اضواء علی الصحیحین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

اضواء علی الصحیحین - نسخه متنی

محمد صادق النجمی؛ مترجم: یحیی کمالی البحرانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


ولـما اطلع العلا مة العسكري بدوره كالعلا مة الاميني على تاملاتي ومطالعاتي ونظر في مذكراتي نـظـرة فـاحص , اخذ في تشويقي وتشجيعي , فابدى من الفرح والسرور والمدح والثنا على عملي
بحيث لم اكن اتوقعه , ولم ار ذلك في شاني وشان كتابي , ثم امرني بالاسراع في طبعه ونشره .

ومـع ان الـعلا مة العسكري كان كثير العمل في المجالات العلمية والبحوث التحقيقية , لكنه تفضل
عـلـي وراجع الكتاب وصححه وقدم لي ارشادات قيمة وقدم لكتابي مقدمة غنية ومفيدة فشكر اللّه
سعيه , ومتع اللّه المسلمين بطول بقائه .

وهذا في الواقع يمثل المرحلة الثالثة وهو الدافع لتكميل دراستي واتمام بحثي .

والـجـديـر بـالذكر: ان ما زاد رغبتي وحثني اكثر على مواصلة هذا العمل بغض النظر عن تراكم
المشاكل وعدم وجود الوسائل , هو عاملين اساسيين :.

الاو ل : الـشـعـور بالمسؤولية القصوى والكبيرة وفهم الحقيقة , والواقع اننا اليوم مكلفون في حفظ
الـعـقائد والتعاليم الدينية والثبات امام النشاط الوسيع الذي تقوم به المذاهب المختلفة , وكذا ان هذا
الـعـمـل هـو تبليغ وخدمة للدين , بل هو واجب على كل واحد من ا حسب ما اعطي من الاستعداد ان
يـشمر عن ساعديه ويسعى في اصلاح الجيل وتقديمه نحو الامام , وذلك عن طريق التاليف والكتابة
التوعوية .

الـثاني : ومن جهة اخرى ان الحس الذاتي والرغبة في الحصول على المواضيع المستجدة التي كنت
اسـتـقطبها خلال مطالعاتي زاد في رغبتي في التحقيق اكثر, بحيث اني قرات في مدة قصيرة مئات
الـكـتـب , وللحصول على كتاب واحد مما يتعلق بتاليفي لعلني سافرت من مدينة الى اخرى وتعرفت
حينها على مكتبات عامة ودور نشر كثيرة .

(وما توفيقي الا باللّه عليه توكلت واليه انيب ).

قم ـ محمد صادق النجمي .

ربيع الاول 1392ه ق .

الفصل الاول .

سير الحديث اهميته , وتدوينه .

حول الحديث .

ما هو الحديث ؟.

الـحديث لغة هو الشي الجديد, ويطلق على مطلق القول والكلام ((54)) , وفي اصطلاح المحدثين
عبارة عن اقوال المعصوم وافعاله وتقديره والمعصوم عند اهل السنة هو النبي الاكرم (ص ), وعند
الشيعة هم النبى والائمة من اهل بيته (ع ).

قـال ابـن حجر: لما كان يطلق على القرآن الكريم في صدر الاسلام بالقديم ,اطلق لفظ الحديث في
مقابل ذلك على كل ما نسب الى النبى (ص ), وهذا التعبير جار الى عصرنا ((55)) .

نص الحديث :.

هو قول المعصوم وتقريره .

السند:.

يطلق على سلسلة رواة الحديث الذين بلغنا الحديث عن طريقهم .

السنة :.

هـي فـي اللغة عبارة عن السيرة والطريقة المتبعة عند الناس , وفي الاصطلاح سنة الرسول (ص ) هـي مـجـمـوعـة الاحـكـام والـتـعـالـيـم العملية من العبادات وغيرها التي وردت بسند قطعي
وصحيح ((56)) .

ولـلملازمة الموجودة بين السنة والحديث اطلق لفظ السنة على الحديث كذلك ,واستعملت فيما بعد
غالبا في هذا المورد.

اهمية الحديث في الكتاب :.

الـكـتاب والسنة هما الدعامتان الاساسيتان لاحكام الدين والتعاليم الاسلامية ((57)) , ولكن حاجة
المسلمين الى السنة بدت اكثر من حاجتهم الى القرآن ,لان آيات الاحكام الواردة في القرآن معدودة
ومحدودة , وقيل : ان ها خمسمائة آية حسب المشهور, بحيث لا يمكن الاقتصار عليها, والاكتفا بها
دون السنة والحديث ,وذلك لان :.

اولا: هذه الايات تحتوي على الاجمال والاطلاق , والسنة هي الكفيلة بتفسيرها وبيانها.

ثانيا: ان هذا المقدار المحدود من الايات لم يكن يفي ببيان جميع الاحكام والقوانين الدينية , وعلى هذا
اجمع علما الفريقين , بان الحديث الصحيح الذي ثبت صدوره عن المعصوم (ع ) بنحو القطع حجة على
المسلمين , فهو كالقرآن من حيث حجيته ولزوم اتباعه والاخذ به .

وقـد اشـار الـقـرآن الـكريم ضمن آيات عديدة الى هذه الحقيقة ونبه المسلمين على اهمية السنة
والحديث فقال تعالى : (ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) ((58)) .

وقرن طاعة الرسول (ص ) بطاعة اللّه عزوجل وفرضها على المسلمين ((59)) , واعتبرطاعته
واتـبـاعـه (ص ) طـاعـة اللّه واتـبـاعـه ((60)) , فـنـهـاهـم عـن مـخـالـفـة
اوامـرالـرسـول (ص )واحكامه ((61)) , واعتبر الانقياد والالتزام باوامر الرسول (ص ) علامة
الايمان ,ومعصيته ومخالفته دليل الضلالة والشقا ((62)) .

