و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


القسمت 13


يثرب تتألق فرحاً وقد عاد النبيّ ورايات النصر تخفق فوق رأسه. كانت سعفات النخيل تتمايل طرباً..

توجّه النبيّ إلى المسجد فصلّى ركعتين... كان المسجد هادئاً والسكينة نبع يترقرق في جوانبه، نهض النبيّ واتجه صوب منزل فاطمة كعادته...

هبت الفتاة لاستقبال أبيها العظيم، و كانت ابتسامة مشرقة تضي ء قسمات وجهها الأزهر.

طبع الأب قبلة دافئة على جبين ابنته أودعها كلّ معاني الاُبوّة والحبّ.. و وجدت فاطمة نفسها في أحضان امّها الدافئة... دخلت عائشة و كانت تغار من فاطمة فقالت مستنكرة:

- اتقبلها وهي ذات بعل؟

أجاب النبي مدارياً:

- واللَّه لو علمت ودّي لها لازددت لها حباً.

أجابت ممتعضة:

- أنت لاتفتأ تكرّر ذلك و تذكر امّها العجوز و قد هلكت في الدهر الأول فأبدلك اللَّه خيراً منها.

أجاب النبيّ بحزن:

- لا واللَّه ما أبدلني خيراً منها... آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذبني الناس، وانفقت مالها إذ حرمني الناس، ورزقني اللَّه منها ذريّة دون النساء. ارتفع صوت عائشة فقالت فاطمة و هي تنسحب بهدوء:

- يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي.

ردت عائشة و قد احمر وجهها غيظاً:

- و اللَّه يا بنيّة خديجة ما ترين إلّا أن لأُمّك علينا فضلاً و أي فضل كان لها علينا؟!

ما لهذه المرأة لا تفتأ تذكر امرأة توسدت التراب من ثلاث سنين إلا لأنها ولدت فاطمة؟ و فاطمة فتاة تنم عن سيدة كما ينم البلور عما فيه و قد ولدت سيدة النساء. تدخل النبي غاضباً:

- يا حميراء ان اللَّه بارك في الودود الولود.

و أردف و هو يكفكف دمعة شرقت من عينيه:

- رحم اللَّه خديجة.

صرخت عائشة ثائرة:

- إنّك تحبّ فاطمة و عليّاً أكثر مني و من أبي.

ماذا تقول فاطمة لهذه المرأة. هل تقول لها كيف لا يحب عليّاً و قد رباه في حجره، فلما اشتد عودة آمن به وفداه بنفسه يوم هاجر، و في بدر و قد نصر اللَّه المسلمين و هم قلة. أتقول لها أن أباك كان مختبئاً في «العريش» و كان عليّ يقاتل... يقاتل بضراوة فصرع لوحده خمسة و ثلاثين من صناديد قريش من أصل سبعين. ماذا تقول لهذه المرأة التي أفقدتها الغيرة صوابها، ماذا تريد من أبي و زوجى... كانت لوعة تتأجج في روحها.

- لك اللَّه يا أبي.

و ماذا بوسعها أن تقول... لا لا... لن تقول شيئاً... لن تضيف همّاً جديداً إلى هموم النبي و قد تألب العرب عليه... لقد تعلّمت فاطمة الصبر... رضعته مع لبن اُمّها.. مرّاً حنظلاً لكنها تعودت مذاقه حتى بات شيئاً مألوفاً.

و في البيت نادت فاطمة أباها:

- يا رسول اللَّه:

ولكن، لا جواب.. و نادت مرة اُخرى يا رسول اللَّه.

كانت كلمات اللَّه تترقرق في أعماقها: «لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا».

هتفت فاطمة:

- يا رسول اللَّه!

التفت الأب العظيم و كان ينتظر منها كلمة أقرب إلى قلبه:

- يا فاطمة! انّها لم تنزل فيك.. أنتِ منى و أنا منك... قولى يا أبه، فانها أحيى للقلب و أرضى للرب.

سأل على مبتسماً و قد أراد أن يشيع البهجة في الحجرة:

- يا رسول اللَّه، أنا أحب اليك أم فاطمة؟

ضحك النبي و قال بود:

- أنت عندى أعز منها و هي أحب منك. طافت الابتسامة الوجوه كفراشة تدور بين زهرات ثلاث.

