اضواء علی الصحیحین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

اضواء علی الصحیحین - نسخه متنی

محمد صادق النجمی؛ مترجم: یحیی کمالی البحرانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


2 ـ عن ابي هريرة قال : يمين اللّه ملاى لا يغيضها شي , سحا الليل والنهار,وبيده الاخرى الميزان , يـرفـع ويـخـفـض , قـال : ارايـت ما انفق منذ خلق السموات والارض ؟ فانه لم ينقص مما في يديه
شيئا ((367)) .

3 ـ سمعت رسول اللّه (ص ) وهو على المنبر يقول :ياخذ الجبار سمواته وارضه بيده ـ وقبض بيده
فـجـعـل يـقـبـضها ويبسطها ـ ثم يقول : انا الجبار اين الجبارون ؟ اين المتكبرون ؟ ويتميل رسول
اللّه (ص ) عـن يمينه وعن يساره , حتى نظرت الى المنبريتحرك من اسفل شي منه حتى اني اقول :

اساقط هو برسول اللّه (ص ) ((368)) ؟.

4 ـ هل للّه اصبع ؟.

1 ـ عن عبداللّه قال : جا حبر من الاحبار الى رسول اللّه (ص ) فقال : يا محمد, انانجد ان اللّه يجعل الـسـمـوات على اصبع , والارضين على اصبع , والشجر على اصبع ,والما على اصبع , والثرى على
اصـبع , وسائر الخلائق على اصبع , فيقول : انا الملك ,فضحك النبي (ص ) حتى بدت نواجذه تصديقا
لـقـول الـحـبر, ثم قرا رسول اللّه (ص ) : (وماقدروا اللّه حق قدره والا رض جميعا قبضته يوم
القيامة والسموات مطويات بيمينه ((369))) ((370)) .

اقول : ان اثبات الاصبع للّه عزوجل كاثبات سائر الجوارح للّه تعالى قد وردالكلام حوله في كثير
من اخبار الصحيحين والسنن الاخرى .

2 ـ واقرا حديثا آخر اخرجه الترمذي وابن ماجة في سننيهما.

عـن الكلابي قال : سمعت رسول اللّه (ص ) يقول : ما من قلب الا بين اصبعين من اصابع الرحمن , ان شا
اقامه , وان شا ازاغه ((371)) .

الاستنتاج :.

يستفاد من هذه الاحاديث المروية حول ثبوت اليد والاصبع للّه :.

اولا: ان للّه تعالى يد واصبع كسائر الموجودات , تماما كما للانسان .

ثـانـيـا: ان اللّه تـعالى محدود بحدود, له اطراف وجهات , يدان يمنى ويسرى ,كسائر المخلوقات
والممكنات .

5 ـ هل للّه ظهر؟.

عـن ابـي هـريـرة : عـن الـنـبـي (ص ) قـال : خـلق اللّه الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فاخذت ((372)) قالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال : الاترضين ان اصل
الرحمن , فقال لها: مه من وصلك , واقطع من قطعك ؟ قالت : بلى , يا رب قال : فذاك ((373)) .

6 ـ هل للّه ساق ؟.

1 ـ ذكرنا في الفصول السابقة حديثا مضمونه ان اللّه تعالى يكشف عن ساقه للمؤمنين يوم القيامة , وان هـذا الكشف من الايات والعلائم التي بها يعرف المؤمنون ربهم , ولذلك فاننا ندع تكرار ذلك الحديث
جانبا ونلفت انظار القرا الاعزا الى حديث آخر غيره يشير الى نفس الموضوع ((374)) .

2 ـ قال ابو سعيد: سمعت رسول اللّه (ص ) يقول : يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمن ومؤمنة ,
ويبقى من كان يسجد في الدنيا ريا وسمعة , فيذهب ليسجد فيعودظهره طبقا واحدا ((375)) .

تامل في حديث الساق :.

يتضح من هذين الحديثين ان احدى علامات معرفة اللّه في يوم القيامة هوالساق , ومادام اللّه تعالى لم يكشف عن ساقه يظل المؤمنون في حالة شك وتحيروترديد بالنسبة الى وجوده تعالى , ويظهر لك
الامر جليا لو تاملت في نص الحديثين تعالى اللّه عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

ولـمـا كان اثبات كشف الساق ذا ارتباط بالاية الكريمة (ويوم يكشف عن ساق ) ((376)) اخرجه
الـبـخـاري بهذه المناسبة تفسيرا وبيانا لهذه الاية , كان لازما علينا ان نشير الى معنى الاية واقوال
المفسرين فيها ولو اجمالا.

قـال الطبرسي في تفسير الاية (يوم يكشف عن ساق ): اى فلياتوا بهم , في ذلك اليوم الذي تظهر فيه
الاهـوال والشدائد, وقيل معناه يوم يبدو عن الامر الشديد الفظيع ,عن ابن عباس والحسن ومجاهد
وقتادة وسعيد بن جبير.

قـال عـكرمة : سئل ابن عباس عن قوله تعالى : (يوم يكشف عن ساق ) فقال : اذاخفي عليكم شي في
الـقـرآن فـابـتغوه في الشعر فانه ديوان العرب , اما سمعتم قول الشاعر: ((وقامت الحرب بنا على
ساق )) هو يوم كرب وشدة .

وقـال الـقـتيبي : واصل هذا ان الرجل اذا وقع في امر عظيم يحتاج الى الجد فيه ,يشمر عن ساقه
فـاسـتـعـيـر الـكـشـف عـن الـسـاق في موضع الشدة , وقد روي هذا المعنى عن الامامين الباقر
والصادق (ع ) ((377)) .

راي صاحب المنار:.

ذكـر الشيخ محمد عبده في تفسيره للاية بعد ان ذكر ذلك المعنى الكنائي الذي نقل عن مجمع البيان والـمـفـسرين القدما , ونقل هو راي البيضاوي بالتفصيل فقال :وذهب بعضهم الى ان لفظ الساق ورد
بـمـعـنى الذات ذات اللّه والنفس واستشهدوا له بقول اميرالمؤمنين علي كرم اللّه وجهه في حرب
الشراة : لابد من قتالهم ولو تلفت ساقي ,قالوا: اي نفسي .

