امامة و اهل البیت جلد 3

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

امامة و اهل البیت - جلد 3

محمد بیومی مهران

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید




الامام محمد الجواد



نسبه و مولده


هو الإمام أبو جعفر محمد الجواد بن الإمام علي الرضا بن الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب، وسيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء بنت سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله "صلى الله عليه وسلم".


هذا وقد ولد الجواد بالحديثة عام 195 هـ، وتوفي عام 220 هـ، وهو ابن 25 سنة، عاش مع أبيه الرضا 7 سنين، وبقي بعده 18 سنة، وأمه أم ولد، اسمها " سكن "


[
محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 243.]


وفي وفيات الأعيان، يقول ابن خلكان: وكانت ولادته يوم الثلاثاء لخمس خلون من شهر رمضان- وقيل منتصفه- سنة خمس وتسعين ومائة، وتوفي يوم الثلاثاء لخمس خلون من شهر ذي الحجة سنة عشرين ومائتين، وقيل تسع عشرة ومائتين ببغداد، ودفن عند جده الإمام موسى بن جعفر الكاظم، رضي الله عنهم أجمعين- في مقابر قريش، وصلى عليه الواثق بن المعتصم


[
ابن خلكان: وفيات الأعيان 4 / 175، وانظر الكليني الكافي 1 / 497.]


وفي مروج الذهب: وفي سنة تسع عشرة ومائتين، قبض محمد الجواد بن


موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وذلك لخمس خلون من ذي الحجة، ودفن ببغداد في الجانب الغربي بمقابر قريش، مع جده موسى بن جعفر، وصلى عليه الواثق، وقبض وهو ابن خمس وعشرين سنة، وقبض أبو علي بن موسى الرضا، ومحمد "الجواد" ابن سبع سنين وثمانية أشهر، وقيل غير ذلك، وقيل إن " أم الفضل " بنت المأمون لما قدمت معه من المدينة إلى المعتصم سمته


[
مروج الذهب 2 / 439.]


وكان الإمام محمد الجواد يكنى " بأبي جعفر "- كجده الباقر- وألقابه كثيرة: الجواد والقانع والمرتضى وأشهرها الجواد، وصفته أبيض معتدل


[
نور الأبصار ص 160.]، غير أن هناك من يذهب إلى أنه كان شديد الأدمة، معتدل القامة


[
محمد جواد مغنية: فضائل الإمام علي ص 237.]


وقال صاحب كتاب " مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ": " هذا محمد أبو جعفر الثاني، فإنه قد تقدم في آبائه أبو جعفر محمد الباقر بن علي، جاء هذا باسمه وكنيته، واسم أبيه، فعرف " بأبي جعفر الثاني "، وإو كان صغير السن، فهو كبير القدر، رفيع الذكر، ومناقبه، رضي الله عنه، كثيرة


[
نور الأبصار ص 161.]


الامام محمد الجواد و الإمامة



عندما انتقل الإمام علي الرضا إلى جوار ربه- راضيا مرضيا- كان ولده محمد الجواد في التاسعة من عمره، فأنكر جمهور المسلمين على الشيعة ولاية الأئمة، والأخذ عنهم، وهم في سن الصبا، لا سيما وأن العادات العربية، تجعل للسن أهمية في ولاية الأمور، فكانت ولايته، ولم يبلغ سن الرشد، أخطر مشكلة واجهت الشيعة بالنسبة لشخص الإمام الجواد.


هذا ويعبر " النوبختي " عن تشكك الناس في إمامته بقولهم: لا يجوز أن يكون إلا بالغا، ولو جاز أن يأمر الله عز وجل بطاعة غير بالغ، لجاز أن يكلف الله غير بالغ، فكذلك لا يفهم أن يتولى القضاء بين الناس والفصل في دقائق الأمور وجليلها، وغامض الأحكام، وشرائع الدين، وجميع ما أتى به النبي، وآله، وما يحتاج إلى يوم القيامة معقول، ولا متعارف، وأنى لأبي جعفر الجواد العلم الواجب للأئمة، وقد حمل أبوه إلى خراسان وكان الجواد ابن أربع سنين، فأنى له معرفة دقيق الدين وجليله


[
النوبختي: فرق الشيعة.]، وهو ما يفترض في الأئمة.