هـذه نـبذة من آيات الذكر الحكيم التي اوجبت على المسلمين طاعة النبي (ص )والانقياد له , وتاكد
هـذا الـوجـوب فـي الـقـرآن باساليب مختلفة وعبارات شتى , واكدت ايضا ان الاستنان والالتزام
بالرسول (ص ) لا يتم الا عن طريق العمل باوامره والاخذ باقواله .

اهمية الحديث في السنة :.

وردت روايـات جـمـة واحاديث متواترة عن الرسول (ص ) والائمة من اهل بيته (ع ) تؤكد اهمية الحديث من جهات مختلفة , تارة من حيث السنة نفسها وتارة اخرى من جهة ضرورة حفظها وتدوينها
وتبليغها الى الاخرين ((63)) .

قـال رسـول اللّه (ص ) فـي خـطـبـة حجة الوداع : ((معاشر الناس , كل حلال وما يكون فيه سبب
سـعـادتكم قد دللتكم عليه , او حرام وما يكون فيه سبب شقاوتكم قد نهيتكم عنه , فاني لم ارجع عن
ذلك ولم ابدل )) ((64)) .

وفـي مـواقـف عديدة حث النبي (ص ) حفاظ الحديث على حفظه ودعا لهم ,فقال (ص ): ((نظر اللّه
عبدا سمع مقالتي فوعاها)) ((65)) .

ودعا لمن يروي الحديث عنه , فقال (ص ): ((نظر اللّه عبدا سمع مقالتي فبلغها)) ((66)) .

وكم تكرر في اقواله (ص ) وخاصة في اواخر خطاباته , قوله : ((فليبلغ الشاهدالغائب )).

هـذه الكلمات توضح اهمية الحديث والسنة , وتوحي بان الرسول (ص ) قد بين جميع الاحكام الدينية
وجـزئيـاتها من الحلال والحرام , وفرض تبليغ ذلك على جميع المسلمين , وخص بذلك المخاطبين
والمشافهين منهم ووصف مبلغي احاديثه ورواتهابانهم خلفاؤه ((67)) .

الفرق بين الكتاب والسنة .

لا فرق بين القرآن والسنة من جهة صدورهما من منبع الوحي , وانهما نوران انبثقا من نور واحد, الا انه يمكن حصر الفرق بينهما في الوجوه التالية :.

الاول : ان القرآن نزل معجزة يتحدى بخلاف السنة اذ انها فاقدة لصفتي الاعجازوالتحدي .

الـثـانـي : ان الفاظ القرآن الكريم كمعانيه نزلت من لدن الحكيم العليم , بينما السنة بعكس ذلك اذ ان
الفاظها من الرسول (ص ) ولكنها تحمل معاني الوحي الالهي .

الثالث : لاريب في ان نزول القرآن من عنداللّه عزوجل قطعي , واما صدوركل الاحاديث التي وردت
في السنة عن الرسول (ص ) فظني ويصطلح عليه ظني الصدور.

الـرابـع : ان الـقـرآن غالبا ما يذكر الاحكام الكلية والتعاليم العامة بينما جزئياتهاوفروعها ذكرتها
الـسـنـة , وبـتـعبير آخر: ان الاحكام الواردة في القرآن هي كليات وجعل بيانها وشرحها من مهام
الرسول (ص ) وذلك بالهام من الوحي , قال تعالى : (وانزلنا اليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم ولعلهم
يتفكرون ) ((68)) .

ومن ناحية اخرى ان القرآن فرض على المسلمين ان لا يفرقوا بين ما نزل في القرآن وبين ما جا به
الـرسـول (ص ) ((69)) , وذلك لان الرسول (ص ) كما اخبر عنه القرآن : (لاينطق عن الهوى ان
هو الا وحي يوحى ) ((70)) .

فعلى هذا فالسنة مبينة لمجملات القرآن , ومقيدة لاطلاقاته , ومخصصة لعموماته .

ملخص القول :.

ان الاحاديث والسنة تبين ما لم يفصله القرآن , فمثلا: جا في القرآن وجوب اقامة الصلاة , ولكنه لم
يـفـصـل اركـانـها وعدد ركعاتها, بينما نلاحظ النبي (ص )فصل جزئيات احكام الصلاة باقامته لها
وتعليمها للناس ((71)) .

وهـكـذا مـسـالة الحج , فقد ورد تشريعه في القرآن الكريم مؤكدا, واما مناسكه واحكامه الفرعية
والـجزئية فانها لم تذكر فيه عدا القليل , بينما بين الرسول (ص ) تلك المناسك للناس عند ادائه لها,
فقال : خذوا عني مناسككم ((72)) .

وهـكذا بالنسبة الى الفرائض والارث , فان بعض احكامها واصولها مبينة في القرآن , واما الجزئيات
والفروع نحو حرمان القاتل من الارث فقد وردت في السنة ((73)) .

وكذلك احكام الزكاة والجهاد وآلاف مثلها من الاحكام التي لم نجد اليها سبيلاسوى عن طريق السنة
.

تدوين السنة عند اهل السنة والشيعة .

التدوين عند الشيعة :.

طبقا لما ورد في الاحاديث المروية في صحاح اهل السنة انه لم يرد نهي عن كتابة الحديث في عهد الـرسـول (ص ) وانـهـا كـانت امرا متداولا بين المسلمين ,وان المسلمين كانوا ينظرون الى تدوين
الحديث على ان ه حاجة ماسة وضرورية , بل ان رسول اللّه (ص ) قد اكد مسالة الكتابة بوجه خاص ,
وحـث عـلى ذلك بعبارات مختلفة ,وكان اصحاب النبي (ص )كلا حسب ما اوتي من الفهم والاستعداد
يـدون ما كان يسمعه من رسول اللّه (ص ), ومن اولئك الذين دونوا الحديث على عهد النبي (ص )ابو
بكر ((74)) .

