّد عدوّه اللدود.


سأل أبوسفيان اعرابياً قرب الماء عن خبر محمّد، أجاب الاعرابي:


- لم أرَ أثراً لما تقول، ولكني رأيت رجلين يستقيان في الصباح.


- وأين مناخهما.


- هناك فوق ذلك التل.


أسرع أبوسفيان إلى حيث أشار الاعرابى.


- نعم هذا مناخ إبل...


وحانت منه التفاته فرأى بعرة فالتقطها كما يلتقط المرء جوهرة نادرة، فركها بكفيه فظهرت نواة تمر، صرخ أبوسفيان مرعوباً:


- هذه واللات علائف يثرب.


أسرع أبوسفيان إلى مناخ قافلته فحث رجاله على اثارتها والاتجاه بها نحو ساحل البحر الأحمر، غادرت القافلة تاركة «بدر» إلى شمالها ممعنة بالفرار، وهكذا أفلت أبوسفيان ولو إلى حين.


القسمت 11



هطلت الأمطار... هطلت بغزارة فسالت أودية بقدر، وقف النبي... راح ينظر إلى السماء و السحب تسح ما تسح من دموعها الثقال... رفع يديه إلى عوالم لانهائية و تضرع إلى اللَّه:


- اللّهم نصرك الذي وعدت... اللّهم لا تفلتنى أباجهل فرعون هذه الاُمة.


كان الوجوم يسيطر على ثلاثمئة رجل. لقد خرجوا لمواجهة قافلة تجارية، وهاهي الأنباء تحمل لهم سيوفاً و خناجر... و هاهي قريش تزحف نحوهم بجيش عرمرم.. ألف رجل إلّا خمسين.


هتف النبي بأصحابه:


- أشيروا على:


القلق يعصف بالرجال و قد ضرب الخوف أطنابه في بعض القلوب... نهض «عمر» قائلاً:


- يا رسول اللَّه.. انها قريش!! ما ذلت منذ عزت و ما آمنت منذ كفرت..


راح بعضهم ينظر إلى بعض وأفئدتهم هواء.


نهض المقداد وقد امتثلت أمامه قصص بني اسرائيل:


- يا رسول اللَّه! امض لما أمرك، فنحن معك، واللَّه لا نقول كما قال بنو اسرائيل لموسى... اذهب انت و ربّك فقاتلا انّا هاهنا قاعدون، إذهب أنت و ربك فقاتلا انّا معكما مقاتلون».


أطل عزم جديد من عيون الرجال وخيم صمت ثقيل، كان النبي ينتظر موقف الأنصار فله معهم يوم العقبة عهد و ميثاق.


نهض «سعد بن معاذ» و قال بأدب:


- لكأنك تريدنا يا رسول اللَّه:


- أجل.


انسابت الكلمات قوية أخاذة مؤثرة:


- يا رسول اللَّه: لقد آمنا بك و صدقناك و شهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا و مواثيقنا على السمع و الطاعة.. فامض يا رسول اللَّه لما أردت.. فوالذي بعثك بالحقّ، إن استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد.


إن للكلمة في القلوب أثر البذرة في الأرض الخصبة سرعان ما


تنمو و تهب ظلالها و ثمارها...


اشاعت كلمات سعد روح الأمل شحذت الهمم بعد خوف وقلق.. طافت في الوجه السماوي فرحة ورضا وهتف النبي برجاله:


- سيروا على بركة اللَّه وابشروا، فإن اللَّه وعدني احدى الطائفتين، واللَّه لكأني انظر إلى مصارع القوم.


عبّأ النبي قوّاته و غادر «ذفران» وسلك طريق «الاصافر» ثم هبط منها، وبدا «كثيب السحنان» كجبل شامخ. وقاد النبي رجاله الى يمين «الكثيب» حتى اذا اصبح قريباً من مياه بدر أصدر أمراً بالتوقّف ريثما ينجلي الموقف.


بعث النبي «علياً» على رأس دورية استطلاع للحصول على معلومات عن قوّات قريش، أوغل على في المسير و وصل آبار بدر؛ فالماء حيوي لرجال في الصحراء، وألقت الدورية القبض على رجلين كانا يستقيان و ساقتهما إلى معسكر المسلمين.


كان النبي يصلي... مستغرقاً في رحلة في عوالم سماوية بعيداً عن ويلات الأرض و ما يجري فوق كثبان الرمال، ولما عاد إلى الأرض وجد بعض المسلمين ينهالون عليهما ضرباً... تمتم النبي مستنكراً:


- إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما؟!!


/ 22