ولقد قيل للإمام الجواد: إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك، فقال:


وما ينكرون من ذلك، وقد قال الله تعالى لنبيه: "قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة، أنا ومن اتبعني"


[
سورة يوسف: آية 108.]، فوالله ما اتبعه حينئذ إلا علي، وله تسع سنين، وأنا ابن تسع سنين "


[
الكليني: الكافي ص 93، أحمد صبحي: المرجع السابق ص 390.]


والوقع أن هناك أكثر من آية للاستشهاد بها على إمامة الصبية، قال تعالى في سيدنا يحيى بن زكريا عليهما السلام "وآتيناه الحكم صبيا"


[
سورة مريم: آية 12.]، ثم معجزة المسيح ابن مريم، عليه السلام، حين نطق في المهد قائلا: "إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا"


[
سورة مريم: آية 30.]


ولما كانت الإمامة تجري مجرى النبوة، فليس منكرا إذن أن تكون إمامة الإمام الجواد قبل أن يبلغ الرشد، إذ يجوز للإمام أن يؤتى الحكم صبيا، ويؤتاه


وهو ابن أربعين


[
المسعودي: إثبات الوصية ص 211، أحمد صبحي: المرجع السابق ص 391.] لقول الله تعالى "ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما"


[
سورة يوسف: آية 22.]، ولقوله تعالى "ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما"


[
سورة القصص: آية 14.]


على أن العلماء مختلفون في معنى " الحكم " هنا في قول الله تعالى:


"وآتيناه الحكم صبيا" وغيرها، فمن قائل إنها بمعنى الحكمة، وهي الفهم في التوراة والفقه في الدين، قال الإمام الطبري في التفسير: المعنى أعطيناه الفهم لكتاب الله في حال صباه، قبل بلوغه أسنان الرجال، ومن قائل إنها بمعنى العقل والفراسة الصادقة، ومن قائل: إنها النبوة، وعليه كثير، قالوا: أوتيها وهو ابن ثلاثين، وقيل وهو ابن سبع سنين، أو ابن اثنتين، ولم يتنبأ أكثر الأنبياء عليهم السلام، قبل الأربعين، وإن رأى البعض أن الحكم هنا، ليس بمعنى النبوة، فهي على سن الأربعين، وإنما المراد الفهم والفقه في الدين، وهو غير الحكمة المفسرة بالنبوة، كما في آية البقرة، التي جاءت في حق داود عليه السلام


[
تفسير الطبري 16 / 54- 55، تفسير النسفي 3 / 30، تفسير ابن كثير 3 / 183، تفسير روح المعاني 16 / 72، تفسير الكشاف 2 / 504، صفوة التفاسير 2 / 213.]، يقول الله تعالى: "وآتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء"


[
سورة البقرة: آية 251، وانظر عن قصة داود عليه السلام "محمد بيومي مهران: دراسات تاريخية من القرآن الكريم- الجزء الثالث ص 9- 87- بيروت 1988 م".]


هذا ويرجح الإمام الفخر الرازي في التفسير الكبير، أنها النبوة، ذلك لأن الله تعالى قد أحكم عقله "أي سيدنا يحيى عليه السلام" في صباه، وأوحى إليه، وذلك لأن الله تعالى بعث يحيى وعيسى، عليهما السلام، وهما صبيان،- لا كما بعث موسى ومحمدا عليهما السلام، وقد بلغا الأشد- والأقرب حمل الحكم على النبوة لوجهين:


الأول: أن الله تعالى ذكر في هذه الآية "وآتيناه الحكم صبيا" صفات شرفه ومنقبته، ومعلوم أن النبوة أشرف صفات الإنسان، فذكرها في معرض المدح أولى من ذكر غيرها، فوجب أن تكون نبوته مذكورة في هذه الآية، ولا لفظ يصلح للدلالة على النبوة، إلا هذه اللفظة، فوجب حملها عليها.