وعليه فيصح ان يكون كشف الساق في الاية والحديث عبارة عن كشف الحجاب ((378)) .

ايـهـا الـمـطـالـع المنصف , هذا هو واقع العصبية ومعنى الذود الباطل عن احاديث صحيح البخاري
وتـصـحـيح المطالب الموهومة والخرافية فيها وتاويلها, والتغاضي عن بيان الحقائق الذي ابتلي به
الشيخ محمد عبده اذ انحرف عن الجادة الصائبة حتى بعدنقله لاقوال المفسرين والعلما.

7 ـ هل للّه رجل ؟.

عن انس : عن النبي (ص ) قال : يلقى في النار, وتقول هل من مزيد؟ حتى يضع اللّه قدمه فتقول قط قط .

عـن ابـي هريرة : واكثر ما يوقفه ابو سفيان : يقال لجهنم : هل امتلئت ؟ وتقول : هل من مزيد؟ فيضع
الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول : قط قط ((379)) .

اخـرج الـبـخاري في صحيحه هذا الموضوع في عدة احاديث باسانيد متعددة ومتون مختلفة , وكذا
اخـرجـه مـسلم في صحيحه ضمن خمس احاديث وورد في بعضهاكلمة ((الرجل )), وفي بعضها
الاخر كلمة ((القدم )).

ولا يـخفى ان في هذه الروايات التي نقلناها اليك عن الصحيحين البخاري ومسلم اللذين يعتبران اهم
الـمـصـادر عـنـد اهـل الـسنة بعد القرآن دلالة تامة وواضحة على كونها من الاحاديث المزورة
والـمـوضـوعة في مباحث التوحيد لانها تحكي عن توصيف رب متحيز في مكان خاص فتارة يكون
مـسـتقر على العرش , وتارة اخرى تجده في السحاب , وتارة ثالثة تراه في جهة القبلة امام المصلي ,
واحـيـانـا يـنـزل الـى الـسـما الدنيا وذلك في بعض الليالي الخاصة , وانه يرى كما ترى الاجسام
المادية ,ويضحك , وله اعضا وجوارح كما للانسان اعضا وجوارح .

فحينئذ فهل يعقل ان يتخذ مثل هذا الموجود ربا والها؟ فـكما ان الدلائل النقلية تنفي التسليم والانقياد لمثل هذا الموجود فكذلك البراهين العقلية والفلسفية
تابى قبول هذا الرب المحتاج والمحدود والذي له آثاروعلامات المخلوقين لا الخالق والصانع ولا
يقبل العقل ان يتعبد لمثل هذا الموجودكرب واله وخالق .

ولعل يوجد بعض من لم تكن له معرفة بعقائد اهل السنة وآرا علمائهم ومحدثيهم في مسالة التوحيد
فـينتقدنا ويورد اشكاله علينا قائلا: ان جميع الاقوال والايات والاحاديث تحتمل التوجيه والتاويل ,
اذن فـمـا الـداعـي ان تـكـون هـذه الاحـاديث التي رويتموها عن كتب اهل السنة مما تقبل التاويل
والتوجيه ؟ ولماذا لاتلتزمون بهذه الطريقة ولم تاولوا هذه الاحاديث الى معان يتقبلها العقل ؟.

وامـا الاجـابـة عن هذه الاسئلة نقول : ان في هذه الاحاديث اسبابا وعللا عديدة تمنعنا من ان ناولها
ونبررها وفي الحين ذاته ان هذه الاسباب قد غلقت جميع الطرق والمحاولات لتبرير وتوجيه تلكم
الاحاديث ولان :.

اولا: ان عـمـلـيـة التاويل والتوجيه تتم لو حصل المعارض والمخالف بينما لا نرى ولم نعثر على
حديث واحد يخالف مفهوم احاديث الرؤية والتجسيم المروية في الصحيحين وسائر الكتب المعتبرة
عند اهل السنة , وحيث لم تحصل رواية تنفي التجسيم والرؤية فبماذا ناول الاحاديث ؟ ((380)) .

ثانيا: ان متون تلك الاحاديث صريحة وواضحة عن اهداف ونوايا كانت مرادة لجاعلي الاحاديث وان
الـفـاظـهـا و سياق عباراتها قد وضعت على نحو لا تدع للتاويل والتبرير مجالا وسبيلا الا الاخذ
بظواهر الاحاديث , فياترى كيف يمكن تاويل الاحاديث الحاكية ـ بانكم سترون ربكم كما ترون هذا
القمر ـ التي هي صريحة في الرؤية والمشاهدة ؟ وبماذا يمكن توجيه الوجه في احاديثهم التي تقول
اذا قـاتـل احـدكم اخاه فليتجنب الوجه فان اللّه خلق آدم على صورته ؟ وبماذا ناول الاحاديث التي
تثبت المكانية والجهتية للّه عزوجل وانه تعالى فوق العرش والعرش على سماواته , او انه تعالى كان
في غما قبل ان يخلق الخلق وهكذا سائر الاحاديث الاخرى التي مر عليك بعضها؟.

هل يمكنك ان تتصور معنى ومفهوما آخر غير التجسيم والتشبيه وتحديدالمكان لهذه الاحاديث التي
تـلوناها عليك والاحاديث الاخرى التي اخرجوها في كتبهم في مباحث التوحيد؟ اذن كيف يسنح لنا
ان نقوم بعملية التاويل والتوجيه ؟.

ثـالثا: ان ما احتوته هذه الاحاديث لم يكن بحثا جديدا وحديثا حتى ناولهاونقوم بتوجيه وتبرير ذلك
عـلـى غير ظاهرها ليتناسب مع العقل , بل انها امور ظهرت الى الساحة منذ اللحظة الاولى من وفاة
الـنبي (ص ) وانسداد الابواب العلمية والدينية , ومن بعد ذلك ثبتت واستقرت في الصحاح الستة في
عهد البخاري حتى النسائي عام 256 ـ279 ه.