التفت النبيّ إلى ذكرى خديجة و قال مستفسراً:

- يا فاطمة ما كانت حاجتك أمس؟

سكتت فاطمة، لاذت بالصمت...

لقد اكتشف أبوها اذن انها جاءته لحاجة ثم عادت دون ان تسأله، وهاهو اليوم يسألها وهي تود أن لاتسأله، على أن منظرها يشفّ عمّا بها خاصّة كفيّها فما تزالان تؤلمانها من كثرة ما طحنت بالرحى.

تدخل علي و قد عرف ان فاطمة لن تقول شيئاً:

- أنا أخبرك يا رسول اللَّه... انّها استقت بالقربة حتى أثرت في صدرها و جرت بالرحى حتى مجلت يداها و انها تسألك جارية تكون لها عوناً في ذلك...

شعر النبي بالحزن يعتصر قلبه وانبجست من عينيه الدموع و قال بلهجة تنم عن اعتذار عميق لابنته:

- يا بضعة محمد، ان في المسجد اربعمائة رجل ما لهم طعام و لا ثياب.. فتعجلي يا بنتاه مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة...

وأقبل النبي على عزيزته يرفدها من روحه العظيمة فقال:

- ألا أعلمك ما هو خير لك من الخادم.

- أجل يا أبه.

- تسبحين اللَّه ثلاثاً و ثلاثين مرّة و تحمدين ثلاثاً و ثلاثين مرة و تكبرّين أربعاً و ثلاثين؛ تلك مئة باللسان و ألف حسنة في الميزان.

ابتسمت فتاة الأنبياء. ظهر البِشر في عينيها العميقتين عمق البحار... وهمست في نفسها:

- طلبنا الدنيا فجاءت لنا الآخرة.

و يمرّ عام. تعاقبت فصوله الأربعة و انطوت أيامه ولياليه.

القسمت 14


اطلّ شهر رمضان و تألقت لياليه الجميلة... السماء تكتظ بالنجوم... وصفاء لا عهد ليثرب به يسود المدينة، وطافت آيات القرآن بساتين النخيل و الأعناب.

فاطمة صائمة، و الهلال الذي بزغ في سماء يثرب ينمو و يكبر، و جنين في بطن فاطمة يتحرك يفيض بالحياة... والعيون تترقب كوكباً سيشرق على الدنيا.

كبر الهلال أصبح نصف دائرة من فضة... و تدور الليالي حتى إذا أصبح القمر بدراً، بدأت لحظة المخاض.

تألق الأمل في بيت على.. وأطل على الدنيا صبى عليه سيماء محمد.

خفّ النبي إلى منزل فاطمة، و البشرى تطوف فوق جبينه.

هتف النبيّ بأسماء و كانت عند فاطمة:

- هاتى إلى إبني.

تقدمت اسماء تحمل طفلاً ملفوفاً بمنديل أصفر.

احتضن النبي حفيده وطوح بالمنديل الأصفر بعيداً و قال:

- يا أسماء ألم أعهد اليكم ان لا تلفوا المولود بخرقة صفراء...

أسرعت اسماء و أحضرت منديلاً أبيض، وبدا الوليد حمامة بيضاء، أو غمامة هبطت من سمائها إلى الأرض.

تساءل النبيّ عن اسمه فقال علي:

- ما كنت لأسبق رسول اللَّه.

- يا على أنت منى بمنزلة هارون من موسى فسمه باسم ابن هارون.

- و ما كان اسمه يا نبيّ اللَّه.

- اسمه شبر.

- العرب لا تعرف هذا الاسم.

- سمه حسنا.

- كانت فاطمة سعيدة و كانت سعادتها انعكاساً لسعادة والدها كما ينعكس النور في المرايا...

كانت فاطمة فرحة لأنها لم تر أباها سعيداً كهذا اليوم، طافت أمام عينيه سعادة قديمة يوم قدمت خديجة طفلته الحبيبة فاطمة... يوم بشّره جبريل بالكوثر.

