و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


قبله الرُسل أفئن مات أو قُتل انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضرّ اللَّه شيئاً.

تنفس أبوحفص الصعداء و هو يرنو إلى صاحبه الذي حضر في الوقت المناسب..

كان المغيرة ما يزال يرقب أباحفص و هو يكاد يصعق.. لقد انتهت الثورة. فجأة هدأت العاصفة. استسلمت عند قدمى أبي عائشة.

وقف عمر إلى جانب صاحبه وانضم اليهما رجل ثالث هو «ابن الجراح» و تبادل الثلاثة نظرات هى أبجدية كاملة.. ربما كانوا يفكرون للمستقبل ليومين أو ثلاثة أو ربما للتاريخ كلّه.

ان كل التحولات الاجتماعية الكبرى انما تولد في الضمائر قبل أن تجد طريقها إلى الواقع.. انّها موجودة في دائرة القوة حتى يأتى من يخرجها إلى دائرة الفعل.. و كان في ضمائر جلة المهاجرين و قريش قاطبة ألا تجتمع النبوة و الخلافة في بني هاشم... و قد قرأ رجال ما يجول في الخواطر ليخرجوا ما استتر في الضمائر و عجز النبي عن هزيمته يوم هزم الأوثان العربية.

النبي الذي جاب الصحراء ينشر فيها النور و الحياة هو الآن جثة هامدة.. و توقف القلب الذي ينبض بالحب.. القلب الذي سحر كل القلوب فتآلفت. و مذ توقف هذا القلب انفرط عقد القلوب جميعاً كما

التيار الكهربائي إذا انقطع انطفأت المصابيح وعاد الظلام فلا تسمع سوى أصوات بومة تصيح:

- هوو.. هوو.. هوو.. تبشر بزمن الخرائب و الاطلال. يا له من صباح مظلم كئيب.. احترقت شمسه وانتحر ضياؤه.. عيون غارقة في بحيرات الدمع و عيون تترصد بحذر بيتاً فيه جسد مسجى و قلوب كسيرة و رياحين ذابلة و شموع منطفئة..

و هناك و بعيداً عن كل العيون اجتمع رجال من «الأوس» برجال من «الخزرج» يتشاورون في رجل «مزمّل» و قد أوجسوا خيفة من غدر قريش.

«السقيفة» تكتظ برجال نصروا الرسول و آزروه يوم كان شريدشا، و قهروا به الذين شرّدوه عن دياره بغير حقّ.

طافت خيالات «بعاث» في فضاء السقيفة، نشرت ظلالها سوداء كالحة.. نكأت جروحشا ضمدها رسول السماء فاندملت.. إلى حين.

قال سعد و كان دنفا:

- يا معشر الأنصار ان لكم سابقة في الدين و فضيلة ليست لقبيلة من العرب.. فلا تدعوهم يغلبوكم على أمركم.

قال زيد مؤيداً:

- وفقت في الرأي و أصبت في القول. ولن تعدو ما أمرت نوليك

هذا الأمر، فأنت لنا مقنع و لصالح المؤمنين رضى.

قال «ابن حضير»:

- ولكنهم عشيرة النبي و هم أولى به من غيرهم.

أجاب ابن المنذر مستدركاً:

- إذن نقول لهم منّا أمير و منكم أمير.

هتف سعد غاضباً:

- هذا أوّل الوهن.

و تمتم ابن الأرقم متأسفاً بصوت لم يسمعه أحد:

- لك اللَّه يا عليّ.. ان الملأ يأتمرون بك لي...

وانسلّ من بين الجمع شبحان راحا يحثان الخطى و قد انبعثت في الأعماق اصداء معركة قديمة في يوم من أيام العرب.

قال عويم يحث صاحبه:

- اسرع يا معن قبل أن تعقد لسعد.

القسمت 32


بدا «أبوعائشة» متردّداً يقدم و يحجم.. كرجل تاهت به السبل.. يزن الاُمور بوقار تاجر قديم، قال في نفسه: ليقنع بنوهاشم بالنبوة وليدعوا الخلافة لبطون قريش ولكن ماذا يفعل و وصايا النبي في الصدور وفي القلوب.