ونلاحظ ان هذه المسائل هي نفس المسائل التي كانت تطرح على ائمة اهل بيت رسول اللّه منذ عهد
الامـام الـباقر(ع ) حتى عهد الامام الرضا(ع ) وقد تصدى الائمة للاجابة عليها, ونفوها نفيا قاطعا
حتى انهم (ع ) انكروا صدورها عن النبي (ص )واعلنواصريحا بانها مزيفة ومختلقة ـ لانهم اصحاب
البيت وهم اعلم بما في البيت .

فـعـلـى هـذا فـلـو كان للتاويل والتبرير مجال وسبيل لتذرع به السائلون الذين سالوا الائمة (ع )
واستفسروا منهم عن صحة تلك الاحاديث .

رابـعا: ان احد الاسباب التي تدفعنا عن تاويل هذه الاحاديث وتمنعنا من توجيهها هو الاقوال والارا
الـتـي واعـتـقـد بـهـا اغـلبية علما العامة الذين افتوا بمنع تاويل هذه الاحاديث وضرورة التمسك
بظواهرها, حتى ان وصل بهم الامر الى تكفيرالمتاولين وحكموا عليهم بالكفر والزندقة والارتداد
.

وهاك ايها القارئ طرفا من تلك الاقوال والفتاوي :.

عقيدة علما السنة في هذه الاحاديث :.

1 ـ مـسلم بن حجاج النيسابوري : عقد في صحيحه بابا خاصا للبحث في اثبات الرؤية وبابا آخر في كـيـفية الطريق الى الرؤية واخرج في هذين الفصلين الاحاديث التي تحكي مسالة الرؤية وتصرح
بمسالة الجهتية وتشير صريحا الى تجسيم اللّه تعالى ((381)) .

ومـن الـواضـح ان تخريجه لهذه الاحاديث في هذين الفصلين من صحيحه يدل على القول بها والحكم
بـصـح تـها والزام المسلمين على الاعتقاد بظواهرها ونهيهم عن تاويل وتفسير عباراتها على غير
ظاهرها.

2 و3 ابن ماجة وابي داود: وهما من ارباب الصحاح الستة ومن العلما المعتمدعليهم عند العامة عقد
ابـن مـاجـة فـي سـنـنـه بـابـا خـاصـا يـتعلق فيما انكرت الجهمية , وكذاافرد ابو داود بابا في
الجهمية ((382)) واخرجا احاديثا تمت الى مبحث الرؤية والتجسيم والتشبيه واثبات المكانية للّه
عـزوجـل كاثبات الضحك للّه وانه تعالى يقف الى جنب عبده كتفا بكتفه , وتجليه وتستره عن اعين
العباد وو.

ويـعتقد هؤلا ان الجهمية ((383)) طائفة كالشيعة ينكرون رؤية اللّه , وينفون القول بالمكانية للّه
تـعـالـى , ولا يـرون بـان للّه عزوجل شانه اعضا وجوارح وجسما كسائرالموجودات , وانهم لا
يعتقدون بظواهر هذه الاحاديث .

وعـنـوان الـباب في سننيهما وتخريجهما للاحاديث في هذا الباب يدل على ان ابن ماجة وابي داود
يـعـتـقـدان في التوحيد حسبما ورد في تلك الاحاديث وظواهرها, وحكماعلى مخالفيهما الذين لا
يـعـتـقـدون بـعـقيدتهما بالكفر مثل الجهمية , وان الذين ياولون ظاهر الاحاديث زنادقة ومرتدون
وخارجون عن الدين .

4 ـ ابن تيمية : قال : واما احاديث النزول الى السما الدنيا كل ليلة فهي الاحاديث المعروفة الثابتة عند
اهـل الـعـلـم بالحديث , وكذلك حديث دنوه عشية عرفة رواه مسلم في صحيحه , واما النزول ليلة
النصف من شعبان ففيه حديث اختلف في اسناده , ثم ان جمهوراهل السن ة يقولون : انه ينزل ولا يخلو
مـنه العرش كما نقل مثل ذلك عن اسحاق بن راهويه وحماد بن زيد وغيرهما, ونقلوه عن احمد ابن
حنبل ((384)) .

5 ـ مـحـمـد اشرف شارح سنن ابي داود قال في ذيل ((وانه ليئط به اطيط الرحل بالراكب )): ان
الـعـرش ليعجز عن حمله وعظمته حتى يئط به , اذ كان معلوما ان اطيطالرحل بالراكب انما يكون
لـقـوة مـا فـوقه وعجزه عن احتماله , ثم يذكر كلاما للخطابي وينكره وينتقده ويقول : كلام الامام
الـخـطابي فيه تاويل بعيد, خلاف للظاهر لا حاجة اليه , وانما الصحيح المعتمد في احاديث الصفات
امـرارهـا عـلـى ظـاهـرهـا مـن غـيـر تـاويل ولاتكييف ولا تشبيه ولا تمثيل كما عليه السلف
الصالحون ((385)) .

6 ـ الـبـغـوي فـي شرح السنة : كل ما جا في الكتاب والسنة من هذا القبيل في صفاته تعالى كالنفس
والوجه والعين والاصبع واليد والرجل والاتيان والمجي والنزول الى السما والاستوا على العرش
والـضـحـك والفرح فهذه ونظائرها صفات اللّه تعالى ورد بهاالسمع فيجب الايمان بها وابقاها على
ظاهرها معرضا فيها عن التاويل مجتنبا عن التشبيه ((386)) .

هـذا وقـد تـطـرقنا آنفا الى آرا بعض العلما حول التجسيم كالنووي والعيني والقسطلاني واحمد
مـحـمـد شـاكـر وعـبده والاسفراييني واحمد بن حنبل وابن تيمية وابي عمر والذهبي والشيخ
عبدالرحمان ((387)) وذكرنا عقيدتهم ورايهم وراي آخرين غيرهم بمايناسب ضرورة الالتزام
بـظـواهر هذه الاحاديث وعدم جواز تاويلها وتوجيهها, وهذاالذي لاحظته ايها القارئ الكريم هو
غيض من فيض , ولو اردنا ان نورد جميع اقوال علمائهم لاحتجنا الى موسوعة كبيرة من الكتب .