والثاني: أن الحكم: هو ما يصلح لأن يحكم به على غيره ولغيره على الإطلاق، وذلك لا يكون إلا " بالنبوة "، فإن قيل كيف يعقل حصول العقل والفطنة والنبوة حال الصبا؟


قلنا هذا السائل: إما أن يمنع من خرق العادة أو لا يمنع، فإن منع منه فقد سد باب النبوات، لأن النبوة بناء الأمر فيها على المعجزات، ولا معنى لها إلا خرق العادات، وإن لم يمنع فقد زال هذا الاستبعاد، فإنه ليس استبعاد صيرورة الصبي عاقلا، أشد من استبعاد انشقاق القمر، وانفلاق البحر


[
تفسير الفخر الرازي "21 / 191- 192. وانظر "محمد بيومي مهران: دراسات تاريخية من القرآن الكريم- الجزء الثالث ص 260- 262- بيروت 1988 م".]


وأما بالنسبة لصغر سن الإمام الجواد: فيروي الكليني بسنده عن محمد بن خلاد قال: سمعت الرضا يقول: ما حاجتكم إلى ذلك، هذا أبو جعفر "الجواد" قد أجلسته مجلسي، وصيرته مكاني، وقال: إنا أهل بيت يتوارث أصاغرنا عن أكابرنا، القذة بالقذة.


وروى الكليني بسنده عن ابن قياما الواسطي قال: دخلت على علي بن موسى "الرضا" فقلت له: أيكون إمامان؟ فقال: لا، إلا وأحدهما صامت، فقلت له: هو ذا أنت ليس لك صامت- ولم يكن ولد أبو جعفر "الجواد" بعد- فقال لي: والله ليجعلن الله مني ما يثبت به الحق وأهله، ويمحق به الباطل وأهله، فولد له بعد سنة أبو جعفر، وكان " ابن قياما " واقفيا.


وعن صفوان بن يحيى قال: قلت للرضا: قد كنا نسألك قبل أن يهب لك


أبا جعفر، فكنت تقول: يهب الله لي غلاما، فقد وهبه الله لك، فأقر عيوننا، فلا أرانا الله يومك، فإن كان كون، فإلى من؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر، وهو قائم بين يديه، فقلت: جعلت فداك، هذا ابن ثلاث سنين، فقال: وما يضره من ذلك، فقد قام عيسى بالحجة، وهو ابن ثلاث سنين.


وعن معمر بن خلاد قال: سمعت إسماعيل بن إبراهيم يقول للرضا: إن ابني في لسانه ثقل، فإما أبعث به إليك غدا فتمسح على رأسه، وتدعو له، فإنه مولاك، فقال: هو مولى أبي جعفر، فابعث به غدا إليه.


وعن الحسين بن محمد عن الخيراني عن أبيه قال: كنت واقفا بين يدي أبي الحسن الرضا بخراسان، فقال له قائل: يا سيدي، إن كان كون، فإلى من؟


قال: إلى أبي جعفر "الجواد" ابني، فكأن القائل قد استصغر سن أبي جعفر، فقال له أبو الحسن الرضا: إن الله تبارك وتعالى بعث عيسى ابن مريم رسولا نبيا، صاحب شريعة مبتدأه، في أصغر من السن الذي فيه أبو جعفر


[
الكليني: الكافي 1 / 320- 321.]


وروى المسعودي في إمامة الجواد، عن الحميري عن حنان بن سدير، قال: قلت للرضا، يكون إمام ليس له عقب؟ فقال لي: أما أنه لا يولد لي إلا واحدا، ولكن الله ينشئ منه ذرية كثيرة، ولم يزل أبو جعفر محمد بن علي- مع حداثته وصباه- يدير أمر الرضا بالمدينة، ويأمر الموالي وينهاهم، ولا يخالف عليه أحد منهم.


ويروي المسعودي كذلك أن الناس- بعد وفاة الرضا- احتاروا فيمن يقصدون للسؤال بعده، فاجتمعوا إليه، وسألوه عدة أسئلة، فأجابهم بإجابات والده، فاعترفوا له بالإمامة


[
المسعودي: إثبات الوصية ص 179- 181.]


ويقول: المفيد في إمامة الجواد: وكان الإمام بعد الرضا ابنه محمد،


وبالنص عليه، والإشارة من أبيه إليه، وتكامل الفضل فيه


[
المفيد: الإرشاد ص 316- 317.]


ويقول ابن شهرآشوب


[
ابن شهرآشوب: مناقب آل أبي طالب 4 / 380، وانظر نبيلة عبد المنعم: المرجع السابق ص 280- 283.]: " والدليل على إمامته، القطع على العصمة، ووجوب كونه أعلم الخلق بالشريعة، واعتبار القول بإمامة الاثني عشر، وتواتر الشيعة.


