اضواء علی الصحیحین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

اضواء علی الصحیحین - نسخه متنی

محمد صادق النجمی؛ مترجم: یحیی کمالی البحرانی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


عـنـد مـا كـنت اقوم بدراسة المفتريات التي حيكت ضد النبي (ص ) تاملت في السياسة التي اتخذها الخلفا, ومن ناحية اخرى كنت افكر في السبب لتفشي الخمرومعاقرته وشربه بين الزمرة الحاكمة
آنـذاك , فـبـدرت الي فكرة لابد انهم اباحوا كل ذلك بعدان اختلقوا على رسول اللّه (ص ) في هذا
المجال كما هو دابهم في جعل الحديث حديثاينسبون اليه شرب الخمر ولـذلـك قمنا بالفحص والتنقيب في كتبهم الحديثية حتى تمكنا من العثور على حديث في هذا المجال
يـرويه الامام احمد بن حنبل في مسنده , وعرفنا ان النبي (ص ) لم ينج من هذه الفرية والتهمة ايضا,
ولـكـن وضاعي الحديث والدساسين لما وجدواان اكذوبتهم بان الرسول (ص ) قد عاقر الخمر في
اواخـر حـيـاته لم تتفق مع الايات المحكمة الصريحة التي نزلت بشان تحريم الخمر, لذلك تراهم
نسبوا الفرية لرسول اللّه (ص ) الى عهدما قبل التحريم .

ورووا عـن نـافـع بـن كـيـسـان انـه قال : ان اباه كيسان اخبره انه كان يتجر في الخمر في زمن
الـنـبـي (ص ), وانه اقبل من الشام ومعه خمر في الزقاق يريد بها التجارة , فاتى رسول اللّه (ص ),
فقال : يا رسول اللّه جئتك بشراب جيد, فقال رسول اللّه (ص ): يا كيسان انهاحرمت بعدك ((686))
.

هذا ما رووه في مجال معاقرة النبي (ص ) الخمر وافتروا عليه ذلك باسلوب رزين ودقيق لـمـا كـانـوا يـتـسامرون ويتعاطون الخمر وربما نوافيك في الفصول القادمة ايضا ببعض الاخبار
المدسوسة على رسول اللّه (ص ).

2 ـ تضخيم دور عائشة .

اما السبب الاخر في الافترا وجعل الاكاذيب ونسبتها الى رسول اللّه (ص ) هوتضخيم دور عائشة ,
ونـفـوذهـا وتقويته , وذلك لانه وقعت في ايامها حوادث وقضاياكبيرة , مثل قتل الخليفة عثمان ذي
الـنـوريـن فـي عـقـر داره , ونـشوب حرب كبرى فرضتهاعلى خليفة آخر راح ضحيتها آلاف
الـمـسـلـمين , ولا يكون لها شبيه في تاريخ الاسلام ((687)) , وكان المحرك الاول من ورا هذه
الحوادث هو عائشة بنت ابي بكروزوجة النبي (ص ) افـترى ان قيادة واقعة الجمل وسائر الحوادث , والافتا بقتل الخليفة ((688)) وانقيادالناس لهذه
القيادة والتزامهم باوامرها, وفتح جبهة اخرى ضد امام عصرها اي الخليفة الحق اميرالمؤمنين علي
بـن ابي طالب (ع ), فهل كل هذه الامور تستدعي ان تضخم شخصية عائشة وموقعها عند الناس , الى
حـد بـحـيث اذا امرت بشي كان لامرها التاثيرالكبير في نفوس المسلمين , ويتلقوا امرها فريضة
دينية , والدفاع عن عائشة وحمايتهاجهاد في سبيل اللّه ؟.

وهـكـذا تـرفعوا في تضخيم شخصية عائشة وعظموا شانها بحيث اختفت مخالفتهالصريح القرآن
وامـره ((689)) , ومـعاندتها لامر رسول اللّه (ص ) ((690)) خلف استار هذاالتضخيم , حتى ان
برؤوها وعملها عن النقد والمؤاخذة .

وافـضـل ذريـعـة تـمـسكوا بها في هذا المجال هو ان يصوروا لعائشة صورة مضخمة ,ويرسموا
شخصيتها مكبرة بحيث قالوا: ان النبي (ص ) كان ينقاد لها, وكان يتحمل الصعاب والمتاعب في سبيل
رغـبـاتها, وكان يقف لتضع عائشة راسها على كتفه لتتفرج على رقص الاحباش , وانه لم يكشف عن
تعبه حتى تمل هي وتنزل وان دل هـذا على شي فانه يدل على انهم يريدون بذلك ابراز العلاقة الشديدة عندرسول اللّه (ص )
بـالـنـسبة الى عائشة , وكان يسعى ان يلبي رغباتها ولم يبرز اي نوع من الضجر والملل , حتى وان
بـلـغـت ثمانية عشر عاما فانها كانت تلعب بالبنات , ولكي يطيب قلبها ويرضيها فكان يدعو الجواري
ويشجعهن على اللعب مع عائشة .

وبـناا على هذه الامور فلا يحق لاي احد ان ينتقدها ويشجب اعمالها, خاصة بالنسبة الى فتواها في
قـتل الخليفة : اقتلوا نعثلا فقد كفر ((691)) , اذ انها حكمت على عثمان بالارتداد والتهور, فلذلك
يجب اعدامه , وما كان احد يتردد فيما قالته عائشة وراته , اويبدي معارضته لرايها.

وبـعـد فترة من الزمن وبعد ان تم العمل بفتوى عائشة بقتل عثمان تغيرت الامورعلى عكس هواها
فنهضت ثائرة لدم عثمان الذي افتت بكفره بالامس واعلنت حربا ضداميرالمؤمنين , واستنفرت الناس
بـفـتـواهـا الـثـانـيـة الـتـاريـخـيـة : الا ان عـثـمان قتل مظلومافاطلبوا قتلته فاذا ظفرتم بهم
فاقتلوهم ((692)) .

وبعد هذا التضخيم لشخصية عائشة هل يجوز لاحد ان يتخلف عن فتواها ولايقاتل الامام علي (ع )؟
.