أبوبكر غارق في تأمّلاته.. وكان صاحبه يختلس اليه النظرات... نظرات مصممة قويّة ثاقبة لايعرفها سوى «الجراح».. وبدا أبوحفص في تلك اللحظات قوياً كالعاصفة جباراً كالسيل وقد اشتعلت في أعماقه كلمات قالها يهودى ذات يوم:

- أنت ملك العرب.

كان عمر غارقاً في هواجسه عندما وصل «عويم» و «معن».

هتف «أبوحفص»:

- ماذا؟!!

لم يكن هناك وقت.. فالفرص تمر مر السحاب وانطلق ثلاثة رجال.. لو رأيتهم من بعيد لأدركت أية طامة وقعت لهم أو عليهم... كانوا يسرعون الخطى.. والرسول ما يزال مسجى.. في فراشة... يتحدث بلغة الصمت.. لغة عجيبة لاتفهمها سوى اُذنٌ واعية...

رجال من الأوس و رجال من الخزرج يأتمرون قد أوجسوا خيفة.. ورجال من قريش يحثون الخطى إلى سقيفة لبني ساعده و النبي يدعوهم بلغة الصمت..

«الغنائم» تلوح من بعيد شهية يسيل لها اللعاب و قد ترك «الرماة» مواقعهم.. في «عينين» و الرسول يدعوهم.

اقتحم الثلاثة «السقيفة»، وبدت الوجوه مخطوفة اللون شاحبة قد عراها اصفرار. لقد انتقض الغزل و هو في أيديهم.. كان أبوحفص على و شك أن يثور لولا أبوبكر:

مهلاً يا عمر: الرفق هنا أبلغ.

و توجه أبوبكر إلى الأوس و الخزرج بكلمات هادئة:

- يا معشر الأنصار من ينكر فضلكم في الدين و سابقتكم العظيمة في الإسلام؟.. و اللَّه رضيكم لدينه و رسوله أنصاراً وانتخبكم محلّاً لهجرته و فيكم جل أزواجه و أصحابه..

ثم أردف و هو يرمي سهماً في الهدف.

- نحنُ الاُمراء و أنتم الوزراء.

اعترض «الحبّاب» و قد أخفق في إخفاء وهنه:

- بل منا أمير و منكم أمير.

انتفض عمر ليشدّد الهجوم:

- هيهات لا يجتمع اثنان في قرن.. واللَّه لا ترضى العرب أن يؤمروكم ونبيّها من غيركم ولكن العرب لاتمتنع ان تولّي أمرها من كانت النبوة فيهم و ولى اُمورهم منهم ولنا بذلك على من أبي من العرب الحجة الظاهرة و البرهان المبين..

وأردف و قد أخذه حماس المنتصر:

- من ذا ينازعنا سلطان محمد و امارته و نحن أولياؤه و عشيرته الّا مبطل أو متجانف لإثم أو متورّط في هلكة.

رد الحباب بغضب:

- املكوا أمركم يا معشر الأنصار و لا تسمعوا مقالة هذا فيذهبوا بنصيبكم من هذا الأمر.. فان أبوا فاجلوهم عن البلاد.. إنا أحق بالأمر

منهم، بأسيافنا دان العرب لهذا الدين..

وأخذته فورة حماس فراح يطلق التهديدات حمماً:

- أنا شبل في عرينة الأسد... و اللَّه لا يرد على ما أقول إلَّا حطمت أنفه بالسيف.

انبرى عمر لامتصاص العاصفة بمرونة متكلفه:

- اذن يقتلك اللَّه.

- بل إيّاك يقتل.

و نهض رجل من الخزرج و قد رفع راية بيضاء:

- إنّا أول من نصر اللَّه و رسوله و جاهدنا المشركين لانبتغي من الدنيا عرضا... ألا و ان محمداً من قريش و قومه أولى به وأحقّ.. فاتقوا اللَّه يا معشر الأنصار و لا تخالفوهم.. و لا تنازعوهم.

تنفّس عمر بارتياح و هو يراقب تهاوي القلاع..

هتف الحباب مخذولاً:

- حسدت ابن عمّك!!

- لا واللَّه.. ولكن كرهتُ ان أُنازع قوماً حقّاً جعله اللَّه لهم.

