و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


هتف سلمان وقد رأى العذاب قاب قوسين أو أدنى:

- يا سيدتي! إن اللَّه بعث أباك رحمة. والتفت إلى عمر:

- خلوا عن عليّ فقد اقسم ألّا يخرج حتى يجمع القرآن.

انسحب الرجال أمام فتاة نحيلة الجسم كنخلة متواضعة.. لكنّها عميقة الجذور.

ما تزال راية المقاومة ترفرف فوق منزل فاطمة كطيف من رؤى النبوّات.

وقف التاريخ مشدوهاً قبالة منزل صغير يضمّ فتاة نحيلة القوام.

وقف التاريخ خاشعاً أمام «فاطمة».. أمام فتاة عجيبة لم يرَ مثلها صفاءً لكأنها تنتمي إلى عالم آخر لايمت إلى عالم التراب بوشيجة.

قبس من نور يكاد ينفذ من أهاب جسد نحيل لكأن الملاك يوم ولدت تضرّع إلى ربّه:

- يا ربِّ اجعلها ثابتة كالجبل، مباركة كالنخيل، طاهرة كقطرات الندى، سيّدة كحورية.

وقف التاريخ مذهولاً أمام فاطمة.. غيمة بيضاء تختزن الرعود... فهذه الفتاة التي تقف في محرابها تتبتل إلى السماء حتى تكاد تفتت التراب لتصبح كوكباً درّيا.. تتسرب من بين الطين عائدة إلى عالم النور.

وقف التاريخ خاشعا امام فتاة تقضى جل وقتها تتأمل ملكوت السماء.. ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك... فتاة تنطوى ضلوعها على قلب تضيع فيه الصحارى.

وقف التاريخ امام سيدة عظيمة هبت بوجه العاصفة؛ ولتكن «فدك» ارضا للصراع.

القسمت 36


ما أصغر فدكاً فوق الأرض... وفي الجغرافيا. و ما أوسعها في خارطة التاريخ.

هبّ السامريّ ليجثو أمام «العجل» وفتحت الأوثان العربية عيوناً حجرية تحدّق ببلاهة... وبرقت عينا «الاسخريوطي» بالغدر و هو يدلّ على ابن مريم... و همّ بنواسرائيل بهارون، وفرّت الفراشات إلى مخابئها و قد عوت ريح الزمهرير كذئاب مجنونة.

نهضت فاطمة بوجه العاصفة تقول لا:

- لا تقتلوا يوسف.. و لا تلقوه في غيابت الجبّ.

- لا تغدروا بابن العذراء.. لا تعبدوا العجل من دون الرحمن.. لا تقتلوا هارون.

- دعوا الفراشات تسبح في غمرة النور.. لا تطفئوا الشموع.. لا تتقلوا الأرض بالآثام.. دعوا هابيل يرعى ماشيته بسلام.

وقفت فاطمة تنظر إلى الأفق البعيد المدلهمّ بالخطوب و الحوادث وراحت تسرج الشموع في مهب العواصف علّها تضي ء الصحراء والتاريخ.

معركة وشيكة ستندلع.. تدمّر كلّ شي ء.. معركة عجيبة اسلحتها الصبر.. الصمت الرفض... كان على عليّ أن يرمي «ذالفقار» جانباً.. أن يصرخ بالصمت.. الصمت المدوّي و كان على فاطمة أن تتكلّم بعد أن طوت الماضي متبتلة في المحراب.

نهضت فاطمة. غادرت محراب الصمت لتقول كلمتها في الذين يسرقون «فدك» في غمرة الليل حتى لا يسرقوا التاريخ و المستقبل في وضح النهار..

جاءت فاطمة تطالب بالميراث و كانت جذوع «فدك» سلاحها الوحيد:

- اعطني ميراثى من أبي رسول اللَّه.

قال أبوبكر:

- سمعت أباك يقول: نحن معاشر الأنبياء لانورّث.

- كيف و قد ورث سليمان داود.. وقال زكريا: يرثنى ويرث من آل يعقوب؟!!

