و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




صادق أبابكر؛ وأبوبكر له منزلة. هاجر مع النبي.. بات معه في الغار


امتدّ به الليل.. وأضحت النجوم أشدّ لمعاناً.. اشتعلت في أعماقه رغبة مجنونة في الهرب.. تناول جفنة صغيرة فملأها خمرة معتقة و أفرغها في جوفه. شعر بأن أعماقه تشتعل، وزاد وجهه حمرة كجمرة متوقدة في الظلام.. صب لنفسه جفنة اُخرى و اخرى... اشتعلت عيناه.. تراقصت فيهما اضواء القنديل... عوت ذئاب، و ولد وحش في أعماقه. كان الوحش يكبر و يكبر.. يزداد شراسة. فجأةً هب واقفاً حتى كاد رأسه أن يرتطم بالسقف... سوف يحطّم بيوت يثرب... اتّجه إلى منزل «ابن عوف» لشدّ ما يكره هذا الرجل.. يفاخر بنسبه يتباهى بذهبه و فضته.. طرق الباب بعنف.. فخرج الرجل و هو يحاول فتح عينيه بصعوبة، التمعت عينا أبي حفصة و هو يهوى على رأس ابن عوف بقبضته، ارتد الرجل مذعوراً و ما لبث أن تهاوى في عتبة الباب.


راح عمر يجتاز البيوت حتى اذا جعلها وراءه و بدت الصحراء أمامه بعيدة و السماء تكتظ بالنجوم.. تذكر ما جرى قرب آبار بدر... تذكر صناديد قريش... و هم يسحبون فوق الرمال ثم يرمى بهم في القليب، رأى أباجهل جثّة هامدة.. و رأى اُمية بن خلف و عتبة و شيبة والوليد. رآهم صرعى و كانوا يملأون مكة هيبة.. لقد أخذهم الموت


دون عودة... و خلفوا وراءهم ذهباً و فضة و نساءً جميلات و خلفوا شجرة مجدهم الرفيع.


انطلق أبوحفصة يتغنى بشعر الأسود:




  • وكاين بالقليب قليب بدرٍ
    و كاين بالقليب قليب بدرٍ
    أيدعونا ابن كبشة ان سنحيا
    أيعجز أن يردّ الموت عني
    و ينشرني اذا بليت عظامي



  • من القينات والشرب الكرام
    من السرب المكامل بالسنام
    وكيف حياة أصداء وهام
    و ينشرني اذا بليت عظامي
    و ينشرني اذا بليت عظامي



سمع بعضهم صوت عمر يشقّ صمت الليل ففضّل السكوت... رجل عنيف حادّ الطبع.


ولكن «ابن عوف» لم يتحمل كان يشق طريقه في الظلام إلى منزل النبي.. انه يعرف رسول اللَّه. سوف يجده مستيقظاً يعبد اللَّه، وربما ينتظر أوبة رجال بعثهم في الصحراء يستطلعون له أخبار القبائل و أخبار قريش فقريش لا تنام على الثأر.


طرق ابن عوف الباب وانتظر... اطل النبي بوجهه المضي ء.. رأى






صاحبه ابن عوف، وخيط من الدم يلون رأسه و قطرات حمراء فوق ثوبه.


تمتم ابن عوف بشي ء من العتب:


- عمر يا رسول اللَّه...


أدرك النبيّ كل شي ء... ما يزال صاحبه يشرب الخمرة و يفعل ما يحلو له...


بان الغضب على وجه النبيّ بعد ما عرف بأن صاحبه يتغنى بشعر اعدائه.. بردده كلمة بكلمة و حرفاً بحرف... و الأنكى من ذلك أنّه يحرض المشركين لإطفاء النور الذي توهج في الجزيرة.


و ربّما لأوّل مرّة؛ رأى المسلمون رسول اللَّه يتميز غضباً.. حتى اذا وقف على رأس صاحبه. هتف أبوحفصة و قد عاد إلى وعيه:


- أعوذ باللَّه من غضب اللَّه و غضب رسوله.


كاد الرسول أن يهم به لولا كلمات سمعها هدأت نفسه وكظم غيظه.. يا للإرادة تضع نفسها فوق فوهة بركان ثائر.. وهكذا تعرف الرجال في مواقف كهذه دونها لهوات الحرب و ظلال السيوف.


عاد النبيّ إلى منزله يفكر في آفة العقول هذه ماذا تفعل بالناس.. هؤلاء الفارّون من ضوء النهار إلى هلوسة الظلام.


نهض أبوحفصة يجرجر قدميه عائداً هو الآخر إلى بيته.. وكانت


العيون تحاصره.. تستنكر هذيانه.. رفع عمر يديه إلى السماء و هتف:


- اللّهم بين لنا بياناً شافياً في الخمر.