فـهل يحق لاحد ان يشجب حكمها ويستنكر عليها بانك بالامس حكمت بارتدادعثمان وفرضت قتله
واليوم تطالبين بثاره ؟ وو؟.

هـذا الـعامل الذي ذكرناه ضمن دواعي جعل الاحاديث ونسبتها الى رسول اللّه (ص )ليس امرا يمكن
دركـه وفهمه من خلال التامل في الاحاديث المذكورة فحسب ,بل ثمة احاديث اخرى تدل على ذلك
تـضـخـيـم دور عائشة بوضوح وعيان , ولكي يتضح ذلك اكثر نذكر حديثين على سبيل المثال مما
اخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهماوالترمذي في سننه :.

1 ـ اخـرج الـصـحيحان باسنادهما عن عائشة زوج النبي (ص ) انها قالت : كنت انام بين يدي رسول
اللّه (ص ) ورجـلاي فـي قـبـلـتـه مـزاحـمة لسجدته فاذا سجد غمزني فقبضت رجلي , فاذا قام
بسطتهما ((693)) .

واخرج ابن سعد في طبقاته الكبرى عن عائشة قالت : فضلت على نساالنبي (ص )بعشر, قيل : وما هن
يـا ام المؤمنين ؟ فعددت فضائلها ثم قالت :وكان (ص )يصلي وانا معترضة بين يديه ولم يكن يفعل ذلك
باحد من نسائه غيري ((694)) .

نستفيد من هاتين الروايتين :.

اولا: ان استلقا عائشة وتمددها امام النبي (ص ) وهو في حال الصلاة وغمزه اياهالم يكن على سبيل
الـصدفة والاتفاق , بل يظهر من قول عائشة بكونه فضيلة لها دون سائرنسائه , وان هذا العمل كانت
تؤديه دائما وباستمرار, ولو كان مرة واحدة لم تكن فضيلة تفتخر بها ام المؤمنين على ضراتها.

ثـانـيا: ان هذا الفعل يدل على اساتها الادب تجاه النبي (ص ) وعدم اكرامهاواجلالها للصلاة والعبادة
ومـن ناحية اخرى ترى ان هذا العمل هو تنزل وتحجيم لمقام النبوة والرسالة لان المؤمن والملتزم
يانف ان يمزح ويتفكه وهو في الصلاة التي هي معراج المؤمن ومقام الابتهال الى اللّه , ويغمز زوجته
وهو في حال السجود, فكيف بخاتم الانبيا(ص )؟.

والجدير بالذكر ان هذه الفرية مع انحطاط مفهومها وركاكتها, فيها اساة ادب للنبي (ص ) حين تعتبر
احدى الفضائل التي فضلت عائشة على سائر نساالنبي (ص )وعلاقة النبي الشديدة بعائشة 2 ـ اخـرج الترمذي باسناده عن عروة , عن عائشة قالت : كان رسول اللّه (ص )جالسا فسمعنا لغطا
وصـوت صـبـيـان , فـقام رسول اللّه (ص ) فاذا حبشية تزفن والصبيان حولها فقال : يا عائشة تعالي
فـانـظـري , فـجئت فوضعت لحيي على منكب رسول اللّه (ص )فجعلت انظر اليها ما بين المنكب الى
راسه , فقال لي : اما شبعت اما شبعت ؟ قالت :فجعلت اقول : لا, لانظر منزلتي عنده اذ طلع عمر قالت :

فـانفض الناس عنها قالت : فقال رسول اللّه (ص ): اني لانظر الى شياطين الجن والانس قد فروا من
عمر قالت :فرجعت ((695)) .

وقد عرفت ايها القارئ ان هذه الرواية المزيفة والمختلقة تشير الى نقطتين :.

الاولـى : اختبار رسول اللّه (ص ) في ان كم لعائشة من منزلة واحترام عنده , وقدصرحت الرواية :

كلما كان يقول النبي (ص ): اما شبعت من مشاهدة الحبشية ورقصهن ؟تقول : لامتحنه واعرف منزلتي
عنده .

الثانية : اختلاق فضيلة للخليفة عمر بن الخطاب الذي فر منه الناس وتفرقوا لماراوه قادما, حتى ان
النبي يشيد بهذه الفضيلة تكريما لعمر يقول : اني لانظر الى شياطين الجن والانس قد فروا من عمر.

3 ـ اختلاق الفضائل للخلفا:.

الـعـامـل الـثالث لوضع هذه الافتراات السخيفة على النبي (ص ), وخلق هذه الخزعبلات , هو خلق
فضائل للخلفا واظهارهم بانهم الافضل .

ولـتـوضـيح هذا نقول : لقد مر عليك في الجز الاول من كتابنا ((696)) ان معاوية بن ابي سفيان لما
تـسـلـط عـلى الحكم ودامت خلافته عشرون عاما ولم يكن هناك منازع له في الحكم , اسس لجنة
وكـلفها وضع الاحاديث لصالح الخلفا, وامر ولاته وعماله في اقصى البلاد الى اقصاها ان يقرؤوها
على الناس في خطب صلاة الجمعة وينشروها بينهم .

ولم يدع معاوية في هذا المجال ذريعة الا استفاد منها, واستفرغ كل ما كان في وسعه من فكر وقوى
فـي تـحـقيق هذه الامنية , حتى ان مرتزقته وعملاه لم يهنوا لحظة من مساعدته في ذلك , فاختلقوا
فضائل للخلفا حتى ولو كانت هذه الفضائل المزيفة تودي الى الاهانة بالرسول (ص ) وتحجيم منزلته
.

والـهـدف مـن وضـعهم هذه الاحاديث المزورة ان تكون بديلة عن الاحاديث النبوية الصحيحة التي
تروي فضائل اميرالمؤمنين الامام علي (ع ) ((697)) .