و انبرى أبوبكر لاقتطاف أولى الثمار. أشار إلى عمر و أبي عبيدة و قال:

- قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فايُّهما شئتم فبايعوا.

و بطريقة لم تبد عفوية هب عمر مستنكراً:

- معاذ اللَّه.. أنت أفضل المهاجرين.. ابسط يدك.

بسط «أبوبكر» يده و قد سقطت التفاحة في قبضته؛ و نهض رجل من الخزرج فبايع.. و رجل من الأوس.. و تهاوت القلاع و الحصون..

وتمت أول «فلتة» في تاريخ الإسلام.

بدا «الحباب» متشنجاً كمن أصابه مس من الجنون فالتفت اليه أبوبكر مدارياً:

- أتخاف منى يا حباب؟

- ليس منك ولكن ممن يجي ء بعدك.

- اذا كان ذلك كذلك فالأمر اليك و إلى أصحابك ليس لنا عليكم طاعة.

- هيهات يا أبابكر اذا ذهبت أنا و أنت جاءنا من بعدك من يسومنا الضيم.

و قال أبوعبيدة بلين:

- يا معشر الأنصار أنتم أولي فضل ولكن ليس فيكم مثل أبي بكر و عمر و على.

أجاب زيد و قد هزه اسم على:

- إنّا لا ننكر فضل من ذكرت و ان منّا سيّد الأنصار سعد بن عبادة و إمام العلماء سعد بن معاذ و ذوالشهادتين خزيمة... و ان بين من ذكرت من قريش لو طلب الخلافة لا ينازعه أحد.

- مَن؟!!

- علي بن أبي طالب... واللَّه ما اجتمع الأنصار في السقيفة إلّا بعد شمّوا رائحة غدر دبّر بليل.

القسمت 33


انطوى يوم الاثنين و قد ألقى الحزن كلاكله فوق الأرض كغراب اسطوري. فاطمة تنوء بنفسها و قد اسندت رأسها إلى صدر لم يعد النسيم يزوره.

كانت تصغي إلى صمت الأنبياء وللصمت حديث تسمعه القلوب و تصغي إليه العقول، العينان اللتان كانتا نافذتي نور قد اسدلتا جفونهما واليدان اللتان كانتا مهداً هما الآن مسبلتان. الروح التي كانت تصنع التاريخ و الإنسان قد رحلت بعيداً. غادرت هذا الكوكب الزاخر بالويلات.

لقد حلّت لحظة الفراق، و تخفف الإنسان السماوى من ثوبه الأرضي ليرحل إلى عوالم حافلة بالنور و قد سمع أهل الأرض كلمات النبي، كان ينظر إلى السماوات و يهتف:

- بل الرفيق الأعلى.

أيُّها الصامت.. صمتك أبلغ من كل أبجديات الدنيا و سكونك المدوى صرخة حقّ في عالم الأباطيل. و قد زلزلت الأرض زلزالها، انهار عمود خيمة كانت تعصف بها الريح.. و تمزّق الكساء اليماني، و كان يدّثر نبيّاً هو خاتم الأنبياء و رجلاً يشبه هارون في كل شي ء إلّا النبوة، وامرأة هي سيدة بنات حوّاء وسبطين هما آخر الأسباط في التاريخ.

جثا على أمام جسد كانت روحه العظيمة تضي ء الجزيرة و بقايا نور في الجبين البارد تشبه شمساً جنحت للمغيب.. وهناك خلف جدران المنزل الذي جثم عليه حزن سرمدي كانت ترتفع ضجّة رجال.. كريح صفراء كانت تقترب من المسجد حيث لا يفصله عن المنزل سوى جدار يكاد أن ينهدّ.

و خفّ رجل هاشمي يحمل انباء السقيفة..

ستهب الريح عاصفة مدمّرة.. لاتبقي و لا تذر. تساءل علي:

- ما قالت الأنصار؟

- قالت منّا أمير و منكم أمير.

- فهلاً احتججتم عليهم بأنّ رسول اللَّه وصى بأن يحسن إلى محسنهم و يتجاوز عن مسيئهم.

- و ما في هذا من الحجّة عليهم؟

- لو كانت الإمامة فيهم لم تكن الوصية بهم، سكت هنيهة و سأل:

/ 22