و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


- بلى يا عمر.

هتف عمر وقد اهتزت دعائم الإيمان في قلبه:

- فَلِمَ نعطى الدنية في ديننا اذن؟!

أجاب النبي و هو يحاول إعادة الطمأنينة إلى قلبه:

- انى رسول اللَّه ولست أعصيه وهو ناصرى.

قال عمر بحدة:

- أو لست كنت تحدثنا انّا سنأتي البيت فنطوف به؟

أجاب محمد بصبر الأنبياء:

- بلى يا عمر... أفأخبرتك انك تأتيه عامك هذا؟

أجاب عمر مخذولاً:

- لا.

- فانك آتيه و مطوف به.

وظلّ «عمر» هائجاً لم تفلح كلمات الرسول في إعادة السلام إلى نفسه.

هرع الرجل الفارع إلى صاحبه وقال بعصبية:

- يا أبابكر أليس هو برسول اللَّه؟

- نعم.

- اولسنا بالمسلمين؟

- أجل يا عمر.

- أوليسوا بالمشركين؟

- ماذا تعنى؟

- فعلام نعطى الدنية في ديننا؟

نظر أبوبكر إلى صاحبه بأسف و أدرك ان صرح الإيمان يهتزّ في أعماقه بشدّة، تمتم أبوبكر:

- يابن الخطّاب انه رسول اللَّه ولن يعصى ربّه ولن يضيعه.

عمر ما يزال ثائراً يبحث عن شي ء.. عن شخص يطفئ به النار التي تستعر في صدره... و قد حانت اللحظة المناسبة لنسف السلام مع قريش.

تمكن «أبوجندل» بن سهيل من الافلات من قبضة قريش، وجاء ينوء بالسلاسل والقيود.

كان منظره يدعو إلى الشفقة، اعترضه أبوه و كان قد أمضى عهداً مع النبي.

هتف الشاب المثقل بالحديد والقهر:

- يا رسول اللَّه.. يا معشر المسلمين.

والتفت سهيل إلى النبي.

- يا محمد بيننا و بينك العهد.

- صدقت.

هتف أبوجندل:

- يا للمسلمين أأردّ إلى المشركين ليفتنوني عن ديني.

المسلمون ينظرون إلى أخ لهم لا يملكون له ضرّاً و لا نفعاً.

هتف النبيّ يشدّ على يده من بعيد:

- اصبر يا أباجندل و احتسب سيجعل لك اللَّه ولمن معك فرجاً و مخرجاً.

لم يتمالك عمر كعادته فخف إلى ابن سهيل.. اقترب منه هامساً:

- إنما هم مشركون و دم أحدهم دم كلب.

اقترب عمر أكثر و كشف للشاب مقبض السيف و كرّر قائلاً:

- المشرك دمه كدم الكلب.

أدرك الشاب ان عمر يغريه بقتل أبيه فاكتفي بنظرة طويلة إلى عمر و لم يقل شيئاً.

كانت كلمات النبي ما تزال تتردد في أُذنيه و في قلبه ثم كيف له أن يقتل أباه ؟ بل كيف للمسلم أن يغدر أو يفتك و يخون العهد الذي ابرم قبل لحظات.. و هل ستسكت قريش على قتل رجل كان يفاوض باسمها و يدافع عن آلهتها؟

كانت الأفكار تصطرع في رأسه كخيول في معركة.. و هو

يجرجر خطى واهنة عائداً مع أبيه.

وانطوى نهار ذلك اليوم، وقد هبت نسائم السلام فوق رمال الجزيرة...

وفي المساء و عندما كانت النجوم تنبض في السماء كقلوب حالمة هبط جبريل يحمل بين جناحيه سورة «الفتح».

وانساب نهر سماويّ و الرسول يتلو:

- إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً.

وانبعث صوت في الظلام:

- وأين هذا الفتح و قد صدّونا عن البيت؟

أجاب النبيّ:

- بل هو أعظم الفتح.. لقد رضى المشركون أن يدفعوكم بالراح عن بلادهم و ان يرغبوا اليكم في الأمان. وردّكم سالمين مأجورين فهو أعظم الفتح.

هتف المسلمون:

- صدقت يا رسول اللَّه.

و مضت أيام على السلام وثاب عمر إلى رشدة فتمتم آسفاً:

- ما شككت منذ اسلمت إلّا ذلك اليوم.

القسمت 25


عاد رسول اللَّه إلى المدينة، والفرحة تملأ صدره بفتح اللَّه، فقد أمن جانب قريش و آن للدين الجديد أن يعبر شبه الجزيرة إلى العالم كله.

توجه النبي كعادته إلى المسجد فصلّى ركعتين، غسلت عنه عناء السفر وهموم الحياة، و نهض النبيّ لزيارة ابنته.. ذكراه من خديجة وكوثره الذي وهبه اللَّه...

قرع الباب فهبت فاطمة للقاء النبي، كانت تحاول إخفاء ما تعانيه من إعياء و تعب.

فتحت الباب و البسمة تشرق في وجهها، تأمّل النبي وجه ابنته الوجه المشرق تشوبه صفرة فبدا كقمر انهكه السهر في ليلة شتائية طويلة.

قال الأب بحزن:

- يا بنية ما هذا الصفار في وجهك و تغير حدقتيك؟

أجابت فاطمة بصوت واهن:

- يا أبه ان لنا ثلاثاً ما طعمنا طعاماً... وقد بكى الحسنان من شدة الجوع حتى غلبهما النوم..

