و کانت صدیقه نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

و کانت صدیقه - نسخه متنی

کمال السید

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


و كانت صديقة



القسمت 1



استيقظت «خديجة» و شعور غريب بالفرحة و الأمل، ينبعث في نفسها، انبعاث النور في الظلام... و ربّما فكرت في سبب ما لهذه الموجة الهانئة من الفرح... لم تكن تدري سبباً واضحاً لذلك.. فقد كان كل ما يحيطها يفجّر كوامن الحزن بل و يبعث على المرارة و اليأس... هاهي تشهد كيف تصب قريش العذاب على زوجها.. تضطهده.. تسخر منه.. و تكذّبه و هو الصادق الأمين.


تساءلت في نفسها: لعلّه الحمل الجديد و الشجرة المثمرة عند ما تحمل يعني الربيع و الأمل و الحياة. ولكن كيف و قد أخذ اللَّه «عبداللَّه والقاسم» من قبل. و تركا في قلبها حزناً عميقاً كجرح لايندمل، ولكن لا... لا انها تشعر بالأمل.. يكبر في أعماقها.. ينمو و يتفتّح كوردة في الربيع.


و حملها هذه المرّة عجيب خفيف تكاد تطير به.. تشعر بالسكينة


تترقرق في قلبها كنبع بارد.. كما لاحظت شيئاً آخر... مسحة من نور شفّاف تطوف فوق وجهها... و شيئاً آخر أيضاً.. انّها لم تعد تشتهي طعاماً سوى الرطب و العنب.


أكملت خديجة ارتداء حلّة الخروج.. فزوجها ينتظر، و «عليّ» الفتى الذي يتبع ابن عمه... يلازمه كظله، هو الآخر ينتظر.


انطلق الثلاثة.. أخذوا سمتهم نحو الكعبة مهوى الأفئدة و بيتاً بناه ابراهيم لربّه.


الكعبة تنشر ظلالها الوارفة فوق الأرض.. و السكينة تغمر المكان ما خلا حوار هادئ لرجال جالسين حول «زمزم» كان أحدهم يراقب مشهداً بدا له عجيباً.. كان يرنو إلى باب «الصفا». وقد طلع رجل بين الأربعين و الخمسين من عمره.. أقنى الأنف.. أدعج العينين كأنه قمر يمشي على الأرض و إلى يمينه فتى يشبه شبلاً و خلفهما امرأة قد سترت محاسنها.


قصد الثلاثة «الحجر الأسود» فاستلموه ثم طافوا البيت سبع مرّات؛ بعدها وقف الرجل و الفتى إلى يمينه و المرأة خلفهما.


هتف الرجل الأدعج العينين: اللَّه أكبر فردّد الفتى وراءه: اللَّه أكبر وكذا المرأة خلفهما... ركع الرجل الأزهر الوجه ثم سجد والمرأة والفتى يتابعانه.


وحول «زمزم» تساءل رجل قدم مكة حديثاً:


- هذا دين لم نعرفه من قبل.


أجاب رجل هاشمي:


- هذا ابن أخي محمّد بن عبداللَّه و امرأته خديجة وهذا الفتى على بن أبي طالب و ما على وجه الأرض من يعبد اللَّه بهذا الدين إلّا هؤلاء الثلاثة.


ساد الوجوم وجوه الرجال وهم يراقبون موكباً صغيراً يغادر الكعبة حتى توارى خلف جدران البيوت.


و تمرّ الأيام و تمرّ الشهور و يكبر الحمل.. و يتألّق وجه خديجة بالنور.. يشتدّ سطوعاً... و تبدأ آلام المخاض.


و بين صخور «حراء» كان محمّد يتأمل مكة، يفكر في مصير العالم و طريق الإنسان.


بدا وجهه حزيناً كسماء مزدحمة بالغيوم... يفكّر في قومه.. يحزن من أجلهم.. يريد أن يفتح عيونهم على النور الذي اكتشفه فوق الجبل، لكنّهم صدّوا عنه... اعتادوا حياة الخفافيش في الظلام... أعرضوا عن ملكوت السماوات.. فسقطوا في حضيض الأرض... ضاعوا بين عناصر التراب والطين.


لن يدعوا شيئاً إلّا و فعلوه.. آذوه.. سخروا منه.. عيّروه. قالوا:


إنه ساحر كذّاب.. أبتر سيموت و يموت ذكره.. فليس له ولد.