وفي الصباح سمع أبو حفصة بآية حملها جبريل من قلب السماوات:


- إنّما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة و البغضاء في الخمر و الميسر و يصدّكم عن ذكر اللَّه و عن الصلاة فهل انتم منتهون.


هتف عمر و هو يحطّم آنية الخمر بعصبية:


- نعم انتهينا... نعم انتهينا.


سادت المدينة حركة غير عادية و توالت الحوادث.. اليهود يتآمرون خلف حصونهم يحرضون المشركين كافة على غزو المدينة... والنبيّ قلبه على المدينة يخاف عليها الغدر.. و كانت السماء تحرس مدينةً آوت النبيّ... تحميها من دسائس اليهود.


القسمت 16



مناحات مكة ما تزال تتصاعد في فضاء الجزيرة كخيوط الدخان، و قريش تعدّ العدّة للثأر تحد سيوفاً و خناجر، «أبوسفيان» يصرّ على نواجذه غيظاً يحاول أن يفعل المستحيل و قد تحوّلت زوجه إلى أفعى رهيبة في عينيها يسكن حقد يحيل السلام إلى حرب ضروس و الأخضر إلى رماد و دخان. هند لا تنام الليل. تبحلق في الظلام كأفعى اسطورية. و أبوسفيان يقود خيلاً و رجالاً، يغير على المدينة في قلب الليل. يتسلّل كحيّة تسعى. و يجد «ابن مشكم» زعيم بني النظير ينتظره يدلّه على نقاط الضعف في المدينة. يعلّمه كيف يقتل محمداً عدوهما المشترك.


كان كعب بن الأشرف يصغى بصمت. يراقب سيّده كيف يحوك خيوط العنكبوت و أبوسفيان يتلمظ كحيّة عيناه تستعران كجمرتين و بدت ظلاله على الحائط شيطاناً مريداً.


قال أبوسفيان وقد أثاره صمت كعب؛ ربما تعجب من حماس اليهود لقتل محمد وهم أهل كتاب:


- أقسم عليك بالتوراة؛ ديننا خيرٌ أم دين محمد.


انتبه كعب كما لو لسعته عقرب و قال بغيظ:


- بل دينكم يا أباسفيان أهدى من دين محمد.


قال ابن مشكم بخبث يهودي:


- أتراه كاذباً يا أباسفيان؟!


ردّ أبوسفيان و قد ملّ:


- كيف و قد كنّا ندعوه الصادق الأمين.


- فَلِمَ تقاتلونه إذن؟


شعر أبوسفيان بالنار تشتعل في رأسه:


- كنّا و بنوهاشم مثل فرسَي رهان كلما جاءوا بشي ء جئنا بمثله.. حتى ظهر محمّد فماذا يبقى لنا.


قال كعب و هو يصب الزيت في النار:


- لو اجتمعت قبائل العرب عليه ما وصل الأمر إلى هذا الحد. قوافلكم، هيبتكم و حيت آلهتكم في خطر، تغدّوا به قبل أن يتعشى بكم. نهض أبوسفيان حانقاً و هتف بعصبية:


- لن يطلع القمر حتى تسمع بمناحة في بيوت يثرب.


أسرع أبوسفيان وأمعن في الصحراء إلى حيث يعسكر مئتان من خيله و رجاله.


المدينة تغفو هادئة تنتظر الفجر.. تترقب صياح الديكة ليوم جديد تزرع و تبني و تفجّر الصخر ينابيع...


سنابك خيل مجنونة تهزّ الأرض و تثير غباراً امتزج مع غبش الفجر.


في «العريض» من أطراف المدينة شبت النار في منزلين وفرّت النسوة والأطفال و ذبح رجال.. و احترقت بساتين النخيل وفرّ المغيرون لايلوون على شي ء.


كان أبوسفيان يراقب متلذذاً منظر النار و هي تلتهم أهداب يثرب. ودّ ان هنداً كانت حاضرة علّها تطفئ غليلها.


صراخ الأطفال والنساء يملأ الفضاء المفعم بالسكينة. وتناهت إلى اُذنيه صهيل خيل غاضبة فهمز فرسه تسبق الريح باتجاه مكّة.


استيقظت مكة وقد سادتها حمى الحرب وراحت تنفث في الفضاء روح الثأر... ثلاثة آلاف محارب يلتفون حول أبي سفيان، والتفت حول هند أربع عشرة امرأة.. و ثارت الحمية.. حمية الجاهلية.


و تصاعد دخان البخور لهبل إله الحرب ليأخذ لهم ثأرهم من محمد.


على ضوء سراج واهن بدا «العباس» مهموماً و هو يكتب إلى ابن


اخيه رسالة يحذّره فيها من حملة وشيكة لقريش. وفي جوف الليل انطلق فارس يسابق الريح و يطوي رمال الصحارى لا يلوي على شي ء.