ومنهم عبداللّه بن عمرو بن العاص الذي قال : ((كنت اكتب كل شي اسمعه من رسول اللّه (ص ) اريد
حـفـظه , فنهتني قريش وقالوا: تكتب كل شي تسمعه من رسول اللّه (ص ), ورسول اللّه (ص ) بشر
يتكلم في الرضا والغضب فقال (ص ): اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه الا حق واشار بيده الى فيه )) ((75)) .

ولـكن بعد وفاة النبى (ص ) وقع الاختلاف بين الاصحاب , فمنهم من كان يصدعن التدوين , واعتبر
ذلـك امرا غير شرعي , واصر على رايه هذا اصرارا كثيرا, مثل : ابوبكر, عمر بن الخطاب , ابن
مـسعود, ابو سعيد الخدري وغيرهم , وفي مقابلهم فئة كانت تلح وتحث على تدوين الحديث وتحبب
ذلـك , وكـانـوا يكتبون الحديث ويدونونه كماكان على عهد رسول اللّه (ص ), مثل : امير المؤمنين
على (ع ) وشيعته وبالاخص ابنه السبطالاكبر الامام المجتبى (ع ).

وهـذا الاخـتـلاف فـي موضوع تدوين الحديث سبب انقسام المسلمين الى فئتين متميزتين : مؤيدي
التدوين (الامام على (ع ) وشيعته ), والصادين عن التدوين (ابوبكرواتباعه ).

التدوين في عهد الامام علي (ع ):.

روى الـبـخـاري فـي صحيحه عن اميرالمؤمنين (ع ) انه قال : ((لم يكن عندنا كتاب نقراه الا هذه الـصحيفة ثم اخرج صحيفة فيها احكام الجراحات الديات واسنان الابل المشروطة في صحة الزكاة
وان المدينة حرم ما بين عير الى ثور)).

وكذا اخرج عن الامام على (ع ) انه خطب على المنبر, فاخرج من قراب سيفه صحيفة فنشرها, ثم
قرا فيها بعض الاحكام ((76)) .

ونـقـل البخاري ومسلم في صحيحيهما احاديث كثيرة بمتون مختلفة واسانيدمتواترة حول صحيفة
امـير المؤمنين (ع ), وذكرا بعض الاحكام التي استخرجت من هذه الصحيفة او الصحائف الاخرى
له (ع ) ((77)) .

وامـا الاحكام التي يمكن استخراجها من هذه الصحائف طبقا لما نقله البخاري ومسلم في صحيحيهما
وان لـم تكن كثيرة ((78)) ولكن التمعن في نصوص الاحاديث يسوقنا الى معرفة حقيقتين مهمتين :

الاولى تعدد هذه الصحائف وكثرتها, والاخرى جامعيتها وشموليتها, كما اشير الى تلك الشمولية في
بـعـض الاحاديث بان هذه الصحائف تتضمن جزئيات الاحكام وفروعها مثل احكام الديات والقصاص
واسـنان الابل , وحتى حدود المدينة والجبال التي حولها, وبالالتفات الى هذه النقاط تظهر لك جامعية
تلك الصحائف .

ولـكـن قال ابن حجر : وبالجمع بين هذه الاحاديث يتبين ان الصحيفة كانت واحدة , وكان جميع ذلك
مكتوبا فيها, فنقل كل واحد من الرواة عنه ما حفظه ((79)) .

الامام الباقر(ع ) والصحيفة العلوية :.

نـقـل النجاشي عن محمد بن عذافر الصيرفي انه قال : كنت مع الحكم بن عتيبة ((80)) عيينة عند
ابـي جـعـفـر(ع ) فـجـعل يساله , وكان ابو جعفر(ع ) له مكرما ((81)) , فاختلفافي شي فقال ابو
جـعـفر(ع ): قم يا بني , فاخرج كتاب على (ع ), فاخرج كتابا مدروجاعظيما وفتحه وجعل ينظر,
حـتـى اخـرج المسالة فقال ابو جعفر(ع ): هذا خطعلي (ع ),واملا رسول اللّه (ص ), واقبل على
الحكم وقال : يا ابا محمد, اذهب انت وسلمة وابوالمقدام حيث شئتم يمينا وشمالا, فواللّه لا تجدون
العلم اوثق منه عند قوم كان ينزل عليهم جبرئيل (ع ) ((82)) .

ظهر مما نقلناه عن الصحيحين والنجاشي ان الصحائف التي كانت عنداميرالمؤمنين (ع ) والتي ورثها
الامـام الباقر(ع ) من جده (ع ), كانت تحتوي على الشرائع والسنن الالهية , ولا توجد صحيفة قبلها
فـي تـاريـخ تدوين الحديث , وكان الائمة من اهل البيت (ع ) يفتخرون بوجودها, ويعتبرونها ثروة
غنية , وقد ذكرها علما الشيعة وغيرهم في كتبهم المعتبرة , وهذه الصحيفة او الصحائف هي اساس
الـصرح العلمي الشاهق عند الشيعة , وعلى هذا النهج سار شيعة علي (ع ) في كتابة السنة على نحو
انـه لـم يـحـصـل بـيـن تـاريـخ صـدور الحديث وكتابته اي فتور وانقطاع , وقد اشتهر في كل
عصرالعشرات من العلما وعرفوا باسم ((كتاب الحديث والمحدثين )).

احصا مؤلفي الحديث وطبقاتهم :.

ذكـر الـنـجاشي في كتابه ((83)) اسما ما يقارب الف ومائتين راو من اصحاب الائمة (ع ) ورجال
الـشـيـعـة وترجم لهم واشار الى ما الفوه من الكتب في موضوع واحد اومواضيع متعددة , وقال في
مقدمة كتابه : انا اذكر المتقدمين في التصنيف من سلفناالصالح ((84)) وقسم علما الرجال المؤلفين
والمصنفين المعروفين الى عهد الامام الصادق (ع ) الى ثلاث طبقات ((85)) ومع هذا فانه لم يعرف
عددهم دقيقا, لانه من المستبعدان يكون في اصحاب الائمة (ع ) من تشرف بمجلسهم وتتلمذ على يد
احدهم ولم يصنف كتابا.