شعر بسكين حادّة تغوص في قلبه و هو يتذكّر سخريتهم منه.. ينادونه بالأبتر. النبي يفكّر في قومه حزيناً حزن نوح و ابراهيم و موسى و عيسى بن مريم. آخر الأنبياء يفكّر غير ملتفت لما يجري حوله.


تكهرب الفضاء.. غلالة شفافة كالضباب تملأ المكان.. و قد غمر الصمت جميع الأشياء.. اختفت الأصوات.. تلاشت و لم يعد «محمّد» يسمع شيئاً سوى كلمات.. تنفذ في أعماقه نفوذ النور في المياه الرائقة..


كلمات مؤثّره عميقة جفّ لها ريقه.. تصبب لها جبينه.. فبدا كحبّات لؤلؤ منثور.. الكلمات تضي ء في أعماقه كالنجوم:


- إنّا أعطيناك الكوثر. فصلِّ لربِّك و انحر. أن شانئك هو الأبتر.


و انقلب الرسول إلى بيته فرحاً.. و لما دخل على زوجته وجدها هي الاُخرى فرحة.. تنظر اليه بعينين تفيضان حبّاً.. هتفت بصوت يشوبه اعتذار:


- إني وضعتها اُنثى و ليس الذكر كالاُنثى.


تمتم النبي و هو يحتضن هدية السماء بحب:


- إنّا أعطيناك الكوثر.. اسميها فاطمة.. ليفطمها اللَّه من الشرور.


كلؤلؤة في حنايا صدفة بدت فاطمة بفمها الدقيق.. بعينيها الواسعتين كنافذتين تطلّان على عالم واسع.. عالم يموج بالصفاء والسلام.


أضاء الأمل منزلاً صغيراً من منازل مكّة.. و تفتّحت فاطمة للحياة كما تتفتح الورود و الرياحين؛ و نمت في أحضان دافئة تنعم بقلبين ينبضان حبّاً لها و بنظرات تغمرها حناناً و رأفة.


و كبرت فاطمة.. نمت و بدأت تعي شيئاً ممّا يجري حولها تنظر إلى أمّها يغمره الحزن.. و ربّما شعرت بمرارة تعتصر قلب أبيها و هي لا تعرف بعد سبباً لذلك.. تهفوا نحئو أمّها تقبل أباها.. فتعود البسمة إلى الوجهين الحزينين... و تشرق الفرحة من جديد كما تشرق الشمس من بين الغيوم لتغمر الأرض بالدف ء والنور والأمل.


و تمرّ الأيام.. و تنمو فاطمة.. و يعصف القدر بقسوة.. وتجد الطفلة نفسها بين ذراعي والدتها في وادٍ غير ذي زرع.. حيث أيام الجوع و الخوف و الحرمان..


تصغي إلى أنّات المظلومين.. و تتأمّل سيوفاً مسلولة في الظلام. كبرت فاطمة في الشِعب. فطمت اللبن و درجت فوق الرمال. ومرّ عام.


ومرّ بعده عامان آخران.. فجأة اختطف القدر امّها.. فقدت نبعاً ثرّاً من الحبّ...


فاطمة تبحث عن أمّها. تسأل أباها الحزين.


- أبه أين اُمي؟


ويجيب الأب المقهور و هو يحتضن ذكراه الغالية:


- أمّك في بيت من قصب لا تعب فيه و لا نصب.


تلوذ بالصمت.. تفكّر في أمّها. عيناها تبحثان عن نبع سماوي ولكن دون جدوى.


كبرت فاطمة في زمن الحرمان.. في زمن الحصار.. في زمن اليتم.. في زمن القهر.. لهذا نشأت الطفلة نحيلة القوام كغصن كسير.. رسم القهر في عينيها الواسعتين لوحة حزينة منظراً ساكناً يغمره الصمت.. تفكّر.. تنطوي على نفسها في استغراق يشبه صلاة الأنبياء، نشأت فاطمة في زمن الجدب.. فغدا عودها صلباً ضارباً في الأرض جذوراً بعيدة الغور.. فبدت أكبر من سنّها و نهضت تملأ فراغاً هائلاً أحدثه رحيل والدتها.. نهضت سيّدة صغيرة.. أمّاً رؤوماً لوالدها الذي


أضحى وحيداً.


و تمرّ الأيام.. و ذات مساء خرج المحاصرون في «الشعب» إلى مكّة. عادوا إلى ضجيج الحياة لتبدأ فصول اُخرى من تاريخ مثير يزخر بالأحداث.. منذ الساعة التي التقت فيها السماء بالأرض في غار حراء.