تبصرة للبصير:.

عرفنا مما نقلناه من الاحاديث التوحيدية في الصحاح الستة ان مضمون هذه الروايات يحكي لنا امكان رؤيـة اللّه واثـبـات الـمـكـان لـه , وانه تعالى ذو اعضا وجوارح مختلفة تماما كالموجود الطبيعي
والـمـادي , وان عـلـمـا السنة يعتقدون في صفات اللّه حسب ما تقتضيه رواياتهم ويوصون اتباعهم
بالاعتقاد بهذه الصفات والافكار.

ولابـد من الاذعان بان منشا هذا الانحراف في العقيدة والضلالة عن الصراطالمستقيم هو ما روته
لـهـم هـذه الاحاديث التي يراها علما السنة صحيحة ومعتمدة حول مسالة التوحيد التي هي الدعامة
الاولى في العقيدة الدينية .

وقد اعترف بهذا الموضوع علما السنة انفسهم , واستنادهم الى هذه الاحاديث في بيان عقيدتهم مجمع
عليه , ونحن في غنى عن تكرار البحث وعن ذكر الدلائل والشواهد الاخرى لاننا قد فصلنا البحث
مـسـبقا وفي هذا الفصل كذلك , ولكن ندعوالقارئ ثانية الى مراجعتها مرة اخرى بدقة وتعمق اكثر
ليقف على الارتباط الوثيق بين هذه الاحاديث وعقائد علما اهل السنة .

ومـن خـلال الـتـامل فيما مر من البحوث تتضح لنا المسالة التالية اكثر واوفر : ما هومدى التاثير
السلبي الذي اوجدته هذه الاحاديث وهذه الكتب عبر القرون المتمادية على العقائد الاسلامية ؟.

اجـل ان هـذه الاحـاديـث والتمسك بصحتها خلقت بين المسلمين قضايا خرافية ومضحكة وانتجت
الضلالات والانحرافات في عقائد طائفة كبيرة منهم .

ومن هنا: حكي عن مقاتل بن سليمان , وداود الجورابي ونعيم بن حماد انهم قالوا:انه تعالى في صورة
الانـسـان , وانـه لحم ودم , وله جوارح واعضا من يد ورجل ولسان وراس وعينين , واستثنوا عنه
الفرج , ولكن معاذ العنبري قال : له تعالى فرج رجل ,واستدل على قوله هذا بان للّه تعالى آلة الذكران
بالاية الكريمة (وليس الذكر كالانثى ) ((388)) .

وادعى بعض متكلمي اهل السنة , بان له لحم وجلد وعظم كالانسان .

وقالوا: انه سبحانه ينزل ليلة عرفة من السما الى الارض على جمل احمر في هودج من ذهب .

وروى قوم منهم : انه تعالى نظر في المراة فراى صورة نفسه فخلق آدم (ع ) عليها.

ورووا: انه يضحك حتى تبدو نواجذه .

ورووا: انه امرد جعد قطط, في رجليه نعلان من ذهب , وانه في روضة خضراعلى كرسي تحمله
الملائكة .

ورووا: انه يضع رجلا على رجل ويستلقي فانها جلسة الرب .

ورووا: انـه خـلـق الـملائكة من زغب ذراعيه , وانه اشتكى عينه فعادته الملائكة ,وانه يتصور
بصورة آدم ويحاسب الناس في القيامة .

ورووا: انه ينزل الى السما الدنيا في نصف شعبان , وانه جالس على العرش قدفضل منه اربع اصابع
مـن كـل جـانـب , وانه ياتي الناس يوم القيامة فيقول : انا ربكم ,فيقولون : نعوذ باللّه منك , فيقول لهم :

افـتعرفونه ان رايتموه ؟ فيقولون : بيننا وبينه علامة ,فيكشف لهم عن ساقه , وقد تحول في الصورة
التي يعرفونها, فيخرون له سجدا.

ورووا ان الـنـار تـزفـر وتتغيظ تغيظا شديدا, فلا تسكن حتى يضع قدمه فيها فتقول :قط قط, اي
حسبي حسبي ((389)) .

هـذه الافكار والارا تعتبر من اصول عقائد متكلمي اهل السنة في التوحيد, وقداجمعوا على بعضها
مثل لقا اللّه ورؤيته , ومجي اللّه يوم القيامة عند الناس .

ثم قال ابن ابي الحديد المعتزلي في شرحه على نهج البلاغة عقيب كلامه : وان في التوراة نحو ذلك
مـن الـعـقـائد, ومـن ثم اشار المعتزلي الى ما ذكرناه آنفا ان منشا هذه العقائدالمذكورة الباطلة هو
الاحاديث المستخرجة في صحاحهم .

وعند ما يذكر ابن ابي الحديد كلمة اميرالمؤمنين علي بن ابي طالب (ع ): ((ياتي على الناس زمان لا
يـبقى فيهم من القرآن الا رسمه , ومن الاسلام الا اسمه )) يقول شارحا:هذه صفة حال اهل الضلال
والـفـسـق والـريـا من هذه الامة , لانهم اهل ضلالة كمن يسكن المساجد الان ممن يعتقد التجسيم
والـتـشـبـيـه والصورة والنزول والصعود والاعضاوالجوارح ومن يقول بالقدر يضيف فعل الكفر
والجهل والقبيح الى اللّه تعالى , فكل هؤلااهل فتنة يردون من خرج منها اليها ويسوقون من لم يدخل
فيها ايضا ((390)) .

اقـول : نستفيد من صراحة مقولة ابن ابي الحديد ان هذه الاعتقادات الباطلة كانت مشاعة في عصره ,
وكان اكثر ائمة المساجد آنذاك يعتقدون بهذه الخرافات .

(واستغفروا ربكم ثم توبوا اليه ان ربي رحيم ودود) ((391)) .

نظرة في احاديث الشيعة .

سؤال لابد منه :.

يحتمل ان يكون بين قرائنا الكرام من يقرا فصل التوحيد في الصحيحين ثم يستشكل علينا ويتسال :.