أيقظ النبي ريحانتيه.. وضعهما في حجرة وقد نسيا ألم الجوع كعصفورين فرحين بدف ء العش.

كان على يبحث عمن يقرضه دريهمات يسدُّ بها رمق اسرته، و كانت الشمس ترسل أشعتها ملتهبة. لم تمض مدّة حتى وجد من يقرضه ديناراً فانطلق يشتري به شيئاً.

المدينة تبدو مهجورة و قد فرّ أهلها من الرمضاء و الحر.

من بعيد لاح له رجل يمشي على غير هدى.. دقّق النظر فيه و لما اقترب منه بادره عليّ:

- ما الذي أخرجك يا مقداد في هذه الساعة؟

- الجوع يا أباالحسن.. عضنى وأهلي الجوع.. وأبحث عمّن يقرضني درهماً أو ديناراً.

ان للجوع فعله العجيب في النفوس.. تارة يهذبها فتسمو إلى السماء و تارة ينحطّ بها إلى أسفل السافلين. الجوع يصنع ملائكة و شياطين.. وكلا الخيارين يتوقّفان على إرادة الإنسان أو على غريزة

ذلك الحيوان القابع في الأعماق المظلمة وليس في حياة علي من وقت لكى تنشب معركة بين الذات و الايثار لأنّه لايوجد في أعماقه المضيئة من يعترض على إرادته التي صقلتها النبوّات..

وهكذا قدم على كل ما يملكه إلى أخيه وعاد إلى البيت خالى اليدين.

كان المنزل هادئاً تغمرة رحمة من السماء و وجد في الحجرة رسول اللَّه.. و كان الحسنان في حجرة و فاطمة تصلّى في المحراب وقد ملأت فضاء الحجرة رائحة طيبة لطعام طيب ولما جلس على قبالة رجل ربّاه في حجرة تمتم النبي و هو يرمق السماء بخشوع:

- اللهم هؤلاء أهل بيتى فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا.

فرغت فاطمة من تبتلها و مدت يدها إلى جفنة مغطاة.. و كان في الجفنة خبز و لحم.

قال على متعجباً:

- يا فاطمة أنّى لك هذا؟

أجابت فاطمة بنت رسول السماء:

- هو من عند اللَّه.. ان اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب.

قال النبي مبتسماً:

- إن مثلكما كمثل زكريا إذ دخل على مريم فوجد عندها رزقاً

قال: يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند اللَّه ان اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب.

لو اُزيحت الحجب عن العيون لرأى سكّان المدينة منزلاً إلى جوار المسجد.. ولو دققوا النظر لرأوا أثر جبريل في حجراته. يلج المرء فيجد نفسه في بقعة لا تنتمي إلى طين الأرض... إلى عالم من تراب... بقعة اختارتها الملائكة يوم هبطت على الأرض.. يوم اتصل النور بالطين ليولد الإنسان السماوي الذي انطوت في أعماقه أسرار الوجود.

كانوا خمسة: محمد.. على.. فاطمة.. حسن و حسين... اسماء ولدت يوم عطس آدم... واستنشق نسمة الحياة، و يوم قال اللَّه لنوح: ان اصنع الفلك بوحينا.. و يوم فار التنوّر كان نوح يتأمّل السماء و هي تنهمر مطراً كأفواه القرب وجبال من الغيوم تتراكم بعضها فوق بعض.. ولتتحول تلك الأرض الجرداء إلى بحر متلاطم الأمواج و سارت السفينة باسم اللَّه تشقّ طريقها في موج كالجبال.. ومقدمة السفينة تعلو و تهبط مالها من قرار. أصوات الحيوانات وهدير الموج و تمتمات دعاء المؤمنين تمتزج تطهر القلب فيتألق الأمل.. الأمل بمستقبل طاهر للأرض. السفينة تجرى لمسستقر لها.. وقد اجتمع المؤمنون أمام خشبة صغيرة مستطيلة الشكل فيها اسماء أثارت دهشتهم و حركت

كوامن الأسئلة في أعماقهم.. كلمات صغيرة واضحة مكتوبة بلغة شعب عاش قبل الطوفان؛ كلمات تحمل لهم الأمل بالخلاص بغصن زيتون أخضر... كلمات تتألّق بألوان قزح.. كلمات حفرها نوح تعويذة أمل في الحياة:

- يا إلهي.. و يا معيني.

برحمتك و كرمك ساعدني.

ولأجل هذه النفوس المقدّسة.

محمد.

ايليا.

شبر.

شبير.

فاطمة.

الذين هم جميعهم عظماء و مكرمون.

العالم قائم لأجلهم.

ساعدني لأجل أسمائهم.

أنت فقط تستطبع أن توجهنى نحو الطريق المستقيم.

و تمخر السفينة عباب المياه حتى استوت على الجودى و قيل يا أرض ابلعي ماءك و يا سماء اقلعي... و عادت حمامة بيضاء تحمل

غصن الزيتون.. و قد تألقت في السماء ألوان الأمل و الربيع.

و همس النبي في اُذن التاريخ و هو يضم ريحانتيه:

- مَثَلُ أهل بيتى مثل سفينة نوح من ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق.

/ 22