وعلى أية حال، فإن الشيعة إنما تؤيد استدلالها على إمامة محمد الجواد بمناظرات وقعت في مجلس الخليفة المأمون بين الإمام الجواد والعلماء الذين تشككوا في إمامته، فضلا عن بعض بني العباس، الذين أنكروا على المأمون تزويج الإمام الجواد من " أم الفضل " ابنة الخليفة المأمون، وكيف أفحم الإمام الجواد جميع الحاضرين بإجابته المسكتة في الفقه وشتى علوم الدين.


ومع ذلك، فإن الشيعة الاثني عشرية- وهم لا يجدون حرجا في إمامته- قد اختلفوا في الالتزامات المنوطة به، وبمقتضى الإمامة، فجعله فريق الأئمة من قبله، منذ وفاة أبيه


[
أحمد صبحي: المرجع السابق ص 391.]


على أن فريقا آخر إنما ذهب إلى أنه " إمام " بمعنى أن الأمر فيه، وله، دون الناس، على أنه لم يجتمع فيه ما اجتمع في غيره من الأئمة المتقدمين، فلا يجوز له أن يؤمهم، وإنما يتولى الصلاة، وينفذ الأحكام غيره من أهل الفقه والدين والصلاح، إلى أن يبلغ المبلغ الذي يصلح هذا فيه


[
الأشعري: مقالات الإسلاميين 1 / 102 "القاهرة 1373 هـ".]


هذا وقد اختلفت الشيعة كذلك في مصدر علمه، فقالت طائفة: إن الله علمه ذلك عند البلوغ بضروب تدل على جهات علم الإمام، كالإلهام، والنكت


وفي القلب، والنقر في الآذان، والرؤيا الصادقة في المنام، والملك المحدث له، ووجوه رفع المنار، والعمود والمصباح وعرض الأعمال، وهذا يعني أن هذا الفريق إنما لجأ إلى المغيبات، يلتمسون فيها، وفي تصورها، إقامة علم الإمام، بل يذهبون إلى أن الأخبار الصحيحة القوية الأسانيد والتي لا يجوز دفعها، ولا رد مثلها، إنما قد صحت في الإمام محمد الجواد


[
النوبختي: فرق الشيعة ص 89، أبو خلف القمي: كتاب المقالات ص 97، علي سامي النشار:


نشأة الفكر الإسلامي في الإسلام- الجزء الثاني- نشأة التشيع وتطوره ص 283 "دار المعارف- 1969".]


على أن طائفة أخرى إنما قد أنكرت هذه المصادر للمعرفة، ذلك لأن الوحي إنما قد انقطع بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإلهام إنما يلحق عند المناظرة، والفكر أن تعرف شيئا كانت قد تقدمت معرفتك به في الأمور النافعة فتذكره، وأحكام الشرع- على كثرة اختلافها وعللها- لا تعرف بالفكر، ذلك لأن أصح الناس فكرا، وأوضحهم عقلا وخاطرا، وأحضرهم ذهنا، لو فكر- وهو لم يسمع أن الظهر أربع ركعات، والمغرب ثلاث- ما استخرج ذلك بفكره، ولا عرفه بنظره، ولا استدل عليه بكمال عقله، ولا أدركه بحضور ذهنه، لأنه من المعقول أن لا يعرف ذلك إلا بالتعليم، فوجوه علم الإمام، من كتب أبيه، وما ورثه من العلم فيها، وما رسم له فيها من الأصول والفروع


[
النوبختي: فرق الشيعة ص 77، أحمد محمود صبحي: نظرية الإمامة لدى الشيعة الاثني عشرية- ص 391- 392 دار المعارف- 1969".]


على أن طائفة ثالثة، إنما قد أعطت الإمام القداسة العظمى، التي تشيع في فكر الإمامية عامة، وهي أن الإمام إمام- سواء أكان بالغا أو غير بالغ- لأنه حجة الله على الأرض، وقد يجوز أن يعلم، وإن كان صبيا، ويجوز عليه الإلهام والنكت والرؤيا والملك المحدث، كل ذلك يجوز عليه- كما جاز على أسلافه الماضين، حجج الله في الأرض، وقد حدث هذا ل " يحيى بن زكريا "


عليه السلام، من قبل: وآتاه الله الحكم صبيا، وعيسى بن مريم عليه السلام، وغيرهما، من الحجج


[
علي سامي النشار: المرجع السابق 284.]