ان مـا اوردتـموه من الاحاديث والروايات المستخرجة من صحاح اهل السنة وامهات المصادر حول
مـسـالـة الـتوحيد قد كشف الصورة الحقيقية لهذه الكتب وعقيدة علمائهم بالنسبة الى محتويات هذه
الاحـاديـث , خاصة اذا اعتقد احد انه عن طريقهايمكن ان يصل الى التوحيد ومعرفة اللّه تعالى التي
هـي اهـم المسائل العقائدية لم يحصدسوى نتائج واهية ومسائل لا اصل ثابت لها وكذلك يشاهد في
بـعـض كتب الحديث عندالشيعة ومضامين الروايات التي ترتبط بمسالة التوحيد ما يشعر بالتجسيم
والـرؤيـة ,ولـعـل بـعـض الـمـسـائل الـمذكورة حول التوحيد في الصحيحين وكتب اهل السن ة
مـطـروحـة كـذلـك فـي بـعض كتب الشيعة واحاديثهم , وعلى هذا فان الاشكال والايراد كما هو
واردعلى مصادر اهل السنة يرد على مصادر الشيعة ايضا.

للجواب على السؤال المذكور لابد من الاشارة الى عدة موارد:.

1 ـ اختلاف الرؤى والنظريات حول كتب الحديث :.

هـناك فرق كبير واختلاف شاسع بين نظرة علما الشيعة واهل السنة الى كتب الحديث ومحتوياتها, ان اغلب علما اهل السنة يعتقدون بان كل ما ورد في صحيح البخاري فهو صحيح , وانهم يقولون : لو
ان احـدا حلف يمينا بان كل ما في الصحيحين صحيح ومطابق للواقع وهو قول رسول اللّه لكان يمينه
صحيحا ولا عليه الحنث .

وامـا عـلما الشيعة فانهم على عكس ذلك تماما لا يعتقدون في كتبهم الحديثية مثل عقيدة اهل السنة ,
فـانـهـم يـرون ان احـاديث الكتب الاربعة تقبل البحث والنقد متناوسندا, وان بعض الاحاديث وهو
محدود عندهم صحيح ومقبول , وباقي الروايات فهواما موثق او حسن او ضعيف .

هذه هي نظرة الشيعة الى احاديثهم ومحتويات كتبهم ومصادرهم ((392)) .

فـعلى هذا فان تخريج حديث ما في كتاب للشيعة ليس دليلا على صحته , وليس معيارا وملاكا للقبول
عـنـدهـم , بـحيث اذا كان ذاك الحديث غير صحيح يرد نفس الاشكال على علما الشيعة ومحدثيهم
وكتبهم كما ورد على اهل السنة وعلمائهم وكتبهم .

2 ـ احاديث التوحيد في كتب الشيعة :.

زد عـلـى مـا سـبق في المورد الاول لابد من التوجه الى هذا المورد ايضا: ان في جميع الاحاديث الـمـرويـة في كتب اهل السنة حول التوحيد نوع من الايهام او التصريح باثبات التجسيم , ولم يكن
هناك حتى حديث واحد ينفي التجسيم ويخالف تلك الاحاديث مفهوما ومضمونا, وكما قلنا: ان التوحيد
في هذه الكتب لم يكن سوى التجسيم والتشبيه .

وامـا كـتـب الـشـيـعة فاذا لوحظ فيها حديث من هذا القبيل فان هناك المئات من الاحاديث المعتبرة
والموثوقة في الكتب الاصلية تفند مسالة التجسيم بشدة .

وعـنـاوين الابواب والفصول في كتب الحديث عند الشيعة ((393)) مثل ابطال الرؤية ,النهي عن
الجسم والصورة , نفي الحركة والانتقال , نفي التشبيه وغيرها اكبر شاهد واقوى دليل على ما ذهبنا
اليه , وهذا هو وجه الاختلاف والتمايز الموجود بين مصادر الفريقين والاحاديث المستخرجة فيها,
وبهذا الجواب يمكن دفع كثير من الاسئلة الاخرى التي سوف تختلج في خلد احد.

3 ـ راي علما الشيعة في احاديث التوحيد:.

ان الاحـاديـث التي تنفي الرؤية وتفند التجسيم والتشبيه التي استخرجت في كتب الشيعة صريحة وبـيـنة ومعتبرة سندا, بحيث ان علما الشيعة ومتكلميهم اعتمدوامضامينها وجعلوها اساسا واصلا
كبيرا من مباحثهم في علم الكلام , وكل حديث ورواية تناقض هذه الاحاديث الصحيحة والصريحة
في نفي التجسيم فانها مردودة ومرفوضة علميا ومن هنا فلا يبقى طريق وسبيل للاشكال عليهم .

4 ـ الروايات الموضوعة :.

ان الـبحث والتنقيب في اسانيد اكثر هذه الاحاديث التي سوف تكون مستمسكاللمستشكلين تومي الى ضـعف هذه الروايات سندا, وان رواتها ليسوا بموثوقين عندعلما الرجال والتراجم ولا يعتمد احد
على اقوالهم لانهم كذابون ووضاعون للحديث .

وان الاحـاديـث الـتـي رويـت فـي كتب الشيعة والتي تؤيد فكرة التجسيم , فهي موضوعة , وضعها
الكذابون والوضاعون كمقاتل بن سليمان وغيره من القائلين بالتجسيم , وذلك لكي يصححوا عقيدتهم
المنحرفة , واختلقوا لها اسانيد ايضا ونسبوهاالى احد الائمة المعصومين من آل بيت رسول اللّه (ع )
.

وبـنا على هذا التوضيح يتحتم على كل من يريد التعرف على عقيدة الشيعة في التوحيد ان ياخذ ذلك
عن احد الطريقين :.

1 ـ مـراجـعـة الاحاديث الصحيحة والمقبولة عند الشيعة كما يرجع الى احاديث العامة وصحاحهم
الستة في هذا الموضوع .