التدوين في عهد الامام الصادق (ع ):.

وفـي عهد الامام جعفر بن محمد الصادق (ع ) حيث سنحت له تلك الفرصة الثمينة بان يحدث ويدون الـحـديـث الـى اوسـع نطاقه , حتى بلغ عدد الذين تتلمذوا عنده واخذوا منه العلوم المختلفة كالفقه
والكلام والطبيعيات , اربعة آلاف شيخ ((86)) .

يـقـول الـحـسـن بن علي الوشا: انه لقي في مسجد الكوفة في عصر واحد تسعمائة عالم كل يقول :

حـدثني جعفر بن محمد ((87)) , هذا مع بعد المسافة التي تفصل بين الكوفة والمدينة مركز تعليم
وتدريس الامام الصادق (ع ).

وعـلـى اثـر تـشـويـق الامـام الصادق (ع ) الدائم وحثه الدائب وتاكيده على نقل الحديث وكتابته
وصـيانته ((88)) صنفت كتب كثيرة بحيث لا يمكن احصاؤها واحصامؤلفيها, ولكن جمعت من بين
تـلـك الكتب اربعمائة كتاب لاربعمائة مؤلف او اقل من اصحاب الامام الصادق (ع ) في الفقه والعقائد
فـقـط, واشتهرت فيما بعد بالاصول الاربعمائة ولما كانت هذه الاصول متشتتة وبعضها فقدت بادر
بـعـض اصـحـاب الامـام الرضا(ع ) ((89)) الى لم الموجود وضبطه في كتاب مستقل كل حسب
طـريـقـتـه الـخـاصة وسماه بالجامع واختص به , وهذه الجوامع هي غير الكتب التي الفها اصحاب
الائمة (ع )الى زمن الغيبة , والتي تتضمن مواضيع عديدة وعناوين مختلفة .

الكتب الاربعة :.

كـانت هذه الجوامع منذ عصر الامام الرضا(ع ) مرجعا ومصدرا للشيعة في المسائل الدينية والفقهية حـتـى جـا ثـقـة الاسلام الكليني 329 ه فصنف كتابه (الكافي )وجمع فيه الاخبار باسلوب بديع
ومـبـوب , ثـم جـا دور الـشيخ ابن بابويه القمي ((الصدوق )) 381 ه فالف كتابه ( من لا يحضره
الـفقيه ), وبعده قام شيخ الطائفة الشيخ الطوسي 460 ه فدون كتابيه (التهذيب والاستبصار) فجمع
هـؤلا فـي كـتـبـهم الاحاديث المستخرجة من الاصول الاربعمائة وسائر كتب السلف من اصحاب
الائمة (ع ),واشتهرت هذه الكتب بعد ذلك بالكتب الاربعة ((90)) .

هـذا وقـد الـف عـلما الشيعة بعد ذلك كتبا كثيرة ذات اهمية قصوى في شتى المواضيع التاريخية
والتفسيرية والحديثية وغيرها, فامتلات مكتبات البلاد الاسلامية العامة منها, الا ان الكتب الاربعة
احـرزت مـن الـعـنـايـة والاهمية الدرجة الاعلى حتى صارت مرجعا لفقها الامامية في استنباطهم
للاحكام الشرعية , واعتنوا بها اكثر من سائر الكتب .

وبعد ذلك قام علما الامامية وجهابذة علم الحديث يشدون العزم على تاليف كتب الحديث واستخراجها
من الكتب الاربعة والاصول المعتبرة , وصنفوا الموسوعات الضخمة في الحديث .

هذا مجمل تاريخ تدوين السنة عند الشيعة منذ صدر الاسلام حتى عصرنا.

التدوين عند اهل السنة :.

وامـا تـدوين الحديث عند اهل السنة ـ وكما اشرنا اليه آنفا ـ فان بعض الاصحاب ومنهم ابو بكر, خـالفوا تدوين الحديث بعد وفاة النبي (ص ), بل منعواالتحديث عنه (ص )ايضا, ومن هنا فلم يستطع
احـد مـن اصـحـاب الرسول (ص ) ان يروي او يكتب ما سمعه من النبي (ص ), بل القوا ما كتبوا من
الاحـاديـث في الما او احرقوهابالنار, وتبريرا لما فعلوه تجاه الحديث وتثبيتا لهذه الخطيئة الغير
عـلـمية اختلقوااحاديث ونسبوها الى رسول اللّه (ص ) نحو: ((لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير
القرآن فليمحه ((91)) )) ((92)) .

المنع في عهد ابي بكر:.

ان الصديق جمع الناس بعد وفاة نبيهم (ص ) فقال : انكم تحدثون عن رسول اللّه (ص )احاديث تختلفون فـيها, والناس بعدكم اشد اختلافا, فلا تحدثوا عن رسول اللّه (ص ) شيئا, فمن سالكم فقولوا: بيننا
وبينكم كتاب اللّه , فاستحلوا حلاله وحرمواحرامه ((93)) .

وقالت عائشة : جمع ابي الحديث عن رسول اللّه (ص ) وكانت خمسمائة حديث فبات ليلة يتقلب كثيرا
قـالـت : فـغـمني فقلت : اتتقلب لشكوى اولشي بلغك ؟ فلما اصبح قال : اي بنية عـنـدك , فجئته بها, فدعا بنار فحرقها فقلت : لم احرقتها؟ قال : خشيت ان اموت وهي عندي فيكون
فيها احاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فاكون قد نقلت ذلك ((94)) .

ولا يـخـفى ما نتج عن هذا العمل الصادر من ابي بكر الذي منع نقل الحديث تارة ,واقدم على احراقه
وابادته تارة اخرى على المسلمين والحفاظ والرواة من الاثارالسيئة والنتائج السلبية , ففي السنواث
الـثـلاث مـن خلافة ابي بكر انكب المسلمون على تلاوة القرآن واكتفوا بها دون مراجعة التفسير
والـبـيـان , وتركوا نقل الحديث وكتابته ,وبهذا تحق ق ما اراده ابو بكر من حصر اهتمام المسلمين
على الايات القرآنية فقط.