مرت سبعة أيام.. أيام ملونة كقوس قزح... حتى اذا أطلّ اليوم السابع... نحر النبي كبشاً وعقَّ عن حفيده.. لقد فدت السماء اسماعيل بكبش وهاهو حفيد ابراهيم يفدي الوليد المبارك بكبش أملح.. وأعطى القابلة فخذاً و ديناراً...

وضع النبي الوليد في أحضانه و حلق شعره و تصدق بوزن الشعر فضة.

وأدرك الذين رأوا النبي و حفيده و تلك السعادة التي كانت تتدفق في وجه النبي ان حباً عظيماً قد تفجر في قلب الرسول و ان لهذا الوليد المبارك شأناً عظيماً.

و تدور الأيّام و القلب الصغير ينبض بهدوء كنهرٍ هادئ...

استعادت فاطمة نشاطها بل شعرت ان قوّة كامنة قد تولّدت في روحها.. قوّة تدفعها إلى العمل.. إلى ان تلمس الأشياء فتمنحها اسمها و جمالها.

رشت الفناء بالماء.. تناثرت من بين أصابع كفّها حبّات باردة كانت تتألق في ضوء الشمس.. وامتلأ الفضاء برائحة طيبة تشبه رائحة الأرض المرشوشة بالمطر... رائحة تشد المرء إلى أن يفتح صدره فيستنشق الهواء يملأ به رئتيه.

كان الحسن في مهده غافياً... وطيف ابتسامة يلوح فوق فمه

الدقيق كوردة تتفتح للربيع... ربما كان يحلم بأشياء جميلة... أشياء أودعها اللَّه في النفس يوم خلق الإنسان.

كانت فاطمة ترنو إلى الوليد الذي صيّرها امّاً. و قد ولدت فاطمة الاُمّ.. تدفق نبع الاُمومة في قلبها فياضاً رقيقاً...

جلست إلى الرحى و مستها فدارت حول قطبها هادئة.

و بصوت رخيم راحت بنت النبي ترتل آيات جاء بها جبريل من السماوات البعيدة لشد ما تحب فاطمة تلك الفتاة الطاهرة... مريم ابنة عمران... انساب الصوت رقيقاً مؤثّراً كساقية:

«وإذ قالت الملائكة يا مريم إن اللَّه اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين.. يا مريم اقنتي لربِّك واسجدي واركعي مع الراكعين... قالت الملائكة يا مريم انّ اللَّه يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم وجيهاً في الدنيا و الآخرة و من المقرّبين».

رنت فاطمة نحو وليدها.. حركت مهدهُ بقدمها وراح المهد يتهادى على هون كزورق في بحيرة رائقة.

الرحى تدور بهدوء.. و كلمات السماء تنساب بخشوع.. و المهد يتأرجح برفق.. و تلتقي هذه الأشياء لتملأ حياة فاطمة حيث الزمن نهر تتدافع امواجه في رحلة نحو البحر الكبير، أو رحى كبيرة تدور حول قطب ثابت لايعرف الدوران.

القسمت 15


جلس أبوحفصة يفكّر، والليل و الظلام فلاة واسعة يبذر المرء فيها ما يشاء و يزرع ما يشاء و يحصد ما يشاء، يطير في السماء أو يمشى في الأرض يخرقها أو ينافس الجبال طولاً..

جلس أبوحفصة وحيداً وبدا جبينه الواسع براقاً في ضوء القنديل... كان يفكر في ماضيه.. شجرة قصيرة النسب.. ليس لها جذور في أرض الجزيرة... في مكة كان يهرب من نفسه يشرب الخمر كؤوسا تنسيه ماضيه فيعيش في بعض خيالاته... أو ربما ثأر من بعض أهل الشرف، فيتغاضون عنه.. و السكر عذر.

تذكر فرحته يوم «أسلم»... محمد منحه الأمل في حياة لا حسب فيها و لا نسب إلَّا التقوى ولكن خابت آماله في المدينة ما يزال البعض ينظرون اليه نظرات مستفهمة... فكان يزيد التصاقه بالنبيّ. زوّجه ابنته حفصة. أصبح صهراً لرجل عظيم في الجزيرة كلّها،

/ 22