وطبقا لهذه الخطة تراهم يصورون الخليفة ابا بكر ذا قدسية وطهارة , وانه ذومعنوية عالية , وانه
مـن الـمـطـهـرين والصالحين , وانه لما دخل بيت رسول اللّه (ص )والفتيات يعزفن ويطربن اظهر
انـزجـاره وانزعاجه للغنا, ويخاطب ابنته بحدة ورسول اللّه (ص )حاضر: ((امزمارة الشيطان في
بـيـت رسول اللّه (ص )))؟ ومع ان النبي نهاه عن ذلك وقال : دعهن يا ابا بكر وشانهن , الا انه اظهر
ورعه وتقواه في الموضوع , حتى قامت عائشة تشير على الفتيات ان يخرجن من البيت ((698)) .

واخـتـلـقـوا لـلـخليفة عمر بن الخطاب فضيلة بانه لما دخل المسجد النبوي راى الحبشة يلعبون
ويرقصون , فازدرا من ذلك , فهوى الى الارض واخذ حصبا ليحصبهم بهافصده النبي (ص ) وقال له :

((699)).
فعلى هذا اليس يحق لرسول اللّه (ص ) ان يقول بشان هؤلا الذين بلغوا من الورع والقدسية والايمان
والمتانة اعلى مراتبها ((700)) ؟.

اليس يحق لرسول اللّه (ص ) ان يقول بشان الخليفة عمر بن الخطاب كلاما يعززمقامه ويقدر منزلته
ويـعـظـم شـخـصـيـتـه حـتـى يـقدمه على رتبة النبوة والرسالة ؟ عمر ((701)) .

ويمكنك من خلال دراسة هذه الاخبار والاحاديث المنسوبة الى رسول اللّه (ص )ان تقف على فضائل
مختلقة بحق الخلفا اكثر من ذلك .

واننا نشاهد احاديث مختلقة واكثر توهينا وازدرا من ذلك وضعتها ايدي العصبية المفرطة للحط من
مقام النبي (ص ) وتشويه شخصيته وفي هذا المجال نضيف على ما ذكر واحدة منها:.

اخـرج الـترمذي والامام احمد بن حنبل باسنادهما عن بريدة قال : خرج رسول اللّه (ص ) في بعض
مـغـازيه , فلما انصرف جات جارية سودا فقالت : يا رسول اللّه اني كنت نذرت ان ردك اللّه سالما ان
اضرب بين يديك بالدف واتغنى فقال لها رسول اللّه (ص ): ان كنت نذرت فاضربي , والا فلا.

فـجـعـلـت تـضرب , فدخل ابو بكر وهي تضرب , ثم دخل علي وهي تضرب , ثم دخل عثمان وهي
تـضـرب , ثم دخل عمر فالقت الدف تحت استها, ثم قعدت عليه , فقال رسول اللّه (ص ): ان الشيطان
لـيـخـاف منك يا عمر, اني كنت جالسا وهي تضرب فدخل ابوبكروهي تضرب ثم دخل علي وهي
((702)).
فـتـرى ان وضـاعـي هـذه الاحـاديـث ارادوا تضخيم رتبة عمر بن الخطاب من الناحية التقوائية
والمعنوية لتصبح اكبر من رتبة النبي (ص ) وتـراهم انهم يوحون بوضعهم هذه الاحاديث ان النبي (ص ) وكذا زوجه واصحابه لم يتورعوا عن
الاعمال السيئة , وكان (ص ) راضيا بافعال شيطانية وان الشياطين يلعبون بين يديه وهو ينظر اليهم ,
ولكن ما ان دخل عمر حتى اختل نظم المجلس وفرت الشياطين من عمر فرارا.

موافقات عمر.

بـينا فيما سبق ان احدى دواعي تلفيق الافتراات على الرسول الكريم (ص )هي خلق فضائل للخلفا, والـتـعـتـيـم على مثالبهم ومساوئهم , وتطرقنا ايضا الى بعض الاكاذيب التي كانت تتناقلها الالسن ,
ويـرويها البسطا والتي تشكل نوعية الثقافة والتفكير في المجتمعات الملوثة بالمغامرات المسائية ,
والـلـيـالـي الـحمرا التي كان يحييهاالفساق واهل الفساد, وفي هذا الفصل يتعرف القارئ المحقق ,
والباحت على فضائل موضوعة اخرى ارقى درجة وارفع رتبة علميا, والمشتهرة في علوم الحديث
والتاريخ ب ((موافقات عمر)).

ومـلخص القول في الموافقات العمرية : هو ان الخليفة عمر كان يقترح مسائل عديدة على اللّه تعالى
ورسـولـه , ومـن ثـم ينزل جبرئيل بية تؤيد ما اقترحه الخليفة عمر,واننا قد سمينا هذه الفضائل
((بالفضائل العلمية )) لان الوضاعين ارادوا بوضعهم هذا النوع من الفضائل ان يرفعوا رتبة الخليفة ,
ويـقـربـوهـا الـى النبوة ويشركونه مع النبي في مسالة الوحي , ولما كان نزول الوحي القرآني من
مـختصات النبي ولا يشركه في ذلك احدفتوسلوا الى اختلاق طريقة اخرى غير النبوة ليشركوا
عمر في مسالة الوحي مع النبي فقالوا:.

ان الـخليفة عمر اذا احب ان يشرع حكما في مسالة ما, فما يبرح حتى ينزل الوحي على النبي (ص )
موافقا ومطابقا للراي الذي احب عمر تشريعه .

وقـالـوا: ان الخليفة كان عالما بالاحكام مسبقا فيبدي رايه , وبعدها ينزل اللّه آية تؤيد فكرة عمر,
وتصحح رايه , واحيانا ينزل اللّه طبقا لما قاله عمر بتمام الفاظه وكلماته .

فـعـلى هذا فان حرام الخليفة من تلقي الوحي القرآني مباشرة , لكنه لم يحرم من وحي من نوع آخر
غير الوحي القرآني .

واليك ايها القارئ نماذج من تلك الموافقات العمرية نذكرها على سبيل المثال :.

1 ـ صـلى النبي (ص ) على منافق مات , فنهاه الخليفة عن ذلك , فلم يتعبد النبي بقوله ,فانزل اللّه تعالى :

(ولا تصل على احد منهم مات ابدا) ((703)) تاييدا لقول عمر وتقريعالفعل النبي (ص ) ((704)) .