المنع في عهد عمر:.

ففي السنوات العشر من عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي عرف بالخشونة والتصلب اشتد الوطيس عـلـى الـحديث , فلم يكتف عمر بمنع نقل الحديث وتدوينه فحسب , بل انه استعمل في تحقيق هدفه
اسلوب القهر والقوة ((95)) .

قـال الصحابي المعروف قرظة بن كعب ((96)) : لما سيرنا عمر بن الخطاب الى العراق مشى معنا
عـمر الى حرارة , ثم قال : اتدرون لم شيعتكم ؟ قلنا: تكرمة لنا قال : ومع ذلك لحاجة انكم تاتون اهل
قـريـة لـهـم دوي بالقرآن كدوي النحل فلا تصدوهم بالاحاديث عن رسول اللّه (ص ) فتشغلوهم ,
جـردوا الـقرآن , واقلوا الرواية عن الرسول (ص ) وانا شريككم , فلما قدم قرظة بن كعب الكوفة
قالوا: حدثنا , فقال : نهاناعمر ((97)) .

واخـرج الذهبي في تذكرة الحفاظ عن ابي سلمة انه قال لابي هريرة : اكنت تحدث في عهد الخليفة
عمر هكذا؟ قال : لو كنت احدث في عهد عمر مثل ما احدثكم لضربني بمخفقته ((98)) .

وكـان عـمـر بـن الخطاب مستبدا يفرض الضغوط الكثيرة على اصحاب الرسول (ص )الذين كانوا
يروون الحديث عنه (ص ) روي ان ابا موسى الاشعري نقل لعمرحديثا في باب الاستئذان من صاحب
الدار فقال له عمر: ان لم تقم عليه بينة لاوجعتك .

وظـل هذا التشدد من قبل الخليفة مخيما على الرواة حتى اعترض عليه جمع من الصحابة كما ورد
فـي ذيـل الـروايـة الانـفة ان ابا منذر قال لعمر: فلا تكن يا بن الخطاب عذابا على اصحاب رسول
اللّه (ص ) ((99)) .

ومـن اسـتبداده وتشدده انه حبس ثلاثة من الصحابة : ابن مسعود, ابا الدردا, ابامسعود الانصاري ,
وفرض عليهم الاقامة الجبرية في المدينة , وظلوا تحت المراقبة الشديدة حتى قتل , وما كان ذنبهم
الا انـهـم رووا احـاديـث سمعوها من رسول اللّه (ص ) ((100)) واخرج الحاكم في مستدركه ان
الخليفة عمر حبس ابن مسعود, وابا الدردا, واباذر في المدينة ليصدهم عن رواية الحديث ((101))
.

ونـتـيجة لهذا الاستبداد العمري في المنع من نقل الحديث والنهي عنه يقول الصحابي سائب بن يزيد
80 ه ـ : صحبت سعد بن مالك ((102)) من المدينة الى مكة فماسمعته يحدث عن رسول اللّه حديثا
واحدا ((103)) .

وقال الشعبي : جالست ابن عمر سنة كاملة فما سمعته يحدث عن رسول اللّه (ص )حديثا ((104)) .

المنع عن التدوين في عهد عمر:.

نـقل ابن سعد: ان عمر بن الخطاب اراد ان يكتب السنن فاستشار في ذلك اصحاب رسول اللّه (ص ), فـاشاروا عليه ان يكتبها, فطفق عمر يستخير اللّه فيها شهرا, ثم اصبح يوما وقد عزم اللّه له فقال :

اني كنت اردت ان اكتب السنن , واني ذكرت قوما كانواقبلكم كتبوا كتبا فاكبوا عليها فتركوا كتاب
اللّه تعالى , واني واللّه لا البس كتاب اللّه بشي ابدا ((105)) .

الحديث في عهد عثمان :.

كـانـت خـلافة عثمان بن عفان التي استمرت اثنتي عشرة سنة من اسوا الازمنة واتعسها في تاريخ الاسلام , وذلك لما وصلت فيها الاهوا ـ كحب الدنيا وقهر الاخرين والظلم ـ الى اعلى مراتبه حيث
انـه اعـطى حـقوق الضعفا والمساكين وسلم بيت مال المسلمين لشرذمة ليست لهم اي فضيلة وصلة
بالدين , سوى انهم كانوا من قرابة الخليفة وعشيرته وملازمي بلاطه , فاكتنزوا الملايين , وعاشوا
مـرفـهـين , وبنوا القصورالمشيدة , وفي جوارهم من المسلمين من كان يتضور جوعا واما المتقون
الـصـالـحـون مـن اصـحـاب رسـول اللّه (ص ) فـقـد ازيحوا عن تصدي المناصب المهمة والقضا
وادارة الحكومة , وحل مقامهم آخرون مستهترون مثل الوليد بن عقبة اخو عثمان من امه ومروان بن
الـحـكم ولان المتقون لم يتماشوا ولم يداهنوا السياسة المتخذة والحاكمة انذاك , ودابوا على قراة
الـقرآن وترتيله ورواية احاديث النبي (ص )وتبليغها الى الناس , وهذا مما لا يرتضيه النظام الحاكم
والـسيرة العثمانية وسياسة حكمه لان هذه الامور هي على نقيض سياسة الخلافة الحاكمة , ولذلك
تعر ضوا للهتك , فمنهم من نفي الى البوادي , واقصي عن المجتمع , ومنهم من سجن وتعرض للتعذيب
الـجـسـدي والـروحـي والـجـلـد وغـيـره , وهـذا عـلاوة عـلى منع الخلافة العثمانية من نقل
احاديث الرسول (ص ) ومخالفتهم للقرآن المجيد.