القسمت 2



ملأ رغاء الجمال فضاء مكة، فقد آبت القوافل التي انطلقت إلى اليمن، في رحلة الشتاء؛ كان الجو بارداً و السماء تزدحم بغيوم رمادية؛ و صخور الجبال الجرداء بدت و كأنها تتضرع إلى السحب تنشدها قطرات المطر.


و شيئاً فشيئاً خفتت الأصوات و آبت الطيور إلى أو كارها ساعة المغيب، و بدا البيت خالياً موحشاً كصحراء مقفرة؛ كانت «فاطمة» مستغرقة في تفكير عميق تطوف في خيالها سورة «مريم» تلك الفتاة البتول التي انقطعت عن العالم في صومعتها تعبد اللَّه تتبتل اليه وحيدة.. تستكشف آفاق السماء متخففة من أثقال الأرض.


جلست فاطمة تترقب أوبة أبيها، و بدا المنزل خالياً من كل شي ء «لا زينب، و لا رقية» و لا «ام كلثوم» ذهبن ثلاثتهن إلى بيوت أزواجهنّ؛ زينب استقرت في بيت «أبي العاص بن الربيع» و اُم


«جميل» اختطفت «رقية» و «اُم كلثوم» لولديها «عتبة» و «عتيبة»؛ و كل هذا يهون أمام مصيبة كادت أن تعصف بكلّ شي ء.. لقد رحلت أمّها.. «خديجة» ذلك النبع المتدفق حناناً و حبّاً و دفئاً..


- لكِ اللَّه يا أمّي.. ما كادت أعوام الحصار تمضي بأيّامها الصعبة ولياليها المضنية حتى ودّعتي الدنيا ليبقى والدي وحيداً و هو أشدّ الناس حاجة إلى من يؤازره ويقف إلى جانبه.. ولكن يا أمّاه سأجهد نفسي لأملأ الفراغ الذي جثم على البيت بعد رحيلك. سأكون له بنتاً و اُمّاً.. سأمسح دموعه بيدين تشبهان يديك و سأبتسم له كما كنتِ تضيئين قلبه بابتسامتك.


ولكن يا أمّاه أنا ما أزال صغيرة ليتك صبرت قليلاً، أبي كان قويّاً بك.. و كان يتحدى العاصفة بعزم «أبي طالب» شيخ البطحاء تكفله صغيراً وحماه كبيراً غير انكما تركتماه وحيداً و استرحتما من هم الدنيا و غمّها و حقّ لكما أن تستريحا و قد عصفت بكما النوائب من كل مكان و سدّد لكما الدهر سهاماً مسمومة و حراباً. أجل يا أمي... لقد اظلمت الدنيا نشر المساء ستائره السوداء و هذا عامنا عام حزن.. ها أنا انتظر أوبة أبي.. أبي الذي يريد تبديد الظلام بنور الإسلام.. ولكن مكّة ترفض ذلك.. تتمنع و فيها من يحبّ حياة الظلمات كما الخفافيش لاتهوى النور و لا تحبّ النهار.


سمعت «فاطمة» خطىً هادئة كنبضات قلبٍ يخفق أملاً، خطىً تعرفها فاطمة.. لهذا هبّت كفراشة تهوي إلى النور بقوامها النحيل بعينيها الواسعتين سعة الصحراء وبابتسامتها المشرقة بالأمل...


ولكن لم تسمرت «فاطمة» في مكانها كأن خنجراً يطعن قلبها طعنة نجلاء..


عاد أبوها حزيناً بدا وجهه كسماء مدلهمة بسحب من رماد، كان ينفض عن رأسه و وجهه التراب و الأوساخ و تمتم الرسول بحسرة:


- و اللَّه ما نالت قريش منى شيئاً أكرهه إلّا بعد موت أبي طالب.


اهتزّت «فاطمة» لهول ما ترى وبدت كسعفة أغضبتها الريح... يا لصبر الأنبياء... شعرت بالانكسار. كيف سوّلت لذلك السفيه نفسه أن يمسّ بالسوء وجهاً يسطع بالنور...


بكت بانكسار.. وسالت دموعها حزينة حزن سماء تمطر على هون.


مسح الأب دموع ابنته ثم قال وعيناه تشعان أملاً:


- لا تبكي يا فاطمة.. ان اللَّه ناصر أباك على أعداء رسالته.


انحسرت الغيوم عن السماء فبدت صافية مشرقة وعادت الابتسامة إلى الوجه الملائكي... ولكن عتباً كان يموج في قلبها:


- ترى أين كان فتى شيخ البطحاء... و هو لايكاد يفارق أباها...


/ 22