كان النبي في «قباء» على مبعدة أربع أميال جنوب يثرب... في تلك الأرض التي وضع قدمه فيها آمناً بعد هجرة مثيرة. وقد جاء ليراقب عن كثب ما تموج به الصحراء من غدر و دسائس... القبائل لا تريد ليثرب السلام؛ تخطب ودّ قريش حيث مكة اُم القرى و بيت الآلهة.. و قريش لاتنام على الثأر..


لا شي ء في الاُفق البعيد سوى الرمال.. الصمت يهيمن على الأشياء يزيدها رهبةً.. كان أبيّ بن كعب يدقّق في نقطة سوداء لاحت في الاُفق.. فهتف متسائلاً:


- اظنه فارساً يسابق الريح.


- اجلّ يبدو انّه قادم من مكة.


توقف الفارس بعد أن كبح جماح فرسه بعنف... أثارت الفرس الرمال المتوهجة وقفز الفارس مبهور الأنفاس يحمل في يمينه رسالة من قلب ينبض بحبّ النبي.


لا أحد يعرف مضمون الرسالة التي قرأها ابن كعب على النبيّ.. ولكن الوجوم الذي غمر وجه الرسول يشفّ عن أمرٍ مثير و حادثة ستهزّ الصحراء و التاريخ.


القسمت 17



قمر الرابع عشر من شوّال يتألق في السماء يزدهي بهالته بين النجوم، و قناديل المدينة تتوهج.. ترسل ضوءاً ذهبياً. وبدت الكوى ينابيع تتدفق بالنور.


وفي المسجد التف المؤمنون حول الرسول، شباب و شيوخ و كهول يتداولون أمراً هامّاً. قريش تزحف صوب يثرب. قال النبي:- نقيم في المدينة وندعهم حيث نزلوا فان أقاموا أقاموا بشر مقام.. و ان هم دخلوا علينا قاتلناهم.


اخرج النفاق رأسه إذ قال ابن سلول و قد صادفت الفكرة هوىً في نفسه:


- نعم يا رسول اللَّه... نقيم في المدينة.


ساد الوجوم وجوه الشباب... كانوا يتمنون الحرب في الصحراء..


والحرب في أزقة المدينة لا يشبع حماسهم... و كيف ينعمون بحرب تشارك فيها النسوة و الأطفال. هتف شاب لم يحضر بدراً يتمناها منذ عام:


- ماذا ستتحدث العرب.. جبنا عن اللقاء و قريش تشنّ عينا الغارات.


هتف آخر:


- اخرج بنا يا رسول اللَّه إلى أعداتنا.. حتى لا يزدادوا جرأة.


ساد الحماس و بلغ ذروته، وضاع صوت العقل. وعندما ينفلت زمام العاطفة تصبح فرساً جموحاً لا تصغي لأحدٍ و لا يقف في طريقها شي ء.


هبّت العاصفة لا يعتورها أحد، وأضحى من الحكمة مماشاتها و توجيهها، والحدّ من عنفها.


انتبه بعضهم و قد تأثر لمنظر النبيّ يعدل درعه، عرضوا عليه القبول برأيه و البقاء في المدينة، فقال بحزم:


- ما ينبغي لنبيّ لبس لامته أن يضعها حتى يحكم اللَّه بينه و بين عدوّه.


وأردف ليحكم قبضته على العاصفة:


- عليكم بتقوى اللَّه و الصبر عند البأس وانظروا ما آمُركم فافعلوا.


وقفت فاطمة تودّع أباها و بين ذراعيها صبيّ له من العمر شهر، اعتنقه النبيّ.. راح يملأ صدره من شذى عطر له رائحة الجنّة، و همس بحبّ:


- انّه ريحانتي من الدنيا.. و اُمّه صدّيقة.


ودّع الرسول يثرب، و معه ألف مقاتل، و في ثنيّة «الوداع» حيث الجادّة التي تؤدي إلى مكة. و عندما وصل «الشيخان» و هما جبلان في أطراف المدينة قام النبيّ باستعراض لقوّاته فأرجع من الشباب من كان دون الخامسة عشرة...


طلع الفجر و وصل النبيّ «الشوط»- بستان بين المدينة و جبل «اُحد»....


و ذرّ رأس النفاق قرنه فأعلن تمرّده على الرسول.


عاد «بن أبيّ» و عاد معه ذيوله و كانوا ثلاثمئة، فأحدث ذلك شرخاً في جيش النبيّ و هو على و شك الاشتباك.


عسكرت قريش في وادى «قناة» وانتشرت في أرض سبخة، قاطعةً الطريق على جيش المسلمين.


تساءل النبي عن دليل يمكنه هداية الجيش على طريق يؤدي إلى اُحد لا يمرّ على جيش المشركين.


هتف «أبوخيثمة»:


/ 22