فنفي الصحابي الجليل والزاهد في الدنيا ابي ذر الغفاري الى الشام , ومنها الى صحرا الربذة , وضرب
الصحابي عبداللّه بن مسعود والاعتدا عليه في وسط المسجدحتى انجر الى كسر اضلعه , وضرب
عـمار بن ياسر الى درجة الاغما واصابته بالفتق ,وكذا الاعتدا ونفي واهانة العشرات من الصحابة
والـمـسلمين الاوائل , كلها كانت نتائج سياسة عثمان ((106)) وديدنه الى ان آل الامر به ان يرقى
الـمنبر ويعلن للناس منعه اياهم رواية كل حديث لم يسمع به فقال : لا يحل لاحد ان يروي حديثا عن
رسـول اللّه (ص )لـم اسمع به في عهد ابي بكر ولا في عهد عمر ((107)) وهكذا اشتد الوطيس
على نقل الحديث وروايته حتى وصل ذروته .

الحديث في عهد معاوية :.

كانت دواعي وضع الحديث في عهد معاوية وحكومته التي دامت اربعين عامااشد من عهد الخلفا قبله وخاصة في السنوات الخمسة والعشرين الاخيرة من حكمه ((108)) .

وكـلـما مر الزمان كانت رغبة المسلمين تجاه اميرالمؤمنين (ع ) ومعرفة مقامه واهمية شانه تزداد
شـيـئا فـشـيئا, وكانوا مولعين بسماع الاحاديث الصحيحة وروايتها,وهذا ما لا شك فيه كان يضر
بكيان معاوية وموقعه في المجتمع اكثر مما يتصور.

ولـذلك بادر معاوية الى ان يتدارك المشكلة ويشيد الحكم الاموي ويقويه , فعمدالى اختلاق وجعل
الاحاديث التي تنفع بحاله وتقوم سياسته وتوضع بديلة عن الاحاديث الصحيحة , وتنشر في المجتمع ,
وتروى للناس .

ومـن هـنا اكتسحت المجتمع مفترياته , وقرئت على الناس مختلقاته , وحقق معاوية بمكره ودهائه
الـمعروف ما اراده على كلا الصعيدين وذلك عبر جهتين : فهو من جهة اعلن على المنبر عن منع كل
حـديـث لم يسمع به في عهد عمر ((109)) , ومن جهة اخرى عبا الوضاعين واكرم كل من يروي
حديثا في فضائل عثمان واصحاب النبي (ص )المناوئون لعلي (ع ) واكرمهم بالعطايا الجزيلة والهدايا
الثمينة وحثهم على جعل الحديث ونقل الاكاذيب .

فكتب ابو الحسن المدائني ((110)) في كتابه الاحداث وثيقة تاريخية مهمة تحتوي على بيان حقائق
حـول كـيـفـية منع الحديث وجعل الاحاديث المفترية على رسول اللّه (ص )في عهد معاوية , وننقل
لـلـقـارئ مـقتطفات من كلام المدائني , لما فيه الكفاية عن نقل سائر الشواهد الاخرى , وتجنبا عن
الاطناب والاطالة .

المرسوم الاول : قال المدائني : كتب معاوية نسخة واحدة الى عماله بعد عام المجاعة : ان برئت الذمة
ممن روى شيئا من فضل ابي تراب يعني الامام على واهل بيته اى اهل بيت النبي (ص ).

فقام الخطبا في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي اهل بيته , وكان
اشـد الـناس بلاا حينئذ اهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة على (ع ), فاستعمل عليهم زياد بن سمية
وضـم الـيـه البصرة فكان يتتبع الشيعة وهو بهم عارف لانه كان منهم ايام على (ع ) فقتلهم تحت كل
حـجـر ومـدر, واخـافـهـم , وقـطع الايدي والارجل وسمل العيون , وصلبهم على جذوع النخل ,
وطردهم وشردهم عن العراق فلم يبق بها معروف منهم .

ويضيف المدائني : وكتب معاوية الى عماله في جميع الافاق : ان لا يجيزوا لاحدمن شيعة على واهل
بـيته (ع ) شهادة , وان انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه واهل ولايته والذين يروون فضله
ومـناقبه فادنوا مجالسهم وقربوهم واكرموهم , واكتبوالي بما يروي كل رجل منهم واسمه واسم
ابيه وعشيرته .

فـفـعلوا ذلك حتى اكثروا من فضائل عثمان ومناقبه , لما كان يبعثه اليهم معاوية من الصلات والكسا
والحبا والقطائع , ويفيضه في العرب منهم والموالي , فكثر ذلك في كل مصر, وتنافسوا في المنازل
والدنيا, فليس يجي احد من الناس عاملا من عمال معاوية فيروي في عثمان فضيلة او منقبة الا كتب
اسمه وقربه وشفعه , فلبثوا بذلك حينا.

المرسوم الثاني : اضاف المدائني : كتب معاوية الى عماله ان الحديث في عثمان قد كثر, وفشا في كل
مـصر, وفي كل وجه وناحية , فاذا جاكم كتابي هذا فادعوا الناس الى الرواية في فضائل الصحابة ,
والـخـلفا الاولين (ابي بكر وعمر), ولا تتركوا خبرايرويه احد من المسلمين في ابي تراب الا
وتـاتـوني بمناقض له في الصحابة , فان هذااحب الي واقر لعيني وادحض لحجة ابي تراب (الامام
علي (ع )) وشيعته , واشد عليهم من مناقب عثمان وفضائله .

فـقرئت كتبه على الناس , فرويت اخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة ولاحقيقة لها, وجد الناس
فـي روايـة ما يجري هذا المجرى حتى اشاروا بذكر ذلك على المنابر, والقى الى معلمي الكتاتيب ,
فـعـلـموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن وحتى
علموا بناتهم ونساهم وخدمهم وحشمهم فلبثوا بذلك ما شااللّه .

المرسوم الثالث والرابع : ثم كتب معاوية نسخة واحدة الى جميع البلدان :انظروا من قامت عليه البينة
انه يحب عليا واهل بيته (ع ) فامحوه من الديوان , واسقطواعطاه ورزقه .