2 ـ كـانت مضاجعة الزوجة في ليالي شهر رمضان محرمة كنهاره , فاضطجع الخليفة مع زوجه في
احدى الليالي من شهر رمضان , وبعد ان استيقط من نومه انزل اللّه تعالى :(احل لكم ليلة الصيام الرفث
الى نسائكم ) ((705)) موافقة لراي عمر وجوازا للجماع ليلافي شهر رمضان ((706)) .

3 ـ دخل احد غلمان الخليفة عمر عليه منزله بدون ان يستاذن منه , فسا عمر هذاالفعل من غلامه ,
فـجـعل يدعو ربه ان يمنع ويحرم دخول الغلمان بدون اذن مولاهم عليهم ,فانزل اللّه تعالى في ذلك
آية الاستيذان ((707)) ((708)) .

4 ـ كـان رسول اللّه يدعو اللّه كثيرا ليغفر اللّه لبعض المنافقين , فقال له عمر: يا رسول اللّه سوا
عليهم , اي ان استغفارك وعدم استغفارك لهم سوا, فانزل اللّه تعالى : (سواعليهم استغفرت لهم او لم
تـسـتـغـفـر لـهـم ) ((709)) تـايـيـدا وتصديقا لقول عمر, ونزل الوحي بنفس الالفاظ التي قالها
عمر ((710)) .

وحسب ما تتضمنه روايات اهل السنة ان اللّه عزوجل انزل آيات عديدة مؤيدة لراي الخليفة عمر,
او مـطـابـقـة للمعنى الذي قصده عمر, او انزلها بنفس الالفاظ التي تفوه بها عمر وقد وردت هذه
((الموافقات العمرية )) في موارد عديدة من كتب الحديث والتاريخ والتفسير ((711)) وما ذكرناه
فـي بحثنا هو نماذج فقط, والا فالموافقات العمرية المروية في كتب الجمهور هي اكثر بكثير مما
اوردناه لك هنا.

قال ابن حجر العسقلاني :.

وهذا دال على كثرة موافقته واكثر ما وقفنا منها بالتعيين على خمسة عشر موافقة ولكن ذلك بحسب
المنقول ((712)) .

وقد جمع ابن حجر المكي سبعة عشر موردا من موافقات عمر ((713)) .

وقال السيوطي : وقد اوصلها بعضهم الى اكثر من عشرين ((714)) .

وقال العسقلاني ايضا:.

وصـحح الترمذي من حديث ابن عمر انه قال : ما نزل بالناس امر قط فقالوا فيه ,وقال فيه عمر, الا
نـزل الـقرآن فيه على نحو ما قال عمر , وهذا دال على كثرة موافقته وذكرقبله باسطر والمعنى
وافقني ربي فانزل القرآن على وفق ما رايت لكن لرعاية الادب اسندالموافقة الى نفسه ((715)) .

اقـول : لا فرق في مقام الاستخفاف وتحجيم نبوة رسول اللّه (ص ) ومرتبة الوحي والنبوة بين تلفيق
الاكاذيب والافتراات التي نقلناها مسبقا وبين هذه الاكاذيب المسماة بموافقات عمر.

ولا يـخـفـى ان روايـة حضور النبي في حفلات النسا و نزول آية الحجاب تلبية لرغبة عمر, او
ترغيب النبي الفتيات للغنا و نزول آية الاستيذان تاييدا لراي عمر وان النبي اجاز لزوجته ان تنظر
الى رقص الاجانب و ان آية (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى ) ((716)) نزلت تلبية لما رجاه عمر
كل هذه منافية ومناقضة لمرتبة النبوة ولاتتناسب مع الرسالة .

ولـمـا كـان الـتحقيق في جميع الموافقات العمرية ودراستها دراسة معمقة يحتاج الى كتاب مستقل
وكـبـيـر وخـارج عـمـا نحن عليه من الايجاز, اكتفينا بدراسة وتحقيق حديثين فقط مما اخرجه
البخاري ومسلم في صحيحيهما في باب الموافقات العمرية .

الايات الثلاثة :.

حـدثـنـا هـشيم , عن حميد , عن انس قال : قال عمر: وافقت ربي في ثلاث فقلت : يارسول اللّه لو
اتـخـذنـا مـن مقام ابراهيم مصلى فنزلت (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى ),وآية الحجاب , قلت يا
رسـول اللّه لـو امـرت نساك ان يحتجبن فانه يكلمهن البر والفاجرفنزلت آية الحجاب ((717))
واجتمع نسا النبي عليه في الغيرة عليه فقلت لهن : (عسى ربه ان يطلقكن ان يبدله ازواجا خيرا منكن
) ((718)) فنزلت هذه الاية ((719)) .

نـقـل الـبخاري هذا الحديث في صحيحه في موردين بتفاوت يسير بينهما, في كتاب الصلاة وكتاب
التفسير وكذا رواه مسلم في صحيحه باختلاف يسير.

ترى في هذا الحديث ان اللّه انزل ثلاث آيات في قرآنه تلبية لرجا الخليفة عمرورغبته :.

1 ـ آية الحجاب .

2 ـ آية (واتخذوا من مقام ابراهيم مصلى ).

3 ـ آية (عسى ربه ان يطلقكن ).

وامـا بـالـنسبة الى هذا الحديث فسوف نقوم بدراسة ما يرتبط بية الحجاب فقط,وندع الحكم حول
صحة القسمين الاخرين وسقمهما الى القارئ الباحث , وذلك لانه عندما يتضح ضعف شطر من حديث
فان سائر الموارد تتبعه في الضعف والسقم .

تقييم الموافقة في آية الحجاب :.

ان الـحـديـث الـمذكور وان لم يتطرق الى ذكر نص الاية المنزلة الموافقة لراي عمرفي مسالة
الـحـجـاب , الا ان بـعـض الاحاديث الاخرى المروية بهذا الشان والمنقولة ضمن فضائل عمر قد
ذكرت نص آية الحجاب , اي (فاذا سالتموهن متاعا فاسالوهن من وراحجاب ) ((720)) ((721))
.