الامام محمد الجواد و المأمون



قال الشيخ المفيد في " الإرشاد ": كان الخليفة المأمون قد شغف بالإمام محمد الجواد، لما رأى من فضله، مع صغر سنه، وبلوغه في العلم والحكمة، والأدب وكمال العقل، ما لم يساوه فيه أحد من أهل زمانه، فزوجه ابنته " أم الفضل " وحملها معه إلى المدينة، وكان متوفرا على إكرامه وتعظيمه، وإجلال قدره. وأنكر العباسيون على المأمون عزمه على تزويج الإمام الجواد من ابنته، وقالوا له: ننشدك الله أن لا تقيم على هذا الأمر، الذي عزمت عليه، فنحن نخشى أن يخرج منا أمر قد ملكناه، وقد عرفت ما بيننا وبين آل أبي طالب.


فقال المأمون: أما الذي بينكم وبينهم، فأنتم السبب فيه، ولو أنصفتم القوم لكانوا أولى منكم، وقد اخترت محمد بن علي "محمد الجواد بن علي الرضا" لتفوقه على كافة أهل الفضل والعلم، مع صغر سنه، وسيظهر لكم، وتعلموا أن الرأي ما رأيت.


قالوا: إنه صغير السن، ولا معرفة له، ولا فقه.


قال المأمون: ويحكم أنا أعرف به منكم، إنه من أهل بيت علمهم من الله، ولم يزل آباؤه أغنياء في علم الدين والأدب على الرعايا، وإن شئتم فامتحنوه، حتى يتبين لكم ذلك.


قالوا: قد رضينا.


واجتمع رأيهم أن يقابلوا الإمام الجواد بقاضي القضاة " يحيى بن أكثم "، فأتوا به إلى مجلس المأمون، ومعه الإمام الجواد والناس من حولهم.


وسأل ابن أكثم الإمام عن: محرم قتل صيدا؟


فقال الإمام الجواد: هل قتله في حل أو حرم؟ عالما كان أو جاهلا؟ عمدا أو خطأ؟ حرا كان المحرم أو عبدا؟ صغيرا كان أو كبيرا؟ مبتديا بالقتل أو معيدا؟ من ذوات الطير كان الصيد أو من غيرها؟ ومن صغار الطير أو من كباره؟


مصرا على ما فعل أو نادما؟ في الليل كان قتل الصيد أو في النهار؟ وفي عمرة كان ذلك أو حج؟


فتحير ابن أكثم، وبان عليه العجز والانقطاع، حتى عرف أهل المجلس أمره.


فقال المأمون: الحمد لله على هذه النعمة والتوفيق، ثم التفت إلى أقربائه من بني العباس، وقال لهم: أعرفتم الآن ما كنتم تنكرون؟


فقالوا: أنت أعلم بما رأيت.


قال: إن أهل هذا البيت خصوا- من دون الخلق- بما ترون من الفضل، وإن صغر السن فيهم، لا يمنعهم من الكمال، فقد دعا رسول الله "صلى الله عليه وسلم" عليا إلى الإسلام، وهو ابن عشر سنين، وقبله منه، ولم يدع أحدا في هذه السن- كما دعا عليا- وبايع الحسن والحسين- وهما دون ست سنين، ولم يبايع صبيا غيرهما، أفلا تعلمون أن الله قد خص هؤلاء القوم، وأنهم ذرية بعضهم من بعض، يجري لآخرهم، ما يجري لأولهم، قالوا: صدقت


[
محمد جواد مغنية: الشيعة في الميزان ص 243- 244 "دار التعارف للمطبوعات- بيروت".]


وفي نور الأبصار، وفي الصواعق المحرقة: أن المأمون قدم بغداد، بعد وفاة الإمام الرضا بسنة، فخرج يوما للصيد، فوجد الإمام الجواد واقفا، والصبيان يلعبون في أزقة بغداد، وكان عمر الإمام الجواد تسع سنين، فألقى الله


/ 23