وشـفـع ذلك بنسخة اخرى : من اتهمتموه بموالاة هؤلا القوم نكلوا به واهدمواداره , فلم يكن البلا
اشـد ولا اكـثـر منه بالعراق , ولا سيما الكوفة , حتى ان الرجل من شيعة على (ع ) لياتيه من يثق به
فيدخل بيته فيلقي اليه سره , ويخاف من خادمه ومملوكه , ولا يحدثه حتى ياخذ عليه الايمان الغليظة
لـيـكـتمن عليه , فظهر حديث كثيرموضوع وبهتان منتشر ومضى على ذلك الفقها والقضاة والولاة ,
وكـان اعـظم الناس في ذلك بلية القرا المراؤون والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك ,
فـيـفـتـعـلـون الاحـاديـث لـيـحـظوا بذلك عند ولاتهم , ويقربوا مجالسهم , ويصيبوا به الاموال
والـضـياع والمنازل حتى انتقلت تلك الاخبار والاحاديث الى ايدي الديانين الذين لا يستحلون الكذب
والـبـهـتـان فـقـبلوها ورووها وهم يظنون انها حق , ولو علموا انها باطلة لما رووهاولا تدينوا
بها ((111)) .

الحديث في عهد خلفا بني امية :.

وبـعد ان نقل ابو الحسن المدائني مصير الحديث في عهد معاوية حسب ما نقلناعنه بالتفصيل تطرق الى ما آل اليه الامر عندما ولى عبدالملك بن مروان الخلافة لمدة احدى وعشرين سنة فاشتد البلا
والتنكيل بالشيعة على نحو لم يكن له شبيه في عهدمعاوية ثم ذكر المدائني نموذجا من جرائم والي
الخليفة الاموي في الكوفة الحجاج بن يوسف الثقفي بحق الشيعة وقال :.

ان انـسانا وقف للحجاج فصاح به : ايها الامير, ان اهلي عقوني فسموني عليا,واني فقير بائس , وانا
الى صلة الامير محتاج .

فتضاحك له الحجاج وقال : للطف ما توسلت به فقد وليتك كذا ((112)) .

الخطوة الاولى في تدوين الحديث :.

كـان وضـع الـحـديـث بـعد رسول اللّه (ص ) هو كما اوردناه , ففي عهد خلفا بني امية الذين التهوا بـالـمـنكرات والفواحش وانغمسوا في البذخ والشهوات [صار مل الحديث ,والاصح صارت الامور
الـمعنوية مقبورة ] في صندوق النسيان بحيث لم يبق من الدين الا اسمه , ومن القرآن الا رسمه , واما
الـعـلـمـا والحفاظ في عهد بني امية فقد تماشوا مع التاثيرات الاجتماعية , وجعلوا سيرة اسلافهم ,
والخلفا الراشدين معيارا وملاكالفعلهم وعملهم , فاخرجوا من عقولهم كل ما يمت الى الحديث تدوينا
وكـتـابـة ورسـمواعليه خط البطلان , حتى آلت الخلافة والحكومة الى عمر بن عبدالعزيز عام
10199ه.

قام عمر بن عبدالعزيز في مدة خلافته القصيرة ببعض الانجازات الايجابية والمفيدة , منها: انه الغى
المنع والحظر عن رواية الحديث وكتابته الذي كان عليه سلفه من الخلفا, وامر بتدوينه .

روى البخاري : ان عمر بن عبدالعزيز كتب الى ابي بكر بن حزم الذي تقلدالقضا ان انظرما كان من
سنة او حديث فاني خفت اندراس العلم وذهاب الحديث ((113)) .

تدوين الحديث في عهد عمر بن عبدالعزيز:.

يـعتقد بعض علما اهل السنة الذين نقلوا رسالة عمر بن عبدالعزيز المذكورة :ان تاريخ الرسالة هو تـاريخ تدوين الحديث حيث بدا التدوين منذ تاريخ امر عمر بن عبدالعزيز اي من السنة الاخيرة من
القرن الاو ل او السنة الاولى من القرن الثاني ((114)) ولكن العلا مة السيد حسن الصدر 1354 ه
يـرد هـذه الـنظرية مستندا الى الشواهدوالمصادر التاريخية فقال : اول من صنف في الحديث الامام
مالك لما كتب الموطا بامرمن الخليفة العباسي المنصور 136 185, ثم يذكر العلا مة الصدر الادلة
التي تؤيد رايه :.

1 ـ ان خلافة عمر بن عبدالعزيز لم تتجاوز السنتين وخمسة اشهر.

2 ـ لم يؤرخ زمان صدور امر عمر بن عبدالعزيز هل كان في بداية عهده بالخلافة ام نهايته ؟.

3 ـ لـم ينقل لنا التاريخ بان ابا بكر بن حزم قد امتثل امر الخليفة , اذ لا يوجد مايدل على الامتثال من
اثـر او كـتاب لابن حزم , وما ذكره الحفاظ والمؤرخون تاييدا لهذه النظرية فهو مبني على الحدس
والاحتمال .

4 ـ فـلـو كـان صـدور الامـر فـي عـهد ابن حزم ثابتا وكان تاريخ التدوين للحديث قطعيا لم وقع
الاخـتـلاف ؟ ولـمـاذا صـرح بعض المحدثين والمؤرخين بتاريخ التدوين في اواخر القرن الثاني
الـهـجـري كـالـحافظ الخبير الذهبي : ان تدوين الحديث وكتابته بدا بعدانقراض وسقوط الدولة
الاموية وانتقالها الى بني العباس ؟.

وكـذلـك لا يـوجـد احـد مـن الـمـؤرخـيـن والـحـفاظ المتقدمين من يؤيد راي السيوطي وابن
حجر ((115)) .