2 ـ مـراجـعة اقوال وآرا علما الشيعة ومتكلميهم المشهورين كما نستخرج نظرية اهل السنة في
هذا الموضوع من اقوال وآرا علمائهم المشهورين .

احاديث التوحيد عند الشيعة .

واليك نماذجا من احاديث الشيعة :.

تـطـرقـنا في بحث نفي الرؤية الى بعض احاديث الشيعة في التوحيد, وهذه روايات اخرى اعتمد
عـلـيـهـا الـشيعة في اثبات عقيدتهم في التوحيد, وهي تشكل الدعامة الاساسية لعقيدتهم في مسالة
الـتـوحـيد, ولكي تكون اولا جوابا اوفي للسؤال المذكوروثانيا : نقارن بينها وبين ما ورد في ثنايا
احاديث اهل السنة , ويعلم القرا الاعزا بعدذلك اهمية هاتين الرؤيتين السنية والشيعية نقارن بينهما
وبين ما ورد في ثناياهما ثم يحكموا بالوعي التوحيدي وياخذوا بالصحيح منهما.

1 ـ عـن ابـي بصير: عن ابي عبداللّه (ع ) قال : ان اللّه تبارك وتعالى لا يوصف بزمان ولا مكان , ولا
حـركة ولا انتقال ولا سكون , بل هو خالق الزمان والمكان والحركة والسكون , تعالى اللّه عما يقول
الظالمون علوا كبيرا ((394)) .

2 ـ عـن داود الـرقـي قـال : سـالـت ابـا عبداللّه (ع ) عن قول اللّه عزوجل : (وكان عرشه على
الما) ((395)) فقال : ما يقولون ؟ قلت : يقولون : ان العرش كان على الما والرب فوقه .

فـقـال : كذبوا, من زعم هذا فقد صى ر اللّه محمولا, ووصفه بصفة المخلوق , ولزمه ان الشي الذي
يحمله اقوى منه ((396)) .

3 ـ عـن يـعـقـوب السراج قال : قلت لابي عبداللّه (ع ): ان بعض اصحابنا يزعم ان للّه صورة مثل
الانسان , وقال آخر: انه في صورة امرئ جعد قطط.

فـخـر ابـو عبداللّه (ع ) ساجدا ثم رفع راسه , فقال : سبحان اللّه الذي ليس كمثله شي ,ولا تدركه
الابصار, ولا يحيط به علم , لم يلد لان الولد يشبه اباه , ولم يولد فيشبه من كان قبله , ولم يكن له من
خلقه كفوا احد, تعالى عن صفة من سواه علوا كبيرا ((397)) .

4 ـ عـن يونس بن ظبيان قال : دخلت على الصادق جعفر بن محمد(ع ) فقلت : ياابن رسول اللّه , اني
دخـلت على مالك ((398)) واصحابه , فسمعت بعضهم يقول : ان للّه وجهاكالوجوه , وبعضهم يقول :

له يدان , واحتجوا لذلك بقوله تعالى : (خلقت بيدى استكبرت ) ((399)) وبعضهم يقول : هو كالشاب
من ابنا ثلاثين سنة , فما عندك في هذا يا ابن رسول اللّه (ص )؟.

قـال : وكان متكئا فاستوى جالسا وقال (ع ): اللهم عفوك عفوك , ثم قال (ع ): يا يونس من زعم ان للّه
وجها كالوجوه فقد اشرك , ومن زعم ان للّه جوارح كجوارح المخلوقين فهوكافر باللّه , فلا تقبلوا
شـهـادتـه , ولا تاكلوا ذبيحته , تعالى اللّه عما يصفه المشبهون بصفة المخلوقين , فوجه اللّه انبيائه
واوليائه , وقوله : (خلقت بيدي استكبرت )اليد القدرة كقوله :(واى دكم بنصره ) ((400)) .

فمن زعم ان اللّه في شي , او على شي , او يحول من شي الى شي , او يخلو منه شي , او يشغل به شي ,
فـقـد وصـفه بصفة المخلوقين , واللّه خالق كل شي , لا يقاس بالقياس ولا يشبه بالناس , لا يخلو منه
مكان , ولا يشتغل به مكان , قريب في بعده , بعيدفي قربه , ذلك اللّه ربنا, لا اله غيره , فمن اراد اللّه
واحـبـه بـهـذه الـصـفة , فهو من الموحدين ,ومن احبه بغير هذه الصفة , فاللّه منه بري ونحن منه
برا ((401)) .

5 ـ عـن يـعـقوب بن جعفر الجعفري , عن ابي ابراهيم (ع ): قال : ذكر عنده قوم يزعمون ان اللّه
تبارك وتعالى ينزل الى السما الدنيا.

فـقـال (ع ): ان اللّه لا يـنزل ولا يحتاج الى ان ينزل , انما منظره في القرب والبعد سوا,لم يبعد منه
قـريب , ولم يقرب منه بعيد, ولم يحتج الى شي , بل يحتاج اليه , وهو ذو الطول لا اله الا هو العزيز
الحكيم .

امـا قـول الـواصـفـين : انه ينزل تبارك وتعالى , فانما يقول ذلك من ينسبه الى نقص , اوزيادة , وكل
متحرك محتاج الى من يحركه , او يتحرك به , فمن ظن باللّه الظنون هلك ,فاحذروا في صفاته من ان
تـقفوا له على حد تحدونه بنقص او زيادة او تحريك او تحرك ,او زوال او استنزال , او نهوض او
قعود, فان اللّه جل وعز عن صفة الواصفين , ونعت الناعتين , وتوهم المتوهمين ((402)) , (وتوكل
على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ) ((403)) .

الفصل السادس .

النبوة .

في الصحيحين .

الانبيا في القرآن .

الاستعداد للرسالة :.

الـنـبـوة والرسالة مرتبة لا يمكن تقييمها وقياسها بالمقاييس المادية والبشرية ,وهذا المقام الشامخ بـحاجة الى مقدمات عقلية واخلاقية ونفسية , بحيث لو لم يتحلى الانسان بهذه الكمالات لا يمكنه ان
ينال هذا المقام الرباني , وقد اشار القرآن الى هذه الحقيقة في عدة آيات .