ولـكن الشواهد والادلة التي نذكرها تفند هذا الزعم بان تكون آية الحجاب نزلت تاييدا لقول عمر,
وتثبت كون هذا الحديث موضوعا ومن اختلاقات الوضاعين , وضعوه تشييدا وتضخيما لمقام الخليفة
عمر وتفضيلا له .

1 ـ التضارب في الاحاديث :.

احـدى الادلـة الـتي تثبت سقم القضية وضعفها هو التضارب والتناقض الموجود بين الاحاديث التي
رويت بشان نزول آية الحجاب .

فـفـي حديث عن عائشة قالت : كنت آكل مع رسول اللّه (ص ) حيسا قبل ان تنزل آية الحجاب , ومر
عـمـر, فـدعـاه فـاكـل فـاصـابت يده اصبعي فقال : حس الحجاب ((722)) .

قـال الطبري , حس بكسر السين والتشديد كلمة يقولها الانسان اذا اصابه ما مضه واحرقه كالجمرة
والضربة ونحوهما ((723)) .

وفـي حـديث آخر اخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عروة بن الزبيرمعللا سبب نزول
آية الحجاب , وفيه ان عائشة زوج النبي (ص ) قالت : كان عمر بن الخطاب يقول لرسول اللّه (ص ) :

احـجـب نـساك قالت : فلم يفعل , وكان ازواج النبي (ص )يخرجن ليلا الى ليل قبل المناصع , خرجت
سـودة بنت زمعة وكانت امراة طويلة فرآها عمر وهوفي المجلس فقال : عرفتك يا سودة على ان ينزل الحجاب قالت : فانزل اللّه آية الحجاب ((724)) .

يـظـهر من هذين الحديثين ان الخليفة عمر كان على علم واطلاع مسبق بنزول آية الحجاب ولكن
دعا اللّه عزوجل تعجيل وتسريع نزوله , ولذا كان يسعى في سبيل ذلك .

ولكن هنا سؤال يبقى مختلجا في الذهن : في اى مكان نزلت آية الحجاب تلبية لرغبة عمر؟.

فـالاحـاديث في هذا الشان متضاربة ايضا , فبعضها يشير الى ان الاية نزلت بعد ان كرر عمر قوله
لرسول اللّه (ص ) : ان رجالا يدخلون عليك بيتك , فكيف لا تامر زوجاتك بالاستتار عنهم ؟.

واخـرى تـقول : انها نزلت عندما لبى عمر دعوة النبي (ص ) للاكل , واصابت يده اصبع عائشة فقال
عمر: حس واحاديث اخرى تروي : انها نزلت عندما ارادت سودة بنت زمعة زوجة الرسول (ص ) الخروج لقضا
الحاجة , ورآها عمر, وحيث كان حريصا على نزول آية الحجاب ناداها: عرفتك يا سودة .

فهذه التناقضات في قصة واحدة نزول آية الحجاب موافقة لراي عمر مصداق بارزودليل بين على
صحة المثل المعروف الذي يقول : الكذاب كثير النسيان ولاحافظة للكذاب .

2 ـ احاديث اخرى تفند صحة هذا الحديث :.

اخـرجت في كتب اهل السنة ومصادرهم احاديث اخرى رويت بشان نزول آية الحجاب تنكر وتفند
نسبة نزول الحجاب تاييدا لقول عمر وتثبت كون الحديث العمري مزورا وموضوعا.

ونكتفي هنا بذكر حديث واحد اتفق عليه البخاري ومسلم ونقلا ذلك عن انس :.

عـن ابـي مجلز , عن انس قال : لما تزوج رسول اللّه (ص ) زينب ابنة جحش , دعاالقوم فطعموا ثم
جـلسوا يتحدثون فاذا هو كانه يتهيا للقيام , فلم يقوموا فلما راوه يقوم , قام من قام من القوم , وقعد بقية
الـقوم , وان النبي جا ليدخل فاذا القوم جلوس , ثم انهم قاموا,فانطلقوا فاخبرت النبي (ص ) فجا حتى
دخل , فذهبت ادخل , فالقى الحجاب بيني وبينه وانزل اللّه تعالى : (يا ايها الذين آمنوا لا تدخلوا واذا
سالتموهن متاعا فاسالوهن من وراحجاب ) ((725)) ـ ((726)) .

واخـرجـه كـذلك السيوطي عن الامام احمد والنسائي وابن جرير وابن منذر وابن ابي حاتم وابن
مردويه والبيهقي ((727)) .

وفي حديث آخر رواه البخاري عن انس قال : انه كان ابن عشر سنين مقدم رسول اللّه (ص ) المدينة ,
فـخدمت رسول اللّه عشرا حياته , وكنت اعلم الناس بشان الحجاب حين انزل , وقد كان ابي بن كعب
يسالني عنه , وكان اول ما نزل في مبتنى رسول اللّه (ص ) بزينب ابنة جحش .

ثـم سـاق الحديث حسبما ذكرناه آنفا وقال : انزلت آية الحجاب في ليلة ابتناالنبي (ص ) ((728))
بزينب .

والجدير بالذكر ان في الحديث المستخرج عن انس بن مالك نقطة مهمة تجب الاشارة اليها وهي : ان
انـس كان يداب في الاستنكار وانتقاد من كان يعلق نزول آية الحجاب بحسب رغبة عمر, ويا ترى
فلو كان هدف انس وغايته غير تفنيد ودحض هذاالقول , اتراه يؤكد في كلامه المتاخم للشدة والقوة
فـي اللحن والتاكيد الزائد في بيان سبب نزول الاية ويقول : اني اعلم الناس بشان نزول آية الحجاب
وذلـك لانـني خدمت رسول اللّه عشر سنوات وحتى ان ابي بن كعب المعروف بتضلعه في التفسير,
والمشهور انه اعلم المفسرين كان يسالني عن شان نزول الاية .

ولما نقارن بين هذه الاحاديث , نرى ان انس بن مالك يقول : نزلت آية الحجاب على رسول اللّه في ليلة
ابتنائه وزفافه بزينب بنت حجش , ولا علاقة له اصلا باقتراح الخليفة عمر على الرسول ان يحجب
نساه , وكذلك لا علاقة له بالقصة التي تقول عندماكان الخليفة ياكل مع النبي (ص ) فاصابت يده اصبع
عائشة , او عندما راى سودة وهي خارجة لحاجة في احدى الليالي .

3 ـ سياق الاية :.

ومـا يـشـهد على صحة قول انس بشان نزول آية الحجاب في ليلة ابتنا النبي بزينب وعدم ارتباطها
برغبة عمر هو سياق الاية , حيث ان الشطر الاخير من الاية الذي يشيرالى مسالة الحجاب يتناسب
مـع الشطر الاول منها, ومجموع الاية يدل على انها نزلت في ليلة زواج النبي , وقد ذكرت الاية ما
يـتـعـلـق بـشـان الـنـبـي (ص )وزوجـاتـه , وتـعـرضت لبيان احكام تتعلق بالمؤمنين وتعاملهم مع
الـنبي (ص )وازواجه حيث قال تعالى : (يا ايها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبى الا ان يؤذن لكم الى
طعام غير ناظرين اناه ولكن اذا دعيتم فادخلوا فاذا طعمتم فانتشروا ولا مستانسين لحديث ان ذلكم
يؤذي النبي فيستحي منكم واللّه لا يستحي من الحق واذا سالتموهن متاعا فاسالوهن من ورا حجاب
ذلكم اطهرلقلوبكم وقلوبهن ) ((729)) .

فـالـمـلاحظ في الاية تناسب صدرها مع ذيلها حيث تذكر مسائل اخلاقية نحوالحضور في مجلس
الـنـبـي وغيرها فعلى كل حال فان المفهوم الكلي للاية ومجموع ما في الاية يؤيد قول انس بن مالك
ورايه .

الصلاة على المنافقين :.

رويـت فـي الـصحيحين موافقة اخرى من موافقات عمر وهي قصة تحريم الصلاة على المنافقين ,
وذلـك عند ما لبى النبي (ص ) دعوة ابن عبداللّه بن ابي للصلاة على جنازة ابيه عبداللّه بن ابي راس
الـمـنـافقين في المدينة فمنع عمر بن الخطاب النبى (ص ) عن ذلك ,ولكن النبي ابى ولم يعتن بقوله
واتـجه للصلاة , فانزل اللّه آية تؤيد راي عمر وتمنع الرسول من الصلاة على المنافقين قال تعالى :

(ولا تصل على احد منهم مات ابدا) ((730)) .

وهاك نص الحديث :.

عـن ابـن عمر قال : ان عبداللّه بن ابي لما توفي جا ابنه الى النبي (ص ), فقال : يارسول اللّه اعطني
قـميصك اكفنه فيه , وصل عليه واستغفر له فاعطاه النبي (ص )قميصه ,وقال : اذا فرغت فذنا, فلما
فـرغ آذنـه فـجـا لـيـصـلي عليه فجذبه عمر, فقال : اليس قد نهاك اللّه ان تصلي على المنافقين ؟
فـقـال (ص ) : انا بين خيرتين قال : استغفر لهم اولا تستغفر لهم ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر
اللّه لهم , فصلى عليه , فنزلت (ولا تصل على احد منهم مات ابدا) ((731)) .

وروى عمر نفسه حديثا بهذا الشان فيه اختلاف يسير عما نقله ابنه .

عـن ابـن عـبـاس , عـن عمر بن الخطاب انه قال : لما مات عبداللّه بن ابي بن سلول ,دعي له رسول
اللّه (ص ), لـيـصلي عليه , فلما قام رسول اللّه (ص ), وثبت اليه فقلت : يا رسول اللّه اتصلي على ابن
ابي , وقد قال يوم كذا وكذا كذا وكذا ـ اعدد عليه قوله ؟ فتبسم رسول اللّه (ص ) فقال : اخر عني
يا عمر فلما اكثرت عليه , قال : اني خيرت فاخترت , لو اعلم اني زدت على السبعين فغفر له لزدت
عـلـيـها, قال : فصلى عليه رسول اللّه (ص ), ثم انصرف , فلم يمكث الا يسيرا حتى نزلت الايتان من
براة (ولا تصل على احد منهم مات ابدا الى وهم فاسقون ).

قال : فعجبت بعد, من جراتي على رسول اللّه (ص ) يومئذ واللّه ورسوله اعلم ((732)) .

يستفاد من هذين الحديثين :.

1 ـ ان الـرسول (ص ) صلى على جنازة عبداللّه بن ابي , فقال له عمر بن الخطاب : يارسول اللّه انك
منعت من الصلاة على المنافقين .

2 ـ كـان جـواب الـنبي لقول عمر هو: ان اللّه قد خيرني في الاستغفار للمنافقين واني قد اخترت
الجانب الايجابي منهما.

ولكن عندما نتمعن في الادلة التي سوف نذكرها ينكشف لنا زيف هذا الحديث وكونه من الموضوعات
والمدلسات .

1ـ منافاته للعقل :.

وذلـك لان قـبـولـه يستلزم ان يكون هناك من هو اعلم من النبي (ص )بالاحكام والتعاليم السماوية ,
وادرى مـنه في معرفة فلسفة الاحكام الالهية واسرارها واعرف بالمصالح والمفاسد المترتبة على
الـتـعـاليم الاسلامية لاننا نشاهد في الحديث ان اللّه عزوجل قد انزل آية تؤيد فكرة فرد ما غير
النبي (ص ), وتفند عمل رسول اللّه وتنهاه وتمنعه .

فعلى هذا, الم يكن من الافضل ان ينزل الوحي على هذا الرجل بدلا من رسول اللّه (ص )؟.

2 ـ نزول الايات كان قبل موت ابن ابي :.

ان سياق الايات والشواهد النقلية صريحة في ان هذه الاية (ولا تصل على احدمنهم ) انما نزلت في
الـسنة الثامنة من الهجرة والنبي في سفره الى تبوك ولما يرجع الى المدينة , وقد وقع موت عبداللّه
بن ابي بالمدينة سنة تسع من الهجرة , كل ذلك ثابت ومسلم من طريق النقل , فعلى هذا فليس للاية اي
ارتباط وعلاقة بموت ابن ابي واقتراح الخليفة عمر في ذلك .

3 ـ نص الحديث يدل على كونه موضوعا:.

1 ـ ورد فـيـه انه لما اراد النبي ان يصلي على جنازة عبداللّه بن ابي قال له عمر:اتصلي عليه وقد
قـال كذا وكذا؟ اليس قد نهاك اللّه ان تصلي على المنافقين ؟ويدل مضمون الحديث على ان النهي عن
الـصلاة على المنافقين الذي ورد في (ولا تصل على احد منهم مات ) نزل بعد هذه القصة التي دارت
بين النبي (ص ) وعمر والسؤال الذي يطرح هنا هو:.

من اين عرف عمر ان النبي (ص ) قد نهى عن الصلاة على المنافقين حتى يذكره بها؟.

ومن اين اتى عمر بهذا النهي ؟.

فـقـد اجاب علما اهل السنة على هذا السؤال اجابات مختلفة ومتعددة , فهذاالقرطبي يقول : لعل ذلك
وقع في خاطر عمر, فيكون من قبيل الالهام ((733)) .

2 ـ ان الـنـبـي اجـاب عـمـر: ان اللّه قد خيرني في ذلك بين الاستغفار وعدم الاستغفارلهم فقال :

(استغفر لهم او لا تستغفر لهم ) فمن الواضح ان هذه الاية لا تدل على التخيير في الاستغفار, بل ان
الـغـايـة فـي الاية هي ان الاستغفار لا يجدي للمنافقين شيئا, لو ان اللّه لن يغفر لهم ابدا, وان الاية
تشير الى حالة الياس التام عند المنافقين وان ليس للاستغفار اي اثر في حقهم .

وان عـدد السبعين ليس فيه اية دلالة على تعيين التعددية , بل هو بيان للتاكيدوالكثرة , والمراد منه
عدم جدوى كثرة الاستغفار للمنافقين وتعدده فكيف يتصور ان يحمل رسول اللّه الاية على التخيير
ويقول : ان اللّه قد خيرني ؟.

وكـذا الـعـبارات الاخيرة في الاية (ان تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم ذلك بانهم كفروا
بـاللّه ورسوله واللّه لا يهدي القوم الفاسقين ) ((734)) تشير الى انه ليس في الاية اي دلالة على
التخيير, وهذه العبارات نزلت لبيان فلسفة الحكم , حيث ان المنافقين كانواكافرين وفاسقين وان اللّه
لا يـهدي الفاسقين الكافرين الى الفلاح , فعلى هذا ان التعليل والبيان يناسب عدم تاثير الاستغفار بحق
المنافقين , ولا مناسبة بينها وبين التخيير.

ارا علما العامة في الحديث :.

عندما واجه علما اهل السنة هذه الاشكالات الواردة حول الحديث الذي رواه الصحيحان تنبه بعضهم
فابدى عدم قبوله ورده .

قال القاضي ابو بكر الباقلاني منكرا لصحة الحديث : لا يجوز ان يقبل هذا ولايصح ان الرسول قاله ,
اي فهم منه التخيير ((735)) .

وقال امام الحرمين في البرهان , لا يصححه الحديث المذكور اهل الحديث ((736)) .

وقال الغزالي : الاظهر ان هذا الخبر غير صحيح ((737)) .

وقال الداودي : هذا الحديث غير محفوظ ((738)) .

هـذه هـي الاحـاديث التي رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما اللذين يعتبران اهم مصدر ومرجع
عـند اهل السنة بعد القرآن حول الانبيا(ع ) عامة , وحول نبينا(ص )خاصة ومن خلال مراجعة هذه
الـمـسـائل يـمكن للباحث المحقق ان يعرف حقيقة ايمان تابعي الصحيحين وعقيدتهم في الانبيا(ع )
وبالنبي (ص ) ومسالة النبوة .

الفصل الثامن .

الخلافة في الصحيحين .

قال اميرالمؤمنين الامام علي (ع ):.

زرعوا الفجور, وسقوه الغرور, وحصدوا الثبور, لايقاس بل محمد(ص ) من هذه الامة احد , ولا
يـسـوى بهم من جرت نعمتهم عليه ابدا, هم اساس الدين ,وعماد اليقين , اليهم يفي الغالي , وبهم يلحق
الـتـالي ,ولهم خصائص حق الولاية , وفيهم الوصية والوراثة ,الان اذ رجع الحق الى اهله ونقل الى
منتقله ((739)) .

منهج البحث وهدفه .

يـبـدو جليا من عنوان الفصل ان المواضيع التي سنطرحها ونبحثها في هذه الصفحات وما بعدها, هي الاحـاديث والروايات التي اخرجها الشيخان البخاري ومسلم في ابواب عديدة من صحيحيهما حول
مسالة الخلافة .

والهدف الوحيد في هذا الفصل هو نقل الاحاديث فقط, وليس دراسة اصل مسالة الخلافة .

وبـعـبـارة اخـرى : ان كتابنا هذا ليس من نوع الكتب الكلامية , ولسنا بصدد دراسة مسالة الخلافة
والاستدلال فيها على اثبات صحة عقيدة فئة معينة او رد ونقد عقيدة مذهب آخر, بل غايتنا الوحيدة
هـي تخريج الاحاديث المروية في الخلافة ونقلها, خاصة الاحاديث التي رويت في اهم مصادر اهل
السنة والجماعة واوثقها واصحها عندهم ,يعني صحيحي البخاري ومسلم .

وبـنـا على هذا, فانا لا نرى انفسنا ملزمين باستعراض كل الجزئيات والحقائق التاريخية ولو كانت
تتعلق بهذه الاحاديث , وكذا لم نكن ملزمين بالرد والنقد والدراسة العميقة في جوانب هذا الموضوع ,
لان هذا النوع من البحث خارج عن نطاق ما نحن فيه ,وانه يحتاج الى كتاب مستقل , وقد كتب في هذا
الـمـوضـوع كـتـب كـثيرة واما لو ذكرنا بعض المقتطفات في بعض الموارد فانها لم تكن الا لبيان
وتوضيح مضامين ومفاهيم الاحاديث وبلورتها.

اسئلة حول الخلافة :.

تـعـتبر مسالة الخلافة من اهم المسائل الدينية التي وقع فيها الاختلاف بين المسلمين , ولم يكن هذا الاختلاف وليد عصور متاخرة نحو قرن او قرنين بل انه نشا منذان التحق الرسول (ص ) بالرفيق
الاعلى وغربت شمس النبوة .

قـال الـشـهرستاني : واعظم خلاف بين الامة خلاف الامامة , اذ ما سل سيف في الاسلام على قاعدة
دينية مثل ما سل على الامامة في كل زمان ((740)) .

فـنحن الان لسنا بصدد معرفة كيفية نشؤ هذا الاختلاف وتاريخه , ولكنناوكمقدمة للاحاديث التي
سنخرجها هنا نطرح تساؤلات ثلاثة :.

1 ـ لـقد بين اللّه عزوجل ورسوله (ص ) للمسلمين الاحكام التي تخص جميع القضايا, الجزئية منها
والكلية , نحو القصاص والتعزيرات , وحكام حرمة حقوق الاخرين واموالهم , واحكاما في النظر الى
الاجـنـبـية ولو نظرة واحدة , واحكام الغيبة ولو بكلمة وبحيث ان هذه الاحكام على كثرتها والتي
تتجاوز العد والحصر تنقسم الى الواجب والحرام , والمندوب والمكروه .

فعلى هذا: فهل يعقل ان اللّه ورسوله (ص ) لم يتعرضا لتبيين مسائل الامامة والخلافة التي تعتبر من
اهم المواضيع الاسلامية ؟.

فلو ان اللّه والرسول (ص ) قد جعلا حل هذه المسالة المهمة بعهدة المسلمين انفسهم ,فلماذا لم يفعلا
ذلك بالنسبة الى المسائل الجزئية والفرعية وبينا احكامها؟.

فـلـو كـان الاغـماض والاهمال في بيان ابسط المسائل الجزئية مثل الحلق والتقصيرفي الحج , او
آداب الـتـخـلي والاستنجا, او آداب النكاح وغيرها غير جائز حسب ماتقتضيه قاعدة اللطف فهل
يجوز لهما الاغماض والسكوت في مسالة مهمة كهذه ؟.

فاذا كان الجواب : لا فهل عينا احدا لتصدي هذه المرتبة والمنصب ؟ وما هي مواصفاته ؟.

2 ـ يطلعنا التاريخ وسيرة النبي (ص ) وكذا يستفاد من آيات الذكر الحكيم والاحاديث , ان المسلمين
في الصدر الاول من تاريخ الاسلام كانوا يسالون النبي (ص )عن كل شي من احكام دينهم , ويرجعون
الـيـه فـي تفسير الايات وبيانها,ويلجاون اليه في كل صغيرة وكبيرة , فيستفتون فيها منه حتى في
العلل والامراض كانوايطلبون دوا دائهم من النبي (ص ) ((741)) .

فـعـنـدئذ يـتبادر الى الذهن سؤال : هل يتصور ان احدا من المسلمين واصحاب رسول اللّه (ص ) لم
يـخطر على باله في تلك المدة التي عاش الرسول (ص )بينهم ثلاثة وعشرين سنة ان يسال النبي عن
مـسـالة الخلافة ومن يكون الامام والخليفة من بعده (ص )؟ هذا مع انهم على علم بان الرسول (ص )
بـشـر ولابـد انـه سوف يرحل عنهم الى جوار ربه , وقد سمعوا منه يرتل عليهم (انك ميت وانهم
مـيـتون ) ((742)) و (وما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل افان مات او قتل انقلبتم على
اعقابكم ) ((743)) .

وانـهـم كـانوا يعلمون ان مسالة الخلافة والامامة ترتبط بمصيرهم وحياتهم الدنيوية والاخروية ,
وهـي تـمـاما كمسالة النبوة , لها آثارها في جميع الامور, فهل يعقل ان احدا لم يسال النبي (ص ) عن
ذلك ؟.

3 ـ قـال اللّه تـعالى بشان كتابة الوصية وضرورتها: (كتب عليكم اذا حضر احدكم الموت ان ترك
خيرا الوصية للوالدين والا قربين بالمعروف حقا على المتقين ) ((744)) .

وقـال رسـول اللّه (ص ): مـا حق امرئ مسلم , له شي يوصي فيه , يبيت ليلتين , الا ووصيته مكتوبة
عنده ((745)) .

ويـقـول عـبـداللّه بـن عـمـر: ما مرت علي ليلة منذ سمعت رسول اللّه (ص ) قال ذلك الا وعندي
وصيتي ((746)) .

اذن , فـكيف يسوغ للنبي (ص ) ان يكون هو اول من يحيد عن امر اللّه الذي انزل عليه مؤكدا لزومه
ووجوبه , ويترك العمل بما اوجبه هو على المسلمين بالنسبة الى موضوع كتابة الوصية , بينما تراه
انه احوج الناس الى كتابة الوصية ؟.

وهـل هناك احد من المسلمين تكون تركته وارامله وايتامه اكثر مما تركه وخلفه رسول اللّه (ص )
من التركة والايتام والارامل ؟.

فـهـل يمكن للعقل والضمير البشري ان يتصو ر ان رسول اللّه (ص ) خلف ما تركه وراه من التركة
الـتـعاليم الدينية والاصول الاسلامية من دون تولية عليها, وانه ودع ايتامه وارامله جميع الناس من
دون ان ينصب لهم قيما ووليا؟ ومن المستحيلات ان هذه المسالة لم تخطر بباله قط.



/ 22