ونقول تاييدا لما قاله العلا مة الصدر: ان ابن حجر نفسه يبدي في مؤلفاته الاخرى اقوالا غير مامر,
فيقول حينا: ان اول من صنف الربيع بن صبيح ((116)) وتارة اخرى يقول : اول من دون الحديث ابن
شـهـاب الـزهـري في اواخر القرن الاول امتثالا لامر عمربن عبدالعزيز ((117)) , وقال قولا
آخر: اول من الف الحديث ابن حزم ((118)) .

ويـقـول مـحـمد فريد وجدي : اول من صنف الحديث هو الامام مالك لما كتب الموطا, وقيل : انه ابن
جريج ـ 150 هـ ((119)) .

وادعى الشلبي : ان اول كتاب صنف في الاسلام هو كتاب ابن جريج ثم يضيف :وقيل : الموطا لمالك ,
وقيل : او ل من صنف وبوب ربيع بن صبيح ((120)) .

وذكر الحافظ الذهبي في حوادث عام 143 ه: في هذا العصر شرع علماالاسلام في مكة والمدينة
بتدوين الحديث ((121)) .

قـال الدكتور احمد امين في ضمن البحث عن امر عمر بن عبدالعزيز: كل ما نعلمه انه لم تصل الينا
هـذه الـمجموعة , ولم يشر اليها فيما نعلم جامعوا الحديث بعد, ومن اجل هذا شك بعض الباحثين من
المستشرقين في هذا الخبر, اذ لو جمع شي من هذا القبيل لكان اهم المراجع لجامعي الحديث , ولكن
لا داعي الى هذا الشك , فالخبر يروي لنا ان عمر امر, ولم يرو لنا ان الجمع تم , فلعل موت عمر تم
سريعا وعدل ابو بكر عن ان ينفذما امر به ((122)) .

وتلاحظ ايها المطالع ان العلما قد اختلفوا في تاريخ تدوين الحديث , وكذا في اول مؤلف من اهل السنة
اخـتـلافـا شديدا, واما ثبوت التدوين في عهد عمر بن عبدالعزيز فانه خال من الدليل سوى ما قاله
البخاري بهذا الصدد من ان عمر بن عبدالعزيز قد امر بجمع الاحاديث وتدوينها ولكن هل هذا الامر
قد امتثل ام لا؟فالتاريخ بل القرائن والشواهد تثبت عكس ذلك .

وعـلـى كل حال فان الحديث قد تم تدوينه بعد قرن ونصف قرن من الزمان ,وعندئذ خرج من حيز
النسيان والانزوا الى حيز المدارسة والكتابة ولما كان المسلمون ينظرون الى التدوين بكونه عملا
مخالفا للسنة ومحرما, لذلك فانهم استصعبوه واستثقلوه في بادئ الامر حتى اجبرهم الخلفا على ذلك
.

يقول معمر عن الزهري : كنا نكره كتابة العلم حتى اكرهنا عليه هؤلا الامرا ((123)) .

تاريخ ظهور الصحاح الستة :.

فـي غـرة الـنصف الثاني من القرن الثاني الهجري ادرك المحدثون اخطا السلف وشطحاتهم بالنسبة لمنعهم الحديث وكتابته , فبدؤا بتدوين الحديث وتاليفه .

بدا علم الحديث يتحرك نحو التقدم بعد ان قضى تلك الفترة الطويلة التي عاشهافي الجمود والسكون ,
ولعل كان ذلك رد فعل ناشئ عن الانفعال الذي برزاثرمنع الحديث , ففي خلال قرن واحد اي من سنة
150 250 هـ ظـهـرت عـلـى الـسـاحـة كـتـب كـثـيـرة كـلـها تحمل اسم الصحاح والمسـانيد
والمسـتخرجات وغيرها ((124)) .

وكان هدف مؤلفي هذه الكتب في هذه الفترة الزمنية منصبا على جمع الحديث فقط, ولم تبوب وتقسم
الاحاديث بعد الى الصحيح والحسن والضعيف , وكان الحديث من دون فرق بين الصحيح وغيره يشكل
المحتوى الاصلي للكتب والمسانيد حتى جا عصر البخاري 256 ه وسائر الصحاح .

قـال ابـن حـجر: فلما راى البخاري هذه التصانيف ورواها وانتشق رياهاواستجلى محياها وجدها
بـحسب الوضع جامعة بين ما يدخل تحت التصحيح والتحسين والكثير منها يشمله التضعيف , فلا يقال
لغثه سمين فحرك همته لجمع الحديث الصحيح الذي لا يرتاب فيه امين ((125)) .

ثم جا بعده تلميذه مسلم بن حجاج القشيري النيسابوري عام 261 ه فالف الجامع الصحيح , ومن بعده
مـحـمـد بـن يـزيـد بـن مـاجة القزويني 273 ه فصنف سننه , ثم كتب ابو داود سليمان بن داود
السجستاني سننه 275 ه وبعده محمد ابن عيسى بن سورة الترمذي 279 ه دون جامعه المعروف
سنن الترمذي , وبعده احمد بن شعيب النسائي 303 ه دون سننه ويقال له المجتبى .

وهـذه الكتب الستة تشكل الركن الاصلي لجوامع اهل السنة , فهم يرجعون اليهاويعتمدون عليها في
الـعقائد والفروع والتفسير والتاريخ , واشتهرت فيما بعد بالصحاح الستة , ويطلق تارة على صحيح
البخاري وصحيح مسلم الصحيحين , وعلى الكتب الاربعة الاخرى بالسنن ((126)) .

وبعد هذه الكتب صنفت المئات من الجوامع , وسميت بالمسند والمستدرك والمستخرج , الا انه لم ينل
اي واحد منها مرتبة وشانا عند اهل السنة كما كان شان الصحاح الستة .

الفرق بين الصحاح والمسانيد:.

الـصـحيح اصطلاحا هو الحديث الذي اتصل سنده عبر رجال عدول ومتدينين الى الرسول (ص ) او احد الائمة (ع ) ((127)) .


/ 22