وقد وصفت هذه الايات انبيا اللّه (ع ) بانهم في ارقى درجة من الكمال , وذكرت لهم على وجه العموم
صفات وخصائص , وخص لرسول اللّه (ص ) على وجه الخصوص ميزات وصفات خاصة .

ولكي نستلهم مزيدا من التعرف على مقام النبوة والرسالة من وجهة نظر القرآن نذكر طرفا من هذه
الايات :.

1 ـ قال تعالى : (اللّه يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) ((404)) .

تـؤكـد هـذه الايـة بـان انبيا اللّه (ع ) هم الصفوة والنخبة من البشر وقد انتجبهم اللّه تعالى للنبوة
وحملهم رسالته السماوية .

2 ـ قال تعالى : (اللّه اعلم حيث يجعل رسالته ) ((405)) .

هذه الاية تقرير وتوضيح لاصطفا الانبيا, وتؤكد بانهم كانوا ممهدين ومستعدين من جهات عديدة مثل
الـعـظـمـة والقوة الروحية والصفا النفسي والشجاعة وجميع الفضائل الاخلاقية والتعاليم الالهية
ومـهـيـئيـن لـلاصـطفا والاجتبا لتلقي الرسالة الالهية وهداية الناس وارشادهم الى سبيل السعادة
والـكـمـالات الانـسـانية ويخرجوهم من الظلمات الى النور وكلام قوم صالح (ع ) شاهد على هذه
الحقيقة المذكورة .

3 ـ قال تعالى : (يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا) ((406)) .

يـحـكي اللّه عنهم بانهم قالوا: يا صالح ان قوم ثمود كانوا يرون فيك الكمال وعلقواعليك الامال بان
تقودهم نحو المدنية والتقدم وتفيدهم وتسعدهم بخدماتك الاجتماعية .

وتدل هذه الاية على ان الانبيا(ع ) كانوا قبل بعثتهم افرادا متفوقين على اممهم واقوامهم والمجتمع
الـذي كـانـوا فـيه , بامتيازات خلقية , بحيث ان المجتمع لم يكن ينظراليهم بكونهم اشخاصا عاديين
كسائر الافراد, وان استعدادهم وسيرتهم الاخلاقية والعبادية هي التي كانت سببا لكي يتوقع منهم
المجتمع اكثر من غيرهم , وقد ابدى قوم صالح توقعهم بقولهم : (قد كنت فينا مرجوا).

وان هـذه الكمالات والاستعدادات قبل بعثتهم بالنبوة هي التي جعلت اولئك الذين لم تشوبهم العصبية
والعناد ان يستجيبوا لهم في بداية امر دعوتهم ويلتزموا باوامرهم .

عصمة الانبيا:.

اكـدت الـكـثير من الايات بان الانبيا(ع ) كانوا معصومين من الذنوب والخطاومنزهين من الضلال والانحراف .

واليك بعض الايات التي تدل على عصمة الانبيا(ع ):.

1 ـ قال تعالى : (اولئك الذين هدى اللّه فبهداهم اقتده ) ((407)) .

جـات هـذه الاية بعد ان ذكر اللّه عز وجل ثمانية عشر نبيا وسماهم باسمائهم ((408)) وبعدان
قـال :( ومـن آبائهم وذرياتهم واخوانهم واجتبيناهم ) ((409)) قال تعالى : (اولئك الذين هدى اللّه
فـبهداهم اقتده ) ((410)) حيث امر اللّه عزوجل بوجوب الاهتدا والاتباع بهدى الانبيا وذلك لان
هذه الهداية الواجبة الاتباع ليست من نوع الهداية العامة , بل هي مختصة بالانبيا والرسل (ع ).

ويـعلم بالضرورة والبداهة ان اختصاص الانبيا بهذه الصفة لم يبق للذنوب والانحراف سبيلا اليهم ,
وبعبارة اخرى : ان الهداية المذكورة مصداق بارز لاية اخرى هي قوله تعالى : (ومن يهد اللّه فما له
من مضل ) ((411)) وعندما نجمع بين مفهومي هاتين الايتين معا نحصل على ان اللّه تعالى هدى انبياه
ورسـلـه (ع ) عـلى نحو ينفي عنهم اي سبيل للانحراف والضلالة والذنوب اليهم وبهذا اوجب اللّه
تعالى على الاخرين متابعتهم والانقياد اليهم والاهتدا بسيرتهم وهديهم .

وهـنـا لابد ان نطرح سؤالا: ما هي حقيقة الضلالة والانحراف وماهيتهما اللتين نفاهما القرآن عن
الانبيا(ع )؟.

بـين القرآن حقيقة الضلالة في قوله تعالى : (الم اعهد اليكم يا بني آدم ان لا تعبدواالشيطان انه لكم
عـدو مـبـين ولقد اضل منكم جبلا كثيرا) ((412)) وفي خلال النهي الصريح في الاية عن عبادة
الـشـيـطان واتباعه ترى ان الاية قد اعتبرت ان جميع المعاصي والضلالات التي تحصل بواسطة
ابـلـيـس هـو انـحـراف وضـلال , ولو اخذنا هذه الايات الثلاث بعين الاعتبار لاستنجنا بان الانبيا
والرسل (ع ) منزهون من كل ذنب ومعصية المعبر عنها في القرآن ضلالة .

وخلاصة القول :.

1 ـ وصف القرآن الانبيا(ع ) بانهم يمتازون بهداية خاصة .

2 ـ انه ليس للضلالة والانحراف سبيل الى اولئك الذين نالوا هذه الهداية .

3 ـ ان القرآن عبر عن الذنب والانحراف العام عن سبيل اللّه تعالى بانهما ضلالة .

واما الاستنتاج :.

فـعندما نتمسك بهذه الاصول الثلاثة المذكورة , نستطيع ان نجزم بان القرآن الكريم نزه الانبيا(ع )
عن ارتكاب الذنوب وزكاهم من الاخطا.

2 ـ قال تعالى : (وما ارسلنا من رسول الا ليطاع باذن اللّه ) ((413)) .