- أنا سمعت رسول اللَّه يقول نحنُ الأنبياء لا نورّث وهاهي

عائشة وحفصة تشهدان على ذلك.

- سبحان اللَّه ما كان أبي عن كتاب اللَّه صادفاً.. و لا لأحكامه مخالفاً..

اشتعلت ثورة في قلب ابن فاطمة و كان صبيّاً جذب رداء رجل ينازع امّه الميراث.

هتف السبط:

- انزل عن منبر أبي و اذهب إلى منبر أبيك.

سأل الرجل بدهاء:

- من علّمك أن تقول هذا؟

لاذ الصبي بالصمت.

فعاد الرجل يكرّر مقالة ما أنزل اللَّه بها من سلطان.

قالت فاطمة و هي تضمّ ريحانة الرسول و تحدّق في الذين اغتصبوا ميراث الأنبياء:

- كلّا بل سوّلت لكم أنفسكم أمراً فصبر جميل واللَّه المستعان على ما تصفون.

غادرت فاطمة المكان.. و تناثرت أسئلة.. علامات استفهام، فتمتم الخليفة بأسىً أمام صاحبه:

- أما كان الأحرى أن نهبها فدكاً... أنا أخشى ابنة محمد.

أجاب أبوحفص مشجّعاً:

- لا تخف يا صاحبي... غبرة و تنجلي و ما هي إلّا جولة و ينتهي كلّ شي ء... و كأن شيئاً لم يكن... و ربت على كتفه و قد عرف كيف يتغلفل إلى قلبه:

- أقم الصلاة... و آت الزكاة... ان الحسنات يذهبن السيئات.. و ما يفعل ذنب واحد في حسنات كثيرة.

أضاءت الابتسامة وجهه، فقال:

- كربة فرجّتها يا عمر..

هتف الخليفة و قد شحذ العزم كلمات تدعو بالويل والثبور...

- ألا لو شئت أن أقول لقلت، و لو تكلمت لبحت و اني ساكت ما تركت... يستعينون بالصبية و يستنهضون النساء.. و اني لستُ كاشفاً قناعاً و لا باسطاً ذراعاً و لا لساناً، إلّا من استحق ذلك.

استنكرت اُم سلمة و كانت امرأة على خير:

- أمثل هذا يُقال لفاطمة!! وهي الحوراء و عديلة مريم.. ربيت في أحضان الأنبياء و تداولتها أيدي الملائكة.. أتزعم ان رسول اللَّه حرّم عليها ميراثه؟!

عادت فاطمة إلى منزلها.. و قد جثم الحزن على بيوت المدينة

كطائر مهيض الجناح.

أوت فاطمة إلى المحراب تستمد من السماء الروح.. الحياة.. النور؛ تريد أن تتخفف من عناصر الأرض.. الأرض المثقلة بالدماء الآدمية... تريد أن تنتمي إلى عالم آخر لانكد فيه و لا عناء... تنشد بيتاً من قصب لا تعب فيه و لا نصب.. ما تزال تبحث عن اُمّها.. أوت فاطمة تلك الليلة إلى المحراب، وقالت:

- ربِّ إبنِ لي عندك بيتاً في الجنّة و نجّني.

هوّمت عيناها.. فانبثق شلّال من نور النبوّات.

هتفت بشوق:

- يا أبتاه، يا رسول اللَّه انقطعت عنّا السماء.

خفقت أجنحة الملائكة.. رفرفرت كفراشات من نور سماويّ.. ولجت فاطمة الملكوت راحت تخطر في عوالم النور.. الملائكة صفوف والحدائق غنّاء... و الأنهار تجرى متدفقة تدفّق الحياة.. وحوريات يخطرن بين الأشجار الخالدة.

قالت احداهن لفاطمة:

- مرحباً بحورية الأرض...

فاطمة تخطر في عالم شفّاف.. عالم ملوّن. أشارت فاطمة إلى نهر يطّرد.. تتدافع أمواجه البيضاء.. تدور حول قصر تحفّه الأشجار

ويغمره النور من كلّ مكان. قالت حورية:

- هذا الفردوس.. وهنا يسكن سيّد ولد آدم محمد.

- أين أبي؟

انبثق شلّال من نور محمّد... كان يرتدي ثياباً من سندس بلون الربيع..

ركضت فاطمة.. ضاعت في صدره الرحب.. شعرت بأنها تعود إلى أحضان أمّها.. إلى عالم تنتمي اليه.

- انظري إلى ما أعدّ اللَّه لك.. لقد انتهت آلامك و آن لك أن تستريحي.. انظري إلى زهدك كيف أصبح جنّة عرضها كعرض السماوات و إلى فراش الليف فكيف صار سريراً من حرير، و إلى جوعك و عريك كيف أضحى فاكهة و قطوفاً دانية واستبرق وحريرا.. وانظري إلى دموعك اضحت أنهاراً من لبن.. ومن عسل تجري، و إلى حجرتك أمست قصراً... و إلى ظلمات الأرض صارت شلالات من نور يتدفّق..

انتبهت فاطمة.. عادت إلى الأرض لتودّعها.. لتقول كلمتها قبل الرحيل الأبدي... عادت لتبني بيت الأحزان... تبكي الأرض المثقلة بالهم... بالدموع و بالألم.

القسمت 37


لفّت فاطمة خمارها، واشتملت بردائها و الازار و نهضت بأمر اللَّه.

مابين دار فاطمة و المسجد خطوات، قطعتها ثابتة الخطى لكأنها محمّد و عاد يصحح مسار الإنسان من جديد.. يقوده إلى منابع النور والخلود.

جاءت فاطمة تحفها نسوة و بنات دخلت المسجد.. لتقول كلمتها للاُمّة و التاريخ.

و أنّت من وراء حجاب... انّة هي أنّة هابيل

قبل ان يموت... فيها عذابات «آسية»... و حزن «مريم».

ولوعة «يوكابد»...

بكى المهاجرون و بكى الأنصار واهتزّ قلب كالصخر ولان.

قالت بنت آخر الأنبياء وقرينة مؤسس البلاغة في العرب:

- الحمد للَّه على ما أنعم وله الشكر على ما ألهم والثناء بما قدّم

من عموم نعم ابتدأها، وسبوغ آلاء أسداها و تمام منن أولاها، جمّ عن الاحصاء عددها، ونأى من الجزاء أمدها و تفاوت عن الادراك أبدها. وأشهد ان لا إله الّا اللَّه وحده لا شريك له، كلمة جعل الاخلاص تأويلها، و ضمن القلوب موصولها، و أنار في التفكير معقولها، الممتنع عن الأبصار رؤيته، و من الألسن صفته و من الأوهام كيفيته، ابتدع الأشياء لا من شي ء كان قبلها، و أنشأها بلا احتذاء أمثلة امتثلها، كوّنها بقدرته و ذرأها بمشيئته.

وأشهد ان أبي محمّداً عبده و رسوله، اختاره قبل أن أرسله، وسمّاه قبل أن اجتباه، واصطفاه قبل أن ابتعثه، إذ الخلائق بالغيب مكنونة، و بستر الأهاويل مصونة، و بنهاية العدم مقرونة.

ابتعثه اللَّه اتماماً لأمره و عزيمة على امضاء حكمه و انفاذاً لمقادير حتمه، فرأى الاُمم فرقاً في أديانها عكفاً على نيرانها، عابدة لأوثانها، منكرة للَّه مع عرفانها، فأنار اللَّه بأبي محمّد ظُلمتها و كشف عن القلوب بهمها و جلّى عن الأبصار غممها... ثم قبضه اللَّه اليه قبض رأفة و اختيار و رغبة و ايثار.

محمد من تعب هذه الدار في راحة، قد خصّ بالملائكة الأبرار، و رضوان الربّ الغفار، و مجاورة الملك الجبّار، صلّى اللَّه على أبي وأمينه و خيرته من الخلق و صفيّه والسّلام عليه و رحمة اللَّه و بركاته.

/ 22