المنشود في هذه الاية ان الغاية من ارسال الرسل هي اطاعتهم والانقياد لهم .

ونـسـتظهر من مضمون هذه الاية ان ارادة اللّه ومشيئته تعلقت بهذا الامر, وهو:ان الانبيا يجب ان
يكونوا مطاعين من الجهة القولية والعملية , لان قولهم وفعلهم وسيلة لارشاد وهداية الناس .

فعلى هذا فاطاعة الرسل (ع ) والاستنان بقولهم وفعلهم واجب وذلك لان :.

لو افترضنا انه بدرت منهم معصية لابد وان تكون هذه المعصية مرادة عند اللّه ومحبوبة اليه , لانه
تعالى هو الذي امر الناس وفرض عليهم طاعة الانبيا واتباعهم .

ومن جهة اخرى نشاهد ان المعصية منهية وممنوعة , وقد نهى اللّه عزوجل عن ارتكابها.

وبتعبير آخر: ان القول بعدم عصمة الانبيا(ع ) مستلزمة للتناقض بان يامر اللّه بشي وينهى عنه , اي
يكون الشي الواحد ذا جهتين مبغوضا ومحبوبا للّه تعالى في آن واحد, وهذا الامر باطل ومرفوض .

3 ـ قال تعالى : (فبعزتك لا غوينهم اجمعين الا عبادك منهم المخلصين ) ((414)) .

هذه الاية تحكي قول الشيطان الذي حلف يمينا بانه سيغوي العباد كلهم الا المخلصين منهم , فلو كان
الانـبـيـا(ع ) مـمـن تصدر منهم الذنوب حتى ولو كانت من الصغائر,فانهم سوف يكونون في زمرة
الـغـاويـن والضالين , وليس من عباد اللّه المخلصين , وقد قراناخلال الايات التي ذكرناها آنفا, ان
الانبيا هم الناجون والمخلصون كما قال تعالى : (انااخلصناهم بخالصة ذكرى الدار) ((415)) .

وتـلاحظ ايضا في ثنايا الاية المذكورة ان الشيطان اعترف واقر بالعجز عن اضلال المخلصين من
الـعـبـاد واغوائهم , وقد شهد اللّه تعالى لانبيائه بانهم من المخلصين , وضمن لهم منزلة الاخلاص ,
وايدها لهم .

وهنا نستنتج : ان وساوس الشيطان واضلاله لا سبيل لها الى الانبيا(ع ), ولاتمسهم ببنت شفة .

وبـنـا عـلـى هذا فانا نقطع بان القول بصدور الذنوب من الرسل (ع ) وارتكابهم المعاصي قول باطل
وسقيم وتحكم .

هـب انـنـا نـشاهد في بعض الايات استشعار وقوع الذنب من بعض الانبياوارتكابهم المعصية , فان
ظـاهـر هذه الايات يتعارض مع تلك الايات الصريحة التي تنفي ارتكاب الانبيا(ع ) للذنب , بحيث لا
يـمـكن الجمع بين هاتين الفئتين من الايات , وعلى هذا يقتصر الحل الوحيد بان ناول هذه الايات الى
المعاني التي حددتها الايات الصريحة من الفئة الاخرى والاحاديث الوارده في هذا الموضوع .

وقـد تصدى العلما للموضوع فالفوا كتبا في عصمة الانبيا وقد جمعوا بين كلاالطائفتين من الايات
ومن ثم تاويل الايات النافية الى معان تتناسب مع هذه الايات والروايات الصريحة في اثبات العصمة .

رسول اللّه (ص ) في القرآن والسنة .

مؤهلائه في نظر القرآن :.

يـظهر من آيات القرآن الكريم ان محمدا(ص ) قبل ان يبعث نبيا ورسولا كان متفوقاعلى الاخرين ومـمـتازا عليهم من الجهات الايمانية والاخلاقية والعقائدية , وكان ذااستعداد خاص وكفاة مميزة ,
وان آبـاه واجـداده كـانـوا من الانبيا والموحدين المؤمنين ,الذين لا يشوبهم الشرك والوثنية , ولم
يسجدوا لغير اللّه قط ويدل على ذلك الايات التالية :.

1 ـ قال تعالى : (الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ) ((416)) .

عـن ابـن عـبـاس في قوله تعالى : (وتقلبك في الساجدين ) قال : من نبي الى نبي ومن نبي الى نبي حتى
اخرجك نبيا ((417)) .

يـستفاد من هذه الاية وتفسيرها بان نطفة النبي (ص ) كانت منذ عهد آدم (ع ) حتى ابيه عبداللّه (ع )
تـنـتـقـل مـن صـلب الانبيا والمطهرين الى اصلاب مثلهم من الانبياوالساجدين , وهذا دليل على ان
استعداد النبى لتلقي الوحي لم يختص به منذ طفولته بل كان قبلها ومن عهد آدم (ع ).

2 ـ ومـن الايـات التي تدل على هذه الحقيقة ايضا, وتكشف عن ان الرسول (ص )كان محظوظا بهذا
الاستعداد قبل بعثته , هي الاية التي نزلت في اواسط البعثة في مكة وذلك عندما انتقد زعما ورؤسا
قريش الرسول وقالوا: (لن نؤمن حتى نؤتى مثل ما اوتي رسل اللّه ) ((418)) .

فقال النبي (ص ) في جوابهم : (اللّه اعلم حيث يجعل رسالته ) ((419)) .

تـشـيـر الايـة الى الحكمة والفلسفة التي من اجلها اصطفى اللّه عزوجل الانبيا(ع )عامة ورسول
اللّه (ص ) خـاصة , وتحكي بان منصب تلقي الوحي والرسالة ليس من نوع المناصب التي تنال للجميع
مـن دون مـقـدمـة , ومـن دون مـؤهلات , وانه منصب لا يعطى الا لمن توفرت فيه مقدمات الكمال
وشروطه , ويكون مؤهلا لذلك , وان اللّه اعلم بهم , وبمن توفرت فيهم الكفاات .

3 ـ قال تعالى : (انك لعلى خلق عظيم ) ((